شرح ألفية ابن مالك [24]


الحلقة مفرغة

عمل إن وأخواتها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إن وأخواتها:

لإنَّ أنَّ ليتَ لكنَّ لعلّ كأن عكس ما لكان من عمل

كإن زيداً عالمٌ بأني كفء ولكن ابنه ذو ضغن

وراع ذا الترتيب إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي].

نواسخ المبتدأ والخبر تنقسم من حيث العمل إلى ثلاثة أقسام:

ما ينسخ المبتدأ والخبر جميعاً، وما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر.

وهذا من حيث العمل، لا من حيث الأداة هل هي فعل أو اسم أو حرف.

فكان وأخواتها سبق أنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر.

وليس ارتفاع المبتدأ بقاءه على ما كان عليه، بل هو رفع مجدد بكان.

وإن وأخواتها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والرفع الذي في الخبر ليس هو الرفع الأول الذي كان قبل دخول إن، بل هو رفع مجدد، فإن بعض الناس قد يقول في إعراب (كان زيد قائماً):

زيد: مرفوع بالابتداء، فنقول: لا، زيد مرفوع بكان، فالرفع الذي حصل له رفع مجدد.

وكذلك (إن زيداً قائمٌ) قد يقول بعض الناس: قائم: مرفوع على أنه خبر المبتدأ، فنقول: لا، بل هو مرفوع على أنه خبر إن، فـ(إن) أحدثت له رفعاً مجدداً؛ ولهذا قال المصنف في كان وأخواتها: (ترفع كان المبتدأ اسماً والخبر تنصبه ).

قوله: (إن وأخواتها)، أي: أخواتها اللاتي يعملن عملها، وهي ستة حروف ذكرها في قوله:

(لإن أن ليت لكن لعل كأن عكس ما لكان من عمل).

قوله: لإنّ: جار ومجرور، فحرف الجر هنا قد دخل على إن، ودخول حرف الجر على كلمة يدل على أنها اسم، مع أن (إنَّ) حرف، فكيف ذلك؟

نقول: لأن المقصود بها اللفظ، فكأن المؤلف قال: لهذا اللفظ.

أنّ: معطوفة على إنَّ لكن بإسقاط حرف العطف للضرورة.

ليت: كذلك معطوفة على إنَّ بإسقاط حرف العطف للضرورة.

لكن: كذلك معطوفة على إنَّ بإسقاط حرف العطف للضرورة.

لعل: مثلها.

كأن: مثلها.

عكس: مبتدأ، وخبره الجار والمجرور المتقدم.

عكس ما لكان من عمل: أي عكس الذي لكان من العمل.

لكان: اللام حرف جر، وكان اسم مجرور باللام وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية؛ لأن المقصود هو اللفظ.

إن وأخواتها تعمل عكس عمل كان وأخواتها

قوله: (عكس ما لكان من عمل)، فإذا كانت كان ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، فـ(إن وأخواتها) تنصب المبتدأ وترفع الخبر.

والحمد لله الذي يسر لنا علماء تتبعوا اللغة العربية واستقرءوها واستخرجوا هذه الحروف التي تعمل هذا العمل، فحفظوا للعربية كيانها وإلا لضاعت اللغة العربية، ولو لم تؤلف هذه الكتب فمن يدري أن (إنَّ) تنصب وترفع؟! لكن العلماء جزاهم الله خيراً تتبعوا حتى حصروا هذه الأشياء.

مثاله: قال: (كإن زيداً عالمٌ بأني كفؤ).

كإن: الكاف حرف جر، وإن زيداً عالمٌ بأني كفء: اسم مجرور؛ لأن المقصود: كهذه الجملة، وهو مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.

وإذا أردنا أن نعرب هذا المثال على قطع صلته بالكاف قلنا:

إن حرف توكيد ونصب ورفع ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وقد قلنا: ورفع؛ لأنه إما أن تقول: حرف توكيد ونصب (ورفع)، وإما أن تقول: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، وهذا أحسن.

زيداً: اسمها منصوب بها وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره.

عالم: خبرها مرفوع بها وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره.

بأني: الباء حرف جر، وأن: ينصب المبتدأ ويرفع الخبر، والياء اسمها مبني على السكون في محل نصب.

كفء: خبر أن مرفوع بها وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره، والجار والمجرور متعلق بعالم.

إذاً: زيد عالم بأنه كفء، لكن المشكل ابنه، يقول: (ولكن ابنه ذو ضغن) أي: ذو حقد عليه، فالأب عالم وحاكم بأنه كفء، ولكن ابنه ذو ضغن، كأن رجلاً خطب من شخص ابنته، فأجاب الأب، فأجاب الأب؛ لأنه يعلم أن الخاطب كفء، ولكن الابن في قلبه حقد فأراد أن يفسد الموضوع، وأفسد على الأب رأيه ففسدت المسألة.

يقول ابن مالك :

(كإن زيداً عالم بأني كفء ولكن ابنه ذو ضغن)

لكنَّ: إحدى أخوات إن، ونقول في إعرابها: لكنَّ: للاستدراك؛ لأنها استدراك على ما سبق، وهي تنصب المبتدأ وترفع الخبر.

وابنه: اسمها منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وابن: مضاف، والهاء: مضاف إليه مبني على الضم في محل جر.

ذو: خبر لكن مرفوع بها وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، وذو: مضاف، وضغن: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

وبهذا نكون قد عرفنا الحكم والمثال، فالحكم: أن (إنَّ) وأخواتها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والمثال الأول: إن زيداً عالم بأني كفء، والمثال الثاني: ولكن ابنه ذو ضغن.

حكم الترتيب بين اسم إن وخبرها

انتقل المؤلف إلى الترتيب بين اسم إن وخبرها، وقد عرفنا أنه لا يجب الترتيب بين اسم كان وخبرها، قال الله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:96]، وقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، لكن إنَّ وأخواتها يجب أن يتقدم الاسم ويتأخر الخبر، ولهذا قال:

[ وراع ذا الترتيب إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي ]

راع: فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب، وهو مبني على حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، والأصل (راعي).

ذا الترتيب: ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب، والترتيب: بدل من ذا.

قوله: (إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي).

ذكر مثالين:

الأول: ليت فيها غير البذي، فقدم الخبر على الاسم؛ لأن الخبر جار ومجرور.

والثاني: ليت هنا غير البذي، فقدم الخبر على الاسم؛ لأنه ظرف.

إذاً: يجب في إن وأخواتها أن يتقدم الاسم على الخبر؛ إلا إذا كان الخبر ظرفاً أو جاراً ومجروراً فإنه يجوز أن يتقدم.

فإن قال قائل: ما الفرق بين كان وإن؟

قلنا: لأن كان فعل، فهي أقوى في العمل من إن وأخواتها، وعمل الأفعال أقوى من عمل الحروف بلا شك، ولهذا إذا أُبعد اسم (إنَّ) عنها بطل عملها، فوجب أن يليها من أجل أن تقوى على العمل، بخلاف كان وأخواتها فإنها أفعال، والأفعال هي الأصل في الأعمال؛ فلهذا قويت على أن تعمل في اسمها ولو كان مؤخراً عنها.

لكن الظرف والجار والمجرور أمره سهل وهو مرن، فاجعله في الأول أو في الآخر، كل ذلك جائز، فإذا كان الخبر ظرفاً أو جار ومجروراً فإنه يجوز أن يتقدم ولا يجب، فلك أن تقول: إن زيداً عندك، ولك أن تقول: إن عندك زيداً، وفي قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً [آل عمران:13] قدم الخبر لأنه جار ومجرور، وقوله: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا [المزمل:12] قدم الخبر لأنه ظرف.

إذاً: يجب الترتيب بين اسم إن وخبرها؛ لقول ابن مالك : وراع ذا الترتيب، إلا إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً فإنه يجوز تقديمه.

وهل يجوز أن يتقدم الخبر على الأداة؟ لا يجوز، ولو كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً، فلا يجوز: فيها إن زيداً، ولا: هنا إن زيداً؛ وذلك لأن العمل في الحروف ضعيف، فهي لا تقوى على أن تعمل فيما تقدمها.

يقول الشاعر:

كأني من أخبار إنَّ ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما

وهذا قد يكون متشائماً وقد يكون متواضعاً، حسب القرائن؛ لأنه ربما يكون في مجلس من المجالس فيقال له: تقدم يا فلان في صدر المجلس، فيقول: لا أتقدم:

كأني من أخبار إنَّ ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما

فهذا يكون متواضعاً، وقد يكون متشائماً، وهذا هو الظاهر، لكن الظاهر تغيره بحسب القرائن، لكن هل هذا البيت على إطلاقه في قوله: (ولم يجز له أحد في النحو أن يتقدما)؟

نقول: يستثنى الظرف والجار والمجرور.

والمؤلف رحمه الله أتى بالمثال مستغنياً به عن الحكم، وهذا يعد من الاختصار، وهو من قدرة الرجل، فيأتي بالمثال ليؤخذ منه الحكم، لكن أكمل منه أن يؤتى بالحكم ثم يعقب بالمثال.

حكم تقديم خبر إن على اسمها في نحو إن في الدار صاحبها

ويجب تقديم خبر إنَّ على اسمها في نحو: إن في الدار صاحبها، وذلك لأن الضمير في (صاحبها) يعود على الدار، فلو قدم فقيل: إن صاحبها في الدار، لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا لا يجوز.

وبيان ذلك: أن خبر إنَّ يتأخر عن اسمها، فهو متأخر رتبة، وهو متأخر أيضاً لفظاً؛ لأننا قدمنا (في الدار) فإذا قلنا: إن صاحبها في الدار، صار الخبر الذي هو (في الدار) متأخراً لفظاً ورتبة، فيكون الضمير عائداً على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا لا يجوز.

وكذلك لا يجوز أن يعود الضمير على متأخر لفظاً لا رتبة.

أما قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ [البقرة:124]، فالضمير عائد على متقدم لفظاً لا رتبة، فيجوز عود الضمير على متقدم لفظاً لا رتبة.

وعليه فالقاعدة هي: أنه لا يجوز أن يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، إلا أنهم استثنوا بعض المسائل، مثل: ربه رجلاً وما أشبه ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إن وأخواتها:

لإنَّ أنَّ ليتَ لكنَّ لعلّ كأن عكس ما لكان من عمل

كإن زيداً عالمٌ بأني كفء ولكن ابنه ذو ضغن

وراع ذا الترتيب إلا في الذي كليت فيها أو هنا غير البذي].

نواسخ المبتدأ والخبر تنقسم من حيث العمل إلى ثلاثة أقسام:

ما ينسخ المبتدأ والخبر جميعاً، وما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، وما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر.

وهذا من حيث العمل، لا من حيث الأداة هل هي فعل أو اسم أو حرف.

فكان وأخواتها سبق أنها ترفع المبتدأ وتنصب الخبر.

وليس ارتفاع المبتدأ بقاءه على ما كان عليه، بل هو رفع مجدد بكان.

وإن وأخواتها تنصب المبتدأ وترفع الخبر، والرفع الذي في الخبر ليس هو الرفع الأول الذي كان قبل دخول إن، بل هو رفع مجدد، فإن بعض الناس قد يقول في إعراب (كان زيد قائماً):

زيد: مرفوع بالابتداء، فنقول: لا، زيد مرفوع بكان، فالرفع الذي حصل له رفع مجدد.

وكذلك (إن زيداً قائمٌ) قد يقول بعض الناس: قائم: مرفوع على أنه خبر المبتدأ، فنقول: لا، بل هو مرفوع على أنه خبر إن، فـ(إن) أحدثت له رفعاً مجدداً؛ ولهذا قال المصنف في كان وأخواتها: (ترفع كان المبتدأ اسماً والخبر تنصبه ).

قوله: (إن وأخواتها)، أي: أخواتها اللاتي يعملن عملها، وهي ستة حروف ذكرها في قوله:

(لإن أن ليت لكن لعل كأن عكس ما لكان من عمل).

قوله: لإنّ: جار ومجرور، فحرف الجر هنا قد دخل على إن، ودخول حرف الجر على كلمة يدل على أنها اسم، مع أن (إنَّ) حرف، فكيف ذلك؟

نقول: لأن المقصود بها اللفظ، فكأن المؤلف قال: لهذا اللفظ.

أنّ: معطوفة على إنَّ لكن بإسقاط حرف العطف للضرورة.

ليت: كذلك معطوفة على إنَّ بإسقاط حرف العطف للضرورة.

لكن: كذلك معطوفة على إنَّ بإسقاط حرف العطف للضرورة.

لعل: مثلها.

كأن: مثلها.

عكس: مبتدأ، وخبره الجار والمجرور المتقدم.

عكس ما لكان من عمل: أي عكس الذي لكان من العمل.

لكان: اللام حرف جر، وكان اسم مجرور باللام وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية؛ لأن المقصود هو اللفظ.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح ألفية ابن مالك [68] 3433 استماع
شرح ألفية ابن مالك [2] 3266 استماع
شرح ألفية ابن مالك [15] 3131 استماع
شرح ألفية ابن مالك[65] 2990 استماع
شرح ألفية ابن مالك[55] 2951 استماع
شرح ألفية ابن مالك [67] 2923 استماع
شرح ألفية ابن مالك [7] 2919 استماع
شرح ألفية ابن مالك [9] 2828 استماع
شرح ألفية ابن مالك [66] 2812 استماع
شرح ألفية ابن مالك [5] 2738 استماع