فتاوى نور على الدرب [436]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل الابن إذا تزوج واستقل في بيته لوحده عن أبيه، هل له نصيب في الميراث بعد وفاة الأب، علماً بأن الأب له مجموعة من الأبناء؟

الجواب: يقول الله عز وجل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، والأولاد كلمة تشمل الذكر والأنثى، فكل واحد من الأبناء يرث من أبيه، وكل واحدة من البنات ترث من أبيها، إلا إذا وجد مانع من موانع الإرث، وانفراد الابن عن أبيه في بيت ليس من موانع الإرث، لأن موانع الإرث ثلاثة:

الأول: اختلاف الدين؛ بأن يكون الميت على ملة ومن بعده على ملة أخرى، فإذا كان الأب كافراً والابن مسلماً فلا توارث بينهما؛ لما ثبت في الصحيح من حديث أسامة بن زيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ).

والثاني: القتل، إذا تعمد قتل مورثه فإنه لا يرث منه، لأنه لو ورث منه لكان فتح باب لمن أراد أن يتعجل الميراث من شخص، فيذهب ويقتله، فسد هذا الباب، أما إذا كان القتل خطأً يقيناً، فإن القول الصحيح أن ذلك لا يمنع الميراث، لكن لا يرث القاتل من الدية شيئاً، لأن الدية غرم عليه، ولو ورثناه منها لكان في ذلك إسقاط لها أو لبعضها.

المانع الثالث من موانع الإرث: الرق، أي: إذا كان الوارث رقيقاً فإنه ممنوع من الإرث، ولو وجد سبب استحقاقه الإرث، وذلك لأن المملوك يعود ملكه لسيده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع )، فهذه الموانع الثلاثة تمنع من قام به سبب الإرث من إرثه.

وأما ما ذكره السائل من انفراده عن أبيه، فإن ذلك ليس مانعاً من الميراث، فإذا مات أبوه فإن ماله يوزع بين أولاده البنات والبنين للذكر مثل حظ الأنثيين بعد أخذ أصحاب الفروض الذين يرثون معهم فروضهم.

السؤال: ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟ وهل يستوي الحكم إذا كان القبر ليس من ضمن الجامع، أي: في الحوش مثلاً، فقد سمعنا فتوى تقول: بأنه تجوز الصلاة إذا كان غير مستقبل القبر ونيتك لله؟

الجواب: الذي نرى في هذه المسألة أنه لا يخلو الأمر من حالين؛ الأولى: أن يكون المسجد سابقاً على القبر، فإذا كان سابقاً على القبر فإن الصلاة تصح فيه، إلا أن يكون القبر في القبلة فإنه لا يجوز استقبال القبور حال الصلاة؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا عليها ).

أما إذا كان القبر سابقاً على المسجد، ولكن بني المسجد عليه، فإن الصلاة في المسجد لا تصح، سواء كان القبر في جوف المسجد أو في حوش المسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور واتخاذها مساجد، فإذا اتخذها الإنسان مسجداً فقد عصى الله ورسوله، وفعل ما لم يرد به أمر الله ورسوله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، هذا هو التفصيل في مسألة الصلاة التي في المسجد الذي فيه قبر.

السؤال: يسمى بالسنة القبلية في يوم الجمعة، نرجو أن تبينوا لنا ما هو المشروع يوم الجمعة في دخول الجامع حتى الخروج منه؟

الجواب: الجمعة ليست لها سنة قبلية، وما يفعله بعض الناس من القيام بالصلاة إذا أذن المؤذن الأول فلا أصل له، وإنما للجمعة سنة بعدها، والذي جاءت به السنة أن يصلي في بيته ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته ركعتين بعد الجمعة أو أربع ركعات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً )، فالأربع ثبتت من قول الرسول عليه الصلاة والسلام، والركعتان ثبتت من فعله، فإذا صلى أربعاً فقد أحسن، وإذا صلى ركعتين فقد أحسن، ولكن إذا جاء الإنسان يوم الجمعة متقدماً إلى المسجد، فإنه ينبغي أن يصلي حتى يحضر الإمام، لأن الصلاة من أفضل العبادات، ولهذا لما قال ربيعة بن مالك الأسلمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: ( أعني على نفسك بكثرة السجود ).

والسنة لمن أتى الجمعة أن يغتسل في بيته قبل أن يأتي إلى المسجد، والاغتسال للجمعة واجب على القول الراجح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، أي: على كل بالغ.

فقول النبي عليه الصلاة والسلام: واجب، وتعليق الوجوب بوصف يقتضي التكليف والإلزام، دليل على أن المراد بالوجوب هنا وجوب الإلزام لا وجوب التأكيد كما زعمه بعضهم، فالصحيح أن غسل الجمعة واجب على كل من أتى الجمعة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب ويأتي إلى المسجد ويصلي ما شاء الله، وكلما بكر الإنسان إلى المسجد يوم الجمعة فهو أفضل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا حضر الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر، وطووا الصحف، وكانوا قبل مجيء الإمام على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول )، وإني أحث إخواني المسلمين أن ينتهزوا هذه الفرصة للتقدم إلى صلاة الجمعة بعد الاغتسال، وأن لا يضيعوا هذا الوقت الفاضل بالتلهي والتسكع والنوم فيفوتهم خير كثير.

وإذا حضر الإمام وبدأ بالخطبة فإنه يجب الإنصات له ولا يجوز التكلم، فمن تكلم والإمام يخطب فقد لغا، بل من تكلم والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ومن قال لصاحبه: أنصت فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له، أي: أنه يحرم من أجر الجمعة، ولا يجوز للإنسان والإمام يخطب يوم الجمعة أن يسلم على أحد إلى جانبه، ولا يرد السلام، ولا يشمت العاطس، ولا يسكت المتكلم بالقول، لأن ذلك سبب لحرمانه من ثواب صلاة الجمعة، وإن كانت الجمعة تجزئ وتبرأ بها الذمة، لكن يحرم من ثوابها.

السؤال: هل يجوز قراءة الفاتحة خلف الإمام وهو يقرأ، أم ماذا يفعل؟

الجواب: القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ؛ لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وروى أهل السنن أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف ذات يوم من صلاة الصبح، فسأل أصحابه: هل منهم أحد قرأ خلفه، لأنه كان يُنازع القرآن؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها )، فدل هذا على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم ولو في الصلاة الجهرية، لأن صلاة الفجر صلاة جهرية.

السؤال: لي صديق يدفعني إلى الشر، وهو صديقي منذ سبعة أعوام، فماذا أفعل معه؟

الجواب: يجب عليك أن تناصح هذا الصديق الذي يدعوك إلى الشر، فإن اهتدى فلنفسه، وإن لم يهتد فعليك أن تفارقه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من مصاحبة أهل السوء، فقال عليه الصلاة والسلام: ( مثل الجليس الصالح كحامل المسك؛ إما أن يحذيك وإما أن يبيعك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة )، وهذا يتضمن التحذير من جلساء السوء، ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )، وكثير من الناس يكون على ثبات والتزام، فإذا قيض له شيطان من شياطين الإنس ممن يضلونه عن سبيل الله، فإنه ربما يتأثر به، والمعصوم من عصمه الله.

السؤال: البعض من الأصدقاء يقومون بسبي وشتمي، فهل أرد عليهم بالمثل أم ماذا أفعل؟

الجواب: انظر إلى المصلحة في ذلك، فإن كانت المصلحة تقتضي تركهم وهجرهم وعدم مقابلتهم بمثل ما قالوا فافعل، وإن كانت المصلحة تقتضي خلاف ذلك، فلك الحق أن تقابلهم بمثل ما قابلوك؛ لقول الله تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، وقوله: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى:41-42]، إلا إذا كنت صائماً فإن الأفضل ألا ترد عليهم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن امرئ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم )، فهذه تستثنى مما ذكرنا أولاً، ويستثنى أيضاً إذا ما سب أباك، فإنك لا تسب أباه، لأن ذلك عدوان على الأب، أي: على أبيه، فإنه لم يسبك.

السؤال: هل لبس المرأة للضيق القصير أمام النساء محرم أو لا، وعند المحارم؟ وما هو اللبس المشروع أمام المحارم؟

الجواب: اللبس المشروع للمرأة أن تلبس كل ثوب يبعدها عن الفتنة، وعن الدخول في قوله عليه الصلاة والسلام: ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )، فالثياب الضيقة التي تكون كالملصقة على البدن لا شك أنها تكون ثياباً كاسية، أي: تكسو المرأة ولكنها في الحقيقة عارية تعريها؛ تعري المرأة، لأنها تصف حجم جسدها تماماً، وهذا النوع من اللباس لا يجوز، إلا عند الزوج إذا لم يكن في البيت أحد.

وأما كان إذا كان ضيقاً ولكنه ليس إلى هذا الحد، فإني أرى المنع منه، والبعد عنه، لأنه قد يحدث فتنة ولو كان عند المحارم من الرجال، ولو كان عند النساء أيضاً؛ لأن النساء قد يفتتن بالمرأة إذا رأين شيئاً من بدنها، يعني: بوصف حجمه، وإن كانت امرأة، وهذا شيء مشاهد، لذلك أرى منع هذا النوع من اللباس، وإذن فالمشروع أن يكون لباس المرأة واسعاً فظفاظاً سابغاً إلى قدميها.

وأما في اليدين فالمشروع أن يكون إلى الكفين، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته في عورة المرأة ولباسها بأن نساء الصحابة كانت أكمام ثيابهن إلى الكف، وأسفلهن إلى الكعب، هذا إذا كانت المرأة في بيتها، أما إذا خرجت للسوق فإنها تلبس قفازين من أجل ستر الكفين، وترسل الثوب إلى شبر أو ذراع من أجل ستر الأقدام.

السؤال: إذا كانت المرأة تحيض لمدة سبعة أيام، وهذه عادتها دائمة، ومرة زاد الدم أكثر من السبعة أيام واستمر معها أكثر من ذلك، فهل تصلي أم لا، مع العلم بأنها دائماً تحيض في السبعة أيام فقط؟

الجواب: إذا زاد دم الحيض على عادتها فإن القول الراجح أنها تبقى ما دام الدم على حاله حتى تطهر، فإذا كانت عادتها سبعة أيام واستمر الدم إلى عشرة، فإن ذلك كله حيض، كما أنه لو نقصت أيام دمها عن عادتها، فإنها تغتسل وتصلي، فإذا كانت عادتها عشرة أيام مثلاً، ثم طهرت لسبعة أيام، فإن الواجب عليها أن تغتسل وتصلي، فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فمتى وجد دم حيض ثبتت أحكامه، ومتى عدم انتفت أحكامه، قال الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، فمتى وجد هذا الأذى فهو حيض.

السؤال: أيهما أفضل ختام الصلاة بالسبحة أم على الأصابع؟

الجواب: كان الأولى أن يقول في السؤال: عد التسبيح بالأصابع أم بالسبحة.

الأولى عد التسبيح بالأصابع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بأصابعه بيده اليمنى، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لنساء من الصحابة: ( اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات )، وأما العد بالسبحة فإنه وإن كان جائزاً، لكن فيه بعض المفاسد، منها: أنه قد يكون سبباً في الرياء، لا سيما في هؤلاء الذين يظهرون سبحاتهم أمام الناس ويعدونها أمامهم، ولا سيما إذا كانت السبحة فيها خرز كثير، كأنهم يقولون للناس: إننا نسبح الله بعدد هذه الخرز، ولأن السبحة قد يقوم الإنسان بالتسبيح وهو يعدها غافل القلب، بخلاف الأصابع، فإن عد التسبيح بالأصابع أقرب لحضور القلب من عده بالمسبحة.

السؤال: ما معنى الآية الكريمة من سورة البقرة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [البقرة:51]؟

الجواب: يقول الله عز وجل منبهاً على هذا الوعد الذي واعده موسى عليه الصلاة والسلام، وكان الله تعالى قد واعد موسى لكلامه ثلاثين ليلة، ثم أتمها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة، وكلمه الله عز وجل بعد ذلك وخاطبه بما أراد، وفي غيابه هذه المدة ابتلي قومه باتخاذ العجل إلهاً، ولهذا قال: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة:51]، فصنعوا من حُلي آل فرعون تمثالاً على شكل العجل، وقال السامري لبني إسرائيل: هذا إلهكم وإله موسى، فأضلهم بعد أن نصحهم هارون عليه الصلاة والسلام، ولكنهم قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى [طه:91]، والقصة مبسوطة في سورة طه.