شرح ألفية ابن مالك[65]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[وكمل المنقوص في التصغير ما لم يحو غير التاء ثالثاً كما].

ليس المراد بالمنقوص ما كان معتل الآخر كما مر معنا فيما سبق، بل المراد بالمنقوص ما نقصت حروفه عن أصله، فيكمل، لكن المؤلف استثنى فقال: (ما لم يحو غير التاء ثالثاً)، فإن حوى غير التاء ثالثاً فإنه لا يكمل، فإن كان على حرفين أو على ثلاثة أحرف ثالثها التاء فإنه يجب أن يكمل لأجل أن تتم صيغة التصغير، إما على فُعيعل أو على فعيعيل، وما كان على حرفين فقط فإنه لا يمكن أن تتم الصيغة به إلا إذا جلب له الحرف الذي نقص.

وقوله: (ما لم يحو غير التاء ثالثاً) فإن حوى غير التاء ثالثاً فإنه لا يكمل بل يبقى على ما هو عليه؛ لأنه يمكن أن يصاغ منه صيغة التصغير.

وقوله: (كما) المراد بـ(ما) هنا ما إذا سمينا بها شخصاً، فتقول: ما بن عبد الله، ما بن محمد، فإذا أردنا أن نصغر (ما) نقول: موي؛ لأن أصله: مويُّ، فهو أربعة أحرف: الميم والواو والياء المشددة، على وزن فُعيل، وبهذا استقامت صيغة التصغير.

مثال آخر: يد، فيها نقص؛ لأن أصلها (يدي)، فلابد أن نأتي بالمحذوف فنقول: يُدَيٌّ، لكن بما أنها ختمت بياء ساكنة فيجب أن تختم بالتاء فنقول فيها: يُديَّة. ومثله: (عدة) فيها نقص؛ لأن الأصل: (وعد)، ففيها نقص الواو، فعندما نصغر لا بد أن نأتي بالواو، فنقول: وعيدة.

فإن قال قائل: أليست (عدة) على ثلاثة أحرف؟

قلنا: بلى، على ثلاثة أحرف، ويمكن تصغيرها على فُعيل، لكن الحرف الثالث منها تاء، والمؤلف يقول: (ما لم يحو غير التاء ثالثاً) وعلى هذا فنقول في عدة: وعيدة؛ لأنه لا يمكن أن تتم صيغة التصغير إلا إذا أتينا بهذا الناقص، وهو الواو.

قال الشارح:

(المراد بالمنقوص هنا ما نقص منه حرف، فإذا صُغر هذا النوع من الأسماء فلا يخلو إما أن يكون ثنائياً مجرداً عن التاء، أو ثنائياً ملتبساً بها، أو ثلاثياً مجرداً عنها.

فإن كان ثنائياً مجرداً عن التاء أو ملتبساً بها رد إليه في التصغير ما نقص منه، فيقال في دم: دُمَيّ، وفي شَفه: شُفيهة، وفي عدة: وعيدة، وفي ماء -مسمىً به- موي.

وإن كان على ثلاثة أحرف وثالثه غير تاء التأنيث صغر على لفظه ولم يُرد إليه شيء، فتقول في شاك السلاح: شُويك).

تقول: شُويك؛ لأن (شاك السلاح) أصلها: شوك السلاح؛ لأنها مأخوذة من الشوكة، فمعنى (شاك السلاح) أي: مشفعه ومقويه، ومنه قوله تعالى: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال:7].

إذاً: ليست (شاك السلاح) منقوصة في الإعراب، فليس أصلها: شاكي السلاح؛ لأن الألف هنا أصلية، ولو كانت (شاكي) آخرها ياء لكانت الألف زائدة؛ وكثير من الناس يظنون أن (شاك السلاح) منقوص، أي: أن آخره ياء ولكنها حذفت، والصواب أنه ليس منقوصاً وأن آخره الكاف، فآخره اسم صحيح لا حرف علة.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ومن بترخيم يصغر اكتفى بالأصل كالعطيف يعني المعطفا].

الترخيم في النداء: أن يحذف آخر المنادى، فإذا أردت أن تصغر المرخم فاحذف الزوائد وصغره على الأصل، مثل: مِعْطف، إذا أردنا أن نصغره تصغيراً تاماً بدون ترخيم نقول: مُعَيْطف، على وزن فُعيعل، لكن إذا أردنا أن نصغره تصغير ترخيم فنقول: احذف الزوائد، فمِعطَف مأخوذ من العطف، فالميم زائدة، فإذا صغرناه نقول: عُطيف.

فتصغير الترخيم أن تحذف الزوائد، وتقول في مفتاح على الأصل: مفيتيح، وفي الترخيم: فُتَيح؛ فالميم زائدة؛ لأن مفتاح من فتحَ.

وتقول في مسجد على الأصل: مسيجيد، وعلى الترخيم: سُجيد، وفي مُنخل على الأصل: منيخيل، وعلى الترخيم: نُخَيل، ومغزل على الأصل: مُغَيزل، وعلى الترخيم: غزيل، وغزال على الأصل: غُزَيِّل، وعلى الترخيم: غُزيل.

إذاً: صار عندنا الآن تصغير ترخيم، وتصغير على الأصل، فالذي على الأصل على حسب القواعد السابقة، وعلى الترخيم تحذف الزوائد، ومثله: مكيريم على الأصل، وعلى الترخيم: كريم.

إذا قال قائل: هذه الألفاظ تشتبه، فيشتبه هذا بهذا، فالجواب: أن السياق يعين المراد، وحينئذ يزول الإشكال.

قال الشارح:

[من التصغير نوع يسمى تصغير الترخيم، وهو عبارة عن تصغير الاسم بعد تجريده من الزوائد التي هي فيه؛ فإن كانت أصوله ثلاثة صغر على فُعيل، ثم إن كان المسمى به مذكراً جُرد عن التاء، وإن كان مؤنثاً ألحق تاء التأنيث، فيقال في المِعطف: عُطيف، وفي حامد: حُميد، وفي حبلى: حُبيلة، وفي سوداء: سُويدة.

وإن كانت أصوله أربعة صغر على فعيعل، فتقول في قرطاس: قُرَيطس، وفي عصفور: عُصيفر].

وكذلك في مدحرج: دحيرج.

كلمة (عصفور) فيها الواو زائدة، إذا حذفناها سيبقى: عين وصاد وفاء وراء، من العصفر، عصفِر، أو عُصفُر.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[واختم بتا التأنيث ما صغرت من مؤنث عار ثلاثي كسن

ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس كشجر وبقر وخمس

وشذ ترك دون لبس وندر لحاق تا فيما ثلاثياً كثر].

قوله: (عار) أي: من التاء ، وهذه قاعدة في تصغير المؤنث، إذا كان ثلاثياً عارياً من التاء فإنه يجب أن يقرن بالتاء، فمثلاً (سن) إذا أردنا أن نصغرها نقول: سُنينة، ولو قلنا سُنين بدون تاء لكان هذا ممنوعاً، وفي قط: قطيطة، وعلى هذا فقس.

وقوله: (عار ثلاثي) لا فرق بين أن يكون الثلاثي محرك الوسط، أو ساكن الوسط، ويستثنى من ذلك ما ذكره بقوله:

(ما لم يكن بالتا يرى ذا لبس كشجر وبقر وخمس).

فإن كان المؤنث الثلاثي إذا ختم بالتاء اشتبه بالجمع أو بغيره؛ فإنه يجب ألا يختم بها، مثاله: شجر، لو قلنا: شجيرة، لاشتبه بتصغير شجرة؛ لأن شجرة مؤنثة مقرونة بالتاء ثلاثي، فيصغر على شُجيرة، وشجر ثلاثي عار من التاء، فلو قلنا بوجوب تأنيثه بالتاء لقلنا في تصغير شجر: شُجيرة، وحينئذ يلتبس عندنا الجمع بالمفرد، وعليه فنصغر شجر على: شُجير، ولا نقول: شجيرة، مع أنه اسم ثلاثي مؤنث، لكن لما كان تأنيثه يوجب اللبس والاشتباه امتنع اقترانه بالتاء.

كذلك أيضاً: بقر، فهو مؤنث ثلاثي، ومقتضى القاعدة: أنه عند التصغير يُجلب إليه تاء التأنيث، فيقال في بقر: بقيرة، لكن إذا قلت: بُقيرة، التبس بتصغير المفرد؛ لأن تصغير بقرة على بُقيرة، وحينئذ يلتبس الجمع بالمفرد، فيمتنع وجود التاء، فنقول: بقير.

وكذلك ورد، نقول: وريد؛ فهو اسم ثلاثي مؤنث، لكننا لو أتينا بالتا لالتبس به تصغير المفرد وهو وردة، حيث يقال فيها: وريدة.

وكذلك خمس، فهو مؤنث -لأنه اسم لعدد- خال من التاء، ومقتضى القاعدة: أن ما كان اسماً ثلاثياً خالياً من التاء فإننا نزيد التاء، فنقول: خميسة، لكنه عندما التبس بتصغير خمسة امتنع، وعليه فنقول في تصغير خمس: خميس.

قال رحمه الله تعالى: (وشذ ترك دون لبس)

أي: شذ ترك التاء لمؤنث الثلاثي إذا لم يكن هناك لبس، والشاذ -كما هو معروف- يحفظ ولا يقاس عليه، وأحياناً يعبر ابن مالك ويقول: ندر، وهو نفس المعنى.

يقول: (وندر لحاق تاء فيما ثلاثياً كثر)

قوله: (ثلاثياً): مفعول كثر مقدم؛ لأن كثر بمعنى: زاد، وليست من باب (كثُر) اللازم، والمعنى: ما زاد على الثلاثة فإنه يندر لحاق التاء فيه.

مثاله: قوس، فهو ثلاثي مؤنث، تقول: أعط القوس باريها، فلو أننا صغرنا (قوس) فقلنا: قويسة، لكان خلاف اللغة العربية مع أنه على القياس، لكن جاء في اللغة العربية: قويس، بدون تاء.

ما معنى شذ وندر؟ الشاذ: هو الذي خالف قواعد النحويين لكنه كثر وروده في اللغة، والنادر: هو الذي قل استعماله في اللغة؛ لأن النادر بمعنى القليل، والشاذ بمعنى المخالف، فعند النحويين ما خالف القواعد فهو شاذ ولو كثر استعماله في اللغة العربية، وما ندر أي قل استعماله بين العرب فإنه يسمى نادراً أي: قليلاً.

قوله: (وندر لحاق تا فيما ثلاثياً كثر)

مثاله: قدَّام، فهو اسم مؤنث، يقولون في قُدام إذا أردت تصغره: قديديمة، مع أنه زاد على الثلاثة فهو خمسة أحرف، ومع ذلك صغر بالتاء، لكنه شاذ، مع أننا نقول في مريم: مريِّم بدون تاء؛ لأنه زائد على الثلاثة، وفي زينب: زيينب .. وهكذا.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[وصغروا شذوذاً الذي التي وذا مع الفروع منها تا وتى].

قوله: (وصغروا شذوذاً) ما قال: نادراً؛ لأن تصغيره بالياء كثير، لكنه باعتبار القواعد مخالف؛ لأن التصغير خاص بالأسماء المعربة، و(الذي) مبني، لكنه مع ذلك ورد عن العرب تصغيره فقالوا في الذي: اللذيا، وفي اللتي: اللتيا.

وجاء عنهم أيضاً أنهم صغروا اسم الإشارة (ذا) فقالوا: ذيَّا، حتى في اللغة العامية الآن نقول: هذيا.

قوله: (مع الفروع منها) أي: فروع الذي والتي وهي: اللذان، والذين، واللتان واللاتي، وفروع ذا وهي: ذانِ، وتانِ، وذين، وتين، فنقول في تصغير (تي): تَيّ، وتِيّ.