القصص
مدة
قراءة المادة :
17 دقائق
.
دهاء سيدة
للقصصي الإيطالي (موفاني بوكاشيو)
بقلم الأستاذ محمد عبد اللطيف حسن
كان يقطن في بلدة أرامينو بإيطاليا تاجر غني متزوج من سيدة جميلة صغيرة السن. وكان هذا الزوج شديد الغيرة والقسوة على زوجته، لا لشيء إلا لأنه كان يحبها غاية الحب، ويهواها من كل قلبه هوى عنيفاً مبرحاً.
فكان يظن لهذا السبب أن الناس جميعاً يحبونها كما يحبها، ويهوونها كما يهواها، وإنها تبادلهم إعجاباً بإعجاب، وافتتاناً بافتتان! ومن هنا نشأت غيرته العمياء عليها، وتولد في قلبه الخوف والقلق من حسنها الذي كان يخلب الألباب ويستهوي الأفئدة.
فكان يراقبها مراقبة شديدة ويمنعها من الذهاب إلى الكنائس والولائم والحفلات العامة، بل لقد بلغت به الغيرة إلى حد إنه كان يمنعها من الخروج في المواسم والأعياد التي كان يحتفل بها عامة الشعب، فكان ذلك سبباً في تنغيص حياتها وتكدير صفوها. وهداها التفكير أخيراً إلى أن تقابل هذا العدوان وتلك القسوة بمثلها.
ففي أحد الأيام وقعت عيناها على شاب جميل وسيم الطلعة يقطن في المنزل الملاصق لمنزلها.
وقد استرعى هذا الشاب انتباهها قبل ذلك عدة مرات، ولكنها لم تكن تعيره أدنى التفات، ولم يخطر ببالها أن تهتم بغير زوجها في يوم من الأيام، حتى إذا ما طفح الكيل، وبلغت غيرته وقسوته أقصى حدودهما، لم تستطع السيدة صبراً أكثر من ذلك، فأخذت تبحث في جدران مسكنها علها تعثر على ثغرة يمكنها أن تخاطب هذا الشاب بواسطتها، لتذهب عن نفسها ذلك الملل الذي كانت تحس به من جراء حبسها في المنزل آناء الليل وأطراف النهار.
وهداها البحث أخيراً إلى العثور على ثغرة صغيرة في إحدى الغرف الخلفية لمسكنها، فسرت لهذا الكشف السعيد سروراً عظيماً وخاطبت نفسها بقولها (إذا كانت الثغرة تؤدي إلى غرفة فلبو - وهو اسم الشاب فإن خطتي لابد أن تصل إلى النجاح المنشود، والفوز المرتقب!) ولم تلبث أن دعت إليها خادمتها وكلفتها بأن تتحقق من هذا الأمر بنفسها.
فعادت إليها الخادمة التي كانت ترثي لحالها، وتتألم لسوء معاملة زوجها لها، وأخبرتها إن فلبو يبيت في هذه الغرفة التي عثرت على الثغرة المؤدية إليها بطريق المصادفة.
فسرت السيدة لهذه البشرى الطيبة وأتت بباقة صغيرة من الزهور اليانعة ذات العطر الشذي، والأرج الزكي، وألقتها من الثغرة التي كانت لا تتسع لأكثر من إدخال رأسها، في مكان ظاهر من غرفة فلبو وظلت واقفة في مكانها تترقب أوبته بفروغ صبر.
فلما حضر الشاب ووجد باقة الزهور في حجرته دهش لذلك دهشة عظيمة، سيما وإنه لم يكن متزوجاً وكان يقطن في هذا المسكن بمفرده، وزادت دهشته حينما أطلت السيدة برأسها من الثغرة الضيقة ونادته باسمه ثم عرفته بنفسها! ووقف الشاب مبهوتاً زائغ البصر لحظة ولكنه لم يلبث بعد أن هدأ روعه، واسترد هدوءه، أن رحب بهذه الصداقة الجديدة التي كان ينتظرها منذ زمن طويل من غير طائل، ومن هذا الوقت بدأت السيدة والشاب يقطعان الوقت في المسامرة والحديث فكان ذلك سبباً في سرورهما وغبطتهما معاً. ولما أقترب عيد الميلاد كانت السيدة قد دبرت خطتها للانتقام من زوجها فقالت له ذات يوم وهي تحاول جهدها أن يكون كلامها طبيعياً على قدر الإمكان: - إنني أود الذهاب إلى الكنيسة لأعترف للقسيس بخطاياي! فذعر الزوج لهذا الطلب الغريب الذي لم يكن يتوقع سماعه منها وقال: - وأي خطيئة ارتكبتها حتى تودين الاعتراف بها للقسيس؟ فابتسمت زوجته ابتسامة ماكرة وقالت: - أو لستُ يا عزيزي بشراً كسائر البشر؟ أم تحسبني قديسة من القديسات أو راهبة من الراهبات؟ ثم سكتت سكتة قصيرة واستطردت قائلة: - وهل تعتقد إنني معصومة من الزلل، أو بعيدة عن الوقوع في الخطأ ما دمت تشدد الرقابة علي وتحبسني بين جدران منزلك؟ وهنا أطرقت برأسها إلى الأرض وقالت له بلهجة حزينة، ونغمة مؤثرة: - آه لو كنت قسيساً لاعترفت لك بكل شئ، ولكنك مع الأسف لست إلا فرداً عادياً كسائر الأفراد، وبشراً سوياً كبقية البشر! فذهل الزوج لجرأة زوجته وكاد يصعق في مكانه لأنه كان يعتقد إنها آخر من تفكر في ارتكاب الخطيئة أو الوقوع في الإثم، ولكنه تظاهر أمامها بالهدوء والسكينة بالرغم من إنه كان يغلي في قرارة نفسه كالمرجل. ثم صمم أخيراً على أن يعرف خطاياها بنفسه مهما كلفه ذلك من جهد، أو كبده من مشقة وعناء.
فلما حل عيد الميلاد صرح لها بالخروج في ذلك اليوم ولكنه حظر عليها الذهاب إلى كنيسة غير كنيستها، وأمرها بالا تعترف بخطاياها لقسيس غير قسيسها، ثم نبه عليها بأن تعود بعد ذلك إلى المنزل مباشرة.
ففهمت السيدة غرضه وأجابته إلى رغبته بهزة خفيفة من رأسها! وكان زوجها قد سبقها في الذهاب إلى الكنيسة قبل ذلك ببضعة أيام وأتفق مع القسيس على أن يرتدي ملابسه ويحل محله في مقابل أجر كبير أعطاه إليه ليتسنى له معرفة خطايا زوجته بنفسه، فلما حضرت وسألت عن القسيس ذهبوا بها إلى زوجته الذي كان قد سبقها في الوصول إلى الكنيسة ببضع دقائق! فعرفته زوجته لأول وهلة بالرغم من أنه قد أخفى وجهه بحيث لم يكن يتبين منه سوى عينيه، ولكنه لم يستطع أن يغير لهجته، ولا أن يبدل صوته بالرغم من انه كان يحاول ذلك جهد طاقته! وهذا ما أكد للسيدة أن الواقف أمامها ليس إلا زوجها دون سواه! فابتسمت لمرآه ابتسامة مريرة متكلفة وخاطبت نفسها بقولها: (حمداً لله وشكراً! لقد أصبح هذا الزوج الغيور قسيساً، ولكني لن أبوح له بما يود معرفته، ويتوق اللحظة إلى سماعه!) ثم تظاهرت بأنها لم تعرفه وارتمت تحت قدميه وقبلت يديه بمذلة وخشوع وقالت: - بالرغم من أنني متزوجة من رجل غني كما تعلم، إلا أنني أحب قسيساً يأتي إلى منزلي ويبيت في مخدعي كل ليلة! فدهش الزوج لهذا الاعتراف الفاضح ولكنه أخفى دهشته بكل مشقة وصعوبة لأنه أراد الوثوق من هذا الأمر، والتأكد من معرفته، فقال لزوجته وقد بهت لونه، واكفهرت سحنته: - وكيف ذلك يا ابنتي؟ ألا يقضي زوجك الليل في مخدعك؟ فقالت زوجته وهي تخفي براحة يدها ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيها: - بلى يا سيدي.
فقال الزوج وقد زادت دهشته عن ذي قبل: وكيف يبيت إذن هذا القسيس في مخدعك في الوقت الذي يكون زوجك موجوداً معك؟ فتظاهرت الزوجة بالغرابة لهذا السؤال وقالت: - لست أدري ذلك تماماً يا سيدي، ولكني أعتقد أنه ليس هناك باب إلا ويفتح بمجرد ملامسة هذا القسيس له.
وقد أخبرني أنه يتلو عند مجيئه إلى منزلي تعويذة فتلقي بزوجي المسكين من فراشه على الأرض وتجعله يروح في سبات عميق دون أن يدري بمجيئه، أو يحس بزيارته لي! فارتبك الزوج في موقفه ارتباكاً شديداً وقال لها وهو يحاول أن يكظم غيظه، ويكبح جماح غضبه: - أنني أرثي حقاً لحالتك يا سيدتي، ولكن ليس لك عندي مع الأسف أي حل.
وكل ما أستطيع أن أفعله أنني سأصلي كل ليلة من أجلك، وسأرسل إليك - فضلاً عن ذلك - رسولاً من قبلي بين الفينة والفينة لأرى نتيجة صلاتي لك، عسى أن يغفر الله لك ويبعد هذا القسيس إلى الأبد.
فتظاهرت السيدة بالخوف الشديد وقالت: - لا ترسل بربك أحداً إلى منزلي لأن زوجي شديد الغيرة علي! ولكن القسيس - أو الزوج - طمأنها بقوله: - لا تهتمي بذلك مطلقاً لأنني سأتخذ الحيطة اللازمة لذلك. فقالت السيدة وهي تهم بالوقوف: - إذا استطعت أن تفعل يا سيدي؛ فإنني لن أنسى لك هذا الصنيع ما حييت، وسأكون مدينة لك بشكري مدى العمر بالرغم من أنني أحب هذا القسيس حباً جماً ولا أطيق فراقه عني بأي حال! قالت ذلك ثم غادرت لكنيسة على عجل وهي تضحك في سرها من سذاجة زوجها الذي كان يتميز من الغيظ، ويقرض على أسنانه من شدة الغضب! وألقى الزوج بعد أن تركته زوجته بقلنسوة القسيس وبردائه على الأرض ثم هرع من فوره إلى منزله.
فلما وصل إليه خطب زوجته بعد أن فكر ملياً في هذا الأمر، ودبر خطته للانتقام منها ومن القسيس الذي يأتي لزيارتها كل ليلة فقال: - سأتناول الليلة عشائي خارج المنزل لدى أحد أصدقائي، وإذا تأخرت قليلاً فلا تقلقي لغيابي لأنني سأقضي سهرتي عنده. وقبل أن يغادر المنزل حدجها بنظرة حادة صارمة ثم قال لها بغلظة وجفاء: - لا تنسي أن تغلقي ورائي باب المنزل بالمزلاج، وكذا باب مسكنك، بل وباب غرفة نومك كذلك إذا شئت أن تأوي إلى فراشك مبكرة.
ففهمت السيدة غرضه وابتسمت له على كره ثم تمنت له ليلة طيبة دون أن تسأله عن المكان الذي سيقضي فيه سهرته.
ولما غادر المنزل هرعت إلى الثغرة وأخبرت فلبو الذي كان في انتظارها بكل ما حدث لها مع زوجها في صباح ذلك اليوم، ثم قالت له وهي تضحك ملء شدقيها: - أنني واثقة من أن زوجي لن يتحول هذه الليلة من أمام المنزل ليتسنى له القبض على هذا القسيس المزعوم فهل يمكنك أن تأتي إلي في المساء عن طريق سطح منزلك لنتبادل الأحاديث الحلوة والأقاصيص الشهية؟ فأجابها فلبو وهو يكاد يطير من شدة الفرح لهذا اللقاء القريب الذي كان لا يشتهي في الدنيا غيره: - سأحاول ذلك يا عزيزتي. فلما أقبل المساء تسلح الزوج بهراوة ثقيلة واختبأ خلف بوابة قريبة من المنزل.
ثم وقف ينتظر على مضض مجيء ذلك القسيس الذي اعترفت له زوجته بأنها تحبه! وقد حدث ذلك في نفس الوقت الذي ذهب فيه فلبو إلى مسكن معشوقته عن طريق سطح منزله! وظل الاثنان في لهو ومرح إلى ساعة متأخرة من الليل، ثم عاد الشاب ثانية إلى مسكنه! فلما بزغ النهار عاد الزوج إلى بيته بعد أن فرغ صبره، وجمدت أطرافه من شدة البرد! ثم ذهب إلى غرفة نومه وهو خائر القوى، منهوك الأعصاب، واستلقى على فراشه وراح في سبات عميق! فلما استيقظ من نومه غادر المنزل ثم أوفد إلى زوجته رسولاً من قبله على زعم أنه موفد من القسيس الذي اعترفت له بخطاياها بالأمس، عما إذا كان القسيس قد جاء لزيارتها في الليلة الماضية أم لا؟ فأجابته السيدة بقولها: - لا! أنه لم يأت في الليلة الماضية، وإذا انقطع عن زيارتي عدة ليال أخرى فإنني لن ألبث أن أنساه بمضي الزمن وإن كنت سأتألم بعض الشيء لغيابه عني، وانقطاعه عن زيارتي!! وكرر الزوج مراقبته للقسيس الموهوم عدة ليال في الوقت الذي تلهو فيه زوجته مع جارها فلبو كل ليلة دون أن يدري أحد من أمرهما شيئاً! فلما عيل صبره، ولم يجد أدنى فائدة من تلك المراقبة، سأل زوجته ذات يوم وشر الغضب يتطاير من عينيه، والحنق الكامن في أعماق نفسه يلوح على أسارير وجهه المتجهم فقال: - ما الذي اعترفت به للقسيس في صبيحة يوم عيد الميلاد؟ فذعرت الزوجة لهذا السؤال المفاجئ، ولاذت بالصمت المطبق، والسكوت العميق، فلما كرر عليها زوجها هذا السؤال استولى عليها الغضب ثم التفتت نحوه وقالت: - أظن أنه ليس من حقك، ولا من حق أي إنسان آخر أن أطلعك على أسراري، أو أكاشفك بخبيئة نفسي! فازداد غضب الزوج لهذا الرد وقال: - أيتها المرأة المنافقة، والمخادعة الشريرة، أنني أعلم بكل ما اعترفت به في الكنيسة، وسأجبرك الآن على إخباري بكل شيء عن ذلك القسيس الذي يبيت في مخدعك كل ليلة.
فلم تكترث زوجته لتهديده وقالت: إنني لا أستقبل في مخدعي أحدا سواك.
ولكن الزوج الغاضب لم يقتنع بإجابتها وانفجر فيها قائلاً: - ماذا تقولين؟ أتنكرين هذا أيتها الحية الرقطاء؟ أو لم تخبري القسيس الذي اعترفت أمامه بذلك؟ فنظرت إليه زوجته نظرة شزراء ثم قالت له بجرأة وثبات: - إنني لا أنكر شيئاً مما قلته له، وما دمت قد سمعت اعترافي كاملاً فلا حاجة بي إلى تكراره أمامك مرة أخرى! فقال لها زوجها وهو يعجب من شجاعتها ورباطة جأشها: - والآن ما دمت قد اعترفت بخطيئتك، وكاشفتيني بإثمك فيجب أن تخبريني بكل شيء عن هذا القسيس، وإلا فالويل لكما مني معاً.
.
فهزت زوجته كتفيها بسخرية واستخفاف ولم تأبه لوعيده أو تكترث لغضبه، ثم أرادت أن تلقي عليه في تلك اللحظة درساً قاسياً لا ينساه مدى الحياة، فقالت له بصوت هادئ، وعبارة متزنة هادئة: - إنني في أشد العجب من تلك الغيرة العمياء التي تظهرها نحوي في كل وقت، وبدون سبب.
أتظنني غبية قصيرة النظر مثلك؟ لا! فلقد عرفت لأول وهلة أن القسيس الذي اعترفت أمامه بخطاياي هو أنت دون غيرك! ولكني أردت أن أثير انتباهك بهذه الحكاية الملفقة، وأظنني قد نجحت في ذلك إلى حد بعيد! ولو كنت عاقلاً حقا لما حاولت الاطلاع على أسرار زوجتك بهذا الشكل المزري القبيح! ولكن الغيرة - قاتلها الله - أعمت بصيرتك، وذهبت بلبك وجعلتك عاجزاً عن تبيان الحقيقة الواضحة أمامك وضوح الشمس في رابعة النهار! ولقد اعتقدت خطأ أن كل كلمة من كلماتي إنما هي حقيقة ثابتة لا شك فيها، وغاب عنك أنها محض اختلاق، ولم تكن إلا مجرد درس لك ولأمثالك من الأزواج الذين تعمي بصيرتهم الغيرة الحمقاء عيونهم عن معرفة أبسط قواعد اللياقة والذوق! ولقد قلت في اعترافي إنني أحب قسيساً، أفلم تكن أنت ذلك القسيس الذي كنت أحبه في تلك اللحظة التي اعترفت فيها أمامك؟ وقد قلت أيضاً إنه لا يعصي عليه باب عندما يأتي إلى منزلي وهل هنالك باب في منزلك يستعصي عليك دخوله؟ ولقد قلت أخيراً إن هذا القسيس يبيت في مخدعي كل ليلة، أو لا تفعل ذلك حقاً يا زوجي العزيز؟ وكلما أوفدت إلي رسولاً من قبلك ليسألني عما إذا كان القسيس لا يزال يكرر زيارته لي كنت أجيب بالنفي، وهذه حقيقة لا شك فيها لأنك اعتدت أن تسهر إلى ساعة متأخرة من الليل خارج منزلك منذ اليوم الذي اعترفت فيه أمامك في الكنيسة، حتى ظننت بدوري أنك تقضي سهراتك عند امرأة سواي وتلهو معها ما شاء لك اللهو والمجون! وقد كان يجب عليك أن تفهم كل هذه الحقائق بنفسك دون أن تكلفني عناء شرحها وتوضيحها لك! وهنا تظاهرت أمامه بالبكاء فاغرورقت عيناها بالدموع وقالت له بلهجة مؤثرة، وصوت مختنق النبرات: - فكر في هذا الأمر المشين بك يا عزيزي، واطرح عنك هذه الغيرة العمياء التي نغصت علينا صفونا وراحتنا.
وإذا كنت تعتقد أنك بحبسك لي بين جدران منزلك تمنعني من اللهو والعبث مع غيرك، وتحول بيني وبين تحقيق رغباتي، فأنت جد مخطئ في ذلك يا زوجي العزيز، لأن المرأة كما تعلم لا يقف أمامها أي حائل، ولا يمكن لأي مخلوق مهما كان، أن يعترض سبيلها إذا هي أرادت ذلك بمحض مشيئتها ورغبتها.
فلما سمع الزوج ذلك تأثر لكلامها، وأحس بالحسرة والندم على ما فعل، ثم أبعد هذه الغيرة التي سببت له كل هذا التعب والعناء! وفي الوقت الذي كان يجب عليه فيه أن يغار عليها، ويشدد في مراقبته لها، نراه قد أهمل هذا الأمر إهمالاً تاماً وترك حبل الأمور على غاربها! وزيادة على ذلك فقد صرح لها بالخروج في أي يوم تشاء، وفي أية ساعة ترغب، ولم يعد يهتم كثيراً بغيابها عن المنزل أو عدم غيابها! فلما نالت الزوجة حريتها، واطمأنت إلى عدم شك زوجها في وفائها، تمادت في غيها وأوغلت في ضلالتها، واصبح حبيبها فلبو يقابلها مرة أو مرتين في اليوم.
فإذا تصادف وحضر زوجها في أثناء وجوده فسرعان ما يفر إلى مسكنه عن طريق سطح منزله دون أن يدري به أحد، أو يعلم بأمره إنسان! وهكذا ظل العاشقان يرتشفان معاً كؤوس الهوى حتى الثمالة بعد أن أفلحت الزوجة في خطتها، ونجحت في الانتقام من زوجها! إسكندرية محمد اللطيف حسن