حقوق آل البيت


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. أما بعد:

عباد الله! الشريف في ذاته يفيض بالشرف على من حوله، والكريم في معدنه يسري كرمه في المحيطين به، انظر إلى زجاجة العطر كيف تبقى فواحة بعد نفاد ما فيها، وكذلك بعض البشر تفيض بركة على من حولها، وتتعداها إلى غيرها، كثير من سلالة إبراهيم عليه السلام غدوا أنبياء، وأنصار عيسى عليه السلام صاروا حواريين، وصحابة محمد صلى الله عليه وسلم شرفوا بالصحبة، وأزواجه أمهات المؤمنين ونسله استحقوا وصف الشرف والسادة.

كيف لا وفيهم من دمه دم، ومن روحه نبض، ومن نوره قبس، ومن شذاه عبق، ومن وجوده بقية، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وعلى صحابته وسلم تسليماً كثيراً.

فلكرم النبي صلى الله عليه وسلم كرمت ذريته، ولشرفه شرف آل بيته، وكانت مودة آل بيته ومحبته جزءاً من عقيدة أهل السنة والجماعة، رعوها على مر الزمان كما رعوا باقي الشريعة، وأقاموها كما أقاموا بقية أحكام الدين.

آل النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى الخاص هم أقاربه الذين حرمت عليهم الصدقة وأزواجه وذريته، خلافاً لما يدعيه الرافضة، فهم يضيفون ويدخلون في آل النبي صلى الله عليه وسلم الأئمة الاثنا عشرية، وهذا لم يرد فيه نص.

عباد الله! مذهب أهل السنة والجماعة في آل النبي صلى الله عليه وسلم معرفة قدرهم، وبذل المودة لهم، ومحبتهم وموالاتهم، شهدت بذلك عقائدهم المدونة وتفاسيرهم المبسوطة، وشروحات السنن وكتب الفقه، كيف لا وهم وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هم وصيته وهم بقيته، يقول عليه الصلاة والسلام: (أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي)، رواه مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام: (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة)، رواه البخاري، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني)، وفي رواية في الصحيحين: (فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها، ويؤذيني ما آذاها)، وروى البخاري رحمه الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أنت مني وأنا منك)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن بن علي رضي الله عنه: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن: (اللهم إني أحبه فأحب من يحبه)، وقال الله عز وجل في كتابه الكريم وقرآنه العظيم: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في أزواجه عليه الصلاة والسلام؛ لأن ما قبلها وما بعدها كله خطاب لهن رضي الله عنهن، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، وهذا يفسر اللفظ الآخر للحديث: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد)، فالآل هنا هم الأزواج والذرية خلافاً لما عليه الرافضة قبحهم الله، فإنهم لا يدخلون أزواجه في آله عليه الصلاة والسلام.

عباد الله! هذه بعض فضائل آل بيت النبوة كما حفظتها كتب السنة، والتزمها أهل السنة والجماعة، أنزلوهم منازلهم اللائقة بهم من غير إفراط ولا تفريط، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال: ارقبوا محمداً في أهل بيته، وفي الصحيحين أن أبا بكر رضي الله عنه قال لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: والذي نفسي بيده! لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي، وفي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهد بالرضا لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والسبق والفضل.

ولما وضع عمر رضي الله عنه الديوان بدأ بأهل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر رضي الله عنه يقول لـالعباس: والله لإسلامك أحب إلي من إسلام الخطاب؛ لحب النبي صلى الله عليه وسلم لإسلامك، كما استسقى عمر رضي الله عنه بدعاء العباس، وأكرم رضي الله عنه عبد الله بن العباس وأدخله مع الأشياخ، كل ذلك في صحيح البخاري وغيره.

وقد روى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في فضائل أهل البيت، وحفظ للأمة أحاديث كثيرة منها ما رووا عن عبد المطلب بن ربيعة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس: (والله لا يدخل قلب مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، حيث قال: (أذكركم الله في أهل بيتي)، رواه مسلم .

وقال الطحاوي رحمه الله تعالى: ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزوجه الطاهرات من كل دنس وذرياته المقدسين من كل رجس فقد برأ من النفاق.

إن مذهب أهل السنة والجماعة زيادة حبهم وتعظيمهم واقتفاء أثرهم، والدفاع عنهم وعن منهجهم، وعن منهج أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتخذوا ذلك ديناً وقربة إلى الله عز وجل، قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: لآله حق لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والولاء والموالاة ما لا يستحقه سائر قريش، وقريش يستحقون ما لا يستحقه غيرهم من القبائل.

وقال رحمه الله تعالى في موضع آخر: وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقاً، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقوقهم ويظن أنه من التوحيد، بل هو من الغلو والجفاء، ونحن ما أنكرنا إلا ادعاء الألوهية فيهم، وإكرام مدعي ذلك، انتهى كلامه.

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: والشيخ محمد -يعني: محمد بن عبد الوهاب - وأتباعه الذين ناصروا دعوته كلهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين ساروا على نهجه ويعرفون فضلهم، ويتقربون إلى الله بمحبتهم والدعاء لهم بالمغفرة والرحمة والرضوان، كـالعباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكالخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأبنائه الحسن والحسين ومحمد رضي الله عنهم، ومن سار على نهجهم من أهل البيت، انتهى كلامه رحمه الله.

ولأن آل بيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومحبتهم أمر تهفو إليه النفوس، وشعور تجثو عنده العواطف، وحس يتحرك له الوجدان، فقد نفذ من هذا الباب من استغله وتاجر به واستخدمه من ادعى خدمته منذ القرن الأول من عمر هذه الأمة إلى يومنا هذا، وعلى مرّ التاريخ الطويل، وتحت شعار محبة آل البيت والانتصار لهم، برزت مطامع مادية واندس موتورون بهذا الدين شانئون له مبغضون لأهله، يهدمون أساسه ويبغون اندراسه حتى غيرت معالم الدين، وشوهت الشريعة، وبدلت العقيدة، ونبتت الفرقة، وثار غبار النزاع والشقاق، فطالوا أهم ما فيه وهو التوحيد، ثم كروا على مسائل العقيدة فحرفوها، كل ذلك تحت شعار محبة آل البيت، ثم أخذوا يعيثون فساداً في بقية شرائع الدين، وأطاعوا شيوخهم في التحليل والتحريم بلا هدى، حتى صاروا كمن قال الله فيهم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]، فعظموا المشاهد وعطلوا المساجد، ناهيك عن أكل أموال الناس بالباطل، واستحلال فروج الحرائر، وتكفير عموم الأمة، وكن العداوة والبغضاء للعرب الذين هم مادة الإسلام وأصل الإسلام، كل هذا يحدث ويكون تحت لافتات النصرة لآل بيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وآل البيت بريئون من أعمالهم وعقائدهم.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما بركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

عباد الله! ولآل بيت محمد صلى الله عليه وسلم حقوق أجملها بما يلي:

أولا: حقهم في الخمس والفيء كما قال الله عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم، مع الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا حرموا من الخمس والفيء وانقطع ذلك عنهم فإنه يجوز لهم أن يأخذوا الصدقة.

ومن حقوقهم: اليقين الجازم بأن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسب ذريته هو أشرف الأنساب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).

وأيضاً من حقوقهم: تحريم الزكاة عليهم، وذلك لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ، ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس)، لكن كما سبق إذا منعوا من الخمس والفيء فإن الزكاة جائزة لهم كما نص عليه ابن تيمية رحمه الله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأما تحريم الصدقة عليهم، فحرمت عليه عليه الصلاة والسلام وعلى أهل بيته؛ تكميلاً لتطهيرهم، ودفعاً للتهمة عنهم.

ومن حقوقهم: زيادة محبتهم ومودتهم ونصرتهم، قال الله عز وجل: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، وتقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أذكركم الله في أهل بيتي).

ومن حقوقهم: الدفاع عنهم.

ومن حقوقهم: بغض شانئهم ومبغضهم.

ومن حقوقهم: معرفة فضلهم وسابقتهم.

ومن حقوقهم: الصلاة عليهم.

عباد الله! وقد تسترت الرافضة بادعاء حبهم وموالاتهم، وأنهم وحدهم القائمون بهذا الحق، في حياتهم وبعد مماتهم، وأما سائر المسلمين فإنهم يعادون آل البيت ويكرهونهم، وبالغوا قبحهم الله في ذلك مبالغة واسعة، كان لها أثرها في القديم والحديث، وربوا أتباعهم وأولادهم على ذلك، ثم غالوا في حب علي رضي الله عنه، حتى جعلوا له شيئاً من الألوهية طائفة منهم، كما أنهم بالغوا في كراهية من سواهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحق الذي لا يشك فيه أي مسلم أن الرافضة أكثر الناس استغلالاً لمكانة آل البيت، والمتاجرة فيهم، أحياءاً وأمواتاً، ويتسترون وراء ذلك لهدم الإسلام والنيل من القرآن، ادعاء تحريفه، وتكفير الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

وهم كما ذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى: أنهم كالقرامطة، فإن القرامطة لما أرادوا الدخول على الناس، وأرادوا تقرير مذهبهم دخلوا على الناس من باب محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك يغرسون في عقول أتباعهم أن أغلب آل البيت كفار، فإذا سئلوا: ما الدين الصحيح؟ قالوا: ما عليه الحكماء، ويقصدون بذلك مذهب الفلاسفة، إخوان الصفا الذي هو مذهبهم والذي هو كفر بواح.

فأهل السنة والجماعة ولله الحمد وسط في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بين الناصبة الذين ينصبونهم العداء، وبين الرافضة الذين يغلون فيهم، بل يعرفون لهم حقوقهم التي تقدمت، ويؤمنون بالله عز وجل، ويعتقدون ذلك شريعة يدينون الله عز وجل بامتثاله.

اللهم إنا نسألك محبتك، ومحبة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبة آل بيته، اللهم إنا نؤمن بحبك وحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وحب آل بيته، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك باليهود الظالمين، والنصارى الحاقدين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واجعل اللهم الدائرة عليهم، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرونا، اللهم اجعلهم محكمين لكتابك، وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم تدميره في تدبيره، واجعل اللهم الدائرة عليه، اللهم فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم اجعل ما أصابهم كفارة لسيئاتهم، ورفعة لدرجاتهم، اللهم فك أسرى المأسورين، اللهم فك أسرى المأسورين، اللهم ردهم إلى بلادهم سالمين غانمين يا أرحم الراحمين.