شرح ألفية ابن مالك [9]


الحلقة مفرغة

تعريف النكرة

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ باب النكرة والمعرفة

نكرة قابل أل مؤثرا أو واقع موقع ما قد ذكرا

وغيره معرفة كهم وذي وهند وابني والغلام والذي

فما لذي غيبة أو حضور كأنت وهو سم بالضمير ]

قول المؤلف رحمه الله تعالى: (النكرة والمعرفة).

النكرة والمعرفة اسمان متضادان، فالمنكر ضد المعروف، قال الله تعالى: فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ [هود:70] أي استنكرهم واستغربهم ولم يعرفهم.

والمعرفة: هي ما كان معروفاً.

والنكرة من باب المطلق، والمعرفة فيها ما يدل على التخصيص، وفيها ما يدل على العموم، لكنها ليست من باب المطلق.

والفرق بين المطلق والعام:

أن المطلق شامل لجميع أفراده على سبيل البدل، والعام شامل لجميع أفراده على وجه العموم لا على وجه البدل.

فإذا قلت: ( أكرم رجلاً ) فهو شامل لكل رجل على سبيل البدل، فلا يمكنك أن تكرم رجلين؛ لأن المطلق يشمل جميع أفراده على سبيل البدل، أي: واحد بدل واحد.

وأما العام فيشمل جميع أفراده على سبيل العموم، فإذا قلت: ( لا تكرم كسولاً ) وامتنعت عن إكرام كسول واحد، وأكرمت آخر فلست بممتثل؛ لأن (كسولاً) هنا للعموم.

وإذا قلت: ( أكرم جاداً ) أي: مجتهداً فأكرمت اثنين لم تكن ممتثلاً؛ لأن المطلق يتناول جميع أفراده على سبيل البدل، فالنكرة من هذا القبيل.

فيقال: النكرة اسم شائع في جميع أفراده على سبيل البدل.

والمعرفة اسم يعين مسماه لكن إما بقيد وإما بغير قيد كما سيأتي إن شاء الله!

إذاً: النكرة كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون الآخر، مثل: رجل شمس، قمر، لكن خصها بالشمس المعينة عدم وجود غيرها، وكذلك القمر، وإلا فهي في الأصل نكرة.

ومن أمثلة النكرة: نجم، مطر، بيت، شخص، إنسان؛ فكل هذه نكرات، لأن كلاً منها اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر، وكونه يختص بشيء معين نظراً لعدم وجود غيره لا يخرجه عن كونه نكرة.

علامات النكرة

أما علامات النكرة ففسرها المؤلف بقوله:

[نكرة قابل أل مؤثرا أو واقع موقع ما قد ذكرا]

هذا التعريف تعريف بالعلامة، فهو تعريف بالرسم، والتعريف بالرسم ليس تعريفاً تاماً بل هو تعريف رسمي لا ذاتي وتعريف النكرة الذاتي قد سبق، وهو: أنها كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر، وتعريفها الرسمي هو التعريف بالعلامة كما ذكره المؤلف رحمه الله قال:

(نكرة قابل أل مؤثرا) يعني: النكرة كل اسم يقبل أل مؤثرة التعريف، مثل ( رجل ) فهو اسم عام تدخل عليه أل فيقال: (الرجل) فأثرت فيه، لأن الرجل مفهومه غير مفهوم رجل، مفهوم (الرجل) أنه رجل معين.

(رسول) نكرة، ( الرسول ) معرفة، قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل:16]، فانظر الفرق بين الرسول الأول الذي نكر (رسولاً)، والثاني الذي عرف (الرسول).

وقوله (قابل أل) خرج به ما لا يقبل أل، فإنه لا يكون نكرة، مثاله الضمائر، مثل: أنا، هو، والكاف من (أكرمك).

وقوله: (مؤثراً) خرج به ما يقبل أل لكن لا تؤثر فيه التعريف، مثل (عباس) فهو يقبل أل تقول: ( العباس ) لكن أل لا تؤثر فيه؛ لأن عباساً معرفة سواء أدخلت عليه أل أو لم تدخلها عليه، فهي لا تؤثر شيئاً.

إذاً: عباس علماً وليس نكرة.

فإذا قال قائل: كيف لا يكون نكرة وهو يقبل أل، فتقول: عبد الله بن عباس وعبد الله بن العباس العباس بن عبد المطلب ، عباس بن عبد المطلب ؟

نقول: نعم هو يقبل أل لكن لا تؤثر فيه التعريف لأنه علم، فهو معرفه سواء دخلت عليه أل أو لم تدخل.

فإن قلت: عباس وصفاً لا علماً، فهو نكرة، ولهذا تصف به النكرة فتقول: (رجل عباس)، وإذا دخلت عليه أل أثرت فيه التعريف.

إذاً: فلو سألك سائل فقال: هل عباس نكرة أو غير نكرة؟

فالجواب: فيه تفصيل: إن أردت به علماً فليس بنكرة، وإن أردت به وصفاً فهو نكرة، وهكذا ما شابهه في ذلك مثل الضحاك وضحاك.

إذاً: كل اسم يقبل أل وتؤثر فيه التعريف فهو نكرة، فإن لم يقبل أل فليس بنكرة.

وإن قبل أل لكن لم تؤثر فيه التعريف لكونه معرفة من قبل دخولها فليس بنكرة.

ويرد على هذا كلمة ( ذو ) بمعنى (صاحب) فهي نكرة ولا تقبل أل، تقول: جاءني رجُل ذو مال.

فـ (ذو) صفة لرجل ورجل نكرة، والنكرة لا توصف إلا بنكرة مع أن (ذو) لا تقبل أل؟

ويمكن أن نجيب عن هذا فنقول: إن حجة النحويين نافقا يربوع، إذا حجرته من بابه خرج من جهة أخرى؛ قالوا: إن (ذو) واقعة موقع ما يقبل أل، ولهذا قال ابن مالك رحمه الله كغيره من العلماء:

[أو واقع موقع ما قد ذكرا].

إذاً: تخلصوا من الإيراد بأن (ذو) بمعنى صاحب، فقولك: جاءني رجل ذو مال، أي صاحب مال، وصاحب تقبل أل وتؤثر فيها التعريف فتقول: هذا رجل صاحب فلان، وتقول: هذا الرجل الصاحب.

فلما كانت (ذو) واقعة موقع ما يقبل أل المؤثرة فيه التعريف صار لها حكمها، فصارت نكرة.

الخلاصة:

النكرة لها تعريفان: تعريف ذاتي، وتعريف رسمي.

التعريف الذاتي للنكرة: كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون الآخر.

والرسمي: هو التعريف بالعلامة، فالنكرة كل اسم يقبل أل مؤثرة فيه التعريف.

أنواع المعارف

أما المعرفة فقال:

[وغيره معرفه كهم وذي وهند وابني والغلام والذي]

قوله: (غيره) يشمل ما لا يقبل أل وما يقبل أل من غير أن تؤثر فيه التعريف لكونه معرفة من قبل.

ثم ذكرها أقسامها فقال: (كهُم وذي وهند وابني والغلام والذي ).

وذكرها المؤلف رحمه الله غير مرتبة لأن المقصود معرفة أنواع المعارف.

قوله: (كهم) إشارة إلى الضمير، فالضمائر كلها معرفة: ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، وضمير الغائب، وضمير الرفع، وضمير النصب، وضمير الجر.

قوله: (وذي) أي اسم الإشارة، فجميع أسماء الإشارة معرفه (ذا ـ وذي ـ وذان ـ وتان ـ وأولاء.. وغيرها).

قوله: (و هند) أي: العلم، سواء كان لمذكر أو لمؤنث فإنه من أقسام المعرفة.

وهنا اختار المؤلف (هند) ولم يختر اسماً مذكراً من أجل الوزن، فلو قال مثلاً: وزيد أو عمرو لكان يحتاج إلى تنوين فيزيد النظم.

قوله: (وابني) أي: المضاف إلى معرفة، فهو معرفة لكن رتبته بحسب ما يضاف إليه، إلا المضاف إلى الضمير فإنه في مرتبة العلم، وسيأتي الترتيب بعد ذلك.

قوله: ( والغلام ) أي: المحلى بأل.

قوله: (والذي) الاسم الموصول.

فالجميع ستة أنواع: الضمائر، أسماء الإشارة، العلم، المضاف إلى معرفة، المحلى بأل، الاسم الموصول بجميع أنواعه، المفرد والمثنى والجمع: المفرد مثل: ( الذي والتي )، والمثنى مثل: ( اللذان واللتان )، والجمع: ( الذين واللائي ).

ترتيب أنواع المعرفة

هذه المعارف ذكرها المؤلف مجملة غير مرتبة؛ لكن عند التفصيل ذكرها مرتبه فبدأ بالضمائر، ثم بالعَلم، ثم بالإشارة، ثم بالموصول، ثم المعرف بأل، ولم يذكر المضاف إلى معرفة؛ لأنه ليس له رتبة معينة، إذ إنه بحسب المضاف إليه، إلا أن يضاف لضمير فكالعلم.

وأعرفها الضمائر فهي أعرف المعارف، وذلك لأنها أشد المعارف تخصيصاً، والمعارف كلها مبناها على التعيين والتخصيص؛ لأن النكرة كما قلنا مطلق، لكن ما كان أخص فهو أعرف.

وأخص المعارف الضمائر بلا شك، فإذا قلت: (قلتُ) لا تحتمل غير نفسي أنا، وإذا قلت: (قلتَ) لا تحتمل إلا المخاطب، فلهذا كان الضمير أعرف المعارف، لكن (زيد) عَلم يصلح لزيد الذي أمامي وزيد الذي خلفي، لكن الياء في أكرمني لا تحتمل إلا المتكلم، ضربتُ: التاء لا تحتمل إلا المتكلم، فأعرف المعارف الضمير.

ثانياً: العَلم؛ لأنه يعين مسماه من غير قرينه بخلاف الإشارة والموصول، فكان أشدها تخصيصاً بعد الضمير، إلا أنهم استثنوا الأسماء الخاصة بالله فإنها أعرف من الضمائر، لأنها لا تصح إلا لله عز وجل وحده، مثل لفظ الجلالة (الله).

لكن (قمت) تصلح التاء ضميراً لي أنا محمد، وتصلح لرجل آخر يقول عن نفسه إنه قام؛ لكن (الله) ليس فيه اشتراك، أما الضمائر ففيها اشتراك، وإن كانت تعين مرجعها.

ثالثاً: اسم الإشارة؛ لأنه يعين مسماه لكن بقرينة، أقول: هذا فلان، للحاضر.

فاسم الإشارة يعين مسماه بقرينة الحضور، فلهذا كان أقل مرتبة من العلم.

رابعاً: الاسم الموصول، وهو بعد اسم الإشارة، لأنه يعين مسماه بواسطة الصلة، وقد يكون للحاضر وقد يكون للغائب، أما اسم الإشارة فالأصل فيه أنه للحاضر فلهذا كان أعرف من الاسم الموصول.

تقول مثلاً: أكرم الذي يكرمني، (الذي) هذه معرفه، وصارت معرفة بواسطة الصلة، فهو معين لمسماه بواسطة وهي الصلة (الرابط).

خامساً: المعرف بأل، ومرتبته دون ما سبق؛ لأن ما دل تعريفه عليه لم يكن أصلاً في مدلوله، بخلاف الاسم الموصول فإنه لا يمكن أن يصح بدون صلته، والمحلى بأل يصح بدون أل، فلهذا كان أقل رتبة من الاسم الموصول.

سادساً: المضاف إلى معرفة، وهو بمنزلة ما أضيف إليه، إلا المضاف إلى الضمير فقالوا إنه كالعَلم فإذا قلت: (هذا كتابي) كان الكتاب معرفة؛ لأنه مضاف إلى ضمير، وكل ما أضيف إلى المعرفة فهو معرفة.

مثال: ( هذا قلم هذا ).

قلم: معرفة، لأنه أضيف إلى اسم الإشارة.

هذا غلام الذي في السوق.

غلام: معرفة، لأنه أضيف إلى اسم موصول.

لكن إذا قلت: (هذا غلام) فغلام نكرة.

(هذا كتاب الطالب).

كتاب: معرفة؛ لأنه أضيف إلى محلى بأل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ باب النكرة والمعرفة

نكرة قابل أل مؤثرا أو واقع موقع ما قد ذكرا

وغيره معرفة كهم وذي وهند وابني والغلام والذي

فما لذي غيبة أو حضور كأنت وهو سم بالضمير ]

قول المؤلف رحمه الله تعالى: (النكرة والمعرفة).

النكرة والمعرفة اسمان متضادان، فالمنكر ضد المعروف، قال الله تعالى: فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ [هود:70] أي استنكرهم واستغربهم ولم يعرفهم.

والمعرفة: هي ما كان معروفاً.

والنكرة من باب المطلق، والمعرفة فيها ما يدل على التخصيص، وفيها ما يدل على العموم، لكنها ليست من باب المطلق.

والفرق بين المطلق والعام:

أن المطلق شامل لجميع أفراده على سبيل البدل، والعام شامل لجميع أفراده على وجه العموم لا على وجه البدل.

فإذا قلت: ( أكرم رجلاً ) فهو شامل لكل رجل على سبيل البدل، فلا يمكنك أن تكرم رجلين؛ لأن المطلق يشمل جميع أفراده على سبيل البدل، أي: واحد بدل واحد.

وأما العام فيشمل جميع أفراده على سبيل العموم، فإذا قلت: ( لا تكرم كسولاً ) وامتنعت عن إكرام كسول واحد، وأكرمت آخر فلست بممتثل؛ لأن (كسولاً) هنا للعموم.

وإذا قلت: ( أكرم جاداً ) أي: مجتهداً فأكرمت اثنين لم تكن ممتثلاً؛ لأن المطلق يتناول جميع أفراده على سبيل البدل، فالنكرة من هذا القبيل.

فيقال: النكرة اسم شائع في جميع أفراده على سبيل البدل.

والمعرفة اسم يعين مسماه لكن إما بقيد وإما بغير قيد كما سيأتي إن شاء الله!

إذاً: النكرة كل اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون الآخر، مثل: رجل شمس، قمر، لكن خصها بالشمس المعينة عدم وجود غيرها، وكذلك القمر، وإلا فهي في الأصل نكرة.

ومن أمثلة النكرة: نجم، مطر، بيت، شخص، إنسان؛ فكل هذه نكرات، لأن كلاً منها اسم شائع في جنسه لا يختص به واحد دون آخر، وكونه يختص بشيء معين نظراً لعدم وجود غيره لا يخرجه عن كونه نكرة.