شرح ألفية ابن مالك [47]


الحلقة مفرغة

هذان فعلان جامدان فـ(نعم) للمدح، و(بئس): للذم.

وهما فعلا إنشاءٍ، وليسا فعلي خبر؛ لأنك تنشىء المدح فيما إذا قلت: نعم الرجل زيدٌ، والذم فيما إذا قلت: بئس الرجل زيدٌ.

وقوله: (وما جرى مجراهما)، يريد به: (حبذا) في المدح، و(لا حبذا): في الذم.

قال المؤلف:

[ فعلان غير متصرفين نعم وبئس رافعان اسمين

مقارني أل أو مضافين لما قارنها كنعم عقبى الكرما ]

قوله: (فعلان): خبر مقدم.

وقوله: (نعم، وبئس)، (نعم): مبتدأ، و(بئس): معطوف عليه.

يعني: أن نعم وبئس فعلان، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، والدليل على ذلك: دخول تاء التأنيث عليهما، فتقول: نعمت المرأة هند، وبئست المرأة دعد، وتاء التأنيث من علامة الأفعال.

وقيل: إنهما اسمان، واستدل القائلون بذلك بقول بعض العرب وقد بشر ببنت:

ما هي بنعم الولدُ! فأدخل الباء على نعم، وحروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء.

وكذلك قول بعضهم: نعم السيرُ على بئس العير، والعير هو الحمار، فأدخل (على) على بئس، وحروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء.

لكن القول الأول الذي مشى عليه ابن مالك أصح، وهذان المثالان مؤولان:

فمعنى الأول: ما هي بالتي يقال فيها نعم الولد.

والثاني يقال فيه: على مركوب يقال فيه: بئس العير.

وقول المؤلف: (غير متصرفين) معناه: لا يأتي منهما المضارع، ولا الأمر، ولا المصدر، بل هما هكذا وجدا في اللغة العربية غير متصرفين، وغير المتصرف يسمى جامداً.

أنواع فاعل نعم وبئس

قال:

(رافعان اسمين): رافعان: خبر ثان لقوله: نعم وبئس، يعني: هما فعلان غير متصرفين، وكذلك: رافعان اسمين. و(رافعان) عملت في (اسمين) النصب، فقوله: (اسمين): مفعول به لرافعان، وفي (رافعان) ضمير مستتر يعود على نعم وبئس، وليس الضمير هو الألف؛ لأن الألف في قوله: (رافعان) علامة إعراب، وليست ضميراً.

والمعنى: أن نعم وبئس يرفعان اسمين، وليس كل واحدة ترفع اسمين، ولكن كل واحدة ترفع اسماً.

يقول: (مقارني أل) يعني: أن فاعلهما لا يكون إلا اسما معرفاً بأل،مثل: (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال:40].

المولى: فاعل مقرون بأل.

و(النصير) أيضاً فاعل مقرون بأل.

ولو قلت: نعم مولى، ونعم نصير، لا يجوز.

فلا بد أن يكون فاعلهما مقروناً بأل.

وكذلك قوله تعالى: (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة:126].

(المصيرُ): فاعل، ولا بد في الفاعل أن يكون محلى بأل.

قال: (أو مضافين لما قارنها).

يعني: أو يكون فاعلهما مضافاً لما فيه (أل)، ومثاله قوله تعالى: (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [النحل:30].

فدارُ ليس فيها أل لكنها مضافة لما فيه أل.

إذاً فاعلهما لا بد أن يكون مقروناً بأل، أو مضافا لما فيه أل، قال الشاعر:

نعمت جزاء المتقين الجنة دار الأماني والمنى والمنة

فالفاعل هنا مضاف لما فيه أل.

ويجوز أيضاً: أن يكون الفاعل مضافاً إلى مضاف لما فيه أل، تقول: نعم دار كريم القومِ، فـ (دار) فاعل مضاف إلى كريم، و(كريم): ليس فيه أل لكنه مضاف إلى ما فيه أل.

(كنعم عقبى الكرما).

فنعم في هذا المثال غير محلى بأل، لكنه مضاف إلى ما فيه (أل).

واعلم أن نعم وبئس تحتاج إلى فاعل، وتحتاج إلى مخصوص بالذم أو بالمدح، ويكون مبتدأ، فمثلاً تقول في قوله تعالى:(نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال:40].

(المولى): فاعل، والمخصوص بالمدح تقديره: هو، أي: الله، نعم المولى الله، ونعم النصير الله.

والمخصوص في (نعم دار المتقين الجنة) هو: الجنة.

فالشيء الذي وقع عليه الثناء يكون محذوفا، ويعرب على أنه مبتدأ مؤخر، وجملة (نعم وفاعلها) خبر مقدم.

نقول في إعراب (نعم المولى الله) (نعم): فعل ماض، و(المولى): فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، والمخصوص محذوف تقديره الله، وهو مبتدأ وخبره الجملة التي قبله، وهي نعم المولى.

وفي (بئس المصير): المخصوص محذوف وتقديره: النار.

فنقول في الإعراب: (بئس): فعل ماض للذم.

و(المصير): فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والمخصوص محذوف تقديره: النار، وهو مبتدأ، وخبره: جملة بئس المصير.

إضمار فاعل نعم وبئس وتفسيره بالتمييز

قال ابن مالك رحمه الله:

[ ويرفعان مضمراً يفسرُ مميز كنعم قوماً معشره ]

ولما قال رحمه الله : إنهما لا يرفعان إلا محلى بأل، أو مضافاً لمحلى بأل، ذكر أيضا: أنهما يرفعان مضمراً يفسره يعني: تمييز، والمعنى: ويجوز أن يكون فاعلهما ضميراً مفسرا بتمييز، مثاله: (نعم قوماً معشره).

وإعراب البيت:

(يرفعان): فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل.

(مضمراً) مفعول به.

(يفسره) فعل مضارع، ومفعول به.

(مميز) فاعل، والجملة صفة لمضمر.

وقوله: (كنعم قوما معشره):

(الكاف): حرف جر.

(نعم قوما معشره): اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.

لأن معنى قولنا: كنعم قوماً معشر، أي: كهذا المثال، فهو جملة في حكم المفرد.

وقال بعض المعربين: إن الكاف داخلة على مجرور محذوف، والتقدير: كقولك: نعم قوماً معشره.

وهذا وإن كان له وجه، لكنه ضعيف؛ لأنه يحتاج إلى تقدير محذوف، والأصل عدم الحذف.

فقوله: (كنعم قوماً معشره):

(نعم): فعل ماض، و(قوماً): تمييز منصوب، والفاعل مستتر والتقدير: كنعم القوم قوماً.

(معشرُ): مبتدأ وهو المخصوص بالمدح، وهو مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه ضمة على آخره، و(معشر): مضاف و(الهاء): مضاف إليه مبني على الضم في محل جر، والجملة من (نعم قوماً): خبر مقدم.

فتبين أن نعم وبئس وما جرى مجراهما يحتاجان إلى فاعل، ويحتاجان إلى المخصوص بالمدح والذم.

فإن قيل: ألا نعرب (معشر) فاعلاً؟

نقول: لا يجوز ذلك؛ ولهذا يقول: يرفعان مضمراً يفسره مميز، فلو قلنا: (معشر) هي الفاعل لنعم لما رفع المضمر، بل يكون قد رفع الظاهر، ثم يفسد المعنى؛ لأنني أثني على قوم منهم معشره.

ولهذا يقال: إن نعم وبئس تدلان على العموم، ثم على الخصوص، يعني: إذا قلت: نعم القوم قوماً، فهذا عموم، ثم خصصت العشيرة.

ومثل: نعم الرجل زيد، فالرجل ليس بزيد، فـ (نعم الرجل) هذا شائع في جنس الرجال، ولهذا تعتبر (أل) هنا لاستغراق الجنس، ثم خص هذا الرجل بأنه زيد، فكأنه ذكر مرتين، مرة على سبيل العموم، ومرة على سبيل الخصوص، فلهذا لا بد أن نقول: إن التقدير: نعم القومُ قوما على سبيل العموم، ثم نخص ونقول: معشره.

حكم جمع التمييز والفاعل الظاهر

قال المؤلف:

[ وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهمُ قد اشتهر ]

لما ذكر رحمه الله أنهما يرفعان مضمرا يفسره تمييز، كأن سائلاً يسأل: وهل يرفعان ظاهراً مع وجود التمييز أم لا؟

يقول المؤلف: جمع التمييز والفاعل الظاهر فيه خلاف:

فمنهم من يقول: إنه لا يجوز أن نجمع بين الفاعل والتمييز، لأن معنى ذلك أننا جمعنا بين المفسِر والمفسر.

وقال بعضهم: إنه يجوز؛ لأنه من باب التأكيد، كأننا أثنينا عليهم مرتين، مثال ذلك:نعم القوم قوماً معشره، فهنا جمعنا بين الفاعل والتمييز.

وابن مالك رحمه الله أطلق الخلاف ولم يرجح، وقد ذكرنا قاعدة: وهو أنه إذا لم يكن من اللغة دليل بين نتبع الأسهل.

إذاً: فنقول: يجوز لك أن تجمع بين التمييز والفاعل، ويجوز لك ألا تجمع، فمن قال: نعم قوما معشره، هذا قلنا: صواب، ومن قال: نعم القوم قوما معشره، قلنا: هذا صواب.

والقائلون بالتخيير معهم دليل وهو قول الشاعر:

والتغلبيون بئس الفحل فحلهم

فحلاً وأمهم زلاء منطيق

(بئس) فعل ماض، و(الفحلُ): فاعل، و(فحلهمُ): مبتدأ وهو المخصوص، و(فحلاً): تمييز.

أما (وأمهم زلاء منطيق)، فهي جملة مستقلة.

والمانعون يقولون: إنه شاذ أو نادر.

الخلاف في (ما) الواقعة بعد نعم وبئس

ثم قال المؤلف رحمه الله:

[ وما مميزٌ وقيل فاعلُ

في نحو نعم ما يقول الفاضلُ ]

قوله: (نعم ما يقول الفاضل): (ما): لا تظهر عليها علامة الإعراب؛ لأنها مبنية، فماذا نقول: هل نجعلها اسماً موصولاً، أم نجعلها نكرة؟ فإن جعلناها موصولة فهي فاعل، أو نكرة فهي تمييز.

فهل تقول: نعم القول يقول الفاضل، أم نعم قولاً يقول الفاضل؟

إذا جعلناها تمييزاً قلنا: التقدير: نعم قولاً يقول الفاضل.

وإذا جعلناها فاعلاً فالتقدير: نِعمَ القولُ يقوله الفاضل.

فلما كانت تحتمل أن تكون اسماً موصولاً، وهو معرفة، أو تكون نكرة موصوفة، وهو التمييز، قال ابن مالك : إن فيها خلافاً فبعضهم يقول: إنها تمييز، وبعضهم يقول: إنها فاعل.

وقوله: (وما مميز وقيل فاعل)، معناه: أنه قدم أن تكون تمييزاً، أي: نعم قولاً يقول الفاضل، فعلى هذا تكون مثل قولك: نعم رجلاً زيد.

قال ابن عقيل رحمه الله تعالى:

[والثالث: أن يكون مضمراً مفسراً بنكرة بعده منصوبة على التمييز نحو: نعم قوماً معشره، ففي نعم ضمير مستتر يفسره (قوماً)، و(معشره): مبتدأ، وزعم بعضهم: أن معشره مرفوع بنعم وهو الفاعل، ولا ضمير فيها.

وقال بعض هؤلاء: إن قوماً حال، وبعضهم: إنه تمييز، ومثلُ (نعم قوماً معشره) قوله تعالى: (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف:50].

وقول الشاعر:

لنعم موئلا المولى إذا حذرت

بأساء ذي البغى واستيلاء ذي الإحن

وقول الآخر:

تقول عرسى وهي لي في عومره

بئس امرأ وإنني بئس المره.

قال ابن مالك رحمه الله:

وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر

اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في نعم وأخواتها.

فقال قوم: لا يجوز ذلك، وهو المنقول عن سيبويه فلا تقول: نعم الرجل رجلاً زيد.

وذهب قوم إلى الجواز واستدلوا بقوله:

والتغلبيون بئس الفحل فحلهم

فحلا وأمهم زلاء منطيق

وقوله:

تزود مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

وفصل بعضهم فقال: إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما نحو: نعم الرجل فارساً زيد، وإلا فلا نحو: نعم الرجل رجلاً زيد.

فإن كان الفاعل مضمراً جاز الجمع بينه وبين التمييز اتفاقاً نحو: نعم رجلاً زيد.

قال:

وما مميز وقيل فاعل

في نحو نعم ما يقول الفاضل

تقع (ما) بعد نعم وبئس فتقول: نعم ما أو نعما وبئس ما، ومنه قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ البقرة:271].

وقوله تعالى: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ البقرة:90].

واختلف في (ما) هذه فقال قوم: هي نكرة منصوبة على التمييز وفاعل نعم ضمير مستتر.

وقيل: هي الفاعل وهي اسم معرفة، وهذا مذهب ابن خروف ونسبه إلى سيبويه ]. أ.هـ.

فإعراب قوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً [الكهف:50].

(بئس) فعل ماض و(للظالمين): جار ومجرور متعلق به، و(بدلاً): تمييز، والفاعل مستتر، والتقدير: بئس البدل للظالمين بدلاً.

قال:

(رافعان اسمين): رافعان: خبر ثان لقوله: نعم وبئس، يعني: هما فعلان غير متصرفين، وكذلك: رافعان اسمين. و(رافعان) عملت في (اسمين) النصب، فقوله: (اسمين): مفعول به لرافعان، وفي (رافعان) ضمير مستتر يعود على نعم وبئس، وليس الضمير هو الألف؛ لأن الألف في قوله: (رافعان) علامة إعراب، وليست ضميراً.

والمعنى: أن نعم وبئس يرفعان اسمين، وليس كل واحدة ترفع اسمين، ولكن كل واحدة ترفع اسماً.

يقول: (مقارني أل) يعني: أن فاعلهما لا يكون إلا اسما معرفاً بأل،مثل: (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال:40].

المولى: فاعل مقرون بأل.

و(النصير) أيضاً فاعل مقرون بأل.

ولو قلت: نعم مولى، ونعم نصير، لا يجوز.

فلا بد أن يكون فاعلهما مقروناً بأل.

وكذلك قوله تعالى: (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة:126].

(المصيرُ): فاعل، ولا بد في الفاعل أن يكون محلى بأل.

قال: (أو مضافين لما قارنها).

يعني: أو يكون فاعلهما مضافاً لما فيه (أل)، ومثاله قوله تعالى: (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [النحل:30].

فدارُ ليس فيها أل لكنها مضافة لما فيه أل.

إذاً فاعلهما لا بد أن يكون مقروناً بأل، أو مضافا لما فيه أل، قال الشاعر:

نعمت جزاء المتقين الجنة دار الأماني والمنى والمنة

فالفاعل هنا مضاف لما فيه أل.

ويجوز أيضاً: أن يكون الفاعل مضافاً إلى مضاف لما فيه أل، تقول: نعم دار كريم القومِ، فـ (دار) فاعل مضاف إلى كريم، و(كريم): ليس فيه أل لكنه مضاف إلى ما فيه أل.

(كنعم عقبى الكرما).

فنعم في هذا المثال غير محلى بأل، لكنه مضاف إلى ما فيه (أل).

واعلم أن نعم وبئس تحتاج إلى فاعل، وتحتاج إلى مخصوص بالذم أو بالمدح، ويكون مبتدأ، فمثلاً تقول في قوله تعالى:(نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال:40].

(المولى): فاعل، والمخصوص بالمدح تقديره: هو، أي: الله، نعم المولى الله، ونعم النصير الله.

والمخصوص في (نعم دار المتقين الجنة) هو: الجنة.

فالشيء الذي وقع عليه الثناء يكون محذوفا، ويعرب على أنه مبتدأ مؤخر، وجملة (نعم وفاعلها) خبر مقدم.

نقول في إعراب (نعم المولى الله) (نعم): فعل ماض، و(المولى): فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، والمخصوص محذوف تقديره الله، وهو مبتدأ وخبره الجملة التي قبله، وهي نعم المولى.

وفي (بئس المصير): المخصوص محذوف وتقديره: النار.

فنقول في الإعراب: (بئس): فعل ماض للذم.

و(المصير): فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والمخصوص محذوف تقديره: النار، وهو مبتدأ، وخبره: جملة بئس المصير.

قال ابن مالك رحمه الله:

[ ويرفعان مضمراً يفسرُ مميز كنعم قوماً معشره ]

ولما قال رحمه الله : إنهما لا يرفعان إلا محلى بأل، أو مضافاً لمحلى بأل، ذكر أيضا: أنهما يرفعان مضمراً يفسره يعني: تمييز، والمعنى: ويجوز أن يكون فاعلهما ضميراً مفسرا بتمييز، مثاله: (نعم قوماً معشره).

وإعراب البيت:

(يرفعان): فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والألف فاعل.

(مضمراً) مفعول به.

(يفسره) فعل مضارع، ومفعول به.

(مميز) فاعل، والجملة صفة لمضمر.

وقوله: (كنعم قوما معشره):

(الكاف): حرف جر.

(نعم قوما معشره): اسم مجرور بالكاف، وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.

لأن معنى قولنا: كنعم قوماً معشر، أي: كهذا المثال، فهو جملة في حكم المفرد.

وقال بعض المعربين: إن الكاف داخلة على مجرور محذوف، والتقدير: كقولك: نعم قوماً معشره.

وهذا وإن كان له وجه، لكنه ضعيف؛ لأنه يحتاج إلى تقدير محذوف، والأصل عدم الحذف.

فقوله: (كنعم قوماً معشره):

(نعم): فعل ماض، و(قوماً): تمييز منصوب، والفاعل مستتر والتقدير: كنعم القوم قوماً.

(معشرُ): مبتدأ وهو المخصوص بالمدح، وهو مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه ضمة على آخره، و(معشر): مضاف و(الهاء): مضاف إليه مبني على الضم في محل جر، والجملة من (نعم قوماً): خبر مقدم.

فتبين أن نعم وبئس وما جرى مجراهما يحتاجان إلى فاعل، ويحتاجان إلى المخصوص بالمدح والذم.

فإن قيل: ألا نعرب (معشر) فاعلاً؟

نقول: لا يجوز ذلك؛ ولهذا يقول: يرفعان مضمراً يفسره مميز، فلو قلنا: (معشر) هي الفاعل لنعم لما رفع المضمر، بل يكون قد رفع الظاهر، ثم يفسد المعنى؛ لأنني أثني على قوم منهم معشره.

ولهذا يقال: إن نعم وبئس تدلان على العموم، ثم على الخصوص، يعني: إذا قلت: نعم القوم قوماً، فهذا عموم، ثم خصصت العشيرة.

ومثل: نعم الرجل زيد، فالرجل ليس بزيد، فـ (نعم الرجل) هذا شائع في جنس الرجال، ولهذا تعتبر (أل) هنا لاستغراق الجنس، ثم خص هذا الرجل بأنه زيد، فكأنه ذكر مرتين، مرة على سبيل العموم، ومرة على سبيل الخصوص، فلهذا لا بد أن نقول: إن التقدير: نعم القومُ قوما على سبيل العموم، ثم نخص ونقول: معشره.

قال المؤلف:

[ وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهمُ قد اشتهر ]

لما ذكر رحمه الله أنهما يرفعان مضمرا يفسره تمييز، كأن سائلاً يسأل: وهل يرفعان ظاهراً مع وجود التمييز أم لا؟

يقول المؤلف: جمع التمييز والفاعل الظاهر فيه خلاف:

فمنهم من يقول: إنه لا يجوز أن نجمع بين الفاعل والتمييز، لأن معنى ذلك أننا جمعنا بين المفسِر والمفسر.

وقال بعضهم: إنه يجوز؛ لأنه من باب التأكيد، كأننا أثنينا عليهم مرتين، مثال ذلك:نعم القوم قوماً معشره، فهنا جمعنا بين الفاعل والتمييز.

وابن مالك رحمه الله أطلق الخلاف ولم يرجح، وقد ذكرنا قاعدة: وهو أنه إذا لم يكن من اللغة دليل بين نتبع الأسهل.

إذاً: فنقول: يجوز لك أن تجمع بين التمييز والفاعل، ويجوز لك ألا تجمع، فمن قال: نعم قوما معشره، هذا قلنا: صواب، ومن قال: نعم القوم قوما معشره، قلنا: هذا صواب.

والقائلون بالتخيير معهم دليل وهو قول الشاعر:

والتغلبيون بئس الفحل فحلهم

فحلاً وأمهم زلاء منطيق

(بئس) فعل ماض، و(الفحلُ): فاعل، و(فحلهمُ): مبتدأ وهو المخصوص، و(فحلاً): تمييز.

أما (وأمهم زلاء منطيق)، فهي جملة مستقلة.

والمانعون يقولون: إنه شاذ أو نادر.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح ألفية ابن مالك [68] 3429 استماع
شرح ألفية ابن مالك [2] 3263 استماع
شرح ألفية ابن مالك [15] 3123 استماع
شرح ألفية ابن مالك[65] 2987 استماع
شرح ألفية ابن مالك[55] 2948 استماع
شرح ألفية ابن مالك [67] 2916 استماع
شرح ألفية ابن مالك [7] 2914 استماع
شرح ألفية ابن مالك [24] 2906 استماع
شرح ألفية ابن مالك [9] 2823 استماع
شرح ألفية ابن مالك [66] 2808 استماع