شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [1]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الصلاة:

تجب على كل مسلم مكلف إلا حائضاً ونفساء، ويقضي من زال عقله بنوم أو إغماء أو سكر ونحوه، ولا تصح من مجنون ولا كافر، فإن صلى فمسلم حكماً، ويؤمر بها صغير لسبع ويضرب عليها لعشر، فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها أعاد، ويحرم تأخيرها عن وقتها إلا لناوي الجمع، ولمشتغل بشرطها الذي يحصله قريباً، ومن جحد وجوبها كفر، وكذا تاركها تهاوناً ودعاه إمام أو نائبه فأصر وضاق وقت الثانية عنها، ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً فيهما].

قال المؤلف رحمه الله: (كتاب الصلاة).

بعد أن تكلم المؤلف -رحمه الله تعالى- على أحكام الطهارة شرع في أحكام الصلاة، وقد سبق أن ذكرنا أن العلماء -رحمهم الله تعالى- في تآليفهم يبدءون بأحكام الصلاة، ويبدءون من أحكام الصلاة بأحكام الطهارة اتباعاً لحديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم )، فالطهارة هي مفتاح الصلاة، ولأن التخلية قبل التحلية فالإنسان يتخلى من الأذى قبل أن يتحلى بالوقوف بين يدي الله عز وجل، وسبق أن ذكرنا أن العلماء رحمهم الله في تآليفهم يبدءون بالصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج، وهذه هي أحكام العبادات، وذكرنا المناسبة في ذلك، ثم أحكام المعاملات, يبدءون بأحكام المعاوضات، ثم أحكام التبرعات، ثم أحكام الأنكحة، ثم ما يتعلق بأحكام الحدود والقصاص، ثم أحكام الأيمان والنذور، ثم أحكام القضاء، وذكرنا المناسبة في هذا الترتيب الذي يسلكه العلماء رحمهم الله.

والصلاة في اللغة: الدعاء، وأما في الاصطلاح فهي: التعبد لله عز وجل بأفعال وأقوال معلومة، مفتتحة بالتكبير, ومختتمة بالتسليم، والصلاة سميت صلاة لأنها مشتملة على الدعاء، وقيل غير ذلك.

والصلاة مشروعة في كل أمة من الأمم السابقة، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وإن كانت صلاتهم تخالف صلاتنا في الهيئة وفي الوقت، المهم أن جنس الصلاة مشروع في كل أمة من الأمم السابقة. والصلاة فضلها عظيم وأجرها كبير، ولهذا ذهب بعض العلماء -كـالشافعي رحمه الله تعالى- إلى أن الصلاة هي أفضل العبادات البدنية، وسيأتينا -إن شاء الله- ما يتعلق بصلاة التطوع، وسنذكر شيئاً من ذلك.

قال رحمه الله: ( تجب ).

فالصلاة واجبة، وهي ركن من أركان الإسلام بالإجماع، وقد دل عليها قول الله عز وجل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاة [البقرة:43]. وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ).

قال رحمه الله: ( تجب على كل مسلم ).

يعني: من تجب عليه يشترط فيه شروط:

الشرط الأول: الإسلام، وعلى هذا لا تجب على الكافر، والمقصود أنها لا تجب عليه وجوب الأداء، أما وجوب التكليف فإنها واجبة عليه، فالوجوب وجوبان:

الوجوب الأول: وجوب التكليف، فنقول: إن الكافر مكلف بالصلاة وسيحاسب عليها يوم القيامة، قال الله عز وجل: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:42-45]. فدل ذلك على أنهم يحاسبون.

الوجوب الثاني: وجوب الأداء، والصلاة لا تجب على الكافر وجوب أداء، بمعنى: أننا لا نأمره بها، وإذا أسلم لا يجب عليه أن يقضي هذه الصلاة.

ولماذا لا يؤمر بالصلاة؟ لأنه فاقد للأصل وهو التوحيد، يقول الله عز وجل: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54]. فلكونهم كفروا بالله ورسوله لم تقبل منهم النفقات التي نفعها متعد، فالصلاة التي نفعها ليس متعدياً من باب أولى أنها لا تقبل منهم.

قال: (مكلف).

هذا الشرط الثاني: أن يكون مكلفاً، يعني: أن يكون بالغاً عاقلاً، وعلى هذا الصبي لا تجب عليه الصلاة، لكن -كما سيأتينا- يؤمر بها لسبع ويضرب عليها لعشر، وقال العلماء رحمهم الله: يجب على وليه أن يأمره بالصلاة لسبع سنوات، وأن يضربه على ذلك لعشر، أما هو فإنها لا تجب عليه، وإذا صلى فإن أجر الصلاة له, مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46]، ولوليه أجر.

كذلك المجنون لا تصح منه الصلاة, ولا تجب عليه.

قال: (إلا حائضاً ونفساء).

فالحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة، وتقدم معنا ذلك في باب الحيض، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ ). لكن يجب عليها أن تقضي الصلاة في موضعين سبق وأن ذكرناهما، وأما الصيام فإنه يجب عليهما أن يقضياه.

قال رحمه الله: (ويقضي من زال عقله بنوم).

قول المؤلف رحمه الله: (زال عقله).

هذا فيه تساهل بالعبارة، والصواب أن يقول: من غطي على عقله؛ لأن النائم عقله لا يزال باقياً، لكنه غطي على عقله، فالنائم يجب عليه أن يقضي الصلاة بالإجماع، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ). حديث أنس.

قال: (أو إغماء).

يعني: إذا غطي على عقله بالإغماء، فيقول المؤلف رحمه الله: يجب عليه إذا أفاق من إغمائه أن يقضي الصلاة.

وظاهر كلام المؤلف -رحمه الله- أنه يجب عليه أن يقضي الصلاة مطلقاً، سواء أغمي عليه لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة أو عشرة، وسواء كان الإغماء باختياره أو بغير اختياره، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، واستدلوا على ذلك بأن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه أغمي عليه ثلاثاً ثم أفاق وتوضأ وقضى تلك الثلاث.

والرأي الثاني في هذه المسألة مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: وهو أن المغمى عليه يجب عليه أن يقضي إذا أغمي عليه لمدة يوم وليلة، وإذا زاد على ذلك لا يجب عليه، يعني: إذا أغمي عليه خمس صلوات فأقل يجب أن يقضي، وإذا زاد على ذلك فإنه لا يجب عليه أن يقضي، واستدلوا على ذلك بأن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أغمي عليه لمدة أربع صلوات وقضى هذه الصلوات.

الرأي الثالث وهو مذهب مالك والشافعي : أنه لا يجب على المغمى عليه أن يقضي الصلاة التي خرج وقتها، واستدلوا على ذلك بأن هذا وارد عن جمع من الصحابة كـعمر وابن عمر وأنس رضي الله تعالى عنهم جميعاً.

والأقرب في هذه المسألة أن يقال: إن الإغماء ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون باختيار الشخص، كما لو أخذ بنجاً أو دواء فأغمي عليه، مثلاً عند إجراء العمليات يعطى المريض بنجاً فيغمى عليه لمدة يوم .. يومين .. ثلاثة أيام... إلخ، فإذا كان باختياره نقول: بأنه يقضي، وإن كان بغير اختياره كما يوجد في حوادث السيارات، فيصاب الإنسان بحادث ويغمى عليه لمدة أسبوع أو لمدة شهر أو لمدة شهرين إلخ، فيظهر أنه لا يجب عليه إلا الصلاة التي أغمي عليه في وقتها ولم يصلها، أو الصلاة التي أفاق في وقتها ما دام أنه أدرك من الوقت قدر ركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).

قال: (أو سكر).

يعني: إذا شرب مسكراً وغاب عقله فإنه يجب عليه أن يقضي هذه الصلاة بالإجماع.

قال: (أو نحوه).

كما تقدم من شرب البنج ونحو ذلك فإنه يجب عليه القضاء.

قال: (ولا تصح من مجنون).

فالمجنون لا تصح منه الصلاة، ولا تجب عليه، وعلى هذا لا يؤمر المجنون أن يصلي، ولا يؤمر أن يتوضأ... إلخ؛ لأنه لا يعقل النية.

( ولا كافر ).

كما تقدم لنا أن الكافر يتوجه إليه وجوبان, وجوب التكليف، ووجوب الأداء، فلا يؤمر الكافر, ولا تصح منه الصلاة.

قال رحمه الله: ( فإن صلى فمسلم حكماً ).

يعني: إذا صلى هذا الكافر نحكم بأنه مسلم؛ لأنه أتى بالشهادتين، ونعامله معاملة المسلم، بمعنى: أننا نطالبه بالشرائع من صلاة وصيام وغيرها، فإذا رفض أن يصلي نحكم بأنه مرتد ويعامل معاملة المرتدين.

قال رحمه الله: ( فمسلم حكماً ). وكذلك أيضاً لو مات بعد أن صلى يرثه أقاربه، ويغسل ويصلى عليه ويقبر في مقابر المسلمين... إلخ.

قال رحمه الله: (ويؤمر بها صغير لسبع، ويضرب عليها لعشر).

ودليل ذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم على ذلك وهم أبناء عشر ). وهذا الحديث إسناده حسن، رواه الإمام أحمد رحمه الله وغيره.

وأجر هذه الصلاة للصبي؛ لقول الله عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ [فصلت:46]، ووليه له أجر، وذكر العلماء -رحمهم الله- أنه يجب على وليه أن يأمره بالصلاة لسبع، وأن يضربه على ذلك لعشر، وهذا من التربية الواجبة لكي يتعود على هذه الصلاة ويألفها ويتعلق قلبه بها، فإذا بلغ لم تكن ثقيلة عليه.

البلوغ أثناء الصلاة أو بعدها

قال رحمه الله: (فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها أعاد).

إذا بلغ هذا الصبي فهذا لا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يبلغ قبل فعل الصلاة، فالأمر في ذلك واضح، ولا يجب عليه أن يعيد؛ لأنه الآن أصبح بالغاً، وأصبحت هذه الصلاة فريضة.

الحالة الثانية: أن يبلغ في أثناء الصلاة، يعني: تم له خمس عشرة سنة في الساعة كذا وكذا وهو يصلي صلاة الظهر أو صلاة العشاء.

الحالة الثالثة: في الوقت، فهل يجب عليه أن يعيد أو لا يجب عليه أن يعيد؟ المؤلف رحمه الله تعالى قال: يجب عليه أن يعيد؛ لأن هذه الصلاة التي فعلها نافلة، والواجب عليه الفريضة ما دام أنه في وقتها، والنافلة لا تغني عن الفريضة.

والرأي الثاني: أنه إن بلغ في أثناء الصلاة فإنه يعيد، وإن بلغ بعد الصلاة فإنه لا يعيد، وهذا قول أكثر العلماء.

والرأي الثالث رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه لا يجب عليه أن يعيد مطلقاً؛ لأنه مأذون له في الفعل، وما ترتب على المأذون غير مضمون، فلو أنه بلغ بعد الصلاة في الوقت فلا يجب عليه أن يعيد، وكذلك أيضاً لو بلغ في أثنائها لا يجب عليه أن يعيد، ويمكن أن نقول كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا بلغ بعد الصلاة في الوقت فلا يجب أن يعيد، لكن إذا بلغ في أثناء الصلاة إن صلى ركعة فقد أدرك الصلاة، ولا يجب عليه أن يعيد، وإن صلى أقل من ركعة ثم بلغ فيعيد، وإنما قيدنا بركعة لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).

فعلى هذا نقول: الخلاصة في ذلك إن بلغ بعد الصلاة في الوقت فلا يجب أن يعيد، وإن بلغ في أثناء الصلاة فننظر إن كان صلى ركعة فقد أدرك الصلاة ولا يعيد، وإن لم يصل ركعة فنقول: أعد الصلاة؛ لأنه لم يدرك هذه الصلاة، أما إن بلغ بعد الوقت فهذا لا إشكال أنه لا يجب عليه أن يعيد؛ لأنه لم يدرك هذه الصلاة.

قال رحمه الله: (فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها أعاد).

إذا بلغ هذا الصبي فهذا لا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يبلغ قبل فعل الصلاة، فالأمر في ذلك واضح، ولا يجب عليه أن يعيد؛ لأنه الآن أصبح بالغاً، وأصبحت هذه الصلاة فريضة.

الحالة الثانية: أن يبلغ في أثناء الصلاة، يعني: تم له خمس عشرة سنة في الساعة كذا وكذا وهو يصلي صلاة الظهر أو صلاة العشاء.

الحالة الثالثة: في الوقت، فهل يجب عليه أن يعيد أو لا يجب عليه أن يعيد؟ المؤلف رحمه الله تعالى قال: يجب عليه أن يعيد؛ لأن هذه الصلاة التي فعلها نافلة، والواجب عليه الفريضة ما دام أنه في وقتها، والنافلة لا تغني عن الفريضة.

والرأي الثاني: أنه إن بلغ في أثناء الصلاة فإنه يعيد، وإن بلغ بعد الصلاة فإنه لا يعيد، وهذا قول أكثر العلماء.

والرأي الثالث رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه لا يجب عليه أن يعيد مطلقاً؛ لأنه مأذون له في الفعل، وما ترتب على المأذون غير مضمون، فلو أنه بلغ بعد الصلاة في الوقت فلا يجب عليه أن يعيد، وكذلك أيضاً لو بلغ في أثنائها لا يجب عليه أن يعيد، ويمكن أن نقول كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا بلغ بعد الصلاة في الوقت فلا يجب أن يعيد، لكن إذا بلغ في أثناء الصلاة إن صلى ركعة فقد أدرك الصلاة، ولا يجب عليه أن يعيد، وإن صلى أقل من ركعة ثم بلغ فيعيد، وإنما قيدنا بركعة لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).

فعلى هذا نقول: الخلاصة في ذلك إن بلغ بعد الصلاة في الوقت فلا يجب أن يعيد، وإن بلغ في أثناء الصلاة فننظر إن كان صلى ركعة فقد أدرك الصلاة ولا يعيد، وإن لم يصل ركعة فنقول: أعد الصلاة؛ لأنه لم يدرك هذه الصلاة، أما إن بلغ بعد الوقت فهذا لا إشكال أنه لا يجب عليه أن يعيد؛ لأنه لم يدرك هذه الصلاة.

قال رحمه الله: ( ويحرم تأخيرها عن وقتها ).

يحرم أن تؤخر الصلاة عن وقتها؛ لقول الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]، وفي حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى ). فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: تفريطاً.

وفي حديث جابر بن سمرة في صحيح البخاري في الذي ينام عن الصلاة أن رأسه يرض بالحجر. فهذا يدل على أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، فالظاهر من هذا الحديث أنه من كبائر الذنوب.

قال: ( إلا لناوي الجمع ).

يجوز أن تؤخر الصلاة عن وقتها في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كنت تنوي الجمع، مثلاً في المغرب تؤخر إلى العشاء، وتنوي الجمع إما لمرض أو سفر أو نحو ذلك من مسوغات الجمع، وهذه الحالة ظاهرة، حتى إن العلماء -كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- يقولون: إن هذا لا يسمى تأخيراً؛ لأنه في حال العذر يكون وقت المجموعتين كالوقت الواحد.

قال: (ولمشتغل بشرطها الذي يحصله قريباً).

مثاله: ستر العورة في الصلاة من شروط صحة الصلاة، فلو أن إنساناً انشق ثوبه، واحتاج إلى أن يخيط الثوب، لكن إذا شرع في خياطة الثوب سيخرج عليه وقت الصلاة، فيقول المؤلف: لا بأس، حتى لو خرج وقت الصلاة، ما دمت تشتغل بشرط من شروط الصلاة، أو مثلاً الماء في البئر تحتاج إلى وقت حتى تخرج الماء ثم تتوضأ، ولا تتمكن من إخراج الماء إلا بعد أن يخرج الوقت، فيقول المؤلف: يشتغل بشرطها الذي يحصله قريباً، يعني: لا بأس أن تؤخر الصلاة عن وقتها ما دام أنه يتوفر هذان الشرطان: الاشتغال بشرط من شروط الصلاة، وكون هذا الشرط يحصله قريباً ليس بعيداً، أي: لا يحتاج إلى وقت طويل، بل يحتاج إلى وقت يسير.

والصواب في هذه المسألة: أن الإنسان يصلي على حسب حاله إدراكاً للوقت، ولهذا من حكم مشروعية التيمم هو المحافظة على وقت الصلاة، وتقدم لنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنه يشرع التيمم لكل عبادة تفوت، أي أن كل عبادة إذا أخرت ولم تفعل وتفوت فإنه يشرع التيمم لإدراك هذه العبادة.