الخطر الحقيقي


الحلقة مفرغة

باب النفقات في الإسلام باب عظيم، وهو يدل على عظمة هذا الدين، وعدم تركه للضعفاء والمحتاجين هملاً، فقد أوجب الإسلام النفقة للزوجة على زوجها، وللأبوين على ولدهما القادر إذا كانا محتاجين، وللأولاد الصغار على أبيهم، وللخادم على سيده، وللبهائم على مالكها، وهناك حالات تسقط فيها النفقة عمن وجبت عليه.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بهذا الدين، واعلموا أنه لا عز ولا نصر ولا تمكين إلا به.

عباد الله: إن الله جل وعلا يقدر المقادير بقضاءٍ وقدر، ويجعل القدر بعدلٍ وحكمة ورحمة، والعباد أمام مقادير الله جل وعلا، بين متعظٍ متدبر ومتأملٍ متفكر، وبين لاهٍ غافلٍ ساه.

فيا عباد الله! إن المحنة التي مرت بالمسلمين لجديرة في أن يستلهم الناس من أحداثها ومقدماتها وواقعها ونتائجها أكثر أنواع العبر في مختلف الميادين والمجالات.

عباد الله: لقد كان أعداء الإسلام ممثلين في البعثيين والعلمانيين، الذين طبلوا لهذا القائد البعثي في زمن سلطته وشهرته، والذين تابع بعضهم تطبيلاً وتزميراً له كانوا معه ومع حزبه يراهنون على مجتمعكم، أن هذا المجتمع سوف يتفكك وسينقسم ويتناثر ويصبح كل حزبٍ فيه بما لديهم فرحون، ولكن بحمد الله ومنه وفضله لم ينالوا ولم يجدوا ولم يروا مما أملوا شيئاً، على الرغم من أنهم أجلبوا وأرعدوا وزمجروا عبر إذاعاتهم وعبر أصواتهم وعبر المأجورين المسخرين للإشاعة وعبر كثيرٍ من العقول المأجورة، والأقلام المسعورة، والحناجر المستوردة، رغم هذا كله لم ينالوا ولم يستطيعوا أن يجدوا في هذا المجتمع بمن الله وفضله نافذة يتسللون من خلالها أو باباً يدخلون خلسة منه، واعلموا -يا عباد الله- أنه لا بحولكم ولا بطولكم ولا بجنسيتكم ولا بأموالكم ولا بنعمكم وأموالكم نلتم هذا، ولكن هذا كله من فضل الله، بل الله يمن عليكم وهو المتفضل عليكم أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، فالحمد لله على هذه النعمة، إن أي مجتمعٍ يواجه غزواً خارجياً بالحرب، وداخلياً بالإشاعة أو عبر الأصوات المتسللة، وعبر موجات الأثير، يوشك أن تجد الإشاعة والمقالة فيه وسطاً مناسباً. أما في هذا المجتمع بمن الله وفضله لم تجد تلك الإشاعات ولم تجد تلك الأصوات النتنة التي دأبت على إثارة النعرات، واستغلت أموراً كثيرة، لعلها أن تجد باباً يكون بداية الانقسام أو الحزبية، ومع هذا باءت بالفشل، وإني لأعزو هذا بمن الله وفضله أن الله جل وعلا قد ثبت هذه البلاد بالجبال الشامخات الراسيات من العلماء الذين يدينون لله جل وعلا في فتواهم وفي قولهم وفي مواقفهم ويدركون الحكمة والسبيل حسب المصالح الشرعية.

أيها الأحبة: لقد كان خطراً عظيماً على أمة الإسلام، ولكن ما هو أعظم خطرٍ يواجه الأمة؟ والله إن الأمة لو حشد عليها أضعاف أضعاف ما حشد، فإن هذا ليس بخطرٍ بالنسبة إلى الأمر الذي يهلكها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين، سألت ربي ألا يسلط على أمتي عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله جل وعلا ألا يسلط علينا عدواً كافراً يهودياً أو نصرانياً، سأل الله ألا يتسلط علينا عدوٌ بحربٍ عسكرية، أو اجتياحٍ غاشم، فأجاب الله جل وعلا هذه الدعوة، والأخرى يقول عليه الصلاة والسلام: (وسألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة) أي: إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله ألا يتسلط على هذه الأمة جدبٌ، أو قحطٌ، أو زلازل، أو براكين، فتهلك الأمة عبر هذه الكوارث الخطيرة، فأجابه الله جل وعلا، وسأل النبي ربه الثالثة وهي التي لم تجب؛ لأنها علقت بنا، ولأنها ارتبطت بنا، وهي متمثلة في سلوكنا وعلاقاتنا والتزامنا وعضنا بالنواجذ على شرع ديننا، سأل النبي ربه الثالثة (ألا يجعل بأسهم بينهم) فلم تكن هذه كالتي قبلها.

أيها الأحبة: إن أخطر خطرٍ وأعدى عداوة تلك التي تنشأ في صفوفنا، تلك التي تنبعث من بيننا، أما أن يأتي زلزال أو بركان أو كارثة تأخذ الأمة أجمع، فهذه لن تكون، واطمئنوا وقد تكفل الله بإجابتها لنبيكم، أو أن عدواً يتسلط عليكم فيجتاحكم هذه لن تكون بمن الله وإذنه، يوم أن تكون الأمة على هذا المستوى الذي ينبغي أن تصل إليه بالإعداد وأخذ الأسباب، أما أن ينشأ خللٌ وانشقاقٌ وانقسامٌ وهلكةٌ بسبب هذه النفوس، فهذا وارد وممكن.

إذاً أيها الأحبة: هذا يجعلنا نجمع صفوفنا، ونوحد شملنا، ونثبت رابطي الجأش على أمرٍ يرضي الله جل وعلا. إننا لن ننافس أعداءنا بالتعداد، إذا كان الكفار في مختلف دول الغرب ودول الشرق مئات الملايين، والواقع يشهد إمبراطوريةً بدأت تذوب وتضمحل؛ فإن هذا تمهيدٌ لإمبراطورية أوربية جديدة، الأوربيون ينافسون الأمريكان، ويريدون أن يقفوا موقف الند للند على الأقل ألا تستأثر القوة الأولى في العالم -في حد زعمهم ومقاييسهم- ألا تستأثر بمصالح الشعوب وخيراتها، فلابد من منافس يشارك في القسمة، ومن أجل هذا بدأت أوربا تنزع الخلاف، وتزيل أسباب الانقسام، كانت كتلة شرقية وغربية، فبدأت كلها تتوجه وتتحد تحت كتلة غربية واحدة، وصدق الله العظيم وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:73] ظهرت الولاية بين الألمان الغربيين والألمان الشرقيين، أزاحوا الستار والجدار بينهم، هدموا سور برلين، ووحدوا عملتهم، وشكلوا دولةً واحدة، ولا يزال الأوربيون الآن يسعون لمزيدٍ من الوحدة، ولذلك فإن في مخططهم واستراتيجياتهم، أن تكون أوربا عام 2000م هي أوربا الموحدة، أو دولة أوربا الواحدة، وعاصمتها بروكسل في بلجيكا، يريدون أن تكون قوة أوربية من بداية أول شبرٍ في قارة أوروبا إلى آخرها تكون دولة واحدة، وإن اختلفت شيئاً يسيراً في قوانينها الداخلية أما في الدفاع والخارجية والمواقف الخطيرة فستكون دولة واحدة تعدادها يقارب 320 مليون نسمة دولة واحدة، يكون عدد سكانها 320مليون نسمة أو أقل من هذا قليلاً لينافسوا الأمريكان في عددهم 240مليون نسمة تقريباً، وماذا وراء هذا؟ أخرجوا لنا من أمة الإسلام مائة مليون على قلبٍ واحد، على هدف واحد، المسلمون عددهم في هذا الزمان مليار مسلم، أين هم إذا دعت الجراح؟ إسلام بالهوية، وبالإقامة، وبالحفيظة، وإسلامٌ بالتابعية، وبالجواز، أو بأي وثيقة رسمية، أما أن تريد هذا العدد بحقيقته، فلن تجد إلا ما شاء الله:

يا ألف مليار وأين همُ إذا دعت الجراح؟

هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح

من كل ألفٍ واحداً نغزو بهم في كل ساح

الكفر جمع شمله فلم النزاع والانتطاح؟

من خان حي على الصلاة خان حي على الكفاح

شعبٌ بغير عقيدة ورق تذريه الرياح

إن كنا نظن أننا بالتعداد سوف ننافس الغرب، فإن تعداد الغثاء من المسلمين الذي نشهدهم في هذا الزمان لا يقدم ولا يؤخر، بل هو زبد فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً [الرعد:17] ولا يبقى إلا أقل القليل منه، وإن كنا نظن أننا ننافس الغرب بالأسلحة، أو بالتقنية أو بالتكنولوجيا، أو بالاختراع أو بالتطوير، فلنكن صادقين مع أنفسنا، نحن أممٌ متخلفة مستهلكة أمام الغرب المنتج المخترع المفكر المصدر، وهذا يعود لأسباب كثيرة لعل دورة الحضارة عبر عنصر الزمن واحدٌ من أسبابها أو من أهم أسبابها، ولكن أيها الأحبة! بماذا ننافس أعداءنا؟ بالتعداد؟ هم أكثر منا، ولن نجتمع على أهدافنا ومبادئنا كما اجتمع الكفار على أهدافهم ومبادئهم، وهذه من الجراح والمصائب والآلام، ولكن حينما يكون الطبيب صادقاً، فليصدق في تشخيص المرض، وليكن صادقاً في بيان موضع العلة وأعراضها ومظاهرها، ولن نكون أقدر منهم في مجال تطوراتهم واختراعاتهم، على الرغم من أن من شبابنا وأبنائنا من استطاع أن يقود الطائرة ويعرف أن يصلح بعض أجهزتها في الاتصالات والرادار والمعدات والميكانيكا، وأشياء معقدة، ولا يزال أبوه يرعى الغنم، هو ابن البادية، وابن الحقل والقرية والمزرعة، وابن المدينة الصغيرة المتواضعة، ومع ذلك تجده ولداً ذكياً مستوعباً لآخر ما وصلت إليه الحضارة، لكن هل وصل إلى درجة الإنتاج؟ هل وصل إلى درجة الاختراع؟ هل وصل إلى درجة التطوير؟

أقول: البعض قد وصل إلى هذا وهم قلة، وفي هذا يعجب أحد البريطانيين لما رأى عدداً من أبنائكم في هذه المعركة الماضية يبدي تفوقاً في سرعة الاستيعاب، والدقة في التصويب، والتخطيط والبرمجة، قال: عجباً لهؤلاء! لا يزالون أبناء بادية ومع ذلك ينافسوننا ونحن من صنعنا هذه الطائرة في إعداد الحسابات اللازمة لبرمجة عملها وتحديد أهدافها، فقلنا وقلت لهم: أخبروهم أن هذا عقلٌ لا يزال بكراً لم تستهلكه الخمرة، وهذه قوى لا تزال شابة لم يستهلكها الزنا والإباحية والانحطاط، فليس غريباً أن يستوعب هذا، ولكن أيها الأحبة! لا نزال نعيش واقعاً نحتاج فيه أن ننافس، فإن كنا نريد أن ننافس بالتعداد، فهم أكثر منا، وإن أردنا أن ننافس بالتقنية والاختراع، فهم أكثر تقدماً منا، إلا أمراً واحداً أن ننافس بهذا الدين، ونقول هذه ليست مقولة المضطر إليه الذي لم يجد ما ينافس به إلا الدين، فلو وجد حضارة لنافس بها وترك الدين، أو لو وجد تجمعاً نافس به وترك الدين، لا، بل نقوله ونرفعه وننافس به ابتداءً وانتهاءً أولاً وآخراً ظاهراً وباطنا، الله جل وعلا قد تكفل لكم إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38] آمنوا حقيقة الإيمان، ولا تنزعجوا من عدد عدوكم، ولا تنزعجوا من أسلحته، فالله يدافع عنكم، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [الانفطار:10].. قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42] لا حافظ إلا الله.

وإذا العناية لاحظتك عيونها     نم فالمخاوف كلهن أمان

أيها الأحبة: إذا كنا نعرف ألا نجاة للمسلمين إلا بهذا الدين، فلننظر واقع المسلمين، أهم على مستوى من الإيمان، وإثباته بالبرهان، حتى يصلوا درجة يعصمهم الله من غيرهم، ويدافع عنهم ويسخر لهم، ويغير السنن والقوانين لهم، هذه هي الحقيقة التي ينبغي على كلِّ قرد أن يجيبُ نفسه، هل يرى نفسه على مستوى الإيمان الذي به يحفظ الله الأمة؟

اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، ولا تؤاخذنا بما فعلنا، ولا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله: قلنا فيما سبق: إننا لن ننافس أعداءنا بعددنا ولا باختراعنا، وإنما ننافسهم بديننا، ونقارعهم بديننا، ونرعبهم بديننا، ونقتلهم بديننا، وبغير ذلك لن نستطيع أن ننافس شيئاً، من ظن أننا سننافس بغير هذا الدين، فهو يعلق الأمة بالمذلة، ومن ظن أننا سننافس ونبقى أعزاء كرماء أقوياء بغير الدين فإنه يعلق نفسه وأمته بالمذلة.

أيها الأحبة: لما ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وكان يلبس ثياباً مرقعة فيها ثماني عشرة رقعة، وهو الخليفة- على حمارٍ أهزل، التفت إليه أحد الصحابة، ولعله أبو عبيدة قال: [يا أمير المؤمنين! لو لبست حلة غير هذه وركبت برذوناً بدلاً من هذا الحمار] لأنك تقدر الآن لتتسلم مفاتيح بيت المقدس أمة اليهود التي سبقت أمة الإسلام في وجودها وحضارتها وما عندها، [لو أنك يا أمير المؤمنين! لبست حلة بدلاً من مرقعتك هذه وركبت برذوناً بدل هذا الحمار، فالتفت إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: يا أبا عبيدة ! لو قالها غيرك لأوجعته ضرباً، نحن أمةٌ أعزنا الله بالإسلام، فمهما أردنا العزة بغيره أذلنا الله] تكون كل درجة في غير هذا الدين موصلة إلى العزة سلماً إلى الذلة باتجاه معاكس، وكل خطوة غير مرتبطة بالدين في سبيل العزة خطوة إلى الوراء بالمذلة والهوان، هذه حقيقة لم يثبتها واقع النصوص فقط أو الآيات والأحاديث، بل أثبتها الواقع، فأخبرونا ماذا قدمت القيادات لأمة الإسلام بعد سقوط الخلافة وانقسام الدول في محاولاتٍ لإعادة بعث الأمة من جديد، كل محاولة نشأت وجعلت غير الإسلام وسيلة وغير التوحيد هدفاً وعقيدة؛ فهي لا تزيد الأمة إلا خبالاً وضعفاً.

أيها الأحبة: إن أمة الإسلام على خطرٍ عظيم من أمور عديدة، وأذكر من أخطرها أمرين خطيرين جداً، هي من أسباب الهلاك والزوال، ومن أسباب النقمة والعقوبة، وزوال النعم، وزوال الخيرات والأمن والطمأنينة.

الربا

أولها: الربا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:278-279] إن لم تأبهوا بهذا الخطاب، وتتداركوا أوضاعكم، إن لم تصلح الأمة الإسلامية أحوالها؛ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا إيذان وإعلان وإخبار فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ والحرب من الله ورسوله لا تسأل عن كيفيتها، ولا تسأل عن صفاتها، ولا تسأل عن وضعها وحدودها وزمنها ومواقعها، قد تكون الحرب في شرايينك، وقد تبدأ الحرب في دماغك أو في أطرافك، أو في بيتك أو في بلادك، أو في أمنك، وطمأنينتك، في كل شيء، إن أمة الإسلام مأمورة أن تنتبه لهذا الخطر، فكثيرٌ من المسلمين كأنه كبر وسادته ولين فراشه، فقد انتهت فتنة العراق وأزمة حزب البعث، وليس على كاهل الأمة من ذنب تخشاه، أو مصيبة تخافها، لا، إن الربا من أخطر ما يواجه أمة الإسلام، وإنا كنا نسأل الله جل وعلا أن ينصرنا وأن يسخر لنا من هو أقوى منا ونحن ننظر بعينٍ هكذا إلى الربا ونقول: نسأل الله أن يعفو عنا، ونسأل الله أن يجعل ما استقبل من أيامنا بداية لتحقيق شرعه وأمره ونهيه في التجنب والخلاص من هذه المصيبة العظيمة.

المماطلة في أداء الحقوق

المصيبة الثانية هي: أننا لا نصدق حينما نوفي الناس بحقوقهم، قد يقول البعض: كنا نظنك ستتكلم عن أفلام الفيديو، أو كنا نظنك ستتكلم عن محلات الأغاني، أو كنا نظنك ستتكلم عن التبرج والسفور، هذه من المصائب، لكن من أعظم المصائب ألا ينال الضعيف حقه إلا بعد إلحاحٍ شديد، وهذه من أخطر المصائب، عاملٌ عندك مستخدمٌ لديك، فقيرٌ بين يديك تماطله في حقه لأنك قوي، هذه مصيبة عظيمة، ولو كان الذي يواجهك قوياً لأعطيته الحق مرغماً أنفا، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن من أسباب الهلاك (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) فاطمة أم الحسن والحسين ، سيدة نساء أهل الجنة لو سرقت لقطع النبي صلى عليه وسلم يدها، والنبي حينما عبر بالسرقة لم يقصد ذات السرقة فحسب، بل أراد السرقة وأراد كل المعاملات التي لا ينتصف للمظلوم فيها، ولذلك فإن الظلم مرتعه وخيم، ودعوة المظلوم مستجابة.

فما من يدٍ إلا يد الله فوقها     ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم

تنام عينك والمظلوم منتبه     يدعو عليك وعين الله لم تنمِ

أحبتنا في الله: خذوها نصيحة لأنفسكم وناصحوا بها في جميع مجالات حياتكم من لزمه الحق فليؤده، من لزمه الحق فلا يماطل، ومن وجب الحق بذمته بصكٍ شرعي أو بتحاكمٍ إلى من يرضى حكمه فيهما هو في حكم الله جل وعلا، فليؤد الحق راغماً مذعناً ذليلاً لحكم الله جل وعلا، وبغير هذا فلا نجاة.

إن الأمم لا تعيش إلا بالعدل، وإذا لم تؤد الحقوق، فهذا ظلم والظلم مرتعه وخيم، وعاقبته أليمة فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] هل يكفي أن نذهب إلى المحكمة ونتحاكم؟ لا. فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ [النساء:65] لا تنزعج ولا تحرج ولا تتغير يوم أن تمثل وأنت فلان بن فلان أمام القاضي مع المسكين الفقير المهين، لا تجد في نفسك حرجاً، وماذا بعد ذلك؟ أن تسمع فقط بعد الوصول إلى المحكمة؟ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ َ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] تسليماً، تسليماً، تسليماً، كررت بالمفعول المطلق الدال على منتهى الأداء والمتابعة والقيام والاستمرار في أداء الحق، وبغير هذا فلن يكونوا مؤمنين، وإن لم يكونوا مؤمنين، فلن يدافع الله عنهم، وإذا لم يدافع الله عنهم، فسوف يتسلط عليهم أعداؤهم، وإذا تسلط الأعداء برقبة مؤمنٍ أو مسلمٍ، فلا تسأل عن هلكته ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هاتان مصيبتان، والمصائب جمة، لكن ولست بهذا أحدد أرضاً بعينها أو بلاداً بعينها، بل أخاطب أمة الإسلام في شرقها وغربها، الربا والعدل في أداء الحقوق، يقول ابن تيمية : إن الله لينصر الحكومة الكافرة العادلة، ولا ينصر الأمة المسلمة الظالمة، هذه من أعظم المخاطر.

فيا عباد الله: نصيحة لمن تورط في الربا أن يقلع، وانصحوا من تعرفون، ومن تورط في حقوق الناس، فليتق الله، ولا يقل أعرف واحداً، أو لي واسطة، أو أتردد يمنةً ويسرة، أو لا يستطيع أحدٌ أن يلزمني بتنفيذ هذا الصك، أو الحكم، نستطيع أن نلزمك بهذا الشرطي الذي بين أضلاعك، بهذا الجندي الذي في قلبك، نلزمك بالإيمان الذي أنت تخضع وتدين لله به، فإن كنت مؤمناً فأذعن، إن كنت مسلماً فسلم، وإلا

فالدعاوى إن لم يقيموا عليها     بيناتٍ أصحابها أدعياءُ

دعاوى الإيمان، ودعاوى الانقياد، والإنسان إذا قيد وأمر بتطبيق حكم الله، قال: لا. اشكني، فإذا شكوته، لم يصدر الحكم، فإذا صدر الحكم، اعترض، فإذا قطع بالحكم، نقض، فإذا صدق الحكم يمنة ويسرة وعبثاً والمسكين يبكي؛ لقمته، حقوقه، ماله، بضاعته، فلا يجد إلا باباً يطرقه وسط الليل بعد أن يهجع الناس ويطيب نوم الخاسرين، يدعو ربه: اللهم إني مظلومٌ فانتصر، اللهم إني مظلومٌ فانتصر، اللهم إني مظلومٌ فانتصر، اللهم غلبني بحوله، اللهم غلبني بقوله، اللهم غلبني بطوله، اللهم غلبني بقوته، أما أنا فلا حول لي ولا قوة ولا طول إلا أنت، يا حي يا قيوم، وحينئذٍ تنفتح أبوب السماء بالمدد طامة على قلب الظالم، ومصيبة على ماله وثروته وكل ما يملك ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وأن يجعلنا للحق مسلمين مذعنين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم لا تحجب دعاء المسلمين فيه، اللهم انصرنا، اللهم ثبتنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم أصلح جليسهم، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم قرب لهم من علمت فيه خيراً لهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم.

اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان ، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان ، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان ، اللهم انصر المجاهدين في جميع الأرض يا رب العالمين، اللهم انتقم للمسلمين من التاميل في سرلنكا ، أقول هذا الدعاء وأقوله في الجمعة الماضية، لأنه وصلني مجموعة من الصور التي ذبح المسلمون فيها في سرلنكا ، مذابح صفٌ كامل كله موتى، أكفانٌ مغطاة، وأناسٌ دماؤهم ترشق الجدران يرفسون متشحطين بالدماء، لا تزال المعركة على الإسلام قائمة، لا يزال المسلمون مستضعفين ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلذلك ندعو لهم، اللهم فانتقم لهم من الهندوس، اللهم انتقم من جميع أعدائهم يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك هذا الشهر الكريم على توبة صادقة، اللهم بلغنا هذا الشهر الكريم على مغفرة منك لذنوبنا، وعفوٍ منك لسيئاتنا، وأعنا على صيامه وقيامه، واجعل لنا فيه أوفر الحظ والنصيب، اللهم اجعلنا ممن يصوم شهره، ويفوز بليلة قدره، ويستكمل أجره بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم بارك لنا فيما آتيتنا ولا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتا فجازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفرانا، اللهم وسع لهم في لحودهم، ونور قبورهم، وافتح لهم أبواباً إلى الجنان، واجمع شملنا بهم في عليين يا أرحم الرحمين.

اللهم اهدِ شبابنا، اللهم اهدِ شبابنا، اللهم بغض إلى نفوسهم الطرب واللهو، والمعازف وأدوات الشيطنة واللهو، وحبب إليهم الإيمان والدعوة والحكمة والمواعظ الحسنة، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، اللهم اهدِ بناتنا، وأصلح نساءنا، واهد زوجاتنا، وجنبهم الاختلاط والتبرج والسفور، اللهم جنبهم الاختلاط في الوظائف، وجنبهم الاختلاط في التعليم، ومن أراد بهم سوءاً فافضحه بين الخلائق، اللهم ما علمت في علمانيٍ سوءاً يدبر ويخطط للمسلمين سوءاً، اللهم افضحه على أشد خزية، وافضحه على أشد عار، وافضحه على أشد مصيبة، حتى يفطن المسلمون لشره يا من لا تخفاه خافية.

إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.