خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
سلسلة شرح صحيح البخاري [5]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فلا زلنا أيها الإخوة الكرام! مع كتاب السهو من صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى: [باب: إذا لم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً سجد سجدتين وهو جالس].
ولكن قبل أن نشرع في شرح هذا الباب، نعيد ما ذكرناه في الأسبوع الماضي؛ نظراً لأهميته.
قلت: إن سجود السهو له أربع حالات: حالتان قبل التسليمتين وحالتان بعد التسليمتين، أما الحالتان اللتان قبل التسليمتين فهما: إذا شك في عدد الركعات صلى ثلاثاً أم صلى أربعاً يبني على الأقل وهو اليقين، ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
كذلك إذا شك في تحصيل ركن كأن نسي الركوع فشك هل ركع أم لم يركع يطرح الشك ويبني على اليقين أنه لم يركع، ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل التسليمتين.
والحالة الثانية: إذا نسي واجباً من واجبات الصلاة السبعة، وهذا مذهب الحنابلة، وأنا حينما أتحدث في شرح العدة أو في رأي البخاري أقول: هذا مذهب الحنابلة، وربما يختلف مع الجمهور وربما يكون هناك راجحاً ومرجوحاً، فلسنا بصدد الترجيح، وإنما نحن بصدد بيان مذهب الحنابلة، أما إن أردت الراجح والمرجوح فهذا فقه مقارن.
والاحتياط في أمر العبادة أولى، ولذلك الحالة الثانية لسجود السهو أن ينسى واجباً من واجبات الصلاة السبعة، كأن ينسى التشهد الأوسط فعليه أن يسجد للسهو قبل أن يسلم، أو ينسى التسبيح والتحميد في ركوعه، أو ينسى التسميع والتحميد عند الرفع من الركوع، أو ينسى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، أو ينسى (ربي اغفر لي) بين السجدتين، فهذه واجبات الصلاة السبعة عند الحنابلة، إن نسيها فيجبرها سجود السهو قبل التسليمتين، وإن تعمد الترك تبطل الصلاة.
وقولي: (تبطل بها الصلاة) موضوع خلافي، ولسنا بصدد الترجيح، ولكني أبين لك هذا الرأي.
أما الحالتان اللتان بعد التسليمتين حالة الزيادة وحالة النقص، فإن زاد في الصلاة ركعة ثم تيقن أنه زاد فعليه أن يسجد بعد أن يسلم، وإن نقصت الصلاة ركعتين أو ركعة كأن يصلي الظهر أربع ركعات فسلم بعد ركعتين فيقوم ويأتي بركعتين، ثم يسجد للسهو بعد التسليمتين.
قال البخاري رحمه الله: [ باب: إذا لم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً سجد سجدتين وهو جالس.
قال: حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نودي بالصلاة) ، يعني: بالأذان: (أدبر الشيطان)، أي: ولى مدبراً (وله ضراط حتى لا يسمع الأذان) ، وذلك من تغيظه (فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثوب بها أدبر)، أي: أقيمت الصلاة (فإذا قضي التثويب أقبل)، مرة ثانية (حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا اذكر كذا ما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى) ، يعني: ما يدري كم صلى (فإذا لم يدر أحدكم كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس) ].
فوائد الحديث
الفائدة الأولى: أن الشيطان يحاول أن يفسد على الإنسان صلاته، فعند النداء يدبر ثم يعود، وعند التثويب يدبر ثم يعود، ويذكره ما لم يكن يتذكر؛ لذلك كان بعض العلماء إن نسي شيئاً ويريد أن يبحث عنه دخل في الصلاة، فذكَّره الشيطان ما لم يكن يذكر بحال؛ لأن الشيطان يأتي للإنسان عند الصلاة ويعرض عليه أموراً كثيرة تذكره بأعماله، وهذا أمر موجود، لكن لا بد للإنسان أن يعقل ما يقرأ، وأن يدفع هذه الوسوسة قدر الاستطاعة، وهذا ليس معناه: أن هناك إنساناً يسلم منها، بل لا بد من وجودها، لكن ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها، وربنا أثنى على الخاشعين فقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، فالشيطان يُلبِّس على المرء في صلاته، فإذا لم يتيقن هل صلى ثلاثاً أم أربعاً فعليه أن يسجد سجدتين، وشرعت السجدتان ترغيماً للشيطان، فالسجود هو أكثر شيء يغيظ الشيطان، وقد جاء في الأثر: أن المسلم حينما يسجد يولي الشيطان مدبراً ويقول: أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار. لأن الله حينما أمره أن يسجد لآدم أبى واستكبر، ورب العالمين يقول: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة:34].
قال ابن عباس : السجود لآدم والطاعة لله، وفرق بين السجود للشيء والسجود إلى الشيء، فنحن الآن نسجد إلى الكعبة وليس لها؛ لأن معنى (إلى): جهة، أما آدم فكان السجود لشخصه ولتعظيمه وتكريمه، ففرق بين السجود إلى الشيء والسجود للشيء؛ ولذلك حينما يسجد العبد لربه عز وجل يغتاظ الشيطان.
وأحد الصحابة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مرافقته في الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعني على نفسك بكثرة السجود)؛ ولذلك أفضل أركان الصلاة عند العلماء هو السجود: (فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء)؛ وذلك لأن الله يقول: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، فكلما سجد الإنسان زاد قرباً من الله سبحانه وتعالى.
في الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: أن الشيطان يحاول أن يفسد على الإنسان صلاته، فعند النداء يدبر ثم يعود، وعند التثويب يدبر ثم يعود، ويذكره ما لم يكن يتذكر؛ لذلك كان بعض العلماء إن نسي شيئاً ويريد أن يبحث عنه دخل في الصلاة، فذكَّره الشيطان ما لم يكن يذكر بحال؛ لأن الشيطان يأتي للإنسان عند الصلاة ويعرض عليه أموراً كثيرة تذكره بأعماله، وهذا أمر موجود، لكن لا بد للإنسان أن يعقل ما يقرأ، وأن يدفع هذه الوسوسة قدر الاستطاعة، وهذا ليس معناه: أن هناك إنساناً يسلم منها، بل لا بد من وجودها، لكن ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها، وربنا أثنى على الخاشعين فقال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، فالشيطان يُلبِّس على المرء في صلاته، فإذا لم يتيقن هل صلى ثلاثاً أم أربعاً فعليه أن يسجد سجدتين، وشرعت السجدتان ترغيماً للشيطان، فالسجود هو أكثر شيء يغيظ الشيطان، وقد جاء في الأثر: أن المسلم حينما يسجد يولي الشيطان مدبراً ويقول: أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار. لأن الله حينما أمره أن يسجد لآدم أبى واستكبر، ورب العالمين يقول: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة:34].
قال ابن عباس : السجود لآدم والطاعة لله، وفرق بين السجود للشيء والسجود إلى الشيء، فنحن الآن نسجد إلى الكعبة وليس لها؛ لأن معنى (إلى): جهة، أما آدم فكان السجود لشخصه ولتعظيمه وتكريمه، ففرق بين السجود إلى الشيء والسجود للشيء؛ ولذلك حينما يسجد العبد لربه عز وجل يغتاظ الشيطان.
وأحد الصحابة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مرافقته في الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أعني على نفسك بكثرة السجود)؛ ولذلك أفضل أركان الصلاة عند العلماء هو السجود: (فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء)؛ وذلك لأن الله يقول: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، فكلما سجد الإنسان زاد قرباً من الله سبحانه وتعالى.
قال البخاري رحمه الله: [ باب: السهو في الفرض والتطوع ].
والبخاري رحمه الله بهذا يرد على بعض الآراء الفقهية المرجوحة الشاذة التي فرقت بين الفرض والتطوع، فقال البعض: إنه لا يجوز أن تسجد للسهو في السنة، وإنما سجود السهو يكون للفرض، وهذا تمييز باطل، فسجود السهو للفريضة وللنافلة على السواء، كما فرقوا بين الناسي في صيام الفرض والناسي في صيام التطوع، وهذا تفريق باطل. فإذا قال المرء: إن كنت تصوم نافلة فأكلت ناسياً فافطر؛ لأن صيامك لا يصح، وإن كان صيامك فريضة فصيامك، صحيح.
كل هذا كلام باطل وتفريق بغير دليل، ولذلك يقول البخاري: [باب: السهو في الفرض والتطوع] يعني: السهو شرع للتطوع كما شرع للفرض على السواء، وهذا رأي الجمهور؛ خلافاً لبعض الآراء الفقهية.
وسجد ابن عباس رضي الله عنهما سجدتين بعد وتره. والوتر صلاة نافلة -صلاة تطوع- ولم يقل أحد: إن صلاة الوتر من الفروض إلا الأحناف، وهو قول مرجوح، إذ إن الراجح: أن الصلوات خمس في اليوم والليلة.
وآخر حياة النبي عليه الصلاة والسلام بيان واضح لهذا، فحينما أرسل معاذاً قبل موته بعام أو أكثر إلى اليمن قال: (يا
وكذلك الرجل الذي جاءه وقال: (يا رسول الله! أخبرني عما فرض الله علي من صلوات؟ قال: خمس صلوات في اليوم والليلة قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع)، ففي الحديث بيان أن الفروض خمسة بحق الإسلام، وربما يكون هناك فرض بحق الشرط مثلاً، كرجل نذر أن يصلي لله ركعتين فإنه يصبح النذر في حقه فرضاً؛ لأنه واجب بالشرط وليس واجباً بالشرع، فهناك واجب بحق الإسلام، وهناك واجبات تطرأ كصلاة الكسوف -مثلاً- عند من قال بوجوبها، وصلاة الاستسقاء عند من قال بوجوبها، هذه الصلوات وجبت لظروف طارئة، وليس الأصل فيها أنها مفروضة في اليوم والليلة .. إلى غير ذلك.
قال البخاري : [ باب: السهو في الفرض والتطوع.
حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس)].
والدليل على تبويب البخاري أنه قال: (إن أحدكم إذا قام يصلي)، فالصلاة مطلقة؛ لأنه لم يقل: يصلي الفريضة، وإنما جاء بلفظ الصلاة عاماً، فالذي يريد أن يقيد يلزمه الدليل.
وكذلك: (من أكل أو شرب ناسياً فليتم صومه فإنما أطعمه الله..) ، فمن أكل أو شرب ناسياً سواءً كان في فرض أو كان في نفل؛ لأن التقييد يحتاج إلى دليل، فيلزم المخالف ولا يلزمني أنا؛ لأن الأصل أن ما ينطبق على الفرض ينطبق على السنة وليس العكس.
قال البخاري رحمه الله: [باب: إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع].
قلنا في اللقاء السابق: إلقاء السلام على المصلي وهو في صلاته، إذا قيل له: السلام عليكم يشير بيده هكذا فيجعل ظهرها إلى السماء، وقد حقق شيخنا الألباني وعلماء الحديث صحة هذا الحديث، فيشير بباطن اليد إلى الأرض وظاهرها إلى السماء.
قال البخاري : (إذا كلم) يعني: أحد الناس كُلم بكلمة وهو يصلي (فأشار بيده) يعني: أجابه باليد، ثم استمع لحديثه.
وأخرج البخاري في كتاب العلم حديثاً آخر مخالفاً لهذا الحديث يفيد أن الجواب يكون بإشارة اليد أو الرأس، ففي الحديث: (أن
تقول أسماء : (فقمت بجوار
وفي الحديث: أن المرأة تصلي خلف الرجال، فلا يجوز أن تقف بجوار زوجها، إنما تصلي خلفه.
وفي الحديث: أن المرأة قد تصلي منفردة خلف الصف وصلاتها جماعة صحيحة؛ لأنها لم تجد من يقف بجوارها. وفي الحديث: أن المنفرد إذا لم يجد من يقف بجواره ووجد الصف مكتملاً يقف بمفرده وصلاته صحيحة، وهذا اختيار الحنابلة وهو الراجح؛ لأنه لا تكليف إلا بمقدور، وهو عاجز عن الوقوف في الصف، فمن العبث أن نقول له: اجذب واحداً من الصف، فهذا كلام لا يصح وإنما يقف بمفرده؛ لأنه عاجز.
قال البخاري : [ باب: إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع.
قال: حدثنا يحيى بن سليمان ... إلى أن قال: عبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنهم أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعاً واسألها عن الركعتين بعد صلاة العصر، وقل لها: إنا أخبرنا أنك تصلينهما وقد بلغنا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها) .
وقال ابن عباس : وكنت أضرب الناس مع عمر عنها].
هناك مواقيت ينهى عن الصلاة فيها، وهي أربع مواقيت: بعد الفجر، وبعد العصر، وعند شروق الشمس، وعند غروبها، أضف إلى ذلك الخامسة، وهي عند تعامد الشمس في وسط السماء، أي: قبل الظهر بقليل، فهذه أوقات ينهى فيها عن صلاة التنفل المطلق، أما التنفل المسبب فالشافعية على الجواز وهو الراجح، وقضاء الفائتة فيجوز أيضاً، بمعنى: فاتته صلاة، وأراد أن يقضيها في هذه الأوقات فلا شيء عليه حتى ولو كان بعد الفجر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلين في صلاة الفجر يجلسان في مؤخرة المسجد، وبعد الصلاة سألهما: (لم لم تصليا مع القوم؟ قالوا: يا رسول الله! صلينا في رحالنا) فأمرهم بالصلاة مع القوم فهي لهم نافلة، فرغم أنهم صلوا الفجر في رحالهم أمرهم بالصلاة بعدها.
وفي الحديث وهو صحيح: جواز صلاة الفائتة أو القضاء مع جواز دفع الشبهة عن النفس حتى وإن كان في وقت كراهة، أما صلاة الضحى فتصلى بعد شروق الشمس بثلث ساعة، وتمتد إلى قبل الظهر بعشر أو خمس دقائق، هذا هو وقت الضحى، وأما التعامد فيكون قبل أذان الظهر بدقيقتين؛ لأن أذان الظهر يجب عند الزوال، يعني: عند انحرافها عن وسط السماء، فقبل الظهر بقليل تكون الشمس متعامدة، فهذا الوقت لا يجوز أن نصلي فيه ولا أن ندفن فيه موتانا.
قال: [ قال ابن عباس : وكنت أضرب الناس مع عمر عنها. (قال
والمعنى: أن الصحابة أرسلوا من يسأل عائشة عن الركعتين بعد العصر: كيف صلاهما النبي صلى الله عليه وسلم رغم أنه ينهى عن الصلاة بعد العصر؟
وابن حجر له تحقيق: أن قضاء سنة الظهر بعد العصر خاصية للنبي عليه الصلاة والسلام، وليست على إطلاقها لكل الناس.
فلما جاءوا إلى عائشة قالت: سلوا أم سلمة ، فجاءوا إلى أم سلمة، فأرسلت جارية -بنتاً صغيرة- لم تبلغ المحيض. وهذا نقوله لمن يُحل الغناء بحجة أنه كان هناك جاريتان، والجارية من لم تبلغ- تتغنيان بيوم بعاث.
فلما جاءت الجارية أمرتها أم سلمة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، قالت: فإن أشار بيده فاتركي، فأشار بيده، وبعد أن أنهى الصلاة أخبرها عن السبب في صلاته، وهو أن وفد عبد قيس جاءوه فشغلوه عن صلاة سنة الظهر، فأراد أن يقضيها بعد العصر، وهذه خاصية له -كما يقول ابن حجر - وليست لكل الناس.
أما قضاء الفائتة من السنن الراتبة: فالسنة على جواز قضائها بعد الفجر فقط، أي: أنه إذا جاء المرء ووجدهم يصلون الفجر ولم يصل النافلة يجوز له أن يصلي بعد الفريضة؛ لأن النص هنا حاكم على هذه المسألة.
قال البخاري رحمه الله: [ باب: الإشارة في الصلاة ].
قاله كريب عن أم سلمة رضي الله عنها، ثم جاء البخاري بحديث أبي بكر الصديق ، وقد ذكرت هذا الحديث في ثلاثة مواضع: باب: رد السلام في الصلاة، وباب: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، وباب: من صفق وهو جاهل، وذلك لما تقدم أبو بكر الصديق للصلاة، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصفق الرجال، وأشار إليه: أن مكانك، فرجع الصديق .
قال البخاري رحمه الله أيضاً في هذا الباب: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاكٍ -يعني: يشكو من ألم- وفي الحديث: أنه وقع مرة فأصيب بجرح، فكان يصلي وهو جالس في البيت صلى الله عليه وسلم، وصلى وراءه القوم قياماً، فأشار إليهم: أن اجلسوا فلما انصرف قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا) .
حكم صلاة المأمومين جلوساً إذا صلى الإمام جالساً
لكن الحكم يختلف إن عرض للإمام عارض وهو يصلي، كأن يكون قد دخل في الصلاة واقفاً فصلينا خلفه وقوفاً، وفي الركعة الثالثة أصيب بدوار فجلس، ففي هذه الحالة نصلي قياماً، وهذا هو تفريق الحنابلة وهو دقيق؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته صلى جالساً وصلى أبو بكر قائماً وصلى الناس خلف أبي بكر قياماً، فصلى الصديق بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم قائماً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دخل والصديق يصلي. فهذا معناه: أنه يجوز أن يصلي المأموم واقفاً والإمام جالس، لكن بعض العلماء قالوا: بالنسخ، وبعضهم قالوا: خاصية، وبعضهم لم يفرق، وأنا أبيّن لك الراجح.
قال صاحب العدة: فإن صلى الإمام الراتب -إمام الحي- جالساً لمرض يرجى برؤه فعلى القوم أن يجلسوا؛ لقوله: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً) .
وإذا كان لمرض لا يرجى برؤه فلا ينبغي أن يكون إماماً؛ لأنني أجد في بعض أحياء القاهرة أن الإمام مريض مرضاً لا يرجى برؤه، وهو غير قادر على القيام، فتراه يصر على إمامة القوم.
يا عبد الله! لا يجوز أن يتقدم للإمامة إلا الأكمل، فالإمام الراتب إذا عرض له عارض فهذا طارئ عليه، فليس معناه أن نؤخره عن الإمامة، فانتبه لمثل هذا التفريق، فهو تفريق دقيق عند الحنابلة، وهو الراجح إن شاء الله.
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت وهو شاكٍ جالساً وصلى وراءه القوم قياماً، فأشار إليهم: اجلسوا ثم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا)، وكلمة: إذا ركع فاركعوا تشير إلى التعقيب السريع؛ لأني أرى البعض يطول .. يركع الإمام ويسبح ويطمئن وهو لا يزال قائماً في قراءة الفاتحة، حتى إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده ركع عند ذلك، فهذا التأخير لا يجوز، حتى ولو لم تكمل قراءة الفاتحة يلزمك المتابعة.
قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا)، والفاء للتعقيب السريع (وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا) .
وإلى هنا انتهت أبواب كتاب السهو.
وانتقل بعد ذلك إلى كتاب الجنائز وهو كتاب مهم جداً، بين فيه البخاري رحمه الله أحكام الميت من لحظة الاحتضار إلى الكفن، وبعض الأحكام الفقهية المهمة جداً التي تغيب عن واقعنا، ولا سيما البدع التي نراها في الجنائز.
وهناك فرق بين الجَنازة والجِنازة، فالجَنازة بفتح الجيم: هي الميت، والجِنازة: هي النعش الذي يحمل عليه.
عموماً أحكام الجنائز من الأحكام المهمة جداً، ولشيخنا العلامة الألباني إمام أهل السنة في عصره رحمه الله تعالى كتاب يسمى (أحكام الجنائز)، أفاض فيه رحمه الله تعالى، وكتاب الجنائز عند البخاري أيضاً فيه من الأحكام الفقهية ما يدعونا إلى أن نقف كثيراً عنده، فنعرف المباح والجائز والمحذور في فقه الجنائز إن شاء الله تعالى.