شرح ألفية ابن مالك[55]


الحلقة مفرغة

متى ينصب تابع المنادى المضموم

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ فصل.

تابع ذي الضم المضاف دون أل ألزمه نصباً كأزيد ذا الحيل ]

قوله: (تابع): مفعول له لفعل محذوف يفسره قوله: (ألزمه)، أي: ألزم تابع ذي الضم.

وقوله: (المضاف) صفة لتابع.

دون أل: حال من تابع، أي: ألزمه نصباً حال كونه دون أل.

مثاله: (كأزيد ذا الحيل).

يقول: (تابع ذي الضم) التوابع خمسة: النعت، وعطف البيان، وعطف النسق، والتوكيد، والبدل، وعند ابن آجروم أربعة؛ لأنه أدرج عطف البيان في التوكيد.

إذاً: تابع ذي الضم يشمل الخمسة، لكنه يستثنى من التوابع البدل وعطف النسق، فإذا وجد تابع من التوابع فإنه يكون تابعاً للمنادى المضموم، وهو: أولاً: مضاف، وثانياً: خال من أل، يقول: (ألزمه نصباً)، حتى لو كان الذي قبله مضموماً؛ لأنه قال: (تابع ذي الضم)، والمثال يوضح المقصود، فقوله: (أزيد) الهمزة للنداء، زيد: منادى مبني على الضم في محل نصب.

ذا: صفة لزيد، أي: نعت.

فـ (ذا) نعت، والنعت من التوابع، وهو مضاف إلى ما بعده، وليس فيه (أل).

إذاً: صار (ذا الحيل) تابعاً لذي ضم، فنقول: يا زيد ذا الحيل، بنصب (ذا).

ونقول: يا ألله بديعَ السماوات والأرض، ونقول: يا عمرو غلامَ زيد.

متى يجوز الرفع والنصب في تابع المنادى المضموم

قوله: (وما سواه) يشمل ما ليس مضافاً، وما أضيف ولكن فيه أل.

(ارفع أو انصب)، أي: يجوز لك فيه الرفع ويجوز لك فيه النصب.

مثال ما ليس مضافاً: يا زيد الظريف، (الظريف) صفة لزيد، وليست مضافة فيجوز لك أن تقول: يا زيدُ الظريفَ، باعتبار المحل، و(الظريفُ) باعتبار اللفظ، ومع ذلك يقولون: إنه صفة منصوب، لكنه بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها الإتباع، أي: إتباع الثاني للأول بالبناء على الضم، وإلا فالأصل أن محله النصب، لكن أتبع الثاني للأول بالحركة فقط، ولهذا نقول:

الظريفُ: صفة لزيد منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهوره حركة الإتباع، هذا إذا بنيناه على الضم وقلنا: يا زيدُ الظريفُ.

أما إذا قلنا: يا زيدُ الظريفَ؛ فإنه صفة على المحل.

ومثال ما أضيف وفيه أل: يا زيدُ الحسنُ الوجه، ويا زيدُ الحسنَ الوجه، فهذا مضاف لكن فيه أل، فيجوز فيه الرفع والنصب، ولهذا قال: (وما سواه انصب أو ارفع).

فتبين لنا بهذا أن تابع ذي الضم له ثلاث حالات:

الأولى: أن يكون مجرداً من الإضافة.

والثانية: أن يكون مضافاً مجرداً من أل.

والثالثة: أن يكون مضافاً مع أل.

فالمضاف دون أل يجب فيه النصب، وما عداه يجوز فيه الرفع والنصب، والذي عداه اثنان: ما لم يضف، وما أضيف وفيه أل.

والخلاصة: أن تابع ذي الضم إما أن يكون مضافاً أو غير مضاف، وغير المضاف سيأتينا إن شاء الله فيما بعد، فالمضاف إما أن يكون فيه أل أو ليس فيه أل، فإن كان فيه أل فإنه يجوز فيه الرفع والنصب، وإن لم يكن فيه أل فإنه يتعين فيه النصب.

وبالمثال يتضح المقال: فإذا قلنا: يا زيدُ ذا الحيل، فهنا يتعين النصب، وإذا قلنا: يا زيدُ الحسنُ الوجه، فهنا يجوز الرفع والنصب، وإذا قلنا: يا زيدُ الظريف، فيجوز الرفع والنصب.

عطف النسق والبدل إذا أتبع للمنادى المضموم يجعل كالمستقل

قال رحمه الله: (واجعلا كمستقل نسقاً وبدلاً).

أخرج الآن من التوابع عطف النسق والبدل، وبقي عندنا النعت، والتوكيد، وعطف البيان، فهذه هي التي يجوز فيها الأوجه التي ذكرناها.

أما عطف النسق -وهو ما عطف بواحد من حروف العطف- فإن التابع يكون كالمستقل، ليس له دخل بالذي قبله، وكذلك إذا كان بدلاً فإنه يكون كالمستقل.

تقول: يا زيدُ وعمروُ:

(يا): حرف نداء.

(زيد): منادى، والواو حرف عطف.

(عمرو): معطوف على زيد مبني على الضم في محل نصب؛ لأنك لو ناديت عمراً مستقلاً بنيته على الضم.

ومثله: يا زيد وعبد الله، فيجب نصب (عبد الله)؛ لأنه لو كان منادى مستقلاً لوجب نصبه.

مثال آخر: يا زيد وطالعاً جبلاً، يتعين النصب، وكذلك: يا ربُّ ولطيفاً بالعباد، يتعين النصب.

إذاً: إذا كان التابع بواسطة حرف العطف فإنه يجعل كالمستقل، فإن كان معرفة أو نكرة مقصودة بني على الضم، وإن كان مضافاً أو شبيهاً بالمضاف تعين نصبه، فتقول: يا زيدُ ورجلُ، يا زيدُ وعمروُ، يا زيدُ وغلامَ عمرو، يا زيدُ وطالعاً جبلاً.

وكذلك إذا كان التابع للمنادى المضموم بدلاً فإنه يجعل كأنه منادى مستقل، فإن كان علماً، أو نكرة مقصودة بني على الضم، وإن كان مضافاً أو شبيهاً به فهو منصوب.

أما إذا كان التابع صفة أو توكيداً أو عطف بيان، فله ثلاث حالات: إما أن يكون التابع مضافاً محلىً بأل، أو مضافاً غير محلىً بأل، أو غير مضاف، فإن كان غير مضاف، أو كان مضافاً محلى بأل جاز فيه الوجهان: الرفع والنصب، وإن كان مضافاً غير محلى بأل تعين فيه النصب.

جواز الرفع والنصب في الاسم المصحوب بأل إذا عطف على المنادى

قال المؤلف رحمه الله: [ وإن يكن مصحوب أل ما نسقا ففيه وجهان ورفع ينتقى ]

معناه: إذا عطفت على المنادى المبني على الضم اسماً مصحوباً بأل ففيه وجهان، ولكن الرفع أفضل، ولهذا قال: (ورفع ينتقى) أي: يختار، ومنه قوله تعالى: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [سبأ:10]، فـ(الطيرَ) فيها قراءتان: بالرفع وبالنصب.

وتقول: يا زيدُ والغلامُ، ويا زيدُ والغلامَ، أما وجه النصب فعطفاً على المحل؛ لأن محل (زيد) النصب، وأما ضمه فللإتباع، قال بعضهم: وما حرك بالإتباع فليس له محل؛ لأنه تابع لما قبله.

فيقال: الواو: حرف عطف.

والغلام: معطوف على زيد منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها الإتباع.

إذاً: إذا كان المعطوف على المنادى المضموم محلىً بأل ففيه وجهان، ولكن المؤلف يقول: (ورفع ينتقى) والقراءة المشهورة بالنصب: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [سبأ:10]، لكن النحويين كما قال بعضهم: النحوي كالثعلب تدخل يدك عليه من بابه فيخرج من نافقاء، فقالوا: الطير: على قراءة النصب ليست معطوفة على جبال، بل مفعول لفعل محذوف، أي: وسخرنا له الطيرَ، وهذا في الحقيقة تكلف، والصواب: أنه يجوز الوجهان على السواء؛ لأنه ما دام القرآن ورد بهما جميعاً فالقرآن أفصح الكلام.

التوصل بأيها إلى نداء ما فيه أل

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ وأيها مصحوب أل بعد صفه يلزم بالرفع لدى ذي المعرفه ]

قوله: (مصحوب) فيها وجهان: النصب والرفع، فعلى الرفع، نقول: أيها: مبتدأ كلها؛ لأن المراد لفظه.

مصحوب: مبتدأ ثان، و(يلزم) خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول، فالخبر هنا جملة، ومعلوم أنه إذا كان خبر المبتدأ جملة فلا بد لها من رابط يربطها بالمبتدأ، والرابط هنا محذوف، تقديره: يلزمها.

فمعنى البيت إذاً: أن مصحوب أل يلزم (أيها) حال كونه صفة مرفوعاً بعدها، فالمؤلف أفادنا ثلاث فوائد:

أولاً: أن الذي يلي (أيها) لا بد أن يكون مصحوباً بأل.

وثانياً: لا بد أن يقع بعدها، لقوله: (بعد).

ثالثاً: أن محله من الإعراب صفة لأي؛ لقوله: (صفة).

إذاً: (أي) يؤتى بها صلة لنداء ما فيه أل، والذي يأتي بعدها وفيه أل حكمه أنه صفة لها، لقوله: (مصحوب أل بعد صفة يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة)، وقد سبق لنا أنه لا يجوز أن ينادى ما فيه أل -وهي مباشرة له- إلا في موضعين؛ مع الله، ومحكي الجمل، فلا يجوز أن تقول: يا الإنسان، إذاً فماذا تصنع إن كنت تريد أن تنادي الإنسان؟ تقول: يا أيها الإنسان، فتأتي بأي، ويكون مصحوب أل بعدها صفة لها، وهذا كثير في القرآن كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال:64]، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41]، يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ [الانفطار:6]، وما أشبهها.

الوجه الثاني في إعراب (مصحوب) هو النصب.

والمعنى: أن (أيها) يلزم مصحوب أل، بخلاف التقدير الأول: فإن اللازم هو المصحوب، وعلى هذا التقدير الثاني فإن (مصحوبَ أل) يلزم (أيها)، والمعنى لا يتغير؛ لأنه إذا لزم مصحوب أل (أيها) لزم أن تكون (أيها) أيضاً لازمة له، ففي الحقيقة لا يختلف المعنى وإنما يختلف الإعراب.

وخلاصة القول: أنه لما تقرر أن (ياء) النداء لا تباشر ما فيه أل إلا في موضعين -كما سبق- فإنه يجب أن يؤتى بأي صلة لها، فكأن المنادى حقيقة ما بعد أي، ولهذا نقول: إن (أي) هنا صلة، ونقول في إعراب يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ مثلاً:

يا: حرف نداء.

أي: منادى مبني على الضم في محل نصب، والهاء: للتنبيه.

النبي: صفة لأي مبني على الضم في محل نصب، وهنا نقول: مبني على الضم في محل نصب لأنه هو المنادى حقيقة، وإنما أتينا بأي من أجل كراهة أن تلي (يا) النداء ما فيه أل.

وقول المؤلف: (يلزم بالرفع لدى ذي المعرفة) إشارة إلى أن هناك قوماً يقولون: لا يلزم فيه الرفع، وإنه يجوز فيه الوجهان، وهو كذلك، فإن بعض النحويين يقول: إنه يجوز فيه النصب، فيجوز أن تقول: يا أيها الرجلَ إتباعاً لمحل أي؛ لأن محلها النصب، ولكن مهما كان فإن الرفع هنا بالاتفاق أولى، وهو الذي نطق به القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال:64]، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41]، وما أشبه ذلك.

وعلة البناء في المنادى بعد أيها: أنه منادى مقصود، مثل: يا رجلُ.

مسألة: إذا كان المنادى مثنى أو مجموعاً فلا تثنى (أيها) ولا تجمع، فلا يقال: يا أيهما الرجلان، ولا يقال: يا أيهم الرجال، بل يقال: يا أيها الرجلان، ويا أيها الرجال، لكن هل تؤنث؟

نقول: نعم، قال الله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر:27].

إذاً: فأي تؤنث مع المؤنث، ولكنها لا تثنى ولا تجمع، وهذا لم يذكره ابن مالك لكنه معروف.

فالخلاصة: أي صلة يتوصل بها إلى ما يمتنع فيه مباشرة (يا) النداء ما هو مصحوب أل، وأي لازمة للإفراد، أما في التأنيث والتذكير فإنها تذكر مع المذكر وتؤنث مع المؤنث، تقول: يا أيتها المرأتان، ويا أيتها النساء.

نداء اسم الإشارة والاسم الموصول بأيها

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ وأي هذا أيها الذي ورد ووصف أي بسوى هذا يرد ]

ذكرنا سابقاً أن مصحوب أل هو الذي يأتي بعد أي، فهل يأتي غير مصحوب أل؟

ننظر: العلم لا يمكن أن يأتي بعد أي، فلا يصح أن تقول: يا أيها زيدٌ، والاسم الموصول ذكره المؤلف، وكذلك اسم الإشارة ذكره المؤلف، والمضاف لا يمكن أن يأتي بعد أي، فلا يصح: يا أيها غلامَ زيد.

إذاً: يأتي (أيها) مع المحلى بأل كما يفيده البيت الأول، ويأتي كذلك مع اسم الإشارة، تقول: (أيها ذا)، والصواب: أن تكتب هكذا: أيها ذا، أما في النسخة التي عندي فإنها مكتوبة هكذا (أي هذا) وعلى هذا تكون (أي) اسم استفهام، تقول: أي هذا فعلت؟ والصواب: (أيها) وحدها، و(ذا) اسم الإشارة.

قوله: (وأيها ذا أيها الذي ورد) أي: ورد أن (أيها) يليها اسم إشارة، تقول: أيها ذا، ويليها أيضاً الاسم الموصول، أيها الذي.

وكلمة (أيها الذي) تفيد أنه إنما يرد اسم الموصول المحلى بأل، وأما اسم الموصول مثل (مَنْ) فلم يرد، تقول: يا أيها الذي قام، ولا يصح: يا أيها من قام.

إذاً: الذي يلي (أي) الاسم المحلى بأل، واسم الإشارة، والاسم الموصول المحلى بأل.

قوله: (ووصف أي بسوى هذا يرد).

(بسوى هذا) أي: هذا المذكور، وهو ثلاثة أمور: المحلى بأل، واسم الإشارة، والموصول المحلى بأل، وما سوى هذا فيقول المؤلف: (وصف أي بسوى هذا يرد) أي: يرفض فلا يقبل.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ وذو إشارة كأي في الصفه إن كان تركها يفيت المعرفة ]

قوله: (ذو إشارة) أي: اسم الإشارة.

(كأي في الصفة)، أي: لا يوصف بها إلا الاسم الموصول أو المحلى بأل، فإذا أردت أن تصف اسم الإشارة بالمنادى تصفه بما فيه أل، أو باسم الموصول المحلى بأل، ولهذا قال: (وذو إشارة)، أي: اسم الإشارة (كأي في الصفة) أي: مثل (أيها)، فتقول مثلاً: يا هذا الذي فعل كذا، وتقول: يا هذا الرجلُ، ولكن لا تقول: يا هذا زيدُ، أو: يا هذا من عمل كذا وكذا.

وظاهر كلام المؤلف أنه يجوز أن يوصف باسم الإشارة؛ لأنه قال: (كأيٍّ في الصفة)، وأي توصف باسم الإشارة، فهل يقال مثلاً: يا هذا ذا؟

نقول: نحن نستغني بـ (يا هذا)، فما دام عندنا اسم إشارة فليس هناك داع لاسم إشارة آخر، لكن في (أي) إذا أردنا ننادي اسم الإشارة لا بد أن نأتي باسم الإشارة، أما هنا إذا نادينا اسم الإشارة فلا حاجة أن نأتي باسم الإشارة مرة ثانية.

فقول المؤلف: (كأي في الصفة) أي: في المسألتين الأخيرتين، وهما: المحلى بأل، واسم الموصول المحلى بأل.

الإتيان باسم الإشارة بدلاً عن (أي)

قال رحمه الله: (إن كان تركها يفيت المعرفة ).

قوله: (إن كان تركها) أي: الإشارة، (يفيت المعرفة) أي: العلم بالمنادى، أما إذا كان تركها لا يفيت المعرفة فإنك تأتي بأي.

اشترط المؤلف لصحة مجيء اسم الإشارة بدلاً عن أي: أن يكون تركها يفيت المعرفة، مثلاً: إذا قلت: يا أيها الرجلُ، فأنت عرفت أن المنادى رجل، لكن أنا أريد أن أعين رجلاً، فأقول بدل (أي): يا هذا الرجل؛ لأجل أن تعرف أن المنادى هو هذا المشار إليه، فإذا كان تركها يفيت المعرفة فإنك تأتي باسم الإشارة.

أما إذا كان لا يفيت، مثل: يا أيها النبي، يا أيها العالم، يا أيها الأب، يا أيها القاضي، يا أيها الأمير، فلا حاجة لاسم الإشارة؛ لأنه متعين بالتعريف بالعهد الذهني المعروف، تقول: يا أيها القاضي، إذا كنت تعرف أنه هو القاضي المعين ونحو ذلك.

لكن إذا كان ترك اسم الإشارة يفيت المعرفة بعين المنادى، فإننا نأتي باسم الإشارة، فتبين أن الإتيان باسم إشارة بدلاً عن (أي) إنما يكون للضرورة، والضرورة هي ما إذا كان تركها يفوت المعرفة، أما إذا كان لا يفوت المعرفة فلا؛ لأن (أي) هي الأصل فنرجع إلى الأصل.

قال المؤلف رحمه الله:

[ في نحو سعدُ سعدَ الأوس ينتصب ثانٍ وضم وافتح أولاً تصب ]

قوله: (في نحو سعد سعد الأوس)، سعد : منادى حذفت منه ياء النداء، والأصل: يا سعد سعد الأوس، وسعد الأوس هو سعد بن معاذ رضي الله عنه، وسعد الخزرج هو سعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ رضي الله عنه حياته معروفة، وختام حياته بالشهادة، واهتز له عرش الرحمن سبحانه وتعالى، وفيه قال حسان بن ثابت :

وما اهتز عرش الله من أجل هالك

سمعنا به إلا لسعد أبي عمر

فإذا قلت: يا سعد سعدَ الأوس، فالثاني ينتصب؛ لأنه منادى مضاف، فإذا كان بدلاً من الأول فإنه بدل منه على أنه مضاف أو عطف بيان، فينتصب لأنه مضاف.

لكن الأول يقول فيه المؤلف: (وضم وافتح أولاً تصب) أي: أنه يجوز في الأول وجهان: الضم على الأصل؛ لأنه غير مضاف، والعلم إذا نودي يبنى على الضم.

والوجه الثاني الفتح: وقد اختلف فيه النحويون، فقال بعضهم: إنه جاز على أن تكون سعد الثانية مقحمة زائدة، وكأن الأصل: يا سعدَ الأوس، وهذا على رأي من يجوزون زيادة الأسماء، والمسألة فيها خلاف بين النحويين، أما في الحروف فالظاهر أنها جائزة وشائعة، لكن زيادة الأسماء فيها خلاف.

وقال بعضهم: إنه ينصب فيبنى مع الثاني كبناء خمسة عشر، فتقول في الإعراب على هذا الرأي: يا: حرف نداء، سعد سعد : اسم منادى مبني على الفتح في محل نصب؛ لأنه مضاف.

الرأي الثالث يقول: إننا نفتحه على الإتباع، بمعنى: أن يكون تابعاً لما بعده في الحركة، وعلى هذا نقول: سعد: منادى مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره حركة الإتباع.

وفي الحقيقة أن هذه الإعرابات لا بأس أن يتمرن الإنسان عليها ويعرفها، لكن أهم شيء عندنا هو الحكم، وهو أن الثاني ينصب، والأول يجوز فيه الوجهان: الفتح والضم، وله شاهد من كلام العرب وهو قول الشاعر:

يا زيدُ زيدَ اليعملات الذبل.

ويجوز: يا زيدَ زيدَ اليعملات الذبل.

واليعملات: هي الإبل.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ فصل.

تابع ذي الضم المضاف دون أل ألزمه نصباً كأزيد ذا الحيل ]

قوله: (تابع): مفعول له لفعل محذوف يفسره قوله: (ألزمه)، أي: ألزم تابع ذي الضم.

وقوله: (المضاف) صفة لتابع.

دون أل: حال من تابع، أي: ألزمه نصباً حال كونه دون أل.

مثاله: (كأزيد ذا الحيل).

يقول: (تابع ذي الضم) التوابع خمسة: النعت، وعطف البيان، وعطف النسق، والتوكيد، والبدل، وعند ابن آجروم أربعة؛ لأنه أدرج عطف البيان في التوكيد.

إذاً: تابع ذي الضم يشمل الخمسة، لكنه يستثنى من التوابع البدل وعطف النسق، فإذا وجد تابع من التوابع فإنه يكون تابعاً للمنادى المضموم، وهو: أولاً: مضاف، وثانياً: خال من أل، يقول: (ألزمه نصباً)، حتى لو كان الذي قبله مضموماً؛ لأنه قال: (تابع ذي الضم)، والمثال يوضح المقصود، فقوله: (أزيد) الهمزة للنداء، زيد: منادى مبني على الضم في محل نصب.

ذا: صفة لزيد، أي: نعت.

فـ (ذا) نعت، والنعت من التوابع، وهو مضاف إلى ما بعده، وليس فيه (أل).

إذاً: صار (ذا الحيل) تابعاً لذي ضم، فنقول: يا زيد ذا الحيل، بنصب (ذا).

ونقول: يا ألله بديعَ السماوات والأرض، ونقول: يا عمرو غلامَ زيد.