أحكام الصيام


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا عليم يا حكيم، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وبعد:

فالذي يجب أن نتكلم حوله ما سمعناه من قراءة إمامنا وفقه الله في أول ركعة، سمعنا قوله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، الله عز وجل يأمرنا في هذه الآية الكريمة بالمسارعة إلى فعل الخيرات، وإلى امتثال الأوامر، وإلى اجتناب النواهي، وأمثال هذه الآيات كقول الله عز وجل: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد:21]، وقال سبحانه وتعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10]، أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:11]، وقال سبحانه وتعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، وقال سبحانه وتعالى: وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر:32].

فالله سبحانه وتعالى يثني على المؤمنين لمسابقتهم إلى فعل الطاعات، والتزيد من النوافل، وما شرع صيام هذا الشهر وما شرعت فيه العبادات المتنوعة إلا لكي يسابق.

فنحن -أيها الأحبة!- في هذا الشهر الفضيل في شهر رمضان، هذا الشهر الذي يعتبر ميزاناً للمسابقة والمسارعة إلى فعل الخيرات، والصيام إنما شرع لحكمة عظيمة ومقصد سامٍ وهو تقوى الله سبحانه وتعالى، والمسارعة إلى الخيرات، والمسابقة إليها، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

فحكمة الصيام وغايته ومقصده الشامل التقوى التي هي سبب محبة الله عز وجل لعبده، وفي الحديث القدسي حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ربه سبحانه وتعالى أنه قال: ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه )، فالمسارعة والمسابقة إلى نوافل الطاعات وإلى الإكثار من السنن والآداب والعبادات المشروعة سبب لمحبة الله عز وجل، وسبب لتوفيق العبد في هذه الحياة، وسبب لتأييده وتسديده.

(لئن سألني لأعطينه)، سبب لإجابة الدعاء، (ولئن استعاذني لأعيذنه)، سبب لعصمته من الشرور والآفات، وكنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، يعني: أنك تسدد وتوفق، فإذا صار الإنسان مسارعاً ومسابقاً إلى الطاعات ومواطن الخيرات، فيبشر بالسداد والتوفيق وإجابة الدعاء، وبولاية الله سبحانه وتعالى ونصره وتأييده، وبسعادته في الدنيا وفي الآخرة، وبكونه من المتقين، ويفوز حينئذ برضا الله سبحانه وتعالى وثوابه.

فحري بنا أن نتأمل ذلك ونحن نعيش في شهر رمضان، وعلينا أن نغتنم هذا الشهر في تربية النفس على المسابقة إلى فعل الخيرات واغتنام الطاعات.

من الأعمال الصالحة في رمضان الإكثار من قراءة القرآن

أذكر جملة من الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يسابق إليها، وهي مما يتميز به هذا الشهر الفضيل الكريم:

من ذلك قراءة القرآن، نلاحظ أن كثيراً من الناس في هذا الشهر الكريم -وهو من بركات هذا الشهر- يقبل على قراءة كتاب الله عز وجل، ونجد أن كثيراً من الناس -بل نسمع من كثير من الصبيان- يتنافسون في ختم كتاب الله عز وجل، وهناك دورات تقام في مثل هذا الشهر الكريم لدراسة القرآن وتفسيره وتدبره، وما يتعلق به من علوم إلى آخره، فينبغي للمسلم أن يسارع إلى قراءة كتاب الله عز وجل، وأن يربي نفسه على ذلك، وأن يكون له ورد، فقراءة القرآن ليست خاصة في شهر رمضان، بل ينبغي أن يكون للمسلم ورد يقرؤه كل يوم من كتاب الله عز وجل، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله تعالى عنهم يقرءون أورادهم في الليل، كما في حديث حذيفة في صحيح مسلم أنه قال: ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح سورة البقرة، قال حذيفة: قلت: يركع عند المائة، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: يركع عنده -يعني عند نهاية السورة- فمضى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم افتتح سورة النساء، ثم افتتح سورة آل عمران، كل ذلك يقول حذيفة: يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم مترسلاً، يعني: متأنياً متمهلاً، إذا مر بآية وعد سأل، وإذا مر بآية وعيد استعاذ، وإذا مر بآية استغفار استغفر، فقال: هممت بأمر سوء، قيل: وما همت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه من طول قراءته ).

وفي حديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه)، أي تتشقق من طول قيامه.

ولما كبر النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته أصبح يشق عليه أن يصلي قائماً، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (وكان يصلي ليلاً طويلاً جالساً).

فهذا يدل على محافظة النبي صلى الله عليه وسلم على ورده وعلى حفظه، فينبغي لنا -أيها الأحبة- أن يكون لنا ورد نقرأه كل يوم من كتاب الله، سواء كان في هذا الشهر الفضيل أو في ما بعده من الشهور.

أكثر ما يختم فيه القرآن وأقله من الأيام

وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن أقل الورد من القرآن هو جزء، بحيث أنك تختم في كل شهر مرة واحدة، هذا أقل شيء، وأكثر شيء أن تختم في كل سبعة أيام مرة، فتقرأ يومياً أربعة أجزاء وشيئاً، وهذا ليس بكثير، ولهذا كان السلف الصالح كالإمام أحمد وعكرمة ومجاهد وغيرهم يختمون في كل سبعة أيام، فإذا دخل عليهم شهر رمضان ختموا ذلك، وكان الإمام مالك رحمه الله تعالى يترك إقراء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليه شهر رمضان، ويقول: إنما رمضان قراءة للقرآن وإطعام للطعام، فينبغي للمسلم أن يسارع وأن يسابق وأن يكون له ورد يقرءوه كل يوم من كتاب الله عز وجل.

وما ذكره العلماء رحمهم الله من أنه يستحب للمسلم أن يكون ورده يومياً جزءاً من كتاب الله عز وجل وأكثر بحيث يختم في كل سبعة أيام، هذا دليله حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه الثابت في الصحيح، عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه كان من شباب الصحابة، وكان من المسابقين والمسارعين إلى فعل الخيرات، رجاء مغفرة الله ورحمته وجنته، يقول عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه: زوجني أبي امرأة من العرب، وكان يحب أبي أن يسأل عن أهل ولده، فجاء عمرو إلى بيت عبد الله وسأل المرأة عن حال عبد الله؟ فقالت المرأة: نعم الرجل عبد الله لم يطأ لنا فراشاً، ولم يفتش لنا كنفاً، أي: لم ينم مع أهله ولم ينظر في متاعهم؛ لأنه كان مشغولاً بالعبادة، كان يقرأ القرآن كل ليلة، ويصوم كل يوم، ويقوم كل الليل، يقول: قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟ قال: بلى يا رسول الله! وما أردت بذلك إلا الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ في كل شهر مرة، فقال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك، قال: اقرأ في كل عشرين، قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك، قال: اقرأ في كل عشر، قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك، قال: اقرأ في كل سبع، قال: يا رسول الله! إني أطيق أكثر من ذلك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا أفضل من ذلك، وإن لأهلك عليك حقاً، ولزورك-من يزورك- عليك حقاً، ولبدنك عليك حقاً، فآت كل ذي حق حقه).

فقول النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ في كل شهر، يؤخذ من هذا أنه يستحب للمسلم أن يختم القرآن كل شهر مرة، وإذا كان عنده قوة ونشاط، ورغبة في الخير أكثر من ذلك فليقرأ في كل سبع مرة كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو.

وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى أنه يكره للمسلم أن يترك ختم القرآن فوق أربعين يوماً، لأنه يغرق في المباحات، وقد يغرق في الشهوات المحرمة، ومع ذلك كتاب الله عز وجل هو الهدى والنور والموعظة والشفاء والرحمة، وتجد أنه أعرض عن ذلك، وتجد أنه يقرأ في كلام المخلوقين الذي يحتوي على البهتان والكذب والباطل ونحو ذلك، وأعرض عن كلام الله عز وجل الذي هو الهدى والنور والموعظة والرحمة والشفاء، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57].

كثير من الناس اليوم يصاب بكثير من الأمراض الحسية والمعنوية، ويذهب إلى الشياطين والوساوس والهموم، ومع ذلك هو معرض عن كتاب الله عز وجل، لو كان يقرأ القرآن بتدبر ويستشفي بالقرآن، ويعمل به ويتحاكم إليه، لكان في ذلك الفلاح والنجاح والسعادة له.

بيان عدد ما كان يصليه النبي صلى الله عليه وسلم في الليل

ونحن في هذا الشهر الكريم أيضاً علينا أن نسارع إلى هذه الصلاة التي صلاها بنا الإمام وفقه الله، فنحن صلينا كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر إحدى عشرة ركعة، يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً).

فينبغي للمسلم أن يحافظ على هذا الوتر إحدى عشرة ركعة، هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فالغالب أنه كان يوتر بإحدى عشرة ركعة، وربما زاد إلى ثلاث عشرة، وربما نقص إلى تسع وسبع، لكن الهدي الغالب للنبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يوتر بإحدى عشرة، فينبغي للمسلم أن يسارع إلى مثل هذه الخيرات، وأن يوتر بإحدى عشرة كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا خاصاً برمضان، بل هو مشروع في رمضان وفي غير رمضان، فعليك أن يكون هديك الغالب أن توتر بإحدى عشرة، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أردت أن تقصر إن حصل لك شيء من التعب أو النصب أو الشغل أو نحو ذلك فأوتر بتسع، أو بسبع، أو بخمس، أو بثلاث، أوتر ولو بواحدة، فالوتر بواحدة صحيح وثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام من حديث عثمان بن مظعون: ( الوتر ركعة من آخر الليل )، وثبت الوتر بواحدة عن عشرة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المهم أن المسلم يكون هديه الغالب هو الإيتار بإحدى عشرة كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإن زاد عليه إلى ثلاث عشرة، أو نقص في بعض الأحيان، فإن هذا لا بأس به، لكن المسلم عليه أن يسارع إلى مثل هذا.

صلة الأرحام وإصلاح ذات البين

كذلك أيضاً من الخيرات التي ينبغي أن يسارع لها التواصل والمحبة وخصوصاً في مثل هذا الشهر، وما بعد هذا الشهر، فشهر رمضان شهر الصفاء والإخاء، وشهر الرحمة والمودة والمحبة، وللأسف تجد أن هذا الشهر يدخل على بعض الناس وعندهم شيء من الجفاء، وشيء من التدابر، والتقاطع والتشانؤ والتباغض، وقد يكون بين الجيران، وقد يكون بين الأقارب، وقد يكون بين الأصدقاء.. إلى آخره، فينبغي للمسلم أن يستغل مثل هذا الشهر، ومثل هذه المواسم والميادين للرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى صفاء القلوب، علينا أن نغتنم قرب الناس من الله سبحانه وتعالى في اجتماع القلوب، ومحبة الناس للخير، وأن نعود إلى الصفاء والمودة إلى آخره، وكلنا سمعنا في قراءة الإمام وفقه الله في أول سورة النساء قول الله عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

اتقوا الله عز وجل في أرحامكم، فالمسلم يتقي الله سبحانه وتعالى في رحمه، والرحم معلقة بالعرش تقول: (من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)، وفي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه).

وصلة الرحم يدخل فيها بر الأقارب، وبر الوالدين، وأيضاً بالنسبة للزوجة إذا كانت من الأقارب إلى آخره.

أقول أيضاً: ينبغي للمسلم أن يسارع إلى الخيرات في مثل هذه الأشياء، وأن يستفيد من شهره، فليس الصيام أن نمسك عن الطعام والشهوة فحسب، بل أن نمسك عن الذنوب والمعاصي، وأن نمسك عن البغضاء والتشانؤ والتقاطع إلى آخره، ونغتنم مثل هذا الجو الروحاني الإيماني، لو أن المسلمين اغتنموا مثل هذه الأشياء لخف على القضاة كثير من قضاياهم، وخف على مسئولي الأمن كثير من مشاكل الناس والهيئات إلى آخره، فعلينا أيها الأحبة! أن نتأمل ذلك جيداً.

قيام الليل

كذلك أيضاً مما ينبغي أن نربي أنفسنا عليه، وأن نسارع في الخيرات، وأن نستفيد من هذا الشهر، ما يتعلق ببقية النوافل كقيام الليل، ونحن الآن قمنا هذا القيام مع إمامنا، وحصل لنا خير عظيم، واتبعنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له كأنما قام الليل كله، فحصل هذا الخير وهذه البركات، أيضاً كون الإنسان يقوم ولو بعض الركعات قبل طلوع الفجر، قبل نصف ساعة فإنه ينال بركات عظيمة.

وفي حديث أبي هريرة المتواتر في الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزل الله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ من يدعوني فأستجيب له؟ وذلك كل ليلة حتى ينفجر الفجر)، الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ويطلب من عباده الدعاء والاستغفار وطلب الرحمة إلى آخره، ومع ذلك يجيبهم الله سبحانه وتعالى إلى ذلك، فهذه بركات نجد أن كثيراً يحرمها، وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاه الله إياه).

السنن الرواتب والنوافل

كذلك أيضاً: المسابقة إلى المحافظة على السنن الرواتب، ففي حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من صلى لله في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بني له بهن بيت في الجنة)، قالت أم حبيبة: فلم أدعهن منذ سمعتهن من النبي صلى الله عليه وسلم.

قال النعمان بن سالم الراوي عن أم حبيبة: فلم أدعهن منذ سمعتهن من أم حبيبة.

قال عمرو بن عوف الراوي عن النعمان: فلم أدعهن منذ سمعتهن من النعمان.

كل ذلك يدل على محبة السلف للخير ومسارعتهم لذلك، ومسابقتهم وتعظيمهم للسنة.

معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) ثم ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم أبواب الخير: (الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا قوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [السجدة:16]).

كذلك أيضاً -في الأخير- المسارعة إلى الصدقة والإحسان.

وروي عن بعض السلف في تفسير قوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَال [النور:36]، قال: هي صلاة الضحى، يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ، قال: صلاة الضحى في كتاب الله، ولا يغوص عليها إلا غواص، وذكر هذه الآية.

وفي صحيح مسلم أنها تعدل ستين وثلاثمائة صدقة: (يصبح على كل سلامى -أي كل عضو- من أحدكم صدقة)، ثم بعد ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الصدقات، (كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى).

فأقول أيها الأحبة: هذه الآية التي سمعناها في قراءة الإمام آية شاملة وعامة في المسابقة إلى نوافل الطاعات، من صلوات وصيام وصدقات، وشهر رمضان إنما شرع لمثل هذه الأشياء، فعلينا أن نستفيد من شهرنا هذا، وأن نأخذ من بركاته، وأن نربي أنفسنا على ذلك.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم من المسابقين المسارعين إلى فعل الخيرات، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك الجنة وما يقربنا إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما يقربنا إليها من قول أو عمل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

أذكر جملة من الأعمال الصالحة التي ينبغي للمسلم أن يسابق إليها، وهي مما يتميز به هذا الشهر الفضيل الكريم:

من ذلك قراءة القرآن، نلاحظ أن كثيراً من الناس في هذا الشهر الكريم -وهو من بركات هذا الشهر- يقبل على قراءة كتاب الله عز وجل، ونجد أن كثيراً من الناس -بل نسمع من كثير من الصبيان- يتنافسون في ختم كتاب الله عز وجل، وهناك دورات تقام في مثل هذا الشهر الكريم لدراسة القرآن وتفسيره وتدبره، وما يتعلق به من علوم إلى آخره، فينبغي للمسلم أن يسارع إلى قراءة كتاب الله عز وجل، وأن يربي نفسه على ذلك، وأن يكون له ورد، فقراءة القرآن ليست خاصة في شهر رمضان، بل ينبغي أن يكون للمسلم ورد يقرؤه كل يوم من كتاب الله عز وجل، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله تعالى عنهم يقرءون أورادهم في الليل، كما في حديث حذيفة في صحيح مسلم أنه قال: ( كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فافتتح سورة البقرة، قال حذيفة: قلت: يركع عند المائة، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: يركع عنده -يعني عند نهاية السورة- فمضى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم افتتح سورة النساء، ثم افتتح سورة آل عمران، كل ذلك يقول حذيفة: يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم مترسلاً، يعني: متأنياً متمهلاً، إذا مر بآية وعد سأل، وإذا مر بآية وعيد استعاذ، وإذا مر بآية استغفار استغفر، فقال: هممت بأمر سوء، قيل: وما همت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه من طول قراءته ).

وفي حديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه)، أي تتشقق من طول قيامه.

ولما كبر النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته أصبح يشق عليه أن يصلي قائماً، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (وكان يصلي ليلاً طويلاً جالساً).

فهذا يدل على محافظة النبي صلى الله عليه وسلم على ورده وعلى حفظه، فينبغي لنا -أيها الأحبة- أن يكون لنا ورد نقرأه كل يوم من كتاب الله، سواء كان في هذا الشهر الفضيل أو في ما بعده من الشهور.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم 2512 استماع
مداخل الشيطان على الإنسان 2490 استماع
الأمن مطلب الجميع [2] 2435 استماع
غزوة الأحزاب 2372 استماع
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم 2364 استماع
دروس من قصة موسى مع فرعون 2351 استماع
دروس من الهجرة النبوية 2348 استماع
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء 2208 استماع
حقوق الصحبة والرفقة 2177 استماع
أضرار شرب الخمر والقات والشيشة 2144 استماع