أرشيف المقالات

الأمنية المستحيلة

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
الأمنية المستحيلة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
يوم القيامة يتحسَّر الناس على ما أضاعوا من فرصةٍ ثَمينة لِنَيل النَّعيم، ويندمون على ما فعلوا لاستحقاق الجَحيم، وهي حَسرة لا دواء لها، وندَم لا شِفاء منه، نسأل الله تعالى أن يجنِّبنا الحسرةَ والنَّدامة، قال الله تعالى: ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾ [الفجر: 23 - 26]، وفي تفسير الآية الكريمة: ﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ يقول الشيخ السعدي: "يقول متحسِّرًا على ما فرَّط في جَنب الله: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ الدَّائمة الباقية، عملًا صالِحًا، كما قال تعالى: ﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 27، 28]، وفي الآية دليل على أنَّ الحياة التي يَنبغي السَّعي في تحصيلها وكمالِها، وفي تتميم لذَّاتها، هي الحياة في دَار القرار، فإنَّها دار الخُلد والبقاء"[1].
 
وفي الآية الكريمة إشارةٌ إلى الغفلة التي يتبنَّاها الإنسان في حياته، فلا يتدبَّر الهدفَ الأسمى لحياته في الدُّنيا، ولا يَسعى لتعمير حياته الحقيقيَّة في الآخرة، وهي التي تَستوجب العملَ من أجلها، والسَّعي لتجنُّب وَيلاتها، فلا يتذكَّر هذا المآل إلَّا عند إفاقته من الغَفلة، وهو وقتٌ لا تنفع فيه التذكِرة، ولكن ندم وحسرة وعذاب.
 
فالإنسان مَأمور بعبادة الله تعالى، وعدمِ الكُفر به، والامتثالِ لِما جاء في الشريعة من أوامر، وتجنُّب ما بها من نواهٍ، والمسلم يسارِع لعمل الخير، ويبادِر به، ويتحيَّن الفرَص لفعل الطَّاعات قبل أن يَأتيَ يومٌ لا يتمكَّن فيه من الطَّاعة، أو يحول بينه وبينها مانعٌ، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بادِروا بالأعمالِ فِتنًا كقطع الليلِ المظلِم، يصبِحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسِي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا، يبيعُ دينَه بعَرَضٍ من الدنيا))؛ (مسلم).
 
الفرصة سانِحة، والتوبة متوافِرة، والأمنية المستحيلة تتحقَّق الآن؛ بتدبُّر الأمر والإعداد له، والإسراعِ بعمل الخيرات، والتعجُّل بالصَّدَقات، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254]، وبفضل الله تعالى الوقتُ متاحٌ للتبصِرة والتوبة، قبل أن يأتِي يوم لا تَنفع فيه التبصِرة، ولا يثمِر فيه السَّمع، قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12].
 
نسأل اللهَ تعالى أن يجنِّبنا الحسرةَ والنَّدامة، وأن يمكِّننا من العبادة والطاعة، وأن يَرزقنا رضوانَه.
 
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتَّبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.



[1] تفسير السعدي من موقع مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢