فتاوى نور على الدرب [85]


الحلقة مفرغة

السؤال: أنا امرأة أصوم العشرة الأيام الأولى من الأضحى والمحرم، والستة من شوال والأيام البيض، وكذلك الإثنين والخميس، ويصادف في هذه الأيام أن أصوم يوم الجمعة، وبعض الناس يقولون: بأن صوم يوم الجمعة مكروه لأنه يوم عيد للمسلمين، أرجو من فضيلتكم بيان حكم ذلك، ولكم مني جزيل الشكر.

الجواب: الحمد لله رب العالمين.

ما قاله هؤلاء لك من أن صوم يوم الجمعة مكروه هو صحيح، لكن ليس على إطلاقه، فصوم يوم الجمعة مكروه لمن قصده وأفرده بالصوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام).

وأما إذا صام الإنسان يوم الجمعة من أجل أنه صادف صوماً كان يعتاده فإنه لا حرج عليه في ذلك، وكذلك إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فلا حرج عليه في ذلك ولا كراهة.

مثال الأول: إذا كان من عادة الإنسان أن يصوم يوم عرفة، فصادف يوم عرفة يوم الجمعة، فإنه لا حرج عليه أن يصوم يوم الجمعة ويقتصر عليه، لأنه إنما أفرد هذا اليوم لا من أجل أنه يوم الجمعة ولكن من أجل أنه يوم عرفة، وكذلك لو صادف هذا اليوم يوم عاشوراء واقتصر عليه فإنه لا حرج عليه في ذلك، وإن كان الأفضل في يوم عاشوراء أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده.

وكذلك أيضاً لو صام يوم الجمعة لا من أجل سببٍ خارجٍ عن كونه يوم الجمعة فإننا نقول له: إن كنت تريد أن تصوم يوم السبت فاستمر في صيامك، وإن كنت لا تريد أن تصوم يوم السبت ولم تصم يوم الخميس فأفطر كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

أما فعلك أنت من كونك تصومين هذه الأيام التي ذكرت وتصادف يوم الجمعة فإنه لا حرج عليك أبداً ولم تفعلي مكروهاً.

السؤال: نسمع بأنه يستحب بعد صلاة المغرب صلاة ست ركعات أو أكثر، وهي تسمى صلاة الأوابين، فهل هذه الصلاة ذكرت فيها أحاديث نبوية؟ وهل أداوم على صلاة هذه الركعات؟ وإذا كانت هذه الصلاة غير مسنونة أو لم تذكر فيها أحاديث فهل يستحب أن أصلي نفلاً مطلقاً أم ماذا؟ أفيدونا يا أصحاب الفضيلة.

الجواب: المغرب لها سنة راتبة بعدها وهي ركعتان كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بعدها ركعتين، وأما الست ركعات التي تسمى صلاة الأوابين فلا أعلم لها أصلاً، وأما التنفل المطلق في ما بين المغرب والعشاء فإنه لا حرج عليك في هذا؛ لأن جميع الأوقات التي ليس فيها وقت نهي كلها يشرع فيها الصلاة نفلاً مطلقاً، فإن ( الصلاة خير موضوع) والإكثار منها مما يقرب إلى الله تبارك وتعالى، وقد مدح الله تعالى الذين هم على صلاتهم دائمون، فأنت إذا تنفلتي فيما بين المغرب والعشاء نفلاً مطلقاً ولو كثر عدده فلا حرج عليك في هذا.

السؤال: إني امرأة أغتسل من أسفل السرة إلى الرجل، ثم أتوضأ، أفعل ذلك في كل صلاة، وبعض الناس يقولون لي: بأن هذا من الوسوسة. وهل الغسل يجزئ عن الوضوء؟

الجواب: هذا الذي تفعلين من غسل أسفل البدن لا أصل له، والمرأة إذا كان عليها غسل من جنابةٍ أو حيضٍ أو نفاس وجب عليها أن تغسل جميع بدنها كالرجل، إذا وجب عليه غسلٌ من الجنابة فإنه يجب عليه أن يغسل جميع بدنه.

وأما ما عدا ما يوجب الغسل فإن عملك هذا غير مشروع، وللمرأة إذا قضت الحاجة من بول أو غائط تغسل ما أصابته النجاسة فقط دونما سواه، ثم تتوضأ للصلاة، وأما هذا العمل الذي تعملينه فلا شك أنه من الوسواس ومن الإسراف ومجاوزة الحدود، فعليك أن تستغفري الله وأن تمتنعي عنه.

السؤال: هل الغسل يجزئ عن الوضوء؟

الجواب: الغسل المشروع كغسل الجنابة يجزئ عن الوضوء؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] ولم يذكر وضوءاً.

فالجنابة إذا اغتسل الإنسان عنها أجزأته عن الوضوء وجاز أن يصلي وإن لم يتوضأ.

وأما إذا كان الغسل غير مشروع كالغسل للتبرد ونحوه فإنه لا يجزئ عن الوضوء؛ لأنه ليس بعبادة.

السؤال: أريد أن أعرف حكم السعي يعني: بين الصفا والمروة، فهل يعتبر السعي من الصفا إلى المروة شوط ومن المروة إلى الصفا شوطاً أم شوطين أفيدونا وفقكم الله؟ وقد كنا نعمل الذهاب من الصفا إلى المروة والعكس شوطاً واحداً، ونحن نجهل ذلك وفقكم الله.

الجواب: أما عملكم هذا فهو خلاف المشروع، لكن نظراً لجهلكم يجزئكم، ويكون السعي المشروع الذي تثابون عليه هو سبعة الأشواط الأولى فقط التي هي في حسابكم ثلاثة أشواطٍ ونصف، والسعي بين الصفا والمروة من الصفا إلى المروة شوط، والرجوع من المروة إلى الصفا هو الشوط الثاني، وهكذا حتى تتم الأشواط السبعة، ويكون الانتهاء بالمروة لا بالصفا، وهذا هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون عليه، ولم يقل أحدٌ بخلافه إلا قولاً يكون وهماً من قائله.

السؤال: ما حكم من صلى العشاء ثلاث ركعات ثم سلم، ثم تكلم قليلاً أو مشى قليلاً، ثم تذكر بأنه صلى ثلاث ركعات فهل يعيد الصلاة أم يرجع ويواصل الصلاة ثم يسجد سجود السهو؟

الجواب: الواجب عليه أن لا يعيد الصلاة من أولها، بل الواجب أن يكمل الصلاة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عمران بن الحصين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثلاث ركعات، ثم قام إلى بيته فخرج رجلٌ فقال: يا رسول الله! وأخبره فرجع النبي صلى الله عليه وسلم وصلى ما بقي)، فإذا حصل هذا فالواجب على المرء أن يُكمّل صلاته ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو ثم يسلم كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي).

السؤال: هل قص الشعر من الأمام ومن الخلف حرام؟ وهل وردت أدلةٌ تؤيد ذلك؟

الجواب: نقول: المشروع أن المرأة تبقي رأسها على ما كان عليه ولا تخرج عن عادة أهل بلدها، وقد ذكر فقهاء الحنابلة رحمهم الله أنه يكره للمرأة قص رأسها إلا في حجٍ أو عمرة، وحرمه بعض فقهاء الحنابلة حرموا قص المرأة شعر رأسها، ولكن ليس في المسألة ما يدل على الكراهة أو على التحريم، بل الأصل عدم ذلك، فيجوز للمرأة أن تأخذ من شعر رأسها من قدام أو من الخلف على وجهٍ لا تصل به إلى حد التشبه برأس الرجل؛ لأن الأصل الإباحة، لكن مع ذلك أنا أكره للمرأة أن تفعل هذا الشيء؛ لأن نظر المرأة وتطلبها لما يجد من العادات المتلقاة عن غير بلادها هذا مما يفتح لها باب النظر إلى العادات المستوردة، وربما تقع في عاداتٍ محرمة وهي لا تشعر، فكل العادات الواردة إلى بلادنا في المظهر والملبس والمسكن إذا لم تكن من الأمور المحمودة التي دل الشرع على طلبها فإن الأولى البعد عنها وتجنبها؛ نظراً إلى أن النفوس تتطلب المزيد من تقليد الغير لا سيما إذا شعر الإنسان بالنقص في نفسه وبكمال غيره فإنه حينئذٍ يقلد غيره، وربما يقع في شرك التقليد الآثم الذي لا تبيحه شريعته.

دعنا من العادات، ونحن في الحقيقة عندنا أشياء نتمسك بها يسميها بعضنا عاداتٍ وتقاليد، ونحن ننكر عليهم هذه التسمية ونقول: لقد ضللتم وما أنتم بالمهتدين، فإن من عاداتنا ما هي من الأمور المشروعة التي لا تتحكم فيها العادات والتقاليد كمثل الحجاب مثلاً، فلا يصح أن يسمى احتجاب المرأة عادةً أو تقليداً، وإذا سمينا ذلك عادةً أو تقليداً فهو جنايةٌ على الشريعة؛ لأننا حولنا الشريعة إلى عادات وتقاليد، بل هي من الأمور الشرعية التي لا تتحكم فيها الأعراف ولا العادات ولا التقاليد، والتي يلزم المسلم أياً كان وفي أي مكان يلزمه أن يلتزم بها وجوباً فيما يجب واستحباباً فيما يستحب.

السؤال: هل الوقوف للمدرسة لا يجوز؟ وإذا كان لا يجوز فماذا نفعل إذا كان هذا يضايق المدرسة، حيث كانت عندنا طالبة فلم تقف للمدرسة فسألتها: لماذا لم تقفي كبقية الطالبات؟ فأخبرتها أن ذلك غير جائز، فحصلت بينهما مناقشة، فأرادت المدرسة إبعاد تلك الطالبة لمدة يومين، ونحن لا نريد أن نفصل، فماذا نفعل وفقكم الله؟

الجواب: إلزام الطالبات أو الطلبة بالقيام للمدرس أو المدرسة هذا من الأمور المنكرة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار).

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق عند الله جاهاً وعند المؤمنين كان يكره أن يقوم الناس له، ولا يحب ذلك، فحسبنا أن نكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمله هذا، وأن نكره ما كرهه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن نكره أن يقوم لنا الناس، فكيف أن يليق بنا أن نلزم الناس بالقيام لنا، ولهذا ينبغي للمدراء مدراء المدارس من رجالٍ ونساء أن يمنعوا المدرسات أو المدرسين من عمل مثل هذه الأمور، ثم على من فوقهم من الوزارة أو الرئاسة أن تلاحظ ذلك، وأن تعمم بالمنع منه؛ لأن هذا كما أنه خلاف المشروع ففيه نوعٌ من الاستعباد للطلبة والطالبات والإذلال لهم، وكفى بالطالب وقاراً وكفى به أدباً أن يكون منتبهاً للمدرس متابعاً له فيما يقول مناقشاً له فيما يشكل عليه.

وأما هذا الأمور الشكلية التي تخالف الشريعة فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يلزم بها، فإنه ليس من الشرع أن يقوم الناس للمعلم إذا دخل، والرسول عليه الصلاة والسلام كان أصحابه لا يقومون له إذا دخل.

مداخلة: إذاً نرجو من المسئولين في وزارة المعارف ومن المسئولين في الرئاسة العامة لتعليم البنات أن يأخذوا توجيهكم ونصيحتكم هذه في عين الاعتبار، وأن يمنعوا قيام الطالبات والطلاب للمدرس.

الشيخ: إلزامهم بذلك.

السؤال: هل صحيح أن من تظهر ساعديها من النساء وهي في البيت يحترق ساعداها يوم القيامة؟ مع العلم أننا قد فصلنا ملابسنا بعضها بلى أكمام أو بعض الأكمام إلى المرفقين، نرجو توضيح الحكم في ذلك.

الجواب: أما هذا الجزاء وهو أن الساعدين يحترقان يوم القيامة فلا أصل له، وأما الحكم في إظهار الساعدين لغير ذوي المحارم والزوج فإن هذا محرم، لا يجوز أن تخرج المرأة ذراعيها لغير زوجها ومحارمها، وإن كان بعض أهل العلم يخالف في هذا ويقول: ما جرت العادة به في هذا الأمر فلا بأس أن تخرجه المرأة، ولكن في هذا نظراً؛ لأننا لو اتبعنا الأعراف في مثل هذه المسألة لكنا نخضع لأعراف الأوربيين وغيرهم من الذين تتكشف نساؤهم بحجة أن هذا من العرف الذي لا تستقبحه النفوس ولا تراه عورةً، فعلى المرأة أن تحتشم وأن تحتجب ما استطاعت وأن تستر ذراعيها إلا إذا كان البيت ليس فيه إلا زوجها ومحارمها، فهذا لا بأس بإخراج الذراعين.

مداخلة: هي في الحقيقة تعللت بعلة ما أدري مدى صحة هذه العلة، لأنها تقول: لأننا نفصل أو نخيط ملابسنا ونجعل أكمامها إلى المرفقين وهذه هي العلة في ذلك؟

الشيخ: لا بأس تبقى هذا الثياب المخيطة على هذا الوضع وتلبس للزوج والمحارم، ويفصل ثياب جديدة إذا كان في البيت من ليس محرماً لها كأخي زوجها وما أشبه.

مداخلة: إذن لا يجوز للمرأة أن تخرج بهذه الملابس إلى الشارع؟

الشيخ: لا ما يجوز، ما يجوز بلا شك.

مداخلة: هذا ما أريد أن أصل إليه، لأن كثيراً من النساء الآن يشاهدن في الأسواق وأكمام ملابسهن إلى المرفقين أو أعلى من المرفقين؟

الشيخ: هذا لا يجوز بلا شك، هذا حرام ولا يجوز، وفيه فتنة عظيمة.

مداخلة: نرجو من المستمعات إن شاء الله اللاتي يسمعن هذا اللقاء أن يلتزمن.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع