فتاوى نور على الدرب [92]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هي كيفية الغسل من الجنابة؟

الجواب: للغسل من الجنابة كيفيتان: واجبة ومستحبة.

أما الواجبة: فهي تعميم جميع الجسم بالغسل، بمعنى: أن يغسل جميع جسمه بالماء على أي كيفيةٍ كانت، ومنها لو نوى وانغمس في بركة أو في ساقية انغمس كله حتى عم الماء جميع بدنه فإنه بذلك يكون قد تطهر من الجنابة.

والكيفية الثانية: المستحبة هي كالآتي:

أولاً: يغسل يديه، أي: كفيه ثلاث مرات.

ثانياً: يغسل فرجه وما تلوث به من أثر الجنابة.

ثالثاً: يتوضأ وضوءه للصلاة، أي: يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه وذراعيه، ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه.

رابعاً: يغسل رأسه، فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات، ولا بد أن يصل الماء إلى أصول الشعر.

خامساً: يغسل بقية جسمه بالماء مرةً واحدة، فهذه كيفية مشروعة كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة، وإن اغتسل على ما جاء في حديث ميمونة رضي الله عنها فلا حرج، وهو قريبٌ من هذه الصفة إلا أنه يختلف بأنه لا يغسل رجليه إذا توضأ في أول الأمر، وإنما يؤخر غسلها حتى ينتهي من الغسل، ويغسلها بعد ذلك كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.

السؤال: ما هي الطريقة الشرعية التي لا تتعارض مع ديننا الإسلامي الحنيف في تبادل الحب بين فتاةٍ وفتى أو شابةٍ وشاب؟

الجواب: الطريقة الشرعية في ذلك أن الإنسان إذا وقع في قلبه محبة امرأة غير متزوجة أن يخطبها من أهلها ثم يتزوجها بالنكاح الصحيح، وبذلك يكون قد مشى على الطريق السليم الشرعي، وفي هذه الحال لا يجوز أن يتصل بها على وجه الانفراد قبل عقد النكاح، ولا يجوز أيضاً أن يبادلها رسائل الحب والتملق والتلذذ بالمكاتبة والمخاطبة وما أشبه ذلك؛ لأن المشروع أن ينظر إليها فقط لما يدعوه إلى نكاحها إذا كان يحتاج إلى ذلك النظر، وأما المراسلات والمكاتبات والمكالمات في الهواتف وما أشبه هذا فهذا لا يجوز؛ لأنه يحصل به فتنة، وربما لا يتيسر الوصول إليها بالنكاح الشرعي فيتعلق قلبه بها وقلبها به مع عدم وصول كلٍ منهما إلى الآخر.

السؤال: بالنسبة للنظر إلى المخطوبة هل يجوز البقاء معها وتناول شيء من الأكل يعني الزوج الخاطب والمخطوبة أو تناول شيء من المشروبات كالقهوة والشاي وبعض العصيرات؟

الجواب: لا يجوز إلا أن ينظر فقط إلى ما يدعوه إلى التقدم إليها، وبشرط أن لا يكون نظره بشهوةٍ وتلذذ، وأن لا يكون مع خلوة، وبشرط أن يغلب على ظنه الإجابة، فإن كان لا يغلب على ظنه الإجابة فإن ذلك لا فائدة منه.

لكن بالنسبة للمشروب أو المطعوم عموماً لا يجوز؛ لأن هذا يفضي إلى الجلوس معها والتحدث إليها، وهذا لا يجوز له إلا مع مباحةٍ له من الزوجة أو من ذوات المحارم التي يجوز له أن ينظر إليهن.

السؤال: في مدينتنا يعيش كثير من القرود وأنا أحمل بندقية، وذات يومٍ وأنا مع غنمي سولت لي نفسي فأطلقت بعض الطلقات، وأرديت بعضها قتيلاً ما حكم ذلك وفقكم الله؟

الجواب: ليس عليك في هذا كفارة، وإذا كانت هذه القرود مؤذية فإنه يسن قتلها؛ لأن كل مؤذٍ لبني آدم فإن المشروع قتله، أما إذا كانت غير مؤذية فإنه لا يتعرض لها بل يدعها.

لكن لو تعرض لها وهي غير مؤذية فليس عليه كفارة، وأما الإثم فلا أعلم في ذلك شيئاً.

السؤال: إذا كان هناك مسلمٌ أمام المحكمة وقد أحضر يوماً للمحكمة لكي يحلف باسم الله، وقد كان هذا الشخص مدان في قضية، وهو يعلم سلفاً أنه مدان إلا أنه أراد أن يحلف فقط لتخليص نفسه من السجن والمحاسبة وليس من قلبه نكراناً للتهمة الموجهة ضده، فهل يرى سيادتكم بأن هذا الشخص سيحاسب على التهمة الموجهة ضده أم لا أم على اليمين الغير صادقة أمام ربه؟

الجواب: هذه التهمة التي وجهت إليه وهو منها بريء يجوز له أن يحلف على سلامته منها وبراءته منها، أما إذا كان غير بريء منها ولكنه يخشى من عقوبتها فإنه لا يجوز له أن يحلف بالله سبحانه وتعالى وهو كاذب؛ لأن هذا الحلف يجتمع فيه الكذب -والكذب محرم- ويجتمع فيه أيضاً الاستهانة بالحلف بالله سبحانه وتعالى، والاستهانة بالحلف بالله أمرها عظيم؛ ولهذا أوجب الله سبحانه وتعالى على من حنث في يمينه وخالف ما حلف عليه أوجب عليه الكفارة، وهي كما هو معروف: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

السؤال: إذا وقع حادثٌ لا قدر الله ذلك، وكان أحد المصابين قد مات نتيجة الحادث، وكان السائق القاتل لا يقصد ذلك، فهل يحاسب هذا السائق أمام ربه يوم القيامة؟ مع العلم بأنه قتل روحاً جعلكم الله من عباده الراشدين.

الجواب: هذه المسألة من المسائل الهامة التي ابُتلي الناس بها بسبب التهور في قيادة السيارات، والسرعة، وعدم المبالاة بمخالفة الأنظمة التي تقيد الناس، والضابط فيها أنه إذا كان من السائق تعدٍ أو تفريط فإن عليه ضمان ما تلف بسبب الحادث وكفارته إن كان فيه كفارة، والتعدي: أن يفعل ما لا يجوز، والتفريط: أن يترك ما يجب، فلو فُرض أن هذا القائد الذي يقود السيارة يعلم أن فيها خللاً، ولكنه تهاون في إصلاحه ثم حصل الحادث نتيجة لهذا الخلل فإن عليه الضمان؛ وذلك لأنه فرط في تلافي هذا الخطر، كذلك أيضاً لو أن هذا القائد اعتدى بأن سقط أو بأن اتجه إلى المسار الذي لا يسمح له النظام في السير فيه ثم حصل الحادث من جراء هذه المخالفة فإن عليه الضمان؛ لأنه كان معتدياً.

أما إذا كان الحادث نتيجةً لتصرفٍ مأذونٍ فيه شرعاً فإن ذلك لا ضمان فيه، مثل: أن يكون القائد انحرف ليتفادى خطراً يعتقد أن هذا الانحراف أقرب إلى السلامة من البقاء في مساره فإنه في هذه الحالة أو في هذا الحال لا ضمان عليه فيما تلف من هذه السيارة في هذا الحادث، أعني: أنه لا يضمن الركاب الذين فيها أو الأموال التي تلفت فيها؛ لأنه تصرف للمصلحة فهو محسن، وقد قال الله تعالى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91]، لكن في هذه الحالة لو أنه بانحرافه هذه انقلب على شيء فأتلفه، فإنه يضمن ما تلف بسبب هذا الانقلاب؛ لأن تصرفه هذا ليس من مصلحة ما انقلب عليه فيكون ضامناً له، ويتضح ذلك أكثر بالمثال: هذا الرجل لما انحرف تفادياً للخطر وسلوكاً لما يراه أسلم ثم انقلب، فكان تحت السيارة إنسانٌ يمشي في الشارع فمات، وفي السيارة إنسان فانقلبت السيارة أيضاً فمات، الذي كان في السيارة هذا الرجل لا يضمن؛ لأن السائق أو القائد إنما تصرف لمصلحته فهو محسن و مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91]، وأما الرجل الذي في الشارع وانقلبت عليه هذه السيارة فإن صاحب السيارة يضمنه؛ لأنه تلف نتيجةً لفعله الذي لا مصلحة لهذا التالف فيه.

السؤال: أنا أحد التجار الذين يتعاملون بالذهب بيعاً وشراءً، وفي بعض الأحيان نبيع الذهب إلى تاجرٍ آخر وليس لديه السيولة الكاملة لدفع المبلغ المطلوب مما يضطرنا إلى إمهاله ليومٍ أو يومين لحين توفر المبلغ لديه، أرجو من فضيلتكم إفادتنا عن هذا العمل عموماً هل هو جائز أم لا؟ كما أرجو إفادتي عما إذا كان يجوز أم لا إذا كان هذا العمل الآنف الذكر لا يتم إلا بيننا معشر التجار حيث توجد الثقة المتبادلة والضرورة التجارية للقيام بهذا العمل، أرجو إفادتي ولكم خالص شكري وتقديري.

الجواب: ثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)، فبيع الذهب بالذهب يشترط فيه شرطان:

الشرط الأول: التساوي في الوزن بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر.

الشرط الثاني: التقابض في مجلس العقد من الطرفين بحيث يسلم لك وتسلم له بدون تأخير، فإن اختلف أحد الشرطين فالعقد باطل ويكون ربا، وقد عُلم ما جاء في الربا من الوعيد الشديد في القرآن وفي السنة، وقد قال الله تعالى في المرابين: وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البقرة:275-276]، ( ولعن النبي صلى الله عليه وسلم في الربا خمسة: آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء)، فأما إذا بيع الذهب بالفضة أو بما كان بديلاً لها كالأوراق النقدية فإنه يشترط فيه شرطٌ واحد وهو: التقابض في مجلس العقد، بمعنى: أن يقبض كلٌ من البائع والمشتري ما آل إليه بدون تأخير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد )، وعلى هذا فتبايع التجار في الذهب بدون أن يقبض البائع الثمن من المشتري محرم حتى ولو كان يثق به، بل الواجب أن يكون يداً بيد، ومن المؤسف أن كثيراً من تجار الذهب الذين يبيعون الحلي يتهاونون في هذا الأمر، ومن الغرائب ومن العجائب والعجائب جمةٌ أن هؤلاء الذين يبيعون ويؤخرون استلام الثمن أنهم يضرون أنفسهم من الناحيتين الدينية والدنيوية:

أما الناحية الدينية: فإنهم يخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( يداً بيد ).

أما الناحية الدنيوية: فلا شك أن البيع بالنقد أعظم للبائع وأسلم؛ لأنه ربما تمهله واثقاً به ولا تأتيه الأمور على ما ينبغي، فقد يمرض ويموت ويضيع منه الشيء فيماطلك، إلى غير هذا من الأسباب التي توجب تأخير التسليم إلى أمدٍ لا ترضاه أنت أيها البائع أو تقضي التسليم بالكلية؛ ولهذا نرى أنه من الخطأ بل ومن السفه أيضاً أن يتبايع الناس بالذهب بدون قبض، وأنت لا حرج عليك إذا قلت: إما سلم وإلا لا أبيع عليك، ليس عليك حرج، وكثيرٌ من السلع الآن تباع نقداً إذا لم يكن مع الإنسان نقدٌ فإن الناس لا يبيعون عليه، وحينئذٍ يضطر إلى أن يأخذ الثمن معه قبل أن يقف على صاحب الحاجة ويشتريها.