خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [125]
الحلقة مفرغة
السؤال: تعلمون أن الغرب والشرق قد استهدفنا بما نراه شراً، وبما نعتقد أنه خير ولا ندري، ومن ذلك أنهم أخذوا يقذفون في محيطنا كل إنتاجهم من وسائل نقل وترفيه وتدفئة وتبريد وملابس وأكل إلى آخره، مما لا أستطيع عده الآن، حتى أنني قد وجدت في فرشة أسنان تعمل على البطارية، يجعلها الإنسان على أسنانه وتتحرك حركة سريعة فتنظف الأسنان من غير جهد، والسؤال: ما قصد أصحاب هذه المخترعات؟
الجواب: قول الأخ السائل: إن الشرق والغرب قد استهدفونا؛ فإن هذا حق، فإننا نرى أن الشرق والغرب كلاهما ليسا على دين الإسلام، وكل من كان على غير دين الإسلام فإنه عدو للإسلام، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1] ، وهم يستهدفوننا لغرض القضاء على ديننا أولاً وقبل كل شيء، ثم لإضعاف قوتنا المادية والخُلُقية حتى يسيطروا على عقولنا وأفكارنا وأموالنا وبلادنا، وهذا شيء معلوم بالتتبع من أزمنة قديمة.
وأما ما أغرقونا به من مواد الترفيه والتنعم؛ فإن هذا بلا شك من نعمة الله تبارك وتعالى على العبد أن سخر له من يعملون له ما يكون فيه الرخاء والهناء والمساعدة على الأمور الشاقة، ولا ريب أن هذا من نعمة الله سبحانه وتعالى، فإذا استعمل الإنسان هذه النعم على وجه مباح وفي الحدود الشرعية من غير إسراف ولا مغالاة، واستعان بها على طاعة ربه، كان في ذلك خيراً له في دينه ودنياه، وإن جاوز الحدود فيها وأسرف أو استعان بها على معصية الله، كانت شراً عليه، وعاقبتها وخيمة.
وأما ما يهدف إليه هؤلاء من إغراقنا بمثل هذه الأمور التي ذكرها السائل، فإن في اعتقادي أنهم لا يريدون بذلك إلا أمراً مادياً فقط، وهو جباية المال والحصول عليه، وأنهم لا يقصدون بذلك أمراً دينياً أو أمراً سياسياً فيما يبدو لنا، وذلك لأننا نراهم يتسابقون إلينا.. يتسابق إلينا مندوب الشركات من كل وجهة لأجل أن يروجوا سلعهم بقطع النظر عن كون هذه السلعة لهذا الغرض أو لهذا الغرض، مما يدل على أن قصدهم شيء مالي فقط، والله أعلم بالسرائر.
السؤال: ما موقف المسلم من هذه النعم؟
الجواب: موقف المسلم من هذه النعم هو ما أشرنا إليه قبل قليل، أن يستعين بها على طاعة الله، وأن يشكر الله سبحانه وتعالى على تسخيره وتيسيره، وألا يتجاوز بها الحد في الإسراف بالتنعم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كثرة الإرفاه، لأن كثرة الإرفاه توجب انشغال النفس بالاهتمام بتنعيم البدن دون القيام بما خُلِقَ له العبد من عبادة الله سبحانه وتعالى.
المقدم: هل ينبغي للمسلم أن يترفه ويرتاح ويتنعم بهذا القدر؟
الشيخ: يجوز للمسلم أن يتنعم ويترفه ويرتاح بالشرطين اللذين سبقا، وهما: ألا يتجاوز الحد في هذا التنعم والإرفاه، وألا يستعين به على معصية الله سبحانه وتعالى، أو الغفلة عن طاعته.
المقدم: ما خطر هذا الترفيه على مستقبل المسلمين؟
الشيخ: خطر هذا الترفيه ولا سيما إذا تجاوز الحد في رأيي أنه شديد، وذلك أنه إذا انقطعت أسبابه فستكون النتيجة رد فعل عظيم بالغ، لأن الناس اعتادوا هذا الترفه، وهذا التنعم، فإذا فقد منهم نسأل الله السلامة فإنه يحصل عليهم بذلك مشقة شديدة، لأن من اعتاد على شيء ثم فقده صار له أثر بالغ في نفسه، بخلاف من لم يعتده من قبل، وزوال هذا الترفه وهذا التنعم ليس ببعيد إذا استعان الناس بهذا على معصية الله تعالى والغفلة عن طاعته؛ لأن الله يقول: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7] ، ويقول سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] ، ويقول سبحانه وتعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112]، فهذه النعم إذا شكرها العبد واستعان بها على طاعة الله سبحانه وتعالى وعرف بها نعمة ربه وآلاءه ورحمته، ازدادت بوعد الله سبحانه وتعالى، وإن كفرها فإنها تنتزع منه وتنتزع بركتها كما ذكرنا ما يدل عليه من الآيات الثلاث.
وعلى هذا فإنه يخشى إذا زالت هذه النعم بعد الانغماس في الترف والتنعم بها؟ أن يكون لها أثر بالغ في المشقة والنكد والحزن والأسى نسأل الله السلامة.
السؤال: كيف يكون مصير الأمة الإسلامية لو تبدلت حياتهم المكانية والمعيشية، لو جد عليهم ظروف جديدة مثل: الكوارث من سيول عارمة أخرجت الكثير منهم من منازلهم وما فيها من نعيم، أو زلزال حرمهم مساكنهم وما فيها من وسائل الراحة، وأخرجهم مع أطفالهم ونسائهم في العراء، أو أعاصير لا قدرة للخلق بها، ثم يقول: بالله عليكم ما السبيل؟ لأنني أقول لكم هذا الكلام حينما عرفت موقعي من هذه الدنيا بما لدي من مال يفوق تصور الكثيرين من الناس، وبما أنني قد عرفت أن هذا المال ليس ملكي، وإنما هو وديعة عندي لصاحبه الحقيقي وهو الله، وأخشى في يوم ما أن يسترجع عاريته ولا يبقى عندي إلا أثرها، وهو نعومة ملمسي، وحسن نضارتي، وجودة ملبسي، وفراهة مركبي، دلونا على الصواب معشر التجار فإنا في خطر؟
الجواب: أنا أشكر الأخ على هذا الكلام الجيد الرصين الذي يدل على إيمانه، وعلى عقله، وتخوفه من المستقبل.
ودلالتي لهؤلاء التجار أولاً: أن يأخذوا الأموال من وجهها، على وجه مباح ليس فيه غش أو خداع أو مكر بالمسؤولين أو غير المسؤولين، وألا يتجرءوا على أخذه من طريق الربا؛ فإن الربا من أعظم الذنوب وأشدها خطراً على المجتمع، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278] ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه لعن في الربا خمسة: ( لعن آكله وموكله وشاهديه وكاتبه، وقال: هم سواء)، فنصيحتي لهؤلاء التجار أن يكون اكتسابهم من المال على وجه حلال.
ثانياً: أن يخرجوا ما يجب في هذا المال من زكاة ونفقات.
وثالثاً: ألا يسرفوا في استهلاك هذا المال في أمور التنعم بفضول الطعام والشراب واللباس والنكاح والمساكن والمراكب وغيرها، وأن يقتصدوا؛ فإنه من الدعاء المأثور: ( أسألك القصد في الفقر والغنى)، وليس يعقب السرف إلا التلف، فإذا هم استقاموا على هذه الأمور الثلاثة: اكتساب المال من حله، وصرف ما يجب فيه من زكاة ونفقات، وعدم الإسراف في إنفاقه، فإنه يُرجَى لهم خير كثير، ونعم المال الصالح عند الرجل الصالح.
السؤال: ما حكم الدجاج المثلج الذي نستورده من أوروبا، مع تطور أساليب الذبح التي دخلت فيها الكهرباء وغيرها من الأساليب؟
الجواب: هذا السؤال كثير الوقوع من داخل المملكة وخارج المملكة، ولكن يجب أن نعرف أموراً:
الأمر الأول: أنه يشترط للذبح شروط، منها: أهلية الذابح بأن يكون مسلماً أو كتابياً وهو اليهودي والنصراني، فذبائح غير هؤلاء الأصناف الثلاثة وهم المسلمون واليهود والنصارى، ذبائح غيرهم من الوثنيين والمشركين لا تحل؛ لمفهوم قوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5] ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة التي أهديت له في خيبر، أهدتها له امرأة يهودية، وأجاب دعوة يهودي في المدينة فقدم له خبزاً من شعير وإهالة سنخة، والإهالة السنخة هي الشحم المتغير.
الأمر الثاني: يشترط في الذبح ذكر اسم الله عليه، بأن يقول الذابح: بسم الله، ومن ترك التسمية على الذبيحة فذبيحته حرام؛ لقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكل).
الأمر الثالث: قطع ما يجب قطعه في الذبح وهو الودجان -أي: العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم- لأن بقطعهما إنهار الدم، واختلف العلماء في وجوب قطع الحلقوم والمريء، ووجوب قطع الودجين، والذي يظهر لي وجوب قطع الودجين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل)، ولا إنهار للدم إلا بقطع الودجين، هذه من شروط الذكاة.
فإذا جاءنا لحم من شخص هو أهل للذكاة: مسلم أو يهودي أو نصراني، فإن لنا أن نأكل منه ولا نسأل: كيف ذبح؟ ولا هل سمى أم لم يسم؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل من ذبائح اليهود ولم يسألهم كيف ذبحوا؟ ولا هل سموا أم لم يسموا؟ بل في صحيح البخاري من حديث عائشة : ( أن قوماً قالوا: يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا)، يعني: سموا على الأكل وكلوا، ( قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر)، فهنا يشير النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الحكم إلى أنه لا ينبغي للإنسان إذا صدر الفعل من أهله أن يسأل كيف، وعلى أي وجه، وعلى هذا فإذا جاءنا لحم من ذبائح أهل الكتاب اليهود والنصارى، فإن لنا أن نأكله ولا نسأل: كيف ذبُح؟ ولا هل سمي عليه أم لا؟ بل السؤال عنه من خلاف السنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسأل، ومادام أن الله أباحه لنا على الإطلاق في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم أكله بدون سؤال؛ فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا ثبت لنا أن هذه الدجاجة المعينة أو الذبيحة المعينة من غير الدجاج، إذا ثبت لنا أن هذا الشيء المعين ذبح بدون إنهار الدم، إما بالخنق أو بالصعق بالكهرباء أو بغير ذلك؛ فإنه يكون حينئذ حراماً؛ لقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3].
فإذا علمنا أن هذه الذبيحة المعينة ذبُحت بدون إنهار الدم فهي حرام، وما دمنا لم نعلم، وقد ذبحها أهل الكتاب؛ فإن الأصل الحل، وليس من حقنا ولا ينبغي لنا أيضاً أن نسأل، ولكن كثر القيل والقال في هذه المسألة، وأنهم يذبحون بالصعق بالكهرباء بدون إنهار الدم.
ومن أجل هذا القول والخوض الكثير أرى أن الورع ترك الأكل منها، وأن الإنسان لو أكل فلا حرج عليه، لكن ترك المشكوك فيه من الأمور التي ينبغي أن يسلكها المرء مادام الحلال البين ظاهراً، ثم إنه ينبغي أن نعلم أنهم لو صعقوها بالكهرباء أو ضربوها بالفأس على رأسها أو ما أشبه ذلك، ثم أنهروا الدم وذكوها تذكية شرعية بعد ذلك؛ فإنها تكون حلالاً؛ لقوله تعالى: وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ [المائدة:3] ، فما أصابه سبب الموت من خنق أو كسر رأس أو غيره، إذا أدركت حياته وذكي صار حلالاً.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3342 استماع |