ديوان الإفتاء [763]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, البشير النذير والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32].

أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, ومرحباً بكم في هذا اليوم المبارك -التاسع عشر من رمضان- أسأل الله أن يتقبل منا ما مضى, وأن يبارك لنا فيما بقي, وأن يعيننا على اغتنام الأوقات في فعل الخيرات والتقرب إلى الله بالطاعات.

وقت دخول المعتكف لمن أراد اعتكاف العشر الأواخر

أبدأ في هذه الحلقة فأقول: إن ناساً من الطيبين قد نووا أن يعتكفوا العشر الأواخر من رمضان, والسنة في الاعتكاف أن يدخل الإنسان معتكفه قبل غروب شمس العشرين من رمضان؛ من أجل أن يدرك أول ليلة من ليالي الوتر من أولها, وهي ليلة الحادي والعشرين من رمضان, وهي أولى الليالي التي تلتمس فيها ليلة القدر, وسيأتي الكلام عن الاعتكاف وأحكامه تفصيلاً إن شاء الله.

معنى الاعتكاف

أقول في هذه العجالة: إن الاعتكاف في اللغة: هو الحبس, وفي الشرع: أن يلزم المكلف مكاناً لا يتعداه على عمل مخصوص دون سواه، مع الاقتران بالنية.

ولب الاعتكاف وحقيقته هو: الانقطاع إلى الله عز وجل, بمعنى: أن يلزم الإنسان المسجد ويقبل على الله عز وجل بالطاعات: ذكراً وقرآناً ودعاءً واستغفاراً ورجاءً وتوبة وبكاءً وتضرعاً, ويجتهد في هذا كله فيكثر من نوافل الصلاة, ويكثر من ذكر الله.

تنبيهات لمن ينوي الاعتكاف

وها هنا لا بد من تنبيهات:

أولاً: إخلاص النية لله عز وجل: أن ينوي الإنسان باعتكافه وجه ربه, فلا يكون غرضه الرياء ولا السمعة, ولا يكثر من الإعلان بأني سأعتكف، وأنا ذاهب إلى مسجد كذا وسأعتكف في المسجد الفلاني.. بل لو استطاع أن يجعل هذا سراً بينه وبين ربه فليفعل, ولو استطاع أن يذهب في مكان لا يعرفه أحد فليفعل.

ثانياً: لا يكثر من الخلطة, فلا يصطحب معه إلى معتكفه أقرانه وإخوانه وأصدقاءه وأحبابه, بحيث يتحول المعتكف إلى مكان مألوف يكثر فيه الكلام، وتبادل الأحاديث والضحكات.. وما إلى ذلك, وإنما ينقطع, فإن استطاع أن يصطحب واحداً يختاره من بين الناس لبيباً عاقلاً، يعينه إذا ذكر، ويذكره إذا نسي فليفعل.

ثالثاً: لا ينشغل في المعتكف بالأمور الصارفة, فإن بعض الناس في المعتكف مشغول بهاتفه الجوال, يتصل بالناس ويتصلون به, ويطيل معهم الحديث، ولربما عمد إلى إدارة أعماله من معتكفه, فيسأل عن الشيكات الداخلة والخارجة, وعمن سدد وعمن أخفق, ويسأل عن أسعار البضائع، وأحوال السوق، وأسعار العملات.. وما إلى ذلك, فهذا في حقيقة الأمر ما اعتكف, وإنما جلس في المسجد بدلاً من أن يجلس في المكتب أو في الدكان.

الاستكثار من الطاعات للمعتكف

وحقيقة الاعتكاف كما قلت: الانقطاع إلى الله عز وجل والإقبال على طاعته, ونلاحظ أنه في الاعتكاف يتأتى للإنسان أمور ربما ينشغل عنها طوال العام, من ذلك: أن يدرك تكبيرة الإحرام من أول الصلاة, وللأسف تجد بعض الناس معتكفاً في المسجد، ومع هذا لا يدرك تكبيرة الإحرام بل يأتي مسبوقاً, إما أنه نائم، وإما أنه مشغول ببعض الأشياء إلى أن أقيمت الصلاة.

وأيضاً مما يمكننا فعله في أيام الاعتكاف: الدعاء بين الأذان والإقامة، والإكثار من ذكر الله عز وجل، وقراءة القرآن في ذلك الوقت الشريف الفاضل, ومن ذلك أيضاً: أن يتأمل الإنسان في نفسه وفي تقصيره في جنب الله عز وجل وتفريطه, وأن يتأمل ذنوبه وخطاياه وسيئاته وموبقاته, ويعجل إلى الله عز وجل بتوبة نصوح؛ ولذلك المعتكف عليه أن يجتهد في هذا كله.

أيضاً مما يلزم أن نبينه: أن المعتكف عليه أن يكثر من الاستغفار, فإن الاستغفار سبب لكل خير في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52], وقال: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[نوح:10-12], فالاستغفار مطلوب منا أن نكثر منه, ولتكن نيتك أيها المعتكف! أنك تروم إدراك ليلة القدر, التي هي خير من ألف شهر, فتجتهد في العشر الأواخر، ولو استطعت أن تحيي الليل كله كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فافعل, وإذا استطعت أن تحيي ليالي العشر الأواخر كلها فافعل, فإن نبينا عليه الصلاة والسلام: ( كان إذا دخلت العشر الأواخر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر )، صلوات ربي وسلامه عليه.

أبدأ في هذه الحلقة فأقول: إن ناساً من الطيبين قد نووا أن يعتكفوا العشر الأواخر من رمضان, والسنة في الاعتكاف أن يدخل الإنسان معتكفه قبل غروب شمس العشرين من رمضان؛ من أجل أن يدرك أول ليلة من ليالي الوتر من أولها, وهي ليلة الحادي والعشرين من رمضان, وهي أولى الليالي التي تلتمس فيها ليلة القدر, وسيأتي الكلام عن الاعتكاف وأحكامه تفصيلاً إن شاء الله.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2822 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2648 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2534 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2532 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2506 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2475 استماع
ديوان الإفتاء [519] 2464 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2442 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2406 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2405 استماع