أرشيف المقالات

في سبيل إصلاح الأزهر

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
للأستاذ محمد يوسف موسى حمد الأزهريون، ومن يعنيهم أن يسير هذا المعهد الجليل في الجادة المستقيمة، للأستاذ الكريم الزيات أن يخصص لمسألة إصلاحه شيئاً غير قليل من عنايته، وأن يوسع للكاتبين فيها جانباً من رسالته، رجاء أن نصل آخر الشوط إلى تحديد الغاية وتمهيد الطريق وتعيين الوسيلة.
ولكني - ويشاركني فيما أخافه كثيرون - أخشى أن يلتوي علينا الأمر، وأن ننحرف عن الطريق، فيختلط علينا الرأي، ويفوت الغرض، وننتهي وقد صرنا أكثر مما نحن شيعاً وأحزاباً. لهذا رأيت أن أكتب هذه الكلمة الأخيرة وأنصرف بعدها إلى غير ذلك من شئون إنما ينجح الطبيب إذا صدق مريضه القول ومحض له الرأي وصارحه بدائه على جليته.
وإنما ينتفع المريض متى وثق بطبيبه، وأيقن بمرضه، ووقف على خطورته، وأحسن بحاجته للعلاج.
لهذا كان واجب الطبيب أن يعالن المريض بالداء وأن يباديه به؛ لكن في لغة لا تدعو لليأس، ولهجة لا تميت الأمل، حتى لا يكون كمن ينفض يديه صار في الاحتضار من أجل ذلك كان لا بد من في رأيي لمن يدعو للإصلاح من أن يتأنى له ويلتمس له الوسائل ويستكثر له الأعوان، وألا ينفر أحداً ممن إليهم يساق الحديث ويطلب الخير.
ذلك أقرب أن تصادف الدعوة قبولاً، والكلام سميعاً، وأعون على بلوغ الأرب وأهدى لنيل الوطر.
على أن الألم للمرض قد يكون بالغاً، وفورة النفس قد تكون قوية، فيند القلم أحياناً، ويشتط أحياناً، وهنا نلتمس للداعي سبيل العذر من خلوص النية ونبل القصد، ما دام لا يجعل دعوته ذريعة إلى حاجة وسبيلاً إلى مراد. ومهما يكن فلست ممن يرضون أن تتكشف المعركة القائمة الآن عن بضع مقالات لا تعدو أن تكون كصرخة اللهفان وركضة الفرس، أو مهلة النفس وحسو الطائر.
أرجو أن ننتهي منها وقد وضحت الغاية، وارتسمت الخطة، واتحدت القلوب والعزائم، وتواصى الجميع على ما فيه الخير للمعهد الذي نشرف بالانتساب له، وتوحدت الجهود للسير للأمام عملياً.
ولعل من أجدى أسباب الإصلاح التي يجب أن نبدأ بها فيما أرى أن يكون - كما قلت من في كلمة سابقة - وكذا الواحد منا قبل كل شيء تكميل نفسه في خلقه وعمله حتى يصير مثالاً عالياً لطلابه؛ يلهب عواطفهم ويسدد خطاهم، ويشركهم في خير ما يقرأ ويدفعهم للمطالعة والبحث والاتصال بالحياة العلمية الجادة التي لا تحد بالكتاب المقرر والمنهاج المرسوم! بذلك يوجههم وجهة الخير في غير عناء ويحتذونه في غير تعمل.
ثم يضيف لهذا أن يتآزر مع نفر ممن يقاسمونه الآلام والآمال فيكونوا جبهة تعمل في غير ملل أو إعلان لبعث مجد الإسلام العلمي وما طواه الزمن من مؤلفات العلماء الأعلام في القرون قبل تغلب العجمة وانغلاق التعابير وقبل هذا وذاك يكون رجلاً لا سلطان عليه لغير ضميره، ولا سبيل للحزبية والهوى فيما يأخذ ويدع، ولا يجامل على حساب المصلحة العامة، ولا يتحزب مع وضوح الحق.
بذلك نجد الإصلاح المرجو يسير الملتمس داني التناول. وقديماً قالوا: من برى القوس رمى، ومن قدح النار اصطلى.
وإلا إن كان قصارانا ثورة صحفية من فترة لأخرى دون أخذ بالعمل المنتج تعذر علينا الإصلاح وتأتي مقتربه واعتاص ذلوله بقيت كلمة ويتم الحديث؛ هي ملاحظة صغيرة على الإشارة التي جاءت في (رسالة كلية الشريعة للأستاذ الأكبر) إلى معهد الدراسات الإسلامية.
إن هذه الإشارة تفهم أن هذا المعهد يزاحم الأزهر في بعض ما نصب له نفسه من مهام، وأظن أن هذا ليس من الحق في شيء؛ فهو على ما عرفت - من طول ترددي عليه وانتفاعي به انتفاعاً كبير الأثر - قسم من مكتبة الجامعة العامة، جمعت فيه المؤلفات الخاصة بالعلوم والدراسات الإسلامية بوجه عام، سواء أكان باللغة العربية أو بغيرها. يرى الزائر له إذا أراد أن يبحث فيلسوفاً، كالفارابي مثلاً، مؤلفاته المطبوعة بمصر وغير مصر، وقدراً كبيراً صالحاً مما كتب عنه بالعربية أو غيرها من اللغات.
ذلك ما يزيد على أربعين مجلداً لجماعة من المستشرقين الفرنسيين، فيها تعريف واسع بالمخطوطات الإسلامية الموجودة بمكتبة باريس العامة، وعرض لبعض نصوصها، وإلى فهارس المطبوعات والمخطوطات الإسلامية الموجودة بالمكتبات العامة بمصر وأوربا، إلى كل هذا وما إليه منظم موضوع على حبل الذراع لمن يريد؛ حتى إن الباحث وهو جالس إلى إحدى المناضد في بهوه الرحب، بين تلك الذخائر العلمية الإسلامية يشعر أنه لا يكاد ينقصه شيء في سبيل الوصول لما يريد من بحث وتحقيق. أين هذا من مكتبة الأزهر التي لم أستطيع ولا يستطيع غيري أن ينتفع بشيء منها ما دامت على ما هي عليه من ضيق مكان، ونقص موظفين، وإهمال وعدم رعاية! وكيف يعاب ذلك العمل الجليل، وينظر إليه النظر الشزر، على غير معرفة به، بدل أن نشكر من كان له الفضل في إنشائه! أقول هذا عن علم؛ لأني لا أعلم أن أحداً من الأزهريين - حتى شباب المدرسين - تردد على هذا المعهد للانتفاع به، رغم دعوتي له وبعثي عليه، إجابة لرغبة حضرات الموظفين الثقات القائمين بشئونه. لو أن إخواننا الذين اشتركوا في صياغة (رسالة كلية الشريعة للأستاذ الأكبر) عنوا بالتعرف إلى ذلك المعهد الذي يؤدي الآن خدمة لا يؤديها غيره، لما أشاروا إليه إشارة من يجب ويكره عن غير علم.
ولعل منهم من كان ولا يزال في أشد الحاجة له لتحضير ما يطلب من بحوث ومحاضرات علمية في الامتحانات! وبعد فلعّلى وفقت بعض الشيء فيما نحن بسبيله، والله المستعان. محمد يوسف موسى مدرس بكلية أصول الدين

شارك الخبر

المرئيات-١