خطب ومحاضرات
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة الأثمان
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المصنف رحمه الله استخدم عبارة الأثمان: [باب زكاة الأثمان] كما هو موجود بين أيديكم، وهناك من الفقهاء من يستخدم تعبيراً آخر، فبعضهم يقول: (باب زكاة النقدين).
وبعضهم يقول: (باب زكاة الذهب والفضة) وكله حسن، ولكن الذي يظهر لي أن استخدام المصنف للفظ الأثمان أجود؛ لأن الأثمان يدخل فيها الذهب والفضة والنقود، وأي نقد جديد يستخدمه الناس؛ ولذلك سنبحث في باب زكاة الأثمان اليوم زكاة الورق النقدي، ولو قلنا: زكاة النقدين مثلاً -أي: الذهب والفضة- أو زكاة الذهب والفضة لكان هذا الموضوع أجنبياً من بعض الوجوه، فالتعبير بالأثمان أشمل وأجود، وإن كان كثير من الفقهاء يعبرون بالنقدين أو بالذهب والفضة.
الأثمان كما عبر المصنف رحمه الله تعالى: جمع ثمن وهو العوض عن المبيع، أو هو ما يبذله المشتري عوضاً عن السلعة التي يقبضها؛ ولذلك نقول: إن في البيع أمرين: الثمن والمثمن، فالمثمن هي السلعة التي وقع الشراء عليها، أما الثمن فهو العوض الذي يدفعه المشتري مقابل أخذه لهذه السلعة.
إذاً: هناك الثمن.
سؤال: ما الفرق بين الثمن وبين القيمة وبين السعر وكلها أشياء مستخدمة في هذا الإطار؟
أما الثمن فقد عرفناه، أقول لك مثلاً: هذا الكتاب ثمنه -مثلاً- عشرة ريالات، فتقول: اشتريت، فتأخذ الكتاب وتدفع لي عشرة ريالات، فتكون هذه العشرة هي ثمن الكتاب، هذا هو الثمن.
لكن القيمة هي في تقدير الخبراء وأهل الصنف وأهل الاختصاص: قيمة السلعة التي تستحقها في واقع الحال، سواء اشتريت بها أو لم تشتر.
فأقول مثلاً: قيمة هذا الكتاب عشرة ريالات أو أقل أو أكثر من حيث الأصل، يعني: هو يساوي هذا المبلغ سواء شري أو لم يشر.
بينما السعر: هو المبلغ الذي يحدده صاحب السلعة ويطلبه بسلعته، أو تحدده جهة معينة كوزارة التجارة مثلاً، أو أي جهة أخرى تحدد سعراً لشيء.
إذاً: عندنا عدة أشياء: عندنا الثمن، والقيمة، والسعر ممكن أن تتفق، فهذا الكتاب مثلاً اشتريته بعشرة وهو يساوي عشرة فعلاً، والسعر المكتوب عليه عشرة ريالات، هنا اتفقت، لكن يمكن أنها تختلف لما تكون صديقي وأنت كذلك وتطلب مني مثلاً هذا الكتاب بخمسة ريالات أبيعه عليك، قيمته الحقيقية عشرة، لكني بعته عليك بخمسة، إذاً: اختلفت القيمة عن الثمن.
أيضاً السعر قد تدخل في محل تجاري، فتجد أن عندهم مجموعة كبيرة من قطع الملابس، كل قطعة مكتوب عليها سعرها، هذا هو المبلغ الذي يريدونه بهذه القطعة، بغض النظر عن كونه مغالى فيه، أو كون هناك تخفيضات بمناسبة، مثلاً: تغير الجو من صيف إلى شتاء .. أو غير ذلك، فالسعر يختلف عن القيمة الحقيقية، كما أنه يختلف عن الثمن ربما أنك تماكسه فيبيعه عليك بثمن أقل حتى من سعره، مكتوب عليه مائة ويبيعه عليك بتسعين بسبب المماكسة.
إذاً: عندنا الثمن وعندنا القيمة وعندنا السعر وهي واضحة.
بالنسبة للثمن قد يكون ثمنه ذهباً أو فضة، وقد يكون سلعة أخرى، وقد يكون الثمن حاضراً، وقد يكون ديناً، وهذا سوف يأتي مزيد تفصيل له إن شاء الله في باب البيوع، وإنما الكلام عنه هنا من باب ما يتعلق بزكاته.
الذهب والفضة أثمان باتفاق العلماء، أما في الماضي فكانت هي المستخدمة إما دراهم أو دنانير، وأما الآن فقد يكون استخدامها -الدراهم أو الدنانير- قليلاً، ولكنها معدودة في الأثمان؛ لأنه ممكن أن يعود الأمر إليها، أو يوجد تعامل بها في بعض البيئات وبعض الأمصار على نطاق محدود.
طيب! هذا ما يتعلق بالنقطة الأولى وهي مسألة تعريف الأثمان.
المسألة الثانية: مسألة وجوب زكاة الأثمان.
زكاة الأثمان واجبة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب ففي مواضع: من أوضحها قوله سبحانه: الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35]، فالآيتان من سورة التوبة دلتا على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، فقوله: (يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وقد ذكر الكنز هاهنا.
وذكر الإمام الطبري في تفسيره وغيره أن المقصود بالكنز هو ما لم تؤد زكاته، وصح الأثر بهذا عن عبد الله بن عمر من طرق عدة، ساق شيئاً منها الطبري، كما صح الأثر بذلك عن ابن عباس رضي الله عنه، وجاء مثل هذا عن عكرمة والسدي .. وغيرهم، وهو الذي رجحه الطبري أيضاً، فهؤلاء الأئمة يرون أن معنى الكنز: هو ما لم تؤد زكاته، والبخاري أيضاً كأنه يرى هذا الرأي؛ لأنه بوَّب في صحيحه على هذه الآية: (باب كل ما أديت زكاته فليس بكنز) ومعروف أن فقه الإمام البخاري رحمه الله في تراجمه، فهذا يدل على أن البخاري وافق هؤلاء، وهو مذهب الجمهور على أن الكنز هو ما لم تؤد زكاته.
إذاً: الآية دلت من هذا الوجه على وجوب إخراج زكاة الذهب والفضة.
ذكر الطبري رحمه الله في الآية وجهين آخرين:
الثاني: وهو المذهب المشهور عن أبي ذر رضي الله عنه: أن كل ما فَضَل عن حاجة الإنسان فهو كنز، وهذا المذهب لـأبي ذر لم يُوافق عليه رضي الله عنه.
والثاني: أن كل ما زاد على أربعة آلاف درهم فهو كنز، ولا دليل على هذا القول أيضاً.
والقول الأول هو الراجح وهو المختار، وبناءً عليه نقول: الآية تدل على وجوب إخراج زكاة الذهب أو الفضة إذا بلغت نصاباً.
الوعيد في الآية: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34] لا يمكن أن يكون إلا على فعل محرم أو على ترك واجب، فمن هنا يُستدل بها على وجوب زكاة الذهب والفضة.
الآية الثانية: قول الله سبحانه وتعالى أيضاً في سورة التوبة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، فقوله تعالى: (خذ) هذا أمر والأمر يدل على الوجوب، وهو دليل على أنه يجب في أموال الأغنياء في الذهب والفضة زكاة، يأخذها الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يأخذها الإمام، أو يدفعونها هم بأنفسهم.
والاستدلال الثاني من قوله سبحانه: تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا فإن الطهارة والزكاة نوعان: طهارة وزكاة واجبة، مثل ما في هذه الآية؛ لأنه مأمور بها أمر إيجاب.
النوع الثاني: طهارة وزكاة مندوبة مستحبة، مثلما يتزكى الإنسان بإخراج الصدقة غير الواجبة، أو يتزكى بفعل صلاة ليست واجبة عليه.
فالآية تدل أيضاً على وجوب الزكاة في الذهب والفضة.
أما السنة فقد صحت الأحاديث بوجوب الزكاة في الذهب والفضة، منها: الحديث الذي سقناه سابقاً عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في صحيح مسلم : (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار، فيكوى بها جبينه وجبهته وظهره حتى يقضى بين الخلائق، فيرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار )، فالحديث دليل على وجوب الزكاة؛ لأنه نص على حقها، وفي لفظ: (زكاتها)، وتوعَّد التارك بهذا الوعيد الذي لا يكون إلا على ترك واجب.
وأيضاً ورد في الصحيحين أحاديث تدل على هذا المعنى، مثل حديث أنس رضي الله عنه في كتاب أبي بكر -وقد ذكرناه مراراً- وفي آخره قال: ( وفي الرِّقة ربع العشر )، والرِّقة ما هي؟ الرِّقة هي الفضة، وتسمى الورِق، وتسمى الرِّقة، فإذا كانت مضروبة فالغالب أنها تسمى الورِق: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ [الكهف:19]، أما إذا كانت غير مضروبة فإنها تسمى رِّقة.
إذاً: حديث أنس رضي الله عنه -وهو في الصحيح- فيه إشارة إلى نصاب الفضة، ولا شك أن النصاب دليل على وجوب الزكاة، وقوله: ( وفيها ربع العشر ) دليل على أنه واجب فيها، كأن قوله: ( في الرِّقة ربع العشر ) يعني: واجب في الرقة ربع العشر، ( فإن كانت مائة وتسعين، فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربُّها ) يعني: إذا نقصت عن النصاب قليلاً فليس فيها شيء.
وأيضاً جاء في ذلك حديث آخر، حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتفق عليه، وذكرناه سابقاً قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة ) والحديث متفق عليه.
وجاء معناه أيضاً في حديث عن جابر عند مسلم، من رواية أبي الزبير عن جابر فيه: ( أنه ليس فيما دون خمس أواق من الفضة شيء ).
فهذه الأحاديث كلها -وهي صحيحة- تدل على وجوب الزكاة في الذهب، ووجوب الزكاة في الفضة، وإن كان ما يتعلق بالنصاب سيأتي شيء من التفصيل له، والإشارة إليه بعد قليل.
أما الإجماع فقد حكى جماعة من العلماء الإجماع على وجوب الزكاة في الذهب والفضة ولا يُعلم في ذلك مخالف، وممن نقل الإجماع الأئمة المشهورون في نقل الإجماع: كـابن المنذر وابن عبد البر وابن حزم وابن قدامة وابن تيمية والكاساني والنووي .. وغيرهم من الأئمة، ولا يُعرف مخالف في أصل المسألة: أن الذهب والفضة تجب فيها الزكاة. هذه نقطة.
المسألة الثالثة: المصنف يقول في الأثمان: [ وهي نوعان: ذهب وفضة ]، ثم انتقل إلى النصاب وهي المسألة الثالثة عندنا، قال: [ ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم ].
مسألة النصاب فيها شيء من التفصيل تحتاج إلى استجماع أذهانكم، فبالنسبة لنصاب الفضة ثبت معنا الآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدده، حدد نصاب الفضة بأنه خمس أواق: ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة )، فنصاب الفضة خمس أواق، والأواقي جمع أوقية.
وكذلك مما يتعلق بالنصاب الحديث الآخر الذي ذكرت، حديث أنس رضي الله عنه في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وفي الرقة ربع العشر، فإن كانت مائة وتسعين فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها )، إذاً: الصدقة تكون في مائتين، معنى: أن عندنا أوقية ويقابلها مائة.. يعني: عندنا خمس أواق ويقابلها مائة درهم، كم تكون الأوقية إذاً؟ أربعون درهماً.
حديث أبي سعيد الخدري نص على الأواقي كما ذكرت، ومثله حديث جابر .
الأوقية أربعون درهماً، خمس أواق، يعني: خمسة في أربعين بمائتي درهم.
إذاً: نصاب الفضة خمس أواق أو نصاب الفضة مائتا درهم، هذا مما أجمع عليه المسلمون خلفاً عن سلف.
والمقصود بالدراهم: الدراهم الإسلامية المضروبة؛ لأن بني أمية وبالذات عبد الملك لما أراد أن يضرب الدراهم الإسلامية، وجد أن الدراهم المستخدمة عند الناس مختلفة، بعضها دراهم غالية مثل ما يسمى بالدراهم البغلية، ويقولون: قيمة الدرهم البغلي ثمانية دوانق، وبعضها نازل ورخيص وهو ما يسمى بالدراهم الطبرية، وقدرها أربع دوانق، وبعضها متوسط قيمته ستة دوانق، فضربوا الدراهم الإسلامية على هذا المتوسط الذي هو ستة دوانق، وأجمع المسلمون بعد ذلك على هذا.
سوف نعود بعد قليل إلى تحديد نصاب الفضة بالجرامات التي هي وزن هذا العصر، لكن قبله لابد أن ننتقل إلى نصاب الذهب؛ لأنه سبحان الله! نصاب الفضة الآن ثابت في السنة، لكن لا يمكن تحديد النصاب العصري إلا بالاعتماد على نسبته إلى الذهب، لا يمكن معرفة الدرهم بالضبط وهو من الفضة، إلا إذا عرفنا الدينار وهو من الذهب؛ وذلك لأن نسبة الدرهم إلى الدينار تعادل سبعة إلى عشرة، يعني: كل عشرة دراهم تعادل سبعة دنانير.
إذاً: الدينار أغلى من الدرهم وأرفع منه قيمة، وهو معروف يمكن ضبطه.
تحديد نصاب الذهب وضبطه
نصاب الذهب ليس في الأحاديث النبوية ما يثبته، وقد جاء في أحاديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وغير ذلك، لكن هذه الأحاديث ضعيفة لا يُعتدُّ بها؛ ولذلك الفقهاء قالوا: إن العبرة في نصاب الذهب بالإجماع وليس بهذه الأحاديث، كما نص عليه النووي في المجموع .. وغيره، يعني: لم يثبت في السنة تحديد نصاب الذهب، ثبت في السنة أن في الذهب زكاة، لكن لم يثبت تحديد نصاب الذهب بالضبط في السنة النبوية، وهذا الذي ذكره الشافعي وذكره ابن عبد البر أيضاً وغيرهم، وإنما حكى بعضهم الإجماع على نصاب الذهب، وأنه عشرون مثقالاً أو عشرون ديناراً، حكوا الإجماع على هذا.
والواقع أنه حتى الإجماع منقوض، فإن الحسن البصري رحمه الله يرى أن نصاب الذهب أربعون مثقالاً، أربعون ديناراً، وهذا يعكِّر على حكاية الإجماع.
أيضاً مما يعكِّر على حكاية الإجماع أن جماعة من السلف كـالزهري وسليمان بن حرب وطاوس وعطاء قالوا: إن الذهب يُقاس على الفضة، فكل ذهب بلغ مائتي درهم من الفضة وجبت زكاته، سواء كان أقل من عشرين مثقالاً أو أكثر، وبناءً عليه لم يعتبروا للذهب نصاباً بذاته، وإنما اعتبروا نصاب الذهب منسوباً إلى نصاب الفضة.
إذاً: هل تصح حكاية الإجماع على نصاب الذهب؟ لا، وإن كان كثيرون ذكروا هذا كـالنووي .. وغيره كما أشرت، وإنما الصواب أنه لا إجماع وهناك خلاف عن الحسن البصري يراه أربعين، وهذا الخلاف ضعيف ولا عبرة به، وجماعة من الشافعية قالوا: إن قول الحسن محجوج بالإجماع قبله وبعده أيضاً، لكن يعكِّر أيضاً ما ذكرته عن هؤلاء الجماعة من السلف أنهم يرون أن الذهب لا يستقلُّ بذاته، وليس له نصاب بذاته، بل نصابه منسوب إلى نصاب الفضة.
إذاً: نعود إلى موضوع الدينار.
الجمهور والصحيح على أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً، أي: عشرون ديناراً، الدينار قدره واحد معروف مضبوط بخلاف الدراهم كما ذكرت، الدينار قدر منضبط لم يتغير في جاهلية ولا في إسلام، كما ذكره كثير من العلماء والفقهاء، وبناءً عليه نقول: إن لدينا طريقتين لمعرفة الدينار على وجه التحديد:
الطريقة الأولى: هي معرفته من خلال حبات الشعير، وهذا معروف عند الفقهاء المتقدمين، يقولون: إن الدينار يعادل كذا حبة شعير يضبطونها يقصون أطرافها وينظرون الحبة المعتدلة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة المتوسطة، ثم ينسبون الدينار إليها فيقول لك: الدينار يعادل اثنين وسبعين حبة شعير عند الجمهور.
ويعادل مائة حبة شعير عند الحنفية، وحبات الشعير تختلف من بلد إلى آخر، وتختلف من شخص إلى آخر، وإيجاد حبة متوسطة وإزالة أطرافها، هذه مسألة صعبة، ولكن هكذا كانوا يفعلون، وهذا دليل على دقتهم واجتهادهم.
هذه طريقة قاسوها وأخرجوا بها النصاب.
الطريقة الثانية: هي مسألة معرفة الدينار الموجود الآن ووزنه، وإدراك النصاب من خلاله.
أما بالنسبة للطريقة الأولى، فإنهم اختلفوا فيها إلى فريقين:
فريق قال: إن الدينار يعادل بالجرامات المعاصرة يعني ثلاثة وخمسة إلى (3.6) هذا احتمال، وبناءً على هذا الاحتمال يكون نصاب الذهب سبعين إلى اثنين وسبعين جراماً.
إذا قلنا: إن الدينار يعادل ثلاثة وخمسة إلى (3.6) تقريباً، هذه قيمة الدينار بالجرامات المعاصرة، وبناءً عليه يكون نصاب الذهب سبعين إلى اثنين وسبعين جراماً، فمن ملك هذا النصاب عندهم وجبت عليه فيه الزكاة.
الاتجاه الثاني قالوا: لا، إن الدينار يعادل (4.25%) من الجرامات، وبناءً عليه يرتفع النصاب في الذهب ليكون خمسة وثمانين جراماً، وهذا القول الثاني هو الراجح؛ لأنه يعضده الطريقة الثانية كما سأذكر.
إذاً: الراجح أن نصاب الذهب من الجرامات المعاصرة خمسة وثمانون جراماً.
الطريقة الثانية ويسمونها: الطريقة الاستقرائية، وهي أدق من الأولى قالوا: إن هذه الطريقة تقوم على تتبع أوزان الدنانير الموجودة في المتاحف والمحفوظة في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا .. وغيرها، وقد قام بذلك باحث مصري اسمه علي باشا مبارك، له كتاب اسمه: الخطط التوفيقية، خصص الجزء العشرين منه لدراسة الأوزان والمعايير .. ونحوها، وجمع هذه الأوزان والدنانير ووزنها وضبطها وأتقنها، وتوصل من خلالها إلى النتيجة نفسها، وأن نصاب الذهب يعادل خمسة وثمانين جراماً، وهذا أيضاً هو الموجود في الموسوعة البريطانية، دائرة المعارف الإسلامية، وغير واحد من الكتب والمراجع.
تحديد نصاب الفضة بالجرامات
إذاً: نقول: إن الدرهم يعادل ثلاثة جرامات من الفضة، وبناءً عليه سؤال: كم يكون نصاب الفضة؟ ماذا يلزمنا أن نفعل لنستخرج نصاب الفضة؟ أن نضرب ثلاثة في مائتين نصاب الفضة مائتا درهم، فيكون الناتج كم؟ ستمائة جرام.
إذاً: نصاب الفضة ستمائة جرام، وإذا أردنا الأخذ بالدقة كما ذكرنا أولاً يكون خمسمائة وخمسة وتسعين.
إذاً: هنا سؤال نخرج به من هذه النقطة، وهو كم نصاب الذهب من الجرامات؟ خمسة وثمانون، كم نصاب الفضة من الجرامات؟ ستمائة، أو إن شئت تقول: خمسمائة وخمسة وتسعون.
نصاب الذهب والفضة المغشوش
ننتقل إلى مسألة الغش هي مسألة مهمة، المؤلف نص الآن على أن المغشوش لا زكاة فيه، حتى يبلغ الصافي من الذهب أو من الفضة نصاباً، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة كما ذكر المصنف ونص عليه أئمة الشافعية، بل نص عليه الشافعي نفسه رحمه الله تعالى.
المالكية مذهبهم قريب من هذا؛ لأنه فيما يتعلق بالفضة التي هي الرقة هذا مذهبهم، أما فيما يتعلق بالورق، يعني: الفضة المضروبة، فإنهم يرون أنها إذا كانت رائجة ودارجة فإنه يُؤخذ منها ولو كانت مغشوشة، أما إذا كانت غير رائجة فإنه يصفى نصابها، هذا مذهب المالكية، وهو قريب من مذهب الحنابلة ومذهب الشافعية.
الحنفية مذهبهم مختلف، فإنهم يرون أن المغشوش يعامل معاملة الصافي، خصوصاً إذا كان الغش يعني: (50%) فأقل؛ لأنهم يقولون: إن العبرة بالغالب، فإذا كان (50%) فأكثر ذهباً أو فضة فإنه يعامل معاملة الصافي، ولا يحتاج إلى سبك ولا إلى تصفية.. ولا إلى غير ذلك.
والماوردي رحمه الله من الشافعية قفى على الأحناف وذكر قولهم، وقال: هذا قول فاسد، وحكايته تغني عن الرد عليه، والاحتجاج عليه مُتكلَّم، وذكر حديث: ( ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ).
أما الاحتجاج بالحديث فهو جيد، وأما المبالغة في ذكر فساد هذا القول، فلا شك أنه كان الأمر يتسع لهذا الخلاف، وإن كنا نرجح ما ذهب إليه الجمهور أن العبرة بأصل الذهب الخالص أو أصل الفضة الخالصة، وأن الغش ينبغي استبعاده في كل شيء ليس في الزكاة فقط.
هب أن إنساناً سرق من الذهب أو الفضة ما قيمته نصاب، لكنه مغشوش، وبتصفيته تبين أن المسروق أقل من النصاب في السرقة هل نقطعه بهذا أو لا نقطعه؟
ما دام أقل لا يُقطع نعم، ما دام أقل فإنه لا يقطع.
هناك أيضاً لـابن حزم قول في المسألة، يقول: إن العبرة بما لم يغيِّر صفات هذا المعدن، فإذا لم يتغيَّر لونه بالغش ولا هيئته، فإنه يعتبر مثل الصافي.
والذي نرجحه كما ذكرت مذهب الشافعية والحنابلة: أن العبرة بالصافي من الذهب أو من الفضة.
عيارات الذهب وتعلقه بالغش
عيار ثمانية عشر وهو متداول نسبة الذهب فيه (75%) يعني: الغش فيه يصل إلى الربع إلى (25%)، الجنيهات الدارجة المستعملة الآن عند الصاغة وعند الناس هذه الجنيهات هي عيار اثنين وعشرين، معناه: أن فيها نسبة من الغش لا بأس بها، وبناءً عليه فإنه لابد في تقدير النصاب من اعتبار الذهب الخالص، وهو عيار أربعة وعشرين، وهذا الذي يظهر أنه صواب باعتبار الأحاديث الواردة، وباعتبار أن قول الله تعالى: يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ [التوبة:34] فسماه الذهب، وإذا استخرجنا ما فيه من التراب أو غيره أو المعادن الأخرى، فإن هذه المعادن لا تسمى ذهباً، وكذلك الحال بالنسبة للفضة.
فالعبرة إذاً بالذهب الخالص أو الفضة الخالصة، والذهب الخالص هو عيار أربعة وعشرين كما ذكرت، وهذا غالباً لا يكون إلا عبارة عن سبائك أو كما يسمونها أُنصات.
وأما بالنسبة للحلي مثلاً أو غيرها فإنها لا تكون، وإن كان يمكن أن يُصاغ منها دراهم أو يُصاغ منها دنانير، وقد سألت عن ذلك أهل الاختصاص وأهل العلم فأفادوا أنه يمكن أن يُصاغ دنانير أو حلي أو غيره من عيار أربعة وعشرين، بخلاف ما ذكره الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله، فإنه رجَّح أن المعتمد هو عيار واحد وعشرين، وقال: لأنه هو الذي يمكن أن تُصاغ منه أو تُصنع منه الدنانير، والواقع إن كان الشيخ يقصد من الناحية العملية، فالدنانير يمكن أن تُصنع من عيار أربعة وعشرين، أما إذا كان يقصد من الناحية التاريخية، يعني: الدنانير التي كانت موجودة في الماضي، فهذا شيء الله أعلم به، لكن إذا تمكنا الآن بواسطة التقنية المتقدمة من استخراج الذهب الخالص، فلا مانع أن نعتبره في النصاب.
إذاً: انتهينا في موضوع ما يتعلق بصافي الذهب وصافي الفضة.
نبدأ الآن بنصاب الذهب حتى نضبطه، ثم ننتقل ونبني عليه نصاب الفضة.
نصاب الذهب ليس في الأحاديث النبوية ما يثبته، وقد جاء في أحاديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وغير ذلك، لكن هذه الأحاديث ضعيفة لا يُعتدُّ بها؛ ولذلك الفقهاء قالوا: إن العبرة في نصاب الذهب بالإجماع وليس بهذه الأحاديث، كما نص عليه النووي في المجموع .. وغيره، يعني: لم يثبت في السنة تحديد نصاب الذهب، ثبت في السنة أن في الذهب زكاة، لكن لم يثبت تحديد نصاب الذهب بالضبط في السنة النبوية، وهذا الذي ذكره الشافعي وذكره ابن عبد البر أيضاً وغيرهم، وإنما حكى بعضهم الإجماع على نصاب الذهب، وأنه عشرون مثقالاً أو عشرون ديناراً، حكوا الإجماع على هذا.
والواقع أنه حتى الإجماع منقوض، فإن الحسن البصري رحمه الله يرى أن نصاب الذهب أربعون مثقالاً، أربعون ديناراً، وهذا يعكِّر على حكاية الإجماع.
أيضاً مما يعكِّر على حكاية الإجماع أن جماعة من السلف كـالزهري وسليمان بن حرب وطاوس وعطاء قالوا: إن الذهب يُقاس على الفضة، فكل ذهب بلغ مائتي درهم من الفضة وجبت زكاته، سواء كان أقل من عشرين مثقالاً أو أكثر، وبناءً عليه لم يعتبروا للذهب نصاباً بذاته، وإنما اعتبروا نصاب الذهب منسوباً إلى نصاب الفضة.
إذاً: هل تصح حكاية الإجماع على نصاب الذهب؟ لا، وإن كان كثيرون ذكروا هذا كـالنووي .. وغيره كما أشرت، وإنما الصواب أنه لا إجماع وهناك خلاف عن الحسن البصري يراه أربعين، وهذا الخلاف ضعيف ولا عبرة به، وجماعة من الشافعية قالوا: إن قول الحسن محجوج بالإجماع قبله وبعده أيضاً، لكن يعكِّر أيضاً ما ذكرته عن هؤلاء الجماعة من السلف أنهم يرون أن الذهب لا يستقلُّ بذاته، وليس له نصاب بذاته، بل نصابه منسوب إلى نصاب الفضة.
إذاً: نعود إلى موضوع الدينار.
الجمهور والصحيح على أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً، أي: عشرون ديناراً، الدينار قدره واحد معروف مضبوط بخلاف الدراهم كما ذكرت، الدينار قدر منضبط لم يتغير في جاهلية ولا في إسلام، كما ذكره كثير من العلماء والفقهاء، وبناءً عليه نقول: إن لدينا طريقتين لمعرفة الدينار على وجه التحديد:
الطريقة الأولى: هي معرفته من خلال حبات الشعير، وهذا معروف عند الفقهاء المتقدمين، يقولون: إن الدينار يعادل كذا حبة شعير يضبطونها يقصون أطرافها وينظرون الحبة المعتدلة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة المتوسطة، ثم ينسبون الدينار إليها فيقول لك: الدينار يعادل اثنين وسبعين حبة شعير عند الجمهور.
ويعادل مائة حبة شعير عند الحنفية، وحبات الشعير تختلف من بلد إلى آخر، وتختلف من شخص إلى آخر، وإيجاد حبة متوسطة وإزالة أطرافها، هذه مسألة صعبة، ولكن هكذا كانوا يفعلون، وهذا دليل على دقتهم واجتهادهم.
هذه طريقة قاسوها وأخرجوا بها النصاب.
الطريقة الثانية: هي مسألة معرفة الدينار الموجود الآن ووزنه، وإدراك النصاب من خلاله.
أما بالنسبة للطريقة الأولى، فإنهم اختلفوا فيها إلى فريقين:
فريق قال: إن الدينار يعادل بالجرامات المعاصرة يعني ثلاثة وخمسة إلى (3.6) هذا احتمال، وبناءً على هذا الاحتمال يكون نصاب الذهب سبعين إلى اثنين وسبعين جراماً.
إذا قلنا: إن الدينار يعادل ثلاثة وخمسة إلى (3.6) تقريباً، هذه قيمة الدينار بالجرامات المعاصرة، وبناءً عليه يكون نصاب الذهب سبعين إلى اثنين وسبعين جراماً، فمن ملك هذا النصاب عندهم وجبت عليه فيه الزكاة.
الاتجاه الثاني قالوا: لا، إن الدينار يعادل (4.25%) من الجرامات، وبناءً عليه يرتفع النصاب في الذهب ليكون خمسة وثمانين جراماً، وهذا القول الثاني هو الراجح؛ لأنه يعضده الطريقة الثانية كما سأذكر.
إذاً: الراجح أن نصاب الذهب من الجرامات المعاصرة خمسة وثمانون جراماً.
الطريقة الثانية ويسمونها: الطريقة الاستقرائية، وهي أدق من الأولى قالوا: إن هذه الطريقة تقوم على تتبع أوزان الدنانير الموجودة في المتاحف والمحفوظة في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا .. وغيرها، وقد قام بذلك باحث مصري اسمه علي باشا مبارك، له كتاب اسمه: الخطط التوفيقية، خصص الجزء العشرين منه لدراسة الأوزان والمعايير .. ونحوها، وجمع هذه الأوزان والدنانير ووزنها وضبطها وأتقنها، وتوصل من خلالها إلى النتيجة نفسها، وأن نصاب الذهب يعادل خمسة وثمانين جراماً، وهذا أيضاً هو الموجود في الموسوعة البريطانية، دائرة المعارف الإسلامية، وغير واحد من الكتب والمراجع.
إذا كان نصاب الذهب خمسة وثمانين جراماً، أو كان عيار الدينار الواحد (4.25%) من الجرامات، فإننا بعملية حسابية بسيطة نستطيع أن نستخرج قيمة الدرهم من الفضة، وذلك أننا نضرب (4.25%) نضربها في سبعة على عشرة التي هي نسبة الدرهم إلى الدينار، فيخرج الناتج لنا أن الدرهم من الفضة يعادل (2.975) من الجرامات، يعني: ممكن نقول تسامحاً: إنه يعادل ثلاثة جرامات، وعادة الشرع أنه يُسهِّل في الأشياء البسيطة ويجبر الكسر، خاصة أن الكسر ضعيف، وأيضاً هناك من الباحثين والعلماء من قاسه فوجده ثلاثة جرامات، وهذا أضبط وأحسن في نظري؛ لأنه يترتب على هذا الكسر الصغير مشكلة إلى النهاية، والتفسير فيها واضح، خصوصاً أن الحاجة إليه هي فقط في بداية النصاب، أما إذا زاد فالأمر واحد.
إذاً: نقول: إن الدرهم يعادل ثلاثة جرامات من الفضة، وبناءً عليه سؤال: كم يكون نصاب الفضة؟ ماذا يلزمنا أن نفعل لنستخرج نصاب الفضة؟ أن نضرب ثلاثة في مائتين نصاب الفضة مائتا درهم، فيكون الناتج كم؟ ستمائة جرام.
إذاً: نصاب الفضة ستمائة جرام، وإذا أردنا الأخذ بالدقة كما ذكرنا أولاً يكون خمسمائة وخمسة وتسعين.
إذاً: هنا سؤال نخرج به من هذه النقطة، وهو كم نصاب الذهب من الجرامات؟ خمسة وثمانون، كم نصاب الفضة من الجرامات؟ ستمائة، أو إن شئت تقول: خمسمائة وخمسة وتسعون.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية | 3986 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 | 3925 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة | 3853 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض | 3845 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين | 3671 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 | 3624 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض | 3614 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع | 3552 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج | 3516 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها | 3444 استماع |