شرح زاد المستقنع باب المحرمات في النكاح [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فالمصنف رحمه الله تعالى يقول: [ باب المحرمات في النكاح ]

قوله: (باب المحرمات في النكاح)

هذه مقدمة عن المحرمات في النكاح.

والمحرمات في النكاح هن: النساء اللاتي حرم الله الزواج منهن، وينقسمن إلى نوعين:

النوع الأول: المحرمات إلى الأبد.

والنوع الثاني: المحرمات إلى أمد.

المحرمات إلى أبد: هي كل امرأة لا تحل إلى أبد الآبدين.

والمحرمات إلى أمد: يعني: مؤقتاً، ويزول تحريمها بزوال السبب، وموانع النكاح.

والمحرمات من النكاح لها أسباب، وهذه الأسباب تنقسم إلى الأقسام التالية:

- النسب.

- ثم الرضاع.

- ثم المصاهرة.

- ثم الكفر.

- ثم الرق.

- ثم العدد.

- ثم الجمع.

- ثم مانع التطليق ثلاثاً.

- ثم الزنا.

- ثم مانع اللعان.

- والأخير مانع الزوجية.

هذه أحد عشر مانعاً تمنع من النكاح؛ لكن بعضها يمنع إلى الأبد، وبعضها يمنع إلى أمد.

مثلاً: قلنا: النسب: وهن سبع جاء ذكرهن في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:23] الآية، سبع من النسوة يحرمن من جهة النسب، والنسب أصله الإضافة؛ لأنك تقول: فلان بن فلان، فنسبته إليه يعني: أضفته إليه. وهذا هو النسب.

ثم المصاهرة: المصاهرة مثل، زوجات الآباء وزوجات الأبناء، يعني: زوجات الأصول وزوجات الفروع، وبنت الزوجة وأم الزوجة، وهؤلاء أربع من جهة المصاهرة.

الرضاع: مثل النسب يعني: الذي يحرم من جهة النسب يحرم من جهة الرضاع.

هذه ثلاثة موانع: النسب، والمصاهرة، والرضاع.

ثم مانع الكفر: فالمشركة لا يجوز نكاحها، ولا إنكاح المشرك، فأصبح الشرك والوثنية مانعين من الزواج: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10]، وسنبين هذا.

ومانع الرق: بالنسبة للحر في زواجه من الأمة، وله شروط، وزواج العبد من الحرة، وسنبين هذا. هذا مانع الرق.

ثم مانع العدد: رجل عنده أربع نسوة، لا يجوز له أن يتزوج حتى يطلق واحدة وتخرج من عدتها، فينكح بدلها واحدة، هذا مانع من جهة العدد، أنه استوفى العدد الذي له، وسنشرح هذا إن شاء الله ونبينه.

ثم مانع الجمع: وهو أن تجمع بين المرأة وأختها، والمرأة وعمتها أو خالتها، كما سيأتي تفصيله: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23] هذا مانع الجمع.

ثم مانع التطليق ثلاثاً: فلا تحل حتى تنكح زوجاً غيره، هذه امرأة طلقها رجل ثلاث تطليقات نقول: هذه محرمة عليك؛ لكن محرمة إلى أمد، وهو أن تنكح زوجاً غيرك ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته، فيحل لك إذا طلقها أن ترجع إليك.

ثم مانع الزنا: الزانية: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]، وسيأتي إن شاء الله تفصيله.

كذلك أيضاً عندنا مانع الزوجية: امرأة منكوحة للغير: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24]، فالمرأة المحصنة التي هي في عصمة الغير لا يجوز للغير أن يتزوجها إلا ما استثنى الله، وهي أن تكون ذات زوج وأُسِرَت واستُرِقَّت: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] فتُسْتَبرأ بعد سبيها كما جاء في حديث سبي أوطاس، وسيأتي إن شاء الله.

هذه كلها موانع النكاح، بعد ذلك كل مانع له تفصيلات.

فبالإجمال هؤلاء المحرمات: منهن محرمات إلى الأبد، ومنهن محرمات إلى أمد.

ثم المحرمات إلى الأبد منهن من تثبت لهن المحرمية، فبسبب حرمة نكاحها يجوز لك أن تصافحها، وأن تسافر معها، وأن تختلي معها، التي هي مثلاً: المحرمات من النسب، مثل: الأم والبنت والأخت والخالة والعمة، فهذه محرمة محرمية، وكذلك هناك محرمة ليست بذات محرم وهي المحرمة إلى أمد، والمحارم يشمل النسب والرضاع والمصاهرة والزوجة:

- فهن سبع من جهة النسب: وهن السبع اللاتي ذكر الله.

- وأربع من جهة المصاهرة: أم الزوجة، وبنت الزوجة، وزوجة الأب، وزوجة الابن.

- وكان من جهة الرضاع: يعني: ما كان من الرضاع منهما: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

- والزوجة.

هؤلاء الأربع أي واحدة منهن تحريمها يوجب المحرمية؛ لكن البقية لا. فمثل ما يقع بعض الناس في الخطأ يقول: أخت زوجتي حرام عليَّ، فهي محرم لي، نقول: لا. هي حرام وليست بمحرم.

تقدم معنا أن الله عز وجل حرم على المسلم أن ينكح جملة من النساء، وأن هؤلاء المحرمات لا يجوز للمسلم أن ينكحهن إما على التأبيد وإما على التأقيت، فقسم من النساء حرم الله نكاحهن والزواج منهن إلى الأبد، وقسم من النساء حرم الله نكاحهن والزواج منهن إلى أمد، يزول الحكم بزوال السبب.

فأما المحرمات إلى الأبد فذكرنا: أن هذا يشمل المحرمات من جهة النسب، والمحرمات من جهة المصاهرة، والمحرمات من جهة الرضاع، ويتبع ذلك تحريم الملاعنة، فهؤلاء النسوة لا يحل نكاحهن إلى الأبد، فعندنا: النسب، والمصاهرة، والرضاع، والملاعنة.

أما بالنسبة للمحرمات من النسب فسبع من النساء حرم الله عز وجل نكاحهن. أولهن: الأم ثم البنت ثم الأخت ثم بنت الأخ ثم بنت الأخت ثم العمة ثم الخالة، فهؤلاء سبع من النسوة، الأصل والفرع ومن شاركك في أصلك في فروعه من النساء، ومن شارك أصل أصلك في أصله، فنقول: الأم وأم الأم وأمها وإن علت كما سيأتي التفصيل. والبنت فرع هي وفروعها أو كانت من فرع ذكر كبنت الابن، فعندنا الأصل الأمهات وعندنا الفرع البنات، وعندنا شيء شاركنا في الأصل الأخوات، ولما كان الأخ الذكر لا يدخل في النكاح أسقط فصارت بنته، فقيل: بنت الأخ، فأصبحت من المحرمات، ثم يتبع ذلك العمة والخالة، فالعمة شاركت الأب الذكر، والخالة شاركت الأم الأنثى. وهؤلاء المحرمات السبع شملتهن آية النساء.

بيان المحرمات من النسب وحكم كل نوع منها

يقول المؤلف رحمه الله: [تحرم أبداً الأم] والأم: هي كل أنثى لها عليك ولادة، والدليل على تحريمها قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23] ، والأم تشمل الأم المباشرة والأم بواسطة، فأمك وأم أمك وأم أبيك كلهن محارم، يحرم نكاحهن إلى الأبد، وهي محرم يجوز الجلوس معها والخلوة بها والسفر معها، فالأم الدليل على تحريمها -كما قلنا- قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23] ، والآية لما قالت: (أمهاتكم)، عممت فشملت كل أم، ولذلك لو سئُلت عن أم الجد أو أم جد الجد أو أم الأب أو أم أب الأب فكلهن محارم ومحرمات، لو قال لك: ما الدليل؟ تقول: عموم قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23] ، فالله عز وجل لم يفرق بين أم وأخرى.

ومن هنا قال العلماء: أمهات الأصول أمهات للفروع، وأجمع أهل العلم رحمهم الله على أن هذا النوع من النساء لا يحل نكاحه إلى الأبد، سواء كانت أماً مباشرة أو أماً بواسطة.

قال: [ وكل جدة وإن علت ].

الأم وأمها وإن علت، فقوله: (كل) من صيغ العموم، (كل جدة)، فلم يفرق بين الجدة من الوالد والجدة من الوالدة.

قال: [ والبنت ]

قوله: (والبنت) هذا النوع الثاني من المحرمات، وضابط البنت عند أهل العلم: هي كل أنثى لك عليها ولادة، يعني: جاءت منك أو جاءت من نسلك، فسواء كانت بنتاً مباشرة أو بنتاً بواسطة، والبنت بواسطة سواء جاءت بواسطة الذكور: كبنت الابن أو بنت ابن الابن، أو بواسطة الإناث كبنت بنتك، فجميع هذا النوع من النسوة محرم إلى الأبد، ويجوز لك أن تصافح أي واحدة من هؤلاء، وأن تختلي بها، وأن تسافر معها، فهي محرم لك، ولو سئُلت عن الدليل؟ تقول: عموم قوله تعالى: وَبَنَاتُكُمْ [النساء:23] ، ووجه الدلالة من الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى لم يفرق بين بنت وأخرى، فقال سبحانه: (وبناتكم)، وبنت البنت بنت لجدها والد أمها وبنت الابن بنت لجدها والد أبيها، وعلى هذا فيحرم هذا النوع من المحرمات وهن البنات.

قال: [ وبنت الابن ]

قوله: (وبنت الابن)، كما قلنا: البنت وبنتها وإن نزلن، سواء تمحضت بالذكور، أو تمحضت بالإناث، فمن تمحضت بالذكور: كبنت ابنك، ومن تمحضت بالإناث: كبنت بنتك، كل ذلك محرم بإجماع العلماء رحمهم الله.

قال: [ وبنتاهما من حلال وحرام وإن سفلن]

وبنتاهما من حلال بالإجماع، أما من حرام فهذه مسألة خلافية، نحن علمنا أن البنت من النكاح الصحيح ومن الحلال محرم ومحرمة، لكن لو أنه -والعياذ بالله- زنى بامرأة فولدت بنتاً، هل يحل له نكاحها؟ أو ولدت بنتاً ثم البنت تزوجت فولدت بنتاً، هل يحل له أن ينكح بنت بنته من الزنا، أو بنت ابنه من الزنا؟

جمهور العلماء: على أن الشريعة تحرم الزواج من بنته من الزنا كما تحرم الزواج من بنته من الحلال، ووجه ذلك: أنها بضعه منه ومخلوقة من مائه، وهي بنته من حيث الحقيقة، وإن كان الشرع قد أسقط هذه البنتية من حيث الحكم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش)، قالوا: إن الحرام يحرِّم، وهذا مذهب الجمهور، وفي هذه المسألة يقولون: العبرة بالمعاني لا بالألفاظ وحدها، فلما نظروا إلى المعنى في قوله تعالى: وَبَنَاتُكُمْ [النساء:23] قالوا: إنها فرع عنه، فإن بنت الزنا فرع من مائه، ومخلوقة من مائه فتنزل منزلة البنت من الحلال.

وذهب طائفة من العلماء كما هو قول الشافعية: أن البنت من الزنا يجوز نكاحها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) ، ووجه الدلالة من هذا الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البنت منسوبة إلى الفراش، وأسقط ما بينها وبين الزاني، وقطع الصلة بالزاني كلية، فجاز له أن يطأها كالأجنبية. وهذه المسألة تعتبر من مفردات المذهب الشافعي، ولذلك قال بعض من ينتقد المذاهب، في بعض اعتذاره عن اتباع مذهب الشافعية:

وإن قلتُ: شافعياً، قالوا: بأنني أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وفي بعض ألفاظ البيت:

أبيح نكاح الأخت والأخت تحرم

فهم يبيحون نكاح الأخت من الزنا والبنت من الزنا، فنكاح الأخت من الزنا كرجل زنى بامرأة فاستولدها بنتاً، فجاء ابنه وتزوجها، فإنه يتزوج أخته من الزنا والعياذ بالله!

لكن الصحيح والذي يظهر والعلم عند الله: أن هذا النوع من النساء مشتبه، لا يفتى بحله ولا يفتى بحرمته؛ لأن فيه شبهاً من الحلال وشبهاً من الحرام، فشبهه من الحلال: قوله عليه الصلاة والسلام: الولد للفراش)، فأسقط ما بينه وبين الوالد من الصلة، وأهدر ماء الزنا. وشبهه من الحرام: أن الماء ماؤه، وأن التخلق من الماء موجودة فيه، وقد نص على ذلك عليه الصلاة والسلام في حديث سبي أوطاس، فإنه لما نهى عن وطء المسبية حتى تستبرأ، فرأى رجلاً كأنه يريد أن يدخل على أمة مسبية، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيغذوه في سمعه وبصره، لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره) ، فجعل وطأها أثناء حملها محرماً، فقال: (أيغذوه في سمعه وبصره)، مع أن الولد للأول، ويكون دخول الثاني لا تأثير له.

لكن الذي يظهر كما ذكرنا: أن هذا النوع من النساء ممتنع للشبه من الوجهين، فنقول: لا نحلله ولا نجزم بحله، ولا نحرمه ولا نجزم بتحريمه، وبطبيعية الحال لا يستطيع الواحد أن يتزوج هذا النوع الذي لا يجزم بحله ولا بحرمته. هذه المسألة تسري في جميع المسائل، يعني مثلاً: أم بنته من الزنا، وهكذا بالنسبة للتحريم من جهة المصاهرة كالتحريم من جهة النسب في المسألة التي ذكرناها.

قال: [وكل أخت]

أي: ومما حرم الله كل أخت، الأخت ضابطها عند أهل العلم: هي كل أنثى شاركتك في أحد أصليك أو فيهما معاً، فشمل ثلاثة أنواع من الأخوات: الأخت الشقيقة: وهي التي شاركتك في الأصلين الأب والأم. والأخت لأب: وهي التي شاركتك في أحد الأصلين من جهة الأب. والأخت لأم: كذلك هي التي شاركتك في أحد الأصلين من جهة الإناث. هذا النوع من النساء يحرم إلى الأبد، ودليل ذلك قوله تعالى: وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23] ، ولم يفرق بين أخت وأخت، وعمم سبحانه وتعالى فشمل الأخت الشقيقة ولأب ولأم، وأجمع العلماء على تحريم الأخوات سواءً كن شقيقات أو أخوات لأب أو لأم.

قال: [وبنتها]

قوله: (وبنتها) بنت الأخت الشقيقة، وبنت الأخت لأب، وبنت الأخت لأم، بإجماع العلماء محرمة؛ لقوله سبحانه وتعالى: وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23] ، فقد نص سبحانه وتعالى على تحريم بنت الأخت ولم يفرق بين أخت وأخرى.

وبنت الأخت: هي كل أنثى لأختك عليها ولادة.

قال: [ وبنت بنتها ].

قوله: (وبنت بنتها)، أي: بنت بنت الأخت: وهي كل أنثى لأختك عليها ولادة بواسطة، فيشمل أن تكون بنت ابن الأخت وبنت بنت الأخت، يعني: مثل ما ذكرنا في الأصول أنه يستوي في فروعه ما تمحض بالذكور أو تمحض بالإناث، كذلك في بنت الأخت وبنت الأخ؛ لأن بنت بنت الأخت وبنت ابن الأخت هي بنت للأخت، والله تعالى يقول: وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23] ، ولم يفرق بين بنت أخت وأخرى، فشمل الصلب وشمل الواسطة.

قال: [وبنت كل أخ وبنتها]

قوله: (وبنت كل أخ وبنتها) بنت كل أخ لم يذكر الأخ؛ لأن الذكر -كما ذكرنا- لا يدخل في التحريم؛ لأنه ليس من جنس ما ينكح، فقال: بنت الأخ، وبنت الأخ ضابطها عند العلماء: هي كل أنثى لأخيك عليها ولادة، سواء كانت مباشرة كبنته بصلب، أو بواسطة كبنت بنت الأخ، وبنت ابن الأخ، يعني: سواء كانت البنت بواسطة ذكر أو أنثى، والدليل على تحريم هذا النوع من النساء قوله تعالى: وَبَنَاتُ الأَخِ [النساء:23] ، ويشمل الأخ الشقيق والأخ لأب والأخ لأم، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله.

قال: [وبنت ابنه]

قوله: (وبنت ابنه) بنت ابن الأخ، فلو أن لأخيك ابناً وأنجب فإنك تصبح عماً لأبيها، وعم الأب عم للفرع كما ذكرنا، فبنت ابن الأخ وبنت بنت الأخ الحكم فيهما سواء.

قال: [ وبنتها وإن سفلت]

نعم هذا واضح.

قال: [ وكل عمة وخالة وإن علتا]

قوله: (وكل عمة) العمة: هي كل أنثى شاركت أباك في أحد أصليه أو فيهما معاً، كل أنثى شاركت أباك في أحد أصليه مثل العمة لأب والعمة لأم، أو فيهما معاً وهي العمة الشقيقة، فثلاثة أنوع من العمات: العمة لأب: هي التي والدها ووالد أبيك واحد ولكن الأم مختلفة. والعمة لأم: هي التي والدتها ووالدة أبيك واحدة وهي جدتك، والعمة الشقيقة: هي التي شاركت والدك في الأصلين معاً في الوالد والوالدة. هذا النوع من النساء أجمع العلماء على تحريمه مطلقاً؛ العمة الشقيقة، والعمة لأب، والعمة لأم، والدليل على ذلك نص الله عز وجل في التنزيل: وَعَمَّاتُكُمْ [النساء:23]، فنص على تحريم العمات ولم يفرق بين عمة وأخرى.

قال: [وخالة]

قوله: (وخالة) الخالة: هي كل أنثى شاركت أمك في أحد أصليها أو فيهما معاً، كل أنثى شاركت أمك في أحد أصليها مثل الخالة لأب، والخالة لأم، أو فيهما معاً وهي الخالة الشقيقة، فلو أن الوالدة لها أخت من أب وأم تقول: هذه خالتي شقيقة، وإن كانت لها أخت من أب تقول: هذه خالتي لأب، لأنها شاركت والدتي في أبيها، وإن كانت لها أخت من أم تقول: هذه خالتي لأم، هذا بالنسبة للعمات والخالات.

إذاً: العمة والخالة محرمتان، وكذلك عمات الأصول يكنّ عمات للفروع، وخالات الأصول يكن خالات للفروع، فكما حرمنا عليك خالتك وعمتك نحرم عليك خالة الأم وخالة الأب، وعمة الأم وعمة الأب، فلو سألك سائل عن خالة وعمة جده: هل هي محرم؟

تقول: نعم، هما محرم لك يجوز لك أن تختلي بهما، وأن تجلس معهما، وأن تسافر بهما، وأنت محرم لهما؛ لأن خال أصلك خال لك، وخالة والدك وخالة والدتك كخالتك، وعلى هذا فإنه يسري التحريم في الخالات والعمات إذا كنّ للأصول، كما يكون تحريماً للشخص نفسه، والدليل على ذلك عموم قوله تعالى: وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ [النساء:23]، وقد أجمع العلماء على أن عمات الأصول عمات للفروع، وعلى أن خالات الأصول خالات للفروع.

قوله: (وإن علتا) يعني: خالة الوالد وخالة الوالدة، وخالة الجد وخالة الجدة، وعمة الوالد وعمة الوالدة، وعمة الجد وعمة الجدة، كلهن سواء في التحريم؛ لعموم قوله تعالى: وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ [النساء:23] .

التحريم بسبب اللعان وحكمه

قال رحمه الله: [ والملاعنة على الملاعن ].

هذا النوع نوع آخر من المحرمات الملاعنة، والملاعنة: مفاعلة من اللعن، والمفاعلة تستلزم وجود شخصين فأكثر، كالمقاتلة والمشاكلة، وتقع الملاعنة بين الزوج والزوجة، وسمي اللعان لعاناً لوجود اللعن فيه والعياذ بالله! ولذلك يبتدئ الرجل: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، شهد الرجل على نفسه باللعن، مع أن المرأة تشهد على نفسها بالغضب، والغضب أشد من اللعن؛ لأن الغضب -والعياذ بالله- أسوأ وأشد من لعنة الله عز وجل؛ وذلك لقوله تعالى: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى [طه:81] .

ولأن ملاعنة المرأة للرجل لا تكون إلا بعد تمام الأيمان من الرجل، وتمام الأيمان من الرجل لا يكون إلا بعد اليمين الخامسة: أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:7] نسأل الله السلامة والعافية! الملاعنة هي أن يتهم الرجل امرأته بالزنا بعد أن يراها، أو يسمع بأذنه، ويعلم الشيء يقيناً، أو يأتي بشهادة عدول يثق فيهم على خلاف بين العلماء، أو ينفي ولداً أنه ولده، كأن يكون هذا الولد وقع في حالة غيبة يستحيل معها أن يكون منه، أو يكون وجود الشبهة، فالمهم سيأتي إن شاء الله ما يتعلق بأحكام اللعان.

لكن الذي يهمنا هنا مسألة وهي: أن الرجل إذا لاعن امرأته والعياذ بالله! ووقع اللعان بينهما، وتمت الأيمان، فرق بين الزوج والزوجة فراقاً إلى الأبد، فلا تحل له أبداً، حتى لو رجع عن لعانه وكذّب نفسه فهي حرام عليه إلى الأبد؛ ولذلك قال الراوي للحديث، أي: حديث عويمر العجلاني الذي في الصحيح: (مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما فلا يجتمعان أبداً). وعلى هذا فإن اللعان يوجب الفرقة الأبدية، لكن هناك فرق بين التحريم في النسب الذي ذكرناه، وهن السبع النسوة اللاتي ذكرن، وبين التحريم في اللعان، والفرق أن التحريم في اللعان فرقة، يعني: تكون المرأة محرمة وليست بذات محرم، وفي النسب محرمة ومحرم، يعني: يجوز للرجل أن يجلس مع أمه وأخته وعمته، لكن إذا لاعن المرأة يفرق بينهما ولا يجلس معها، ولا يعتبر بينهما أي صلة إلى الأبد.

وعلى هذا تجد العلماء يقولون -في المرأة التي يحل لك أن تسافر معها والتي تأخذ حكم المحرمية- يقولون: هي كل أنثى محرمة إلى الأبد إلا الملاعنة. أي: أن الملاعنة لا تدخل مع أنها محرمة إلى الأبد. والملاعن والملاعنة يفرق بينهما ولا يجوز للملاعن بعد ذلك أن يأتي ويقول: أريد أن أتزوجها من جديد، أو أريد أن أنكحها؛ قال: (يا رسول الله! مالي -بعد أن لاعنها وتم اللعان بينهما قال: مالي، يعني: المهر الذي أعطيتها- فقال: إن كنت صادقاً فهو بما استحللت من فرجها -فمهرك الذي دفعته لقاء استمتاعك قبل زناها- ، وإن كنت كاذباً فهو أبعد لك منها)، فقوله في الصحيح: (هو أبعد لك منها) دل على أنها هي بعيدة عنه، كما بعد المهر، وأن بينهما مباعدة وبينهما حرمة فلا يجتمعان أبداً.

بيان المحرمات من الرضاع وحكم كل نوع منها

[ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب]

(ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، الرضاع: مص الثدي، وسيأتي إن شاء الله بيان مسائله وحقيقته؛ لأن العلماء أفردوا للرضاع باباً مستقلاً، إذ يحتاج الفقيه وطالب العلم أن يعلم حقيقة الرضاع، وكيفية الرضاع، ومتى يحكم بالرضاع، والآثار المترتبة على الحكم به، وهذا له باب مستقل، لكن الذي يهمنا هنا أن الرضاع يؤثر كالنسب، والحجة في ذلك صريح السنة وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ، فأم من رضاع وبنت وأخت وعمة وخالة وبنت أخ وبنت أخت، كل هؤلاء محرمات من الرضاع كما يحرمن من النسب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ذلك، وألحق بذلك المحرمات من المصاهرة، كأم الزوجة من الرضاع، وكذلك بنتها من الرضاع كلهن محرمات، وزوجة أبيه من الرضاع، وكذلك بنت زوجته من الرضاع كلهن محرمات، ويلتحقن في قول جماهير السلف والخلف رحمهم الله، وحكى بعض العلماء الإجماع على ذلك.

قال: [إلا أم أخته].

قوله: (إلا أم أخته)، أي: أم أخته من الرضاع، لو أن خديجة ومحمداً ارتضعا من فاطمة، فإن محمداً تحرم عليه فاطمة، لكن لا تحرم عليه أم أخته خديجة؛ لأنها أجنبية، خديجة ومحمد ارتضعا من فاطمة، ففاطمة أمهما من الرضاع هذا ما فيه إشكال في كونها محرمة، لكن أم الأخت من الرضاع التي لم يرتضع منها، القيد هنا: (التي لم يرتضع منها) لكن أم أخته من الرضاع التي رضع منها بالإجماع محرمة؛ لأنها أمه، لكن أم أخته من الرضاع إذا اشتركا في امرأة وكان للأخت التي شاركته في الرضاع أم غير التي رضع منها فإنها أجنبية، ففي الأصل أنها أجنبية وليست بمحرم، في النسب تحرم أم الأخت، ولكن في الرضاع لا تحرم أم الأخت إذا كانت على هذا الوجه.

قال: [وأخت ابنه]

قوله: (وأخت ابنه) أي: من الرضاع، مثلاً: زيد من الناس عنده زوجة، وأثناء ما هي عنده وولدت له وثاب اللبن من وطئه أرضعت محمداً، فمحمد ولد لك حيث رضع من لبن زوجتك، فهو ناشئ عن مائك الذي ثاب منه اللبن، فمحمد هذا لو كانت له أخت حلّ لك نكاحها؛ لأن الأخت بالنسبة لك أجنبية، والذي دخل للمحرمية هو محمد الذي ارتضع من زوجتك، فتبقى أخواته وإخوانه -على الأصل- أجانب يحل نكاحهم، سواء من الإناث أو الذكور، فيبقى التحريم للشخص الذي رضع، وهذا سنفصله إن شاء الله أكثر في كتاب الرضاع، وذكره المصنف هنا للاستثناء، وأن الأصل يقتضي أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، لكن استثنيت هاتان المسألتان لشهرتهما، وهذا على سبيل التنبيه، وإلا سيأتي إن شاء الله تفصيل مسائل الرضاع، وبيان مسألة لبن الفحل والآثار المترتبة على الرضاع.

بيان المحرمات بالمصاهرة وحكم كل نوع منها

قال رحمه الله: [ويحرم بالعقد زوجة أبيه وكل جد]

قوله: (ويحرم بالعقد) هذا النوع الرابع من المحرمات، أولاً: المحرمات بالنسب، وهن السبع اللاتي تقدمن، ثم بعد ذلك المحرمات بالملاعنة التي ذكرنا، ثم بعد ذلك النوع الثالث الرضاع وانتهينا منه. ثم بعد ذلك سيشرع الآن في النوع الرابع وهو المصاهرة.

والمصاهرة: مفاعلة من الصهر، ويأتي هذا في الأصول والفروع من حيث الزوجية، فتأخذ أصلك وتأخذ فرعك، وتنظر إلى زوجة الأصل وزوجة الفرع حتى تضبط المحرمات من المصاهرة وهي أربع، ولابد أن تحفظهم؛ لأن هؤلاء النسوة محارم لك، والمحرمات من المصاهرة يحرمن إلى الأبد، وهن محارم. وقلنا: المحارم ثلاثة: النسب، والرضاع، والمصاهرة، والواجب على كل مسلم بالغ أن يعلم هؤلاء المحارم حتى يعرف من هي المرأة التي يجوز له أن يختلي بها، والتي يجوز أن يصافحها، والتي يجوز أن يسافر معها، فبيّنا حكم النسب، وبيّنا أن الرضاع يأخذ حكم النسب، بقي المصاهرة وهو النوع الثالث من المحارم، وهو الرابع مما ذكره المصنف.

المصاهرة إذا أردت أن تضبطها أربع من النساء، والأربع تأخذ اثنتين منهن لأصلك ولفرعك، واحدة لأصلك وواحدة لفرعك، زوجة أصلك وزوجة فرعك، ثم اثنتين منهن أصل لزوجتك، وفرع زوجتك، وهما أم الزوجة، وبنت الزوجة، حتى تحفظ المصاهرة تأخذ هذا الضابط، فعندك أصولك وفروعك فانظر إلى نسائهم، زوجات الآباء وزوجات الأبناء، هذان نوعان من النسوة من جهة الأصول والفروع، وعندنا نوعان من النسوة من جهة الزوجة: أصلها وفرعها، فتقول: أم الزوجة وبنت الزوجة، فأصبحن أربعاً.

نبدأ أولاً بزوجات الأصول: هي كل أنثى عقد عليها والدك وإن علا، سواء دخل بها أو لم يدخل، سواء طلقها أو بقيت في عصمته أو مات عنها، فإنها محرم لك إلى الأبد. زوجات الأصول: وهي كل أنثى عقد عليها أبوك أو أبوه وإن علا، وسواء كان من جهة الأب أو من جهة الأم كوالد الأم وأبيه، والدليل على هذا النوع الأول من أنواع المصاهرة قوله تعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:22] معنى قوله: (إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ) قيل: إن إلا بمعنى: ولا ما قد سلف، ومنه قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [النساء:92] أي: ولا خطأً كأن يتساهل ويتعاطى الأسباب. ومنه قول الشاعر:

وكل أخٍ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان

أي: والفرقدان.

وحمل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (ثمن الكلب سحت إلا الكلب الضاري) أي: والكلب الضاري لا يحل شراؤه وبيعه.

الشاهد: أن قوله تعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:22] أي: ولا ما قد سلف، فلا تستديموا نكاحهن وفارقوهن. ما موضع الشاهد من هذه الآية؟

موضع الشاهد أن الله يقول: وَلا تَنكِحُوا [النساء:22] فحرم علينا أن ننكح ونتزوج ما نكح آباؤنا، وانظر إلى قوله: (ما نكح) والمرأة منكوحة للرجل بالعقد، فإنك تصف المرأة أنها منكوحة للإنسان بمجرد العقد عليها، ومن هنا قالوا: لا يشترط في تحريم زوجة الأب أن يدخل الأب بها، فلو أنه عقد عليها الساعة وطلقها مباشرة فهي محرم لك إلى الأبد، ومحرمة عليك إلى الأبد.

قوله: (ولا تنكحوا ما نكح) أي: ما عقد عليه آباؤكم سواءً بقين أو طلقن أو مات الآباء عنهن وهن في عصمة إلى آخره.

فلو سألك سائل: عن امرأة عقد عليها جده لأبيه ثم توفي عنها، أو طلقها، أو لم يدخل بها وطلقها قبل الدخول؟

تقول: هذه محرم لك إلى الأبد، وعلى هذا قالوا: يشمل هذا الأب من جهة الذكور ومن جهة الإناث، أي: الذي يدلي بذكور ويدلي بإناث، فإن زوجته محرمة إلى الأبد.

قال رحمه الله: [وزوجة ابنه وإن نزل]

قوله: (وزوجة ابنه) النوع الثاني من المحرمات من المصاهرة: زوجات الأبناء، زوجات الأبناء يأخذن نفس الحكم، بمجرد أن يعقد ولدك على امرأة يحل لك أن تقابلها، وأن تصافحها، وأن تختلي بها، وأن تسافر معها، سواء دخل بها أو لم يدخل، ما الدليل على ذلك؟

قوله تعالى: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23] ، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله حرم علينا حليلة الابن: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ [النساء:23] ؛ لأن الآية الكريم صدرت بقوله جل ذكره وتقدست أسماؤه: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ [النساء:23] ، فالعقد يقول: وحرمت عليكم حلائل أبنائكم، فلما كان هذا أصل التقدير معناه: أنه إذا كانت المرأة حليلة لولدك فإنها بمجرد أن تصير حليلة فهي محرم لك.

حسناً! لو أن الابن طلقها بعد العقد مباشرة أو مات عنها بعد العقد مباشرة فهي محرمة عليك إلى الأبد، فالله تعالى يقول: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ [النساء:23] ، قال العلماء: وصف الله هذا النوع من المحرمات بكونه حليلة، وبالإجماع: أن الولد لو عقد على امرأة صارت حليلة له ومحرماً لوالده، أي: أن المرأة حليلة للرجل بمجرد أن يعقد عليها، وهذا بحكم الشرع، والشرع وصف حليلة الابن بكونها محرمة، إذاً فالقاعدة: أن كل امرأة عقد عليها الابن فهي محرمة على والده إلى الأبد. يشمل هذا ابنك المباشر وابن ابنك وابن بنتك وإن نزل، فلو سئُلت عن ابن بنت ونحو ذلك تزوج امرأة وعقد عليها جاز لك بعد العقد مباشرة أن تدخل وتسلم عليها؛ لأنها أصبحت محرماً لك بمجرد العقد عليها.

قوله: (وإن نزل) ابن ابن وابن بنت وإن نزل، تمحض بالذكور أو تمحض بالإناث كما ذكرنا، والدليل عموم قوله تعالى: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ [النساء:23] ، ولم يفرق بين ابن وآخر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف الحسن بأنه ابن له، مع أنه بواسطة أنثى، فدل على أن من تمحض بالذكور أو تمحض بالإناث أنه ابنك ما دام أنه فرع لك.

قال: [ دون بناتهن وأمهاتهن ]

قوله: (دون بناتهن وأمهاتهن)، فمثلاً: زوجة الأب لها بنت الذي هي ربيبة الأب، الوالد تزوج خديجة فخديجة بنتها محرم لوالدك؛ لأنها ربيبته، يجوز لك أن تتزوج ربيبة والدك، فهي حرام على والدك وحلال لك أنت، فتحريم المصاهرة يختص بمن ذكرنا.

قوله: (وأمهاتهن)، مثل: أن يتزوج الابن خديجة بمجرد عقد الولد على خديجة تحرم عليه أمها؛ لقوله تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23] ، لكن هذه الأم تحل لأبيه، فيجوز لأبيه أن يتزوجها، مثلما ذكرنا في الربيبة التي هي بنت زوجة الإنسان فهي محرم له ويحرم عليه نكاحها، ويجوز لابنه أن يتزوجها، وكذلك زوجة الابن أمها محرم للابن وحرام عليه أن يتزوجها، لكن يجوز لوالده أن ينكحها.

فالتحريم قيده الله عز وجل بضابطه، فأنت إذا قلت: بنت زوجتي حرام عليَّ وهي الربيبة، لكن ليست على الولد بحرام، فالابن يجوز له أن يتزوج الربيبة التي هي بنت زوجتك وهي حرام عليك، وكذلك أم زوجتك حرام عليك لكنها ليست بحرام على ابنك فيجوز له أن يتزوجها، والدليل على هذا قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ [النساء:24] ، فإن التحريم قصر على الابن إذا تزوج امرأة أن ينكح أمها، لكن لم يحرم على أبيه ذلك، وقصر على الأب إذا كان قد تزوج امرأة لها بنت أن ينكح بنتها، لكن لم يحرم على ابنه ذلك، فيجوز له أن ينكحها؛ لأنها ليست بربيبة له وإنما هي ربيبة لأبيه، وكذلك أم زوجة أبيه ليست بأم زوجته وإنما هي أم لزوجة أبيه، فالحكم واضح في هذا، تقصر التحريم على موضعه الذي ورد به وتبقي ما عدا ذلك على الأصل من الجواز، وإذا راجعت المسألة فهي واضحة إن شاء الله.

قال: [ وتحرم أم زوجته وجداتها بالعقد ]

قوله: (وتحرم أم زوجته وجداتها بالعقد)، هذا النوع الثالث أم الزوجة. عندنا نوعان باقيان: أم الزوجة، وبنت الزوجة، وانظر إلى حكمة الله سبحانه وتعالى، وكمال لطفه، ودقة هذه الشريعة الإسلامية العظيمة، حينما جاءت تحرم أم زوجة الإنسان، الغالب أنه إذا عقد الرجل على امرأة فالبنت أجمل من أمها، وقلّ أن تجد رجلاً يطلق بنتاً ويتزوج أمها، فجعل الله تحريم أم الزوجة بمجرد العقد على ابنتها، ولأن البنت يصيبها من الغيرة الشديدة والأمر العظيم من الحقد على أمها لو أباح الشرع أنه لا يحرم التزوج بأمها إلا بعد الدخول بها، لكن جعل تحريم الأم بمجرد العقد على البنت، أما العكس إذا تزوج أماً فإن البنت وهي الربيبة لا تحرم إلا بعد الدخول بأمها، وذلك لقوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]؛ فانظر كيف التوسعة!

وفي الغالب أن الرجل لا يطلق امرأة ويتزوج أمها؛ لأن الغالب أن البنت أجمل من أمها وأكمل وأحظى عند الزوج، وهذا شيء جبلي فطري، والشريعة لا تعارض الغرائز والأشياء الطبيعية، إنما تريد أن تهذّب وتقوّم وتضع كل شيء في نصابه: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ [الأعراف:52] ، فحكم الله الذي يقص الحق وهو خير الفاصلين سبحانه! سبحانه ما أحكمه! وينبغي على طالب العلم إذا تعلم هذه الأحكام أن يزداد من العقيدة والإيمان، ما فائدة أن يعرف الإنسان الحكم ويقول: هذا حلال أو حرام فقط، هذا لا يكفي، بل ينبغي أن يصحبه اليقين، وأنه ليس هناك أكمل ولا أبدع ولا أجمل ولا أتقن من حكم الله سبحانه وتعالى قال سبحانه: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ [الأنعام:115] وقال سبحانه: والله يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41] ، من هذا الذي يستطيع أن يستدرك على رب العزة والجلال، جل جلاله وتقدست أسماؤه؟!!

لقد جعل الله تحريم الأم بمجرد العقد على البنت، لكن البنت التي هي أحظى وأجمل إنما جعل تحريمها بالدخول على أمها، فجعل الأمر على السعة. والأم في الغالب إذا وجدت بنتها سعيدة، وتجد أنه أراد بنتها فهي ترضى، ومستعدة لأن تضحي بنفسها لقاء سعادة بنتها، لكن العكس البنت قد يكون فيها من العقوق، ما ترضى ذلك لأمها وقد تحقد على أمها، فانظر إلى دقة الشريعة، وحسن نظام الله سبحانه وتعالى وتنظيمه لهذا الكون، وحكمه سبحانه وتعالى بين عباده، حيث يحرم فتجد أكمل ما يكون التحريم، ويبيح ويحل فتجد أجمل ما يكون الحل وأكمل ما تكون الإباحة.

فالشاهد: أن أمهات النساء يحرمن بمجرد العقد، فأي امرأة عقدت عليها ولم تدخل بها، جاز لك أن تذهب إلى أمها وتصافحها وتختلي بها؛ لأن الأم أصبحت محرماً لك بمجرد العقد من ابنتها، ما الدليل؟

قوله تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23].

حسناً! أمهات نسائكم كيف دلت الآية على أنها محرم؟

لأن الله يقول: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23] ، فوصف المرأة من نسائك، والمرأة تكون من نسائك بمجرد العقد، ولا يشترط في وصف المرأة بكونها من نسائك الدخول، فكل امرأة عقدت عليها فهي من نسائك، وعلى هذا قال العلماء: أي امرأة عقدت عليها فإن أمها محرم لك وحرام عليك إلى الأبد ولا يشترط الدخول.

المسألة الثانية: إذا ثبت أن أم المرأة تحرم يشمل هذا أمها المباشرة وأم أمها وإن علت، سواء تمحضت بالذكور أو الإناث كما تقدم.

قال: [ وبنتها وبنات أولادها بالدخول ]

قوله: (وبنتها وبنات أولادها بالدخول)، أي: وتحرم بنت الزوجة بالدخول بأمها، بنت الزوجة هذه تسمى: الربيبة، والربيبة: كل أنثى لزوجتك عليها ولادة مباشرة أو بواسطة، فيمكن أن توصف بالربيبة حتى ولو كانت زوجتك جدة لها، كبنت بنت زوجتك وبنت ابن زوجتك فربيبة لك، واختلف العلماء في هذا النوع من المحرمات، طبعاً الحكم بالإجماع على أن الربيبة لها صورتان:

الصورة الأولى: أن تتربى في حجرك، ومثال ذلك: رجل ينكح امرأة وينجب منها بنتاً، ثم إن هذه البنت مات أبوها وهي صغيرة، فنشأت يتيمة فتزوجت أمها فنشأت وتربت في حجرك ورعايتك، بالإجماع هي حرام عليك، ومحرم لك إلى الأبد، وقد نص الله عز وجل على ذلك بقوله: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23] فالربيبة شرط تحريمها الدخول بأمها، كما ذكرنا أنها بنت ويفتقر تحريم البنت التي هي الأكمل إلى الدخول بأمها، فلا تحرم الربيبة بمجرد العقد، فلو عقد على أمها ثم طلقها وتزوجها حلت، هذا بالنسبة إلى الربيبة، إذا كانت في الحجر بالإجماع.

الصورة الثانية: أن لا تتربى في حجر زوج أمها مثل: رجل تزوج امرأة وأنجب منها بنتاً ثم طلقها، وبقيت هذه البنت مع أبيها في مكة، ثم انتقلت أمها إلى المدينة عند زوج آخر، فالبنت التي في مكة تعتبر ربيبة لزوج أمها، مع أنها ليست في حجره، فهل إذا كانت بنت الزوجة ليست في حجر زوج أمها هل تحرم عليه؟

جمهور العلماء وأئمة السلف: على أن الربيبة تحرم سواء كانت في الحجر أو لم تكن في الحجر، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها وعن أبيها وقالت له: (يا رسول الله! هل لك في ابنة أبي سفيان ؟ -تعرض أختها- فقال صلى الله عليه وسلم: أويسرك ذاك؟!) هل يسرك أني أتزوج عليكِ وتكون الزوجة التي معك أختاً لكِ، هل يسرك؟ لأن المعروف أن المرأة تغار من الضرة، فكيف تعرض أختها؟! وهي تعرض أختها وتقول: (يا رسول الله! هل لك أن تنكح ابنة أبي سفيان -يعني أختي- ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أويسرك ذاك؟! فقالت: يا رسول الله! إنا نحدث -يعني: نسمع، تعرف النساء هذه الأخبار ما تغيب- أنك ناكح، وإني رأيت الخير وأحب من يشاركني في الخير أختي) رأيت أفضل من يشاركني الخير أختي، وإلا فالأصل أن المرأة لا تقبل الضرة، لكن ما دام أن المسألة فيها زواج، فالأفضل أن يكون لقريب لا لغريب، فلما قالت هذه الكلمة (قال: من؟ -يعني: من بلغكم أني أريد أن أتزوج؟- قالت: ابنة أبي سلمة ، فقال: إنها لو لم تكن في حجري لما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة) ؛ فهي حين سمعت سيتزوج بنت أبي سلمة ، وهي طبعاً أجمل وأكمل وأصغر، تدخلت الغيرة التي هي طبيعة وجبلة، فعرضت أختها.

فامتنع صلى الله عليه وسلم وقال: (من بلغكم أني أتزوج ابنة أبي سلمة إنها لو لم تكن ربيبتي -يعني في حجري- لما حلت لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة) ، والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (فلا تعرضن -هذا محل النهي- عليَّ بناتكن ولا أخواتكن)، لا تعرضن النهي للتحريم؛ لأنهن من المحرمات، وهو حين قال: (لا تعرضن عليَّ بناتكن) ما قال: اللاتي في حجري، بل الربائب كلهن، (بناتكن ولا أخواتكن)، فأخذ جماهير العلماء من هذا الحديث أن قوله تعالى: فِي حُجُورِكُمْ [النساء:23] نص خرج مخرج الغالب، تقول القاعدة: إن النص إذا خرج مخرج الغالب لا يعتبر مفهومه.

قوله: فِي حُجُورِكُمْ [النساء:23] ، والغالب أن الربيبة تكون في الحجر، وكأن القرآن يستبشع على المسلم أن يتزوج بنتاً تربت في حجره مثل بناته، فيقول: كيف تتزوج الربيبة وهي قد تربت في حجرك؟! من باب التبشيع

.

فالظاهرية أخذوا بقوله: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ [النساء:23] وخالفوا جماهير العلماء رحمة الله على الجميع فقالوا: تحرم إذا كانت في الحجر، وتحل إذا لم تكن في الحجر.

والجمهور قالوا: تحرم ما كانت في الحجر وما كانت في غير الحجر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن) ، فقوي ما ذكرناه: من أن النص خرج مخرج الغالب.

وعلى هذا نأخذ الخلاصة: أن المحرمات من جهة المصاهرة يشمل ذلك: زوجات الآباء على العموم الذي ذكرناه، وضابطها: كل أنثى عقد عليها الأب أو أبوه وإن علا، سواء دخل أو لم يدخل، بقيت في عصمته أو مات عنها. كذلك أيضاً زوجات الأبناء: وهي كل أنثى عقد عليها الابن أو ابنه وإن نزل، وسواء دخل أو لم يدخل، بقيت في عصمته أو طلقها أو مات عنها، كذلك أم الزوجة، وضابطها: كل أنثى لها على زوجتك ولادة، سواء كانت مباشرة أو بواسطة. وكذلك بنت الزوجة وهي الربيبة، وشرط تحريمها الدخول بأمها، ويستوي في ذلك أن تكون في الحجر أو لا تكون في الحجر على ما ذكرناه.

قال رحمه الله: [فإن بانت الزوجة أو ماتت بعد الخلوة أبحن]

قوله: (فإن ماتت الزوجة) التي هي أم الربيبة، الربيبة: بنت الزوجة وبنت بنتها، فإن ماتت أمها قبل الدخول أو بعد الخلوة وقبل الوطء حلت لزوج أمها؛ لأن الله يقول: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23] ، فهذا نص صريح على أن شرط تحريمها الدخول.