استجيبوا لله وللرسول
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
استجيبوا لله وللرسولقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24].
1- قال البخاري: ﴿ اسْتَجِيبُوا ﴾ أجيبوا ﴿ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ لما يصلحكم.
2- وقال مجاهد: في قوله: ﴿ يُحْيِيكُمْ ﴾ قال للحق.
3- وقال قتادة: قال هذا هو القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة.
4- وقال السدي: ﴿ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ ففي الإسلام أحياؤهم بعد موتهم بالكفر.
5- وقال عروة بن الزبير: ﴿ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ أي للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل، وقواكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم.
[انظر ابن كثير 2/ 297].
وإنما سمي الجهاد حياة، لأن في وهن عدوهم بسببه حياة لهم وقوة، أو لأنه سبب الشهادة الموجبة للحياة الدائمة، أو سبب المثوبة الأخروية التي هي مَعدِن للحياة كما قال تعالى: ﴿ وَإنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾ [العنكبوت: 64]؛ (أي الحياة الدائمة).
[ذكره القاسمي في محاسن التأويل ج 8/ 34].
6- وقال الفراء: ﴿ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ إحياء أمورهم.
فيُخرَّج في إحيائهم خمسة أقوال:
الأول: أنه إصلاح أمورهم في الدنيا والآخرة.
الثاني: بقاء الذكر الجميل لهم في الدنيا، وحياة الأبد في الآخرة.
الثالث: أنه دوام نعيمهم في الأخرة.
الرابع: أنه كونهم مؤمنين، لأن الكافر كالميت.
الخامس: أنه يحييهم بعد موتهم، وهو على قول من قال: هو الجهاد، لأن الشهداء أحياء، ولأن الجهاد يُعزهم بعد ذلهم: فكأنما صاروا به أحياء.
[انظر زاد المسير ج 3/ 339].
قوله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾
أولًا: قال القاسمي: يحتمل وجوهًا من المعاني:
أحدهما: أنه تعالى يملك على المرء قلبه، فيصرفه كيف يشاء فيحول بينه وبين الكفر إن أراد هدايته، وبينه وبين الإيمان إن أراد ضلالته.
وهذا المعنى رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس وصححه.
ويؤيده ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول:
"يا مُقلِّب القلوب ثبتْ قلبي على دينك))؛ [رواه أحمد والترمذي وحسنه].
"إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفها كيف يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مُصرِّف القلوب، صرّف قلوبنا إلى طاعتك))؛ [رواه مسلم].
ثانيهما: أنه حث على المبادرة إلى الطاعة قبل حلول المنية.
فمعنى ﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها، وهي التمكن من إخلاص القلب، ومعالجة أدوائه وعلله، ورده سليمًا كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وأخلصوها لطاعة الله ورسوله، فشبه الموت بالحيلولة بين المرء وقلبه الذي به يعقل في عدم التمكن من علم ما ينفعه علمه.
[انظر تفسير القاسمي محاسن التأويل 8/ 35].
أقول: وفي الحديث دلالة على إثبات الأصابع للرحمن على ما يليق به تعالى من غير تشبيه ولا تمثيل، ومثلها اليدان، والساق، والقدم، والوجه، وغيرها من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة.
1- ﴿ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر والإيمان.
[مروي عن ابن عباس].
2- يحول بين المؤمن وبين معصيته، وبين الكافر وبين طاعته.
[رواه العرفي عن ابن عباس].
3- يحول بين المرء وقلبه حتى لا يتركه يعقل.
[قاله مجاهد].
قال ابن الأنباري: المعنى: يحول بين المرء وعقله، فبادروا الأعمال، فإنكم لا تأمنون زوال العقول، فتحصلون على ما قدمتم.
4- أن المعنى: هو قريب من المرء لا يخفى عليه شيء من سره.
[قاله قتادة].
5- يحول بين المرء وقلبه، فلا يستطيع إيمانًا ولا كفرًا إلا بإذنه.
[قاله السدي].
6- يحول بين المرء وقلبه: يحول بين المرء وبين هواه [ذكره ابن قتيبة].
7- يحول بين المرء وبين ما يتمنى بقلبه من طول العمر والنصر وغيره.
8- يحول بين المرء وقلبه بالموت، فبادروا بالأعمال قبل وقوعه.
9- يحول بين المرء وقلبه بعلمه، فلا يضمر العبد شيئًا في مفسدة إلا والله عالم به لا يقدر على تغيبه عنه.
10- يحول بين ما يوقعه في قلبه من خوف أو أمن، فيأمن بعد خوفه، ويخاف بعد أمنه.
[زاد المسير 3/ 339].
ثانيًا: وقال الطبري بعد أن ذكر أقوالًا شبيهة بما تقدم:
إن الله عمً بقوله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ هو الخبر عن أنه يحول بين العبد وقلبه، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئًا دون شيء، والكلام محتمل كل هذه المعاني، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له.
من فوائد الآية
1- وجوب الاستجابة لنداء الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، بفعل المأمور به، وترك المنهي عنه، لما فيه حياة الفرد المسلم، وحياة المجتمع.
2- ومما يساعد على الحياة السعيدة للفرد والمجتمع الجهاد في سبيل الله، لأن الجهاد يعزهم فكأنما صاروا به أحياء.
3- على المسلم العاقل أن يبادر إلى العمل الصالح قبل مرضه أو موته.