شذور الذهب من ذكرى سَفْرَة عجَب - 72 - ( أَم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ..)
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
تقـول صـاحبتنـا:وظللت سحابة يومي باكية، يغلب على ظني أني هالكة شاكية، وزاد نحيبي يا نفسي ألا فتوبي؛ فها هم القوم تغرقهم ذنوبي !! أبتقصيري أقابل ربي بلا عمل صالح يصحبني ؟! أيكون قبري في البحر؟ أغرقا ينتهي كذا العمر؟!ثم عنّ لي أن دعاء المضطر يرفعه الرب؛ فيسبجيب سبحانه كاشفا السوء والكرب؛ فأخلصت لربي الدعاء، معلقا قلبي برب السماء (1) وما فترت عن الحوقلة والاستغفار، وترديد كلمة التوحيد حتى انقضى النهار.
أما عن الصلاة فقد حاولت أداءها قائمة (2) مستندة إلى الجدار، أو متمسكة بقائم للفراش قريب بالجوار( 3) إلا أنني لم أستطع الصلاة إلا على جنب في الفرش ملقاة ( 4 ) ؛ فقد كانت السفينة كالأرجوحة الهوجاء، شديدة الاضطراب بتدافع الريح والماء !وفي وقت متأخر من ذلك المساء سكنت العاصفة ، فاطمأنت بعض الشيء قلوبنا الواجفة: سكنت العاصفة بفضل من الله، وامتن علينا سبحانه بهبة النجاة !
ومتأخرا جدا جاء أبي إلينا، وأخذ يقص ما مرّ به علينا: وأذكر أنه قال ضاحكا: اشتكى بعض ساكني السطح من العم رفعت - ذلك الشيخ الذي وجدناه في جانب من السطح كالمتجمد - قالوا: لقد كان ذلك العجوز يجوب السطح وحده، وفي يده كرسي من الحديد يجره خلفه، ولما كان سطح السفينة يعج بالأمتعة والناس، كان كرسيه يضربهم بشكل حاد قاس؛ فكان من يفترشون الأرض ممن يمر بجوارهم يتأذون وإليه يشتكون :
ألا تنتبه يا عم: فإن كرسيك بعضنا يخدش وبعضنا بقسوة يصدم !!- فكان يجيبهم بغيظ و جِد: ألا يكفي أنكم تحتلون كل الأرض، يقول ذلك وهو يرفع كرسيه بحنق، ثم يضرب به من يشكو إليه بعمد !!
ويتبـع .
--------------------------------------------------------------
(1) - {أَلَمْ تَرَ أَنّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مّنْ آيَاتِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُمْ مّوْجٌ كَالظّلَلِ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرّ فَمِنْهُمْ مّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ } [لقمان / 32]
(2) -« سئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في السفينة فقال : صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق»
( صحيح على شرط مسلم أصل صفة الصلاة برقم: [ 1/101 ] )
(3)- «قدمت الرقة فقال لي بعض أصحابي هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت غنيمة فدفعنا إلى وابصة قلت لصاحبي نبدأ فننظر إلى دله فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين وبرنس خز أغبر وإذا هو معتمد على عصا في صلاته فقلنا بعد أن سلمنا فقال حدثتني أم قيس بنت محصن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه» (صحيح أبي داود برقم: [948] )
** فائدة : ترجم لهذين الحديثين معا الشيخ الألباني رحمه الله بــــ ( الصلاة في السفينة ) في كتابه صفة الصلاة فكنت أتعجب من مناسبة ذكر حديث اعتماد النبي - صلى الله عليه وسلم - على عمود في الصلاة تحت هذه الترجمة، ثم علمت بعدُ أن راكب السفينة قد يجد في نفسه حرجا من الاتكاء على شيء حال صلاته قائما لاضطراب حركة السفينة فكان ذكر مثل هذا الحديث الصحيح في محله ليعلم بالجواز ويرتفع عنه الحرج .
(4)- «كانت بي بواسير ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة ، فقال : صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب .» (صحيح البخاري رقم: [1117] )