فتاوى نور على الدرب [197]


الحلقة مفرغة

السؤال: أقدمت على بناء مسكن لي ولعائلتي في أرض في قريتي هي من ملكي وملك أجدادي، وقد اكتشفت أن بجوار هذا المسكن قبراً لأحد عباد الله، وقد قمت بإزالته تماماً من موقعه، علماً بأن عمر هذا القبر يزيد عن مائتي عام، فهنا أسأل: ماذا يجب علي أن أفعله كفارة لما قمت به إن كنت أخطأت في ذلك؟ هل علي إثم أم أنه لا يلحقني شيء؟ علماً بأنني قد وضعت القبر في مكان آخر غير موقعه الأول وليس في المقبرة العامة، بل في مكان خال، فأرشدوني إلى ما يجب علي فعله الآن.

الجواب: إذا كان هذا القبر خارجاً عن البناء والمسكن، فإن الأولى بك ألا تتعرضه؛ لأن صاحب القبر يملكه حتى يكون تراباً ورميماً، ولكن ما دام الأمر قد وقع منك، فإن عليك أن تتوب إلى الله عز وجل وتستغفره، ثم إن وضعك إياه في غير المقبرة، هذا أيضاً خطأ، فإن هذا المكان الذي وضعته فيه قد يكون مملوكاً لإنسان، وإذا قدر أنه ليس بمملوك فإنه ربما يصل إليه البنيان والعمران، فينقل مرة ثانية.

والذي أرى في هذا الأمر أن تراجع المحكمة التي عندكم، هل تنقله من المكان الذي وضعته فيه أخيراً، أو تبقيه على ما كان عليه؟ عليك أن تراجع المحكمة حول هذا الموضوع ليقضي القاضي بما يراه صواباً.

السؤال: ما هي قصة الغرانيق الواردة في بعض كتب السيرة؟ مع شرح قوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]؟ وما هو الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا؟

الجواب: قصة الغرانيق هي ما ذكره بعض المفسرين على قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [الحج:52-55] ، ذكر بعض المفسرين أن هذه القصة كانت حين قرأ الرسول عليه الصلاة والسلام: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20]، أن الشيطان ألقى في قراءته: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، وهذه القصة أنكرها كثير من أهل العلم، وقال: إنه لا يمكن أن يقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وطعنوا في إسنادها، ومن العلماء من لم ينكرها، وقال: إن هذا ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الله يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى [الحج:52] ، يعني: قرأ، أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج:52] ، فالذي ألقى هذا الكلام هو الشيطان وليس النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هو الشيطان فإن ذلك لا يقدح في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحج:52] ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ [الحج:53] إلى آخر الآيات، وهذا لا يقدح في مقام النبوة وفي مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما قوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] ، فإن الضمير في قوله: (وما ينطق) يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أنه صلى الله عليه وسلم ما يقوله عن ربه، وما يبلغه من الوحي، فإنه لا ينطقه عن هوى منه، أو تقول على الله عز وجل بلا علم، وإنما هو وحي يوحيه الله إليه، ولهذا قال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]، فأتى بـ(عن) الدالة على أن المعنى ما ينطق نطقاً صادراً عن هوى، وإنما هو عليه الصلاة والسلام ينطق عن الوحي الذي أوحاه الله إليه.

السؤال: ما هو الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من بعض قصص السيرة والإسرائيليات؟

الجواب: الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا ومن غيره حين يذكر من الإسرائليات، أن يعرض هذه الإسرائليات على ما في الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة فهو حق، لا لأنه من خبر بني إسرائيل، ولكن لأنه موافق للكتاب والسنة، وما خالفه فهو باطل، وما لم يخالفه ولم يوافقه -يعني: ما لم تعلم مخالفته ولا موافقته- فإنه يتوقف فيه، ولا يحكم بصدقه ولا بكذبه.

السؤال: كنت ذات يوم أصلي وكان معي حقيبة فيها مبلغ من المال فوضعتها أمامي لأن جيبي لا يتسع لها، وأثناء الصلاة تقدم إليها أحد ضعاف النفوس وخطفها وهرب بها مسرعاً، ولم أستطع أن أقطع الصلاة للحاق به، فهل تركي له يأخذها ويهرب طمعاً في أجر صلاة الجماعة عمل صحيح، أم أنه كان يجب علي أن أقطع الصلاة وألحق به حتى لو كان المال قليلاً؟

الجواب: في هذه الحال إن كانت الصلاة نفلاً فلا شك في أنك يجوز لك قطعها لتحرز مالك، وأما إذا كانت فريضة فهو كذلك أيضاً، لك أن تقطع الصلاة من أجل الحفاظ على مالك وإحرازه من هذا الظالم المعتدي، وإذا قطعتها في مثل هذا الحال فإن لك أجر صلاة الجماعة، لأنك لم تقطعها إلا لعذر، فلو أنك قطعتها وحميت مالك وحفظته لنفسك، ثم أنجيت هذا الرجل من هذا الظلم والعدوان؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)، وبين أن نصر الظالم أن تمنعه من الظلم، لو أنك فعلت هذا لكان أولى بك، فالمهم أن قطع صلاة الفريضة أو النافلة في مثل هذه الحال لا بأس به؛ لأنك تحرز مالك، وتمنع غيرك من الظلم.

مداخلة: حتى لو كان المال قليلاً؟

الشيخ: نعم ولو كان المال قليلاً؛ لأن فيه إضاعة للمال لو تركته، وفيه أيضاً منع لمثل هذا الظالم من أن يعتدي مرة أخرى على غيره.

السؤال: ما هي الأشياء التي يجوز قطع الصلاة لها أو من أجلها؟

الجواب: الحالات كثيرة، منها: أن يخاف الضرر على نفسه إذا استمر في صلاته، ومنها: أن يخاف تلف ماله، ومنها: أن يخاف تلف معصوم، مثل: أن يشاهد شخصاً يعتدي على إنسان ليقتله أو لينتهك حرمته، أو يرى حية مقبلة على أحد أو سبعاً وما أشبه ذلك، ففي هذه الحال يقطع الصلاة لإنقاذ المعصوم؛ لأن إنقاذ المعصوم واجب، ويفوت إذا استمر في صلاته، أما الصلاة فإن الاستمرار فيها واجب، ولكن يمكنه تداركه بعد أن ينقذ هذا المعصوم من هذه الهلكة.

السؤال: لقد جرى بين ابنتي وزوجها مشاجرة وسوء تفاهم، وكنت موجوداً أثناء تلك المشاجرة فغضبت جداً ودهاني الشيطان لعنه الله وقلت لزوج ابنتي: طلاق مني أنك لن تكون زوج ابنتي بعد هذا، وفي أثناء الوقت تأسفت على هذا الكلام الذي بدر مني أثناء المشاجرة، فما الحكم فيما قلته؟

الجواب: أولا: قولك: الشيطان لعنه الله، ينبغي أن تقول: أعاذني الله منه؛ لأن هذا هو الأولى؛ لقوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36]. وأما قولك: طلاق مني ألا تكون زوجاً لابنتي، فهذا خطأ منك، فإن هذا معناه أنك توجد العداوة والبغضاء بين ابنتك وزوجها، وهذا غلط، فتب إلى ربك واستغفره، وإذا كانت ابنتك الآن عندك فأعدها إلى زوجها، لا تحل بينه وبينها، وما وقع منك من هذا الطلاق بهذا اللفظ فإن حكمه حكم اليمين، عليك أن تكفر كفارة يمين، بأن تطعم عشرة مساكين، أو تكسوهم، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة، ثم إني أنصحك وغيرك من الناس عن الحلف بغير الله عز وجل، فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، فالحلف بالطلاق وبالنذر وبالعتق وما أشبهه، هذا أمر لا ينبغي، بل إن ما يكون الحلف بالله سبحانه وتعالى، أما الحلف بصيغة القسم بغير الله فإنه من الشرك والكفر، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).

السؤال: نرجو توضيح النوافل التي يصليها المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل وبعد الصلوات المكتوبات كعدد ركعاتها، كصلاة الإشراق وصلاة الضحى والرواتب قبل الظهر وقبل العصر وبعد المغرب وبعد العشاء، كذلك صلاة التهجد كم عدد ركعاتها؟ وهل يلزم بعدها صلاة الوتر، علماً بأن الإنسان قد يكون أوتر بعد العشاء ونام؟

الجواب: الرواتب التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصليها عشر كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل صلاة الصبح، هذه عشر، وقالت عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعاً قبل الظهر)؛ وعلى هذا فتكون الرواتب ثنتي عشرة ركعة، أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الصبح، إلا أنه ينبغي في الركعتين قبل صلاة الصبح ينبغي فيهما أمران؛ أحدهما: التخفيف، والثاني: قراءة يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] في الركعة الأولى مع الفاتحة، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] في الركعة الثانية مع الفاتحة، أو في الركعة الأولى مع الفاتحة: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136] ، في سورة البقرة، و قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] ، في سورة آل عمران في الركعة الثانية مع الفاتحة.

وأما ركعتا الضحى ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله)، وأقلها، أي: أقل سنة الضحى ركعتان، وأما تهجد الرسول صلى الله عليه وسلم فقد سئلت عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ( كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة)، فهذا ما كان يصليه الرسول عليه الصلاة والسلام في الليل، إحدى عشرة ركعة، ولا يزيد على ذلك، مع هذا فلو أن الإنسان تهجد بأكثر وزاد على إحدى عشرة ركعة فلا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ما ترى في صلاة الليل؟ قال: ( مثنى, مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى)، أو قال: ( توتر له ما صلى).

فعلى هذا نقول: عدد صلاة الليل ليس محصوراً بإحدى عشرة، بل يصلي الإنسان نشاطه.

وأما إذا أوتر في أول الليل، وكان من نيته ألا يقوم في أوله، فإنه إذا قدر له أن يقوم بعد، فإنه يصلي ركعتين ركعتين حتى يطلع الفجر، ولا يعيد الوتر، لأن الوتر ختم به صلاة الليل في اعتقاده قبل أن ينام، ولكن ينبغي للإنسان الذي من عادته أن يقوم من آخر الليل، أن يجعل وتره في آخر الليل، كما ثبت به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( أن من طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)، أما من خاف ألا يقوم من آخر الليل فإنه لا ينام حتى يوتر.

السؤال: ما حكم مداومة قراءة سور معينة يتخذها الإنسان كورد بجانب تلاوة القرآن يومياً، حيث علمنا من بعض الأحاديث بأن قراءة هذه السور لها فضل عظيم؛ كسورة يس وسورة حم الدخان والفتح والملك وغيرها؟

الجواب: أما ما لم يرد به النص من قراءة بعض السور أو الآيات، فإنه لا يجوز للإنسان أن يقرأه معتقداً أن قراءة هذا الشيء المعين سنة؛ لأنه لو فعل ذلك لشرع في دين الله ما ليس منه، وأما ما ثبت به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، أو جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه تثبت به الحجة، فإنه لا بأس أن يداوم عليه على الوجه الذي جاء، إن كان جاء بالمداومة يكون مداوماً، وإن كان جاء بغير المداومة يكون غير مداوم، والمهم أنه ينبغي بل يجب على العباد وأصحاب الأوراد أن يتحروا ما جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وألا يبتدعوا في دين الله ما ليس منه، فإنه حتى القرآن إذا خص الإنسان منه شيء معيناً يتخذه ديناً بالمداومة عليه أو ما أشبه ذلك، وهو لم يرد عن الرسول صلى الله وسلم على وجه يكون حجة، فإنه لا يجوز له أن يفعل ذلك، بل يكون مبتدعاً في دين الله ما ليس منه.

السؤال: ما المراد بذكر الله؟ هل المراد تلاوة القرآن وحده، أم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكل الأدعية المأثورة؟

الجواب: ذكر الله عند الإطلاق يشمل كلما يقرب إلى الله عز وجل، سواء كان ذلك في القلب أو في اللسان أو في الجوارح، وأما عند التقييد مثل قوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103]، فإنما يراد به ما جاءت به السنة من الذكر المعروف من التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار والثناء على الله سبحانه وتعالى بقول: اللهم! أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام! والمهم أن الذكر الذي يحمد عليه العبد أعم من الذكر الخاص، فالذكر يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالجوارح، فذكر الله بالقلب مثل التفكر بآياته الشرعية والكونية، وكذلك التوكل عليه والرغبة إليه والإنابة إليه والمحبة وما أشبه ذلك.

وأما ذكر الله باللسان فظاهر، وهو كل قول يقرب إلى الله تعالى من الأذكار الخاصة وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم وغير ذلك، وأما بالجوارح، فكل فعل يقرب إلى الله تعالى، مثل الصلاة، كقيامها وقعودها وركوعها وسجودها والصدقات والنفقات وما أشبهها، فالمهم أنه ينبغي أن نعرف الفرق بين الذكر المطلق العام وبين الذكر الخاص.

السؤال: امرأة بدأت تصوم رمضان خمس سنوات، وحرصاً منها على عدم الإفطار وطمعاً في فضل صيام رمضان، كانت لا تفطر أبداً حتى ولو أتتها الدورة الشهرية جهلاً منها بوجوب الإفطار والقضاء، ولكنها بعد أن علمت أنها كانت تخالف الواجب بفعلها ذلك ندمت عليه، وحينما أهل شهر المحرم عزمت على صيامه، وفعلاً صامته كله كفارة وتعويضاً عن ذلك، فهل هذا يكفي أم يلزمها شيء آخر؟

الجواب: صيامها شهر المحرم كفارة عن ما فعلته من الصيام في حال الحيض وعدم قضائه، إذا كانت تريد أن يكون ذلك كفارة عن ذنب فعلته، فإنه لا يجزئها عن القضاء، وعليها أن تقضي ما أفطرت، بل على الأصح ما صامته في أيام الحيض؛ لأن ما صامته في أيام الحيض ليس بصحيح، وأما إذا كانت صامت شهر المحرم قضاءً عن الأيام التي صامتها في أيام حيضها، لاعتقادها أنه صوم فاسد يجب عليها قضاءه، فإن ذلك صحيح، وتكون هذه الأيام التي قضتها عن الأيام التي صامتها في حال الحيض إذا كانت بعددها، فإن كانت الأيام التي صامت أقل من العدد التي صامتها أيام الحيض، فإنه يجب عليها أن تكمل ما بقي.

مداخلة: كونها خصت شهر المحرم بالصيام، هل في هذا شيء؟

الشيخ: كونها خصته؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)، فهي خصته لفضله.