خطب ومحاضرات
سلسلة شرح صحيح البخاري [1]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
قال الإمام البخاري رحمه الله:
[باب من رجع القهقرى في صلاته أو تقدم لأمر ينزل به].
البخاري رحمه الله يبين لنا أن العمل في الصلاة يجوز، طالما أنه لصالح الصلاة، ولم يكن كثيراً، وإن كان كثيراً متفرقاً فلا بأس طالما أنه في صالح الصلاة.
قال: (حدثنا بشر بن محمد ... إلى أن قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن المسلمين بينا هم في الفجر يوم الإثنين، و
سبب ذكر البخاري لهذا الحديث: هو لبيان ما صنع الصديق حينما لاحظ بطرف عينه النبي عليه الصلاة والسلام في يوم الإثنين وهم يصلون الفجر.
وكان أبو بكر يؤم الصحابة في الصلاة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له أن يصلي بالناس في مرض موته، وقال لـعائشة : (مروا
قال علي بن أبي طالب على المنبر: (هذا رجل ارتضاه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا؛ فارتضيناه لدنيانا)، وهذا رد على الرافضة -عليهم من الله ما يستحقون- الذين يسبون الصديق ويقعون فيه، وإني أحذر الشباب الذين يدخلون على شبكات الإنترنت في حوار مع بعض الرافضة أو بعض أهل الكتاب وهم لا يستطيعون الحوار والرد، فيأتون لهم بشبه كثيرة، وهذا أمر خطير؛ لا سيما أن الروافض يملكون من الشبه القوية التي تحتاج إلى أهل علم أثبات، فإن لم تكن من أهل العلم فلا تفتح الباب على نفسك، واترك الأمر لأهل التخصص.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يستخلفوا أبا بكر في الصلاة في حال مرضه صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك أجمع الصحابة على خلافته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ظل الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس في مرض النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت عائشة : (يا رسول الله! مر
فقال عليه الصلاة والسلام: (يا
فكان الصديق يصلي بهم أياماً متوالية إلى يوم الإثنين، حتى شعر النبي صلى الله عليه وسلم بخفة في جسده فقام ورفع الستار من حجرته؛ لأن حجرات نساء النبي صلى الله عليه وسلم كانت تطل على المسجد.. رفع صلى الله عليه وسلم ستراً من حجرته وألقى عليهم نظرة الوداع وهم يصلون في صفوف فتبسم ضاحكاً، كان جل ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تبسماً، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم)، والمعنى: أنه ما كان يضحك ويفتح فاه حتى ترى مؤخرة فمه، وإنما كان ضحكه تبسماً صلى الله عليه وسلم. وربما قيل عنه: (فضحك حتى بدت نواجذه).
كيف نجمع بين ضحكه حتى تبدو نواجذه، وبين أنه لم يضحك مستجمعاً؟
نجمع بين ذلك بالقول: بأن أكثر الأحوال لضحكه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتبسم حتى ترى نواجذه، ولا يقهقه.
وقد رأى السلف أحد الناس يقهقه، فقال له: علام تقهقه؟ أعلمت موقعك من الجنة أو النار؟
وقد جاء في ترجمة ربعي بن حراش رضي الله عنه أنه أقسم ألا يستجمع ضاحكاً إلا بعد أن يرى مقعده إلى جنة أم إلى نار. يقول أخوه: فلما جاءه الموت ما زال مبتسماً حتى واريناه التراب.
وكما يقال: من ضحك هنا كثيراً بكى هناك كثيراً، فكثرة الضحك تميت القلب.
ونحن نقول: مسرحية فيها ألف ضحكة. أي: تضحك حتى تستلقي على قفاك، يتنافسون بكثرة الضحك، والمسرحيات التي تجذب الناس بكثرة الضحك، وأحياناً يُضحكون الناس بالباطل وبالكذب، وبالتعريض بالأحاديث بل بالآيات القرآنية؛ ليُضحكوا الناس، فهؤلاء ماتت قلوبهم، نسأل الله أن يعيد إليها الحياة!
ولعل أحد طلبة العلم يجمع لنا المواطن التي ضحك فيها النبي صلى الله عليه وسلم، في مبحث يكون عنوانه: (متى ضحك النبي صلى الله عليه وسلم)؟ في كم موقف في حياته؟
(متى بكى النبي صلى الله عليه وسلم)؟ موجودة بهذا المعنى، لكن مسألة الضحك لعل أبحاثها قليلة.
وقد مر بنا حديث الرجل الذي وقع على زوجته في رمضان، (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بعتق رقبة، فقال: لا أملك إلا هذه الرقبة. ولما أمره بصيام شهرين متتابعين قال: وهل فعل بي ذلك إلا الصوم؟! لا أستطيع. ولما أمره أن يطعم ستين مسكيناً، قال: ليس فيها من هو أفقر مني. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. فهناك أحاديث كثيرة فيها أن النبي عليه الصلاة والسلام ضحك حتى بدت نواجذه)، والصحابة أحياناً كانوا إذا بلغوا الحديث يبلغونه بذات الطريق، فـأبو هريرة يضحك ويقول: أضحك كما ضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا حديث يسمى عند العلماء (مسلسل):
مسلسل قل ما على وصف أتى مثل: أما والله أنبأني الفتى
كذاك قد حدثنيه قائماً أو بعد أن حدثني تبسما
يعني: إذا تبسم بعد رواية الصحابي يروي الحديث بالتبسم، والتابعي يتبسم، وتابع التابعي يتبسم، وكل من بلَّغ الحديث يتبسم، كقوله لـمعاذ : (يا
فلما شعر الصديق رضي الله عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع الستار من حجرة عائشة ، ظن أنه قد جاء للصلاة فنكص. أي: تراجع إلى الخلف.
وفي الحديث: بيان جواز التراجع إلى الخلف وأنت في الصلاة، وهل هذه حركة أم لا؟ حركة.. تراجع إلى الخلف. نكص أبو بكر على عقبيه، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج للصلاة، فهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً بقيام وقدوم النبي عليه الصلاة والسلام، فأشار إليهم: أن أتموا.. على حالكم، أشار بيده، ثم عاد إلى أمنا عائشة رضي الله عنها وألقى رأسه على صدرها، ومات بين سحرها ونحرها.
تقول رضي الله عنها: (إن من فضل الله عليَّ أن مات رسول الله بين سحري ونحري)، والنحر هو الرقبة، والسحر هو الصدر، وكان آخر ريق مس ريق النبي صلى الله عليه وسلم هو ريق أمنا عائشة رضي الله عنها، وتوفي ذلك اليوم.. يوم الإثنين.
قال البخاري رحمه الله:
[كتاب العمل في الصلاة: باب: إذا دعت الأم ولدها في الصلاة].
المسألة: أنت تصلي وأمك تناديك! ماذا تصنع؟
إن كان فرضاً فلا يجوز أن تخرج من الصلاة، وهذا رأي جمهور العلماء.
أما إن كانت نافلة فالأمر يختلف، فهل تستجيب لقولها أم تستمر في صلاتك؟
هذا هو الذي لم يجزم به البخاري للخلاف الذي بين أهل العلم فيه؛ لأن البخاري إذا حكم حكماً فقهياً يأتي به في عنوان الباب، وإذا لم يجزم بالحكم يترك المسألة دون حكم، كما في هذا الباب، ولو كان البخاري رحمه الله يرى حكماً كالاستحباب لقال: باب استحباب الخروج من الصلاة إذا دعت الأم ولدها في صلاة النافلة، فيذكر الحكم وهو الاستحباب، لكنه هنا ترك التبويب بدون حكم، وكأن المسألة لم تترجح عنده.
قال البخاري : (وقال الليث : حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نادت امرأة ابنها وهو في صومعة، قالت: يا
خطر فتنة النساء على المجتمع
فاليهود أرادوا أن يوقعوا الفتنة بـجريج ، وهو رجل يتعبد في صومعته، فهم يريدون إشاعة الفتنة والفاحشة، كما في قصة واقعة سوق بني قينقاع، وإن كانت القصة ضعيفة عند بعض العلماء، كما في كتاب (قصص لم تثبت)، إنما نريد أن نأخذ منها الشاهد، فقد حاول اليهود كشف النقاب عن وجه امرأة مسلمة فأبت، فربطوا طرف جلبابها بالآخر، بحيث إذا قامت انكشفت سوءتها، فلما أكملت المرأة حاجتها وقامت انكشفت سوءتها؛ فنادت بأعلى صوتها: وا إسلاماه! وكان بجوارها رجل مؤمن فاندفع للدفاع عن عرض المسلمة، فطعن اليهودي فقتله، فاجتمع عليه اليهود فقتلوه، فوصل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعد جيشاً وأجلاهم بسبب ذلك.
فهم إن فعلوا ذلك تصريحاً في هذه الحادثة، فهم يفعلونه الآن في كل برامجهم وفي كل ما يقدمونه للأمة، وكمثال: الدراسة ستبدأ من الغد إن شاء الله تعالى، فمن أراد أن يشاهد عروض الأزياء فليذهب إلى الجامعة، وسيجد آخر الموديلات والصيحات والتبرج والاختلاط والمصائب الكبرى، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
أقسم لكم بالله أني حينما أدخل جامعة القاهرة أريد أن ألبس شيئاً لا أرى به شيئاً: معانقة وقبلات وأحضان .. مصيبة، الحياء ذهب إلا من القليل، ولم يعد الأمر فيه تستر، نسأل الله العفو والعافية، فهذا هو التمدن والحضارة والرقي... عبارات يرددونها هكذا!!
حكم قطع صلاة النافلة لإجابة الأم
قال بعض الفقهاء: إجابة الأم فرض وصلاة النافلة نافلة؛ فيجب أن يقدم إجابة أمه على الصلاة، وقال بعضهم: كان من الأحوط أن يصلي مسرعاً فُينهي الصلاة ثم يذهب لإجابة أمه؛ لأنها جاءته ثلاث مرات.
وهذا يدل على منزلة بر الوالدين.
عبد صالح يصلي لربه! لا يفعل موبقاً، سمع نداء أمه مرة وثانية وثالثة فلم يجب؛ فدعت الأم على ولدها، قالت في دعائها: اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجوه الميامس، يعني: ينظر في وجوه الزانيات، وهذه دعوة أم على ولد انشغل بصلاته، ولم ينشغل بمباراة كرة القدم. بعض الأمهات ينادين أولادهن: يا بني! فيقول: انتظري حتى أكمل المباراة. يا بني! فيقول: الوقت الإضافي! فتقول: يا بني! فيقول: ضربات الجزاء. ثم تقول: يا بني! فيقول: إعادة الأهداف.
وجوب الإحسان إلى الأمهات
ستأتيني أصوات نسائية تقول: أعاملها بإحسان وهي تسيء إليَّ.. تتدخل في شئون بيتي.. تدفع علي الزوج. أقول: حتى وإن فعلت ذلك: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ [فصلت:34]، ويستحيل أن يكون بين الأم وولدها عداوة.
لو أتيت البيت بكيلوين من التين فأخذت لها نصف كيلو، ثم أعطيتها وقلت لها: يا أمي! تذكرتك بهذا النصف، فلو قالت: أتيتني بنصف فقط، فاصبر على ذلك.
وفي المرة الثانية أتيتها وقلت: يا أمي تذكرتك بهدية جيدة وأنا أشتري لأولادي، لا يمكن أن يكون قلبها حجراً، مرة ثم مرة ثم مرة فستدعو لك وسترضى عنك؛ فلا يجوز أبداً يا عبد الله ما نفعله الآن بأمهاتنا.
كرامة الله لجريج بإظهار الحق على لسان الغلام
(وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم)، بجوار الصومعة امرأة زانية ترعى الغنم، فزنت مع راعي غنم وحملت منه، ثم اتهمت جريجاً ونسبت ولد الزنا إليه، فقالت: هذا ابن جريج ! وجريج لم يخرج من صومعته، فجاء اليهود إليه -في رواية- وحطموا عليه صومعته، اخرج يا زاني! أنت تظهر لنا أنك تصلي، ابن من هذا؟ ابنك من الزنا! فقال جريج : أين هذه التي تزعم أنه ولدي؟! فجاءوا بها، فنظر جريج إلى وجهها، فأيقن أن الله استجاب لدعوة أمه، لكن .. مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2]، فلما نظر إلى وجهها سأل الله عز وجل أن يفرج كربه، فتوجه إلى الغلام الرضيع على صدر أمه الزانية، ثم طعنه وقال له: يا غلام! ابن من أنت؟ فالتفت الغلام من على صدر أمه وقال: أنا ابن راعي الغنم! وهذا من الذين تكلموا في المهد وهم: عيسى بن مريم، وصاحب جريج ، وقيل: وشاهد يوسف. وهذا كلام غير صحيح، فشاهد يوسف لم يكن غلاماً، إنما الثالث غلام الأخدود، وهناك روايات في هؤلاء الذين تكلموا في المهد كثيرة، لكن البخاري أتى بهذا الحديث في كتاب العمل في الصلاة؛ ليبين جواز أن يخرج جريج من صلاة النافلة ليجيب أمه، أو يجيبها بالإشارة أو يسرع في صلاته ويجيبها.
وفي المسألة أقوال، والراجح: أنه يجوز في النافلة. ويسميها العلماء: مسألة التزاحم، أي: تزاحم الواجب مع السنة، مثل: امرأة وضعت على النار إناء الطعام وهي تصلي، فاشتعلت النيران في الإناء، هل تخرج من الصلاة أم تكمل الصلاة حتى يحرق البيت؟
هذا من باب التزاحم بين شيء وشيء، فينظر في الأولويات، فهناك شيء لا يؤخر وهناك شيء يؤخر، فهذا يسمى التزاحم عند الفقهاء.
يقول ابن حجر في شرح حديث جريج : إن الكلام في شرعهم كان جائزاً -ويقصد الكلام في الصلاة للضرورة- كما كان الكلام جائزاً في أول الأمر عندنا، ثم نسخ بقول الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
ففي شريعة جريج كان له أن يجيب أمه ثم يستكمل صلاته، أما في شريعتنا فيستطيع أن يجيب عليها بالإشارة.
جريج عبد صالح كان يقيم في صومعة له، ويتعبد الله عز وجل، واليهود -كما يعلم الجميع- صناعتهم النفاق، إن أرادوا أن يُضلوا أو يفتكوا بأمة سلطوا عليها النساء، وهذا ما صنعوه بالأمة الإسلامية اليوم، فدور الأزياء العالمية اليوم صناعة يهودية .. الغانيات والراقصات صناعة يهودية، إذا أرادوا أن يدمروا أمة صدروا لها النساء، (أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء؛ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) كما قال عليه الصلاة والسلام.
فاليهود أرادوا أن يوقعوا الفتنة بـجريج ، وهو رجل يتعبد في صومعته، فهم يريدون إشاعة الفتنة والفاحشة، كما في قصة واقعة سوق بني قينقاع، وإن كانت القصة ضعيفة عند بعض العلماء، كما في كتاب (قصص لم تثبت)، إنما نريد أن نأخذ منها الشاهد، فقد حاول اليهود كشف النقاب عن وجه امرأة مسلمة فأبت، فربطوا طرف جلبابها بالآخر، بحيث إذا قامت انكشفت سوءتها، فلما أكملت المرأة حاجتها وقامت انكشفت سوءتها؛ فنادت بأعلى صوتها: وا إسلاماه! وكان بجوارها رجل مؤمن فاندفع للدفاع عن عرض المسلمة، فطعن اليهودي فقتله، فاجتمع عليه اليهود فقتلوه، فوصل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعد جيشاً وأجلاهم بسبب ذلك.
فهم إن فعلوا ذلك تصريحاً في هذه الحادثة، فهم يفعلونه الآن في كل برامجهم وفي كل ما يقدمونه للأمة، وكمثال: الدراسة ستبدأ من الغد إن شاء الله تعالى، فمن أراد أن يشاهد عروض الأزياء فليذهب إلى الجامعة، وسيجد آخر الموديلات والصيحات والتبرج والاختلاط والمصائب الكبرى، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
أقسم لكم بالله أني حينما أدخل جامعة القاهرة أريد أن ألبس شيئاً لا أرى به شيئاً: معانقة وقبلات وأحضان .. مصيبة، الحياء ذهب إلا من القليل، ولم يعد الأمر فيه تستر، نسأل الله العفو والعافية، فهذا هو التمدن والحضارة والرقي... عبارات يرددونها هكذا!!
وفي الحديث: أن أمه أتته فنادته، وكان في صلاة نافلة، فلم يجب عليها في المرات الثلاث، في الأولى قالت: يا جريج ! فقال: اللهم أمي أم صلاتي. يعني: أأخرج من الصلاة لأجيب أمي؟
قال بعض الفقهاء: إجابة الأم فرض وصلاة النافلة نافلة؛ فيجب أن يقدم إجابة أمه على الصلاة، وقال بعضهم: كان من الأحوط أن يصلي مسرعاً فُينهي الصلاة ثم يذهب لإجابة أمه؛ لأنها جاءته ثلاث مرات.
وهذا يدل على منزلة بر الوالدين.
عبد صالح يصلي لربه! لا يفعل موبقاً، سمع نداء أمه مرة وثانية وثالثة فلم يجب؛ فدعت الأم على ولدها، قالت في دعائها: اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجوه الميامس، يعني: ينظر في وجوه الزانيات، وهذه دعوة أم على ولد انشغل بصلاته، ولم ينشغل بمباراة كرة القدم. بعض الأمهات ينادين أولادهن: يا بني! فيقول: انتظري حتى أكمل المباراة. يا بني! فيقول: الوقت الإضافي! فتقول: يا بني! فيقول: ضربات الجزاء. ثم تقول: يا بني! فيقول: إعادة الأهداف.
والعجيب الآن أن الأم تُعامل معاملة الأمة المملوكة، فالشاب بعد أن يتزوج لا يريد أن يتعرف على أمه، فإن أراد أن يزورها فلا بد أن يأخذ تصريحاً مكتوباً من الزوجة المحترمة: هل تسمحين لي بزيارة أمي؟ فإن أذنت فالحمد لله، وإن لم تأذن فلا يستطيع أن يخالف كلام سيدته وحاكمته، نسأل الله العافية. (أمك ثم أمك ثم أمك)، معظم المشاكل العائلية تأتي من الزوجة، لماذا؟ تقول لزوجها: أمي.. أمي! يكفي، فهي تريد أن يتنصل الزوج ويتبرأ منها، وألا يعرف لها طريقاً، ولو أن هذه البنت تربت تربية إسلامية؛ لعلمت أن الأم لها قدر كبير في الشريعة، حتى ولو تجاوزت الحد، فربنا سبحانه يقول: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:23-24].
ستأتيني أصوات نسائية تقول: أعاملها بإحسان وهي تسيء إليَّ.. تتدخل في شئون بيتي.. تدفع علي الزوج. أقول: حتى وإن فعلت ذلك: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ [فصلت:34]، ويستحيل أن يكون بين الأم وولدها عداوة.
لو أتيت البيت بكيلوين من التين فأخذت لها نصف كيلو، ثم أعطيتها وقلت لها: يا أمي! تذكرتك بهذا النصف، فلو قالت: أتيتني بنصف فقط، فاصبر على ذلك.
وفي المرة الثانية أتيتها وقلت: يا أمي تذكرتك بهدية جيدة وأنا أشتري لأولادي، لا يمكن أن يكون قلبها حجراً، مرة ثم مرة ثم مرة فستدعو لك وسترضى عنك؛ فلا يجوز أبداً يا عبد الله ما نفعله الآن بأمهاتنا.
قال: (دعت الأم: اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجوه الميامس)، يعني: الزانيات العاهرات الساقطات.
(وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم)، بجوار الصومعة امرأة زانية ترعى الغنم، فزنت مع راعي غنم وحملت منه، ثم اتهمت جريجاً ونسبت ولد الزنا إليه، فقالت: هذا ابن جريج ! وجريج لم يخرج من صومعته، فجاء اليهود إليه -في رواية- وحطموا عليه صومعته، اخرج يا زاني! أنت تظهر لنا أنك تصلي، ابن من هذا؟ ابنك من الزنا! فقال جريج : أين هذه التي تزعم أنه ولدي؟! فجاءوا بها، فنظر جريج إلى وجهها، فأيقن أن الله استجاب لدعوة أمه، لكن .. مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2]، فلما نظر إلى وجهها سأل الله عز وجل أن يفرج كربه، فتوجه إلى الغلام الرضيع على صدر أمه الزانية، ثم طعنه وقال له: يا غلام! ابن من أنت؟ فالتفت الغلام من على صدر أمه وقال: أنا ابن راعي الغنم! وهذا من الذين تكلموا في المهد وهم: عيسى بن مريم، وصاحب جريج ، وقيل: وشاهد يوسف. وهذا كلام غير صحيح، فشاهد يوسف لم يكن غلاماً، إنما الثالث غلام الأخدود، وهناك روايات في هؤلاء الذين تكلموا في المهد كثيرة، لكن البخاري أتى بهذا الحديث في كتاب العمل في الصلاة؛ ليبين جواز أن يخرج جريج من صلاة النافلة ليجيب أمه، أو يجيبها بالإشارة أو يسرع في صلاته ويجيبها.
وفي المسألة أقوال، والراجح: أنه يجوز في النافلة. ويسميها العلماء: مسألة التزاحم، أي: تزاحم الواجب مع السنة، مثل: امرأة وضعت على النار إناء الطعام وهي تصلي، فاشتعلت النيران في الإناء، هل تخرج من الصلاة أم تكمل الصلاة حتى يحرق البيت؟
هذا من باب التزاحم بين شيء وشيء، فينظر في الأولويات، فهناك شيء لا يؤخر وهناك شيء يؤخر، فهذا يسمى التزاحم عند الفقهاء.
يقول ابن حجر في شرح حديث جريج : إن الكلام في شرعهم كان جائزاً -ويقصد الكلام في الصلاة للضرورة- كما كان الكلام جائزاً في أول الأمر عندنا، ثم نسخ بقول الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
ففي شريعة جريج كان له أن يجيب أمه ثم يستكمل صلاته، أما في شريعتنا فيستطيع أن يجيب عليها بالإشارة.
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة شرح صحيح البخاري [20] | 2723 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [5] | 2704 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [11] | 2340 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [4] | 2204 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [9] | 2176 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [10] | 2039 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [2] | 1708 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [18] | 1681 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [14] | 1662 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [3] | 1652 استماع |