شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب القرض وغيره


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما درسنا في هذه الليلة فهو باب القرض وغيره، وسوف نأتي عليه إن شاء الله تعالى؛ لأنه ليس بطويل, وليس فيه مسائل مشكلة.

والقرض معروف، ونحن نسميه: القرض, ونسميه السلف، والسلف هو أحد أسمائه، وإن كان السلم يسمى سلفاً أيضاً، فالقرض في اللغة: من القطع، ولذلك يقال: قرض الشيء بالمقراض, يعني: قطعه.

ومعناه في الشرع وفي الاصطلاح: هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله. هذا معنى القرض.

الفرق بين القرض وما يشبهه من العقود

وهناك باب آخر كثيراً ما يذكره الفقهاء يسمونه: القراض، وربما بعضكم يلتبس عليه اللفظ؛ لقرب التشابه بينهما, القرض والقراض، فما هو الفرق بين القرض والقراض؟ القراض هو ما نسميه نحن بالمضاربة، ولكن بعض الفقهاء من الحنابلة وغيرهم يعقدون له باباً خاصاً يسمونه: باب القراض، ويقصدون به المضاربة، وهو أن أعطيك مالاً من أجل تتاجر به ويكون الربح بيني وبينك، فهذا موضوع آخر.

إنما الذي نتحدث عنه الآن هو القرض، ونقصد به: أن أعطيك مثلاً ألف ريال إلى وقت معين تستفيد منه، فهذا هو القرض, أن تأخذ مالاً تستفيد منه أو تنتفع به وترد بدله، هل ترد المال نفسه أو ترد البدل؟ ترد المال أو ترد البدل، يعني: لو أخذت شيئاً ولم تحتجه ثم أعدته قلت: جزاك الله خيراً، لكن الأصل في القرض أنك تأخذ المال لتستهلكه ثم ترد بدله، وهذا يفرق ما بين القرض وبين العارية.

أما الرهن فشيء آخر، لكن مثل العارية، العارية تستعير مني مثلاً هذا القلم لتستخدمه ثم تعيده إلي، فهذه عارية، وهكذا الأمانة.

والمنيحة قد تطلق على القرض، منيحة العنز كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, ولذلك من أسماء القرض: المنيحة، لكن مثل العارية ومثل الأمانة, إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]. طيب.

إذاً: القرض: هو أخذ مال لينتفع به ويرد بدله.

القرض عقد ارتفاق

وهذا القرض -كما قال أهل العلم- هو من عقود الارتفاق أو الإرفاق، وعقود التبرع، وليس من عقود المعاوضات والتجارات، لأنه عندما يقرض لا يريد مصلحة أو زيادة في القرض، ولهذا لو زاد في القرض كان ذلك ربا، إذا اشترطه فهو ربا باتفاق العلماء، إذا أعطاه ألف دينار ليرد ألفاً ومائة بعد سنة فهذا ربا بالإجماع، ولكن أعطاه هذا لوجه الله سبحانه وتعالى.

ولذلك كان القرض كما يسمونه من عقود الإرفاق، من عقود التبرعات وليس من عقود المعاوضات، يعني: هذا من حيث الأصل ومن حيث الجملة.

وهناك باب آخر كثيراً ما يذكره الفقهاء يسمونه: القراض، وربما بعضكم يلتبس عليه اللفظ؛ لقرب التشابه بينهما, القرض والقراض، فما هو الفرق بين القرض والقراض؟ القراض هو ما نسميه نحن بالمضاربة، ولكن بعض الفقهاء من الحنابلة وغيرهم يعقدون له باباً خاصاً يسمونه: باب القراض، ويقصدون به المضاربة، وهو أن أعطيك مالاً من أجل تتاجر به ويكون الربح بيني وبينك، فهذا موضوع آخر.

إنما الذي نتحدث عنه الآن هو القرض، ونقصد به: أن أعطيك مثلاً ألف ريال إلى وقت معين تستفيد منه، فهذا هو القرض, أن تأخذ مالاً تستفيد منه أو تنتفع به وترد بدله، هل ترد المال نفسه أو ترد البدل؟ ترد المال أو ترد البدل، يعني: لو أخذت شيئاً ولم تحتجه ثم أعدته قلت: جزاك الله خيراً، لكن الأصل في القرض أنك تأخذ المال لتستهلكه ثم ترد بدله، وهذا يفرق ما بين القرض وبين العارية.

أما الرهن فشيء آخر، لكن مثل العارية، العارية تستعير مني مثلاً هذا القلم لتستخدمه ثم تعيده إلي، فهذه عارية، وهكذا الأمانة.

والمنيحة قد تطلق على القرض، منيحة العنز كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, ولذلك من أسماء القرض: المنيحة، لكن مثل العارية ومثل الأمانة, إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]. طيب.

إذاً: القرض: هو أخذ مال لينتفع به ويرد بدله.

وهذا القرض -كما قال أهل العلم- هو من عقود الارتفاق أو الإرفاق، وعقود التبرع، وليس من عقود المعاوضات والتجارات، لأنه عندما يقرض لا يريد مصلحة أو زيادة في القرض، ولهذا لو زاد في القرض كان ذلك ربا، إذا اشترطه فهو ربا باتفاق العلماء، إذا أعطاه ألف دينار ليرد ألفاً ومائة بعد سنة فهذا ربا بالإجماع، ولكن أعطاه هذا لوجه الله سبحانه وتعالى.

ولذلك كان القرض كما يسمونه من عقود الإرفاق، من عقود التبرعات وليس من عقود المعاوضات، يعني: هذا من حيث الأصل ومن حيث الجملة.

والقرض جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وعندما نقول: جائز، هذا لا يمنع أن يكون القرض مشروعاً لما فيه من مصلحة الناس ونفعهم، لكنه من حيث الأصل جائز بالكتاب والسنة والإجماع.

الأدلة من الكتاب

فأما جوازه بالكتاب: ففي مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282]. فهذا قد يدخل فيه القرض.

وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ [التغابن:17] .

والآية الثانية: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245] .

والآية الثالثة: وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [المزمل:20] .

فهذه الآيات تدل على مبدأ القرض، ولذلك قد يكون إقراض الله تعالى قرضاً حسناً هو إقراض أخيك المسلم، وقد يكون معناه: الصدقة، وكلاهما داخل فيما هو نافع للعباد, كما سوف يأتي في بعض الأحاديث.

إذاً: القرض جائز بالكتاب.

الأدلة من السنة

وأما السنة فلعل أصح ما ورد في ذلك: حديث أبي رافع , وهو ما ذكره المصنف في صدر الباب عن أبي رافع : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استسلف من رجل بكراً ). والبكر هو الفتي من الإبل. ( فقدمت عليه صلى الله عليه وسلم إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكراً، فرجع أبو رافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لم أجد فيها - في الإبل- إلا خياراً رباعياً ), يعني: أفضل من البكر الذي له. ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطوه، فإن خير الناس أحسنهم قضاءً ).

فهذا الحديث رواه مسلم . وهو دليل على جواز القرض، بل هو دليل على أنه ليس على الإنسان بأس أن يطلب الاستقراض إذا احتاج إليه، يعني: كوني آتيك وأقول: والله أنا يا أخي! الآن عندي أزمة معينة وأريد ألف ريال إلى الراتب، هل هذا مثل كوني أقول لك مثلاً: أطلب منك شيئاً لي تبرعاً أو صدقة؟ لا؛ لأن القرض سوف يرد إليك، ولهذا نقول: كون النبي صلى الله عليه وسلم استقرض هل النبي أخذ الصدقة مثلاً؟ لا، ومع ذلك أخذ القرض واستقرض، ولو كان القرض فيه كراهية أو منع لكان النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عنه، لكن كونك تأتي وتقول: أنا أريد قرضاً وتأخذ قرضاً مني ومن الثاني والثالث، ثم لا تسدد .. لا تنوي الوفاء، هذا باب آخر.

أو كون بعض الناس يكون عنده هو رغبة في أن يستقرض دائماً من غير حاجة ملحة, إنما لمجرد الترفه والتوسع هذا أيضاً لا شك أن فيه ضرراً على الإنسان وشغلاً لذمته، وقد يعجز عن الوفاء أو يموت، وإنما إذا احتاج الإنسان إلى شيء من القرض فاستقرض فهذا جائز بلا كراهية، والدليل فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد جاء في القرض أيضاً أحاديث أخرى تدل على جوازه، مثل حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي رواه ابن ماجه والإمام أحمد وأبو يعلى والبيهقي وغيرهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقته مرة ). فهذا دليل على أن قرضين يساويان صدقة، يعني: لو أقرضت ألفاً ثم أقرضت ألفاً أخرى كما لو كنت تصدقت بألف ريال، لكن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ضعفه البيهقي والدارقطني مرفوعاً، والراجح أنه موقوف، يعني: الرفع فيه ضعف، والثابت أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه، وقد يقال: إن هذا مما لا يقوله ابن مسعود بمجرد الرأي؛ لأنه يتكلم عن ثواب وأجر، فهو دليل على فضيلة القرض لمن احتاج إليه.

ومما ورد في القرض أيضاً: حديث ثالث جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وجاء عن صحابي آخر، أنا كنت أحفظه عن أنس، وجاء عن صحابي آخر, يعني: لا أذكره الآن, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( رأيت ليلة أسري بي مكتوباً على باب الجنة: أن الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فسألت جبريل: ما بال القرض بثمانية عشر والصدقة بعشرة؟ قال: لأن القرض لا يسأله إلا محتاج، بينما الصدقة يسألها المحتاج وغير المحتاج ). وهذا لا يصح. يعني: ذكره الطبراني وغيره ولا يصح، بل لعله أشبه بالموضوع والله أعلم، وهو منكر حتى في معناه ؛ لأن الصدقة تخل عن المال, بينما القرض هو نوع من الإرفاق به إلى أجل مسمى.

فالمهم أن القرض ثابت في السنة.

دليل الإجماع

وأما الإجماع فقد حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على جواز القرض وأصل مشروعيته، كما ذكر ذلك ابن المنذر وابن قدامة في المغني والنووي، والوزير ابن هبيرة وابن عابدين الحنفي وغيرهم.

فأما جوازه بالكتاب: ففي مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة:282]. فهذا قد يدخل فيه القرض.

وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ [التغابن:17] .

والآية الثانية: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245] .

والآية الثالثة: وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [المزمل:20] .

فهذه الآيات تدل على مبدأ القرض، ولذلك قد يكون إقراض الله تعالى قرضاً حسناً هو إقراض أخيك المسلم، وقد يكون معناه: الصدقة، وكلاهما داخل فيما هو نافع للعباد, كما سوف يأتي في بعض الأحاديث.

إذاً: القرض جائز بالكتاب.

وأما السنة فلعل أصح ما ورد في ذلك: حديث أبي رافع , وهو ما ذكره المصنف في صدر الباب عن أبي رافع : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استسلف من رجل بكراً ). والبكر هو الفتي من الإبل. ( فقدمت عليه صلى الله عليه وسلم إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكراً، فرجع أبو رافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لم أجد فيها - في الإبل- إلا خياراً رباعياً ), يعني: أفضل من البكر الذي له. ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطوه، فإن خير الناس أحسنهم قضاءً ).

فهذا الحديث رواه مسلم . وهو دليل على جواز القرض، بل هو دليل على أنه ليس على الإنسان بأس أن يطلب الاستقراض إذا احتاج إليه، يعني: كوني آتيك وأقول: والله أنا يا أخي! الآن عندي أزمة معينة وأريد ألف ريال إلى الراتب، هل هذا مثل كوني أقول لك مثلاً: أطلب منك شيئاً لي تبرعاً أو صدقة؟ لا؛ لأن القرض سوف يرد إليك، ولهذا نقول: كون النبي صلى الله عليه وسلم استقرض هل النبي أخذ الصدقة مثلاً؟ لا، ومع ذلك أخذ القرض واستقرض، ولو كان القرض فيه كراهية أو منع لكان النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عنه، لكن كونك تأتي وتقول: أنا أريد قرضاً وتأخذ قرضاً مني ومن الثاني والثالث، ثم لا تسدد .. لا تنوي الوفاء، هذا باب آخر.

أو كون بعض الناس يكون عنده هو رغبة في أن يستقرض دائماً من غير حاجة ملحة, إنما لمجرد الترفه والتوسع هذا أيضاً لا شك أن فيه ضرراً على الإنسان وشغلاً لذمته، وقد يعجز عن الوفاء أو يموت، وإنما إذا احتاج الإنسان إلى شيء من القرض فاستقرض فهذا جائز بلا كراهية، والدليل فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد جاء في القرض أيضاً أحاديث أخرى تدل على جوازه، مثل حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي رواه ابن ماجه والإمام أحمد وأبو يعلى والبيهقي وغيرهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقته مرة ). فهذا دليل على أن قرضين يساويان صدقة، يعني: لو أقرضت ألفاً ثم أقرضت ألفاً أخرى كما لو كنت تصدقت بألف ريال، لكن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ضعفه البيهقي والدارقطني مرفوعاً، والراجح أنه موقوف، يعني: الرفع فيه ضعف، والثابت أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه، وقد يقال: إن هذا مما لا يقوله ابن مسعود بمجرد الرأي؛ لأنه يتكلم عن ثواب وأجر، فهو دليل على فضيلة القرض لمن احتاج إليه.

ومما ورد في القرض أيضاً: حديث ثالث جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وجاء عن صحابي آخر، أنا كنت أحفظه عن أنس، وجاء عن صحابي آخر, يعني: لا أذكره الآن, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( رأيت ليلة أسري بي مكتوباً على باب الجنة: أن الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فسألت جبريل: ما بال القرض بثمانية عشر والصدقة بعشرة؟ قال: لأن القرض لا يسأله إلا محتاج، بينما الصدقة يسألها المحتاج وغير المحتاج ). وهذا لا يصح. يعني: ذكره الطبراني وغيره ولا يصح، بل لعله أشبه بالموضوع والله أعلم، وهو منكر حتى في معناه ؛ لأن الصدقة تخل عن المال, بينما القرض هو نوع من الإرفاق به إلى أجل مسمى.

فالمهم أن القرض ثابت في السنة.

وأما الإجماع فقد حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على جواز القرض وأصل مشروعيته، كما ذكر ذلك ابن المنذر وابن قدامة في المغني والنووي، والوزير ابن هبيرة وابن عابدين الحنفي وغيرهم.

فيما يتعلق بالقرض هو من الصيغ الشرعية القديمة المتفق عليها كما ذكرنا، من الممكن جداً مع تطور الوسائل اليوم ومع حاجة الناس: تطوير فكرة القرض أو نظام القرض أو عقد القرض، إلى أن يقوم بتحقيق مصالح الناس في كثير من الحالات دون أن يحوجهم إلى مسألة التقسيط، الآن تجد كثيراً من الناس ربما يعتمدون على التقسيط .. في الزواج، في بناء البيت، في شراء البيت، في التأثيث، في السيارة، حتى لو أراد الواحد منهم أن يفتتح محلاً تجارياً أو يقوم بمشروع فإنه يقوم بالشراء بالتقسيط مثلاً من البنوك أو من شركات التقسيط أو غيرها، وشركات التقسيط في الغالب أنها تأخذ ربحاً كبيراً قد يتجاوز أحياناً (10%) من أصل رأس المال، إضافة إلى أن بعض الناس قد يلجأ إلى الاستقراض بزيادة بربا, وهو ما تديره البنوك الربوية اليوم، فيعطون الإنسان مالاً ويأخذون منه زيادة، وهذا هو ربا الجاهلية كما ذكرنا ونوهنا به في غير موضع.

بينما القرض الشرعي مغفول عنه، ومن الممكن أن يفعل هذا العقد ويستفاد منه فائدة كبيرة بمصلحة للطرفين، يعني: مثلاً من الصيغ التي بدأ الناس يتعاملون بها الآن وهي جيدة ما يسمى بالجمعية.

وهي أن يشترك مجموعة من المدرسين مثلاً أو الموظفين أو الموظفات, كأن يكونوا هم عشرة مثلاً، فكل واحد منهم يدفع ألف ريال شهرياً، الشهر الأول آخذ أنا المبلغ عشرة آلاف ريال أو تسعة آلاف؛ لأنه أنا العاشر. الشهر الثاني يأخذه مثلاً أبو عبد الله, والشهر الثالث يأخذه فواز, والشهر الرابع يأخذه عبد العزيز, والشهر الخامس يأخذه علي، بحيث إنه يصبح الواحد دفع قرضاً ثم بدأ يسترده، فبذلك يستطيع الإنسان أن يوفر لنفسه مبلغاً من المال مثلاً، عشرة آلاف ريال لو كان يريد أن يشتري بها شيئاً، وقد تصل إلى أكثر من ذلك .. إلى مائة ألف يستطيع أن يشتري بها سيارة، يؤمن بها مئونة الزواج، يؤثث بها شيئاً معيناً، يقوم بها مثلاً بعلاج أو عملية جراحية لقريب من أقاربه يحتاج إلى ذلك، المهم أنه يسد حاجته الموجودة.

فهذا نوع من توظيف القرض توظيفاً شرعياً في قضاء حاجات الناس بطريقة مباحة عند أكثر أهل العلم؛ لأن هذه الصيغة ربما لم يتكلم فيها المتقدمون من الفقهاء كلاماً بيناً، ولكنها ليس عليها اعتراض عند أكثر أهل العلم المعاصرين؛ لأنها قرض، ليس فيه ضرر.

وقد يقول البعض: إن هذا القرض فيه مصلحة لكلا الطرفين، فنحن نقول: هذا نور على نور كما سوف أذكر لكم بعد قليل في كلام ابن قدامة وغيره، أن الشريعة لا تأتي بمنع الأمر الذي فيه مصلحة للطرفين، وإنما يمنع الأمر إذا كان فيه مضرة أو مفسدة على أحد، إضافة إلى إمكانية اختراع وابتكار صور أخرى للقرض وتطويرها، بحيث أنها تقوم بمصالح الناس وحاجاتهم، دون أن يركبهم كثير من الدين والمال بسبب البيع بالتقسيط.

حديث أبي رافع الذي ذكره المصنف رحمه الله فيه عدة فوائد:

منها: جواز القرض كما ذكرنا، وأنه جائز بلا كراهية للحاجة.

ومنها: حسن القضاء في القرض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن خير الناس أحسنهم قضاء ). ففيه حسن القضاء، وأن الإنسان عليه ألا يؤخر ولا يماطل.

وفي حديث أبي رافع أيضاً ما يتعلق بمسألة القرض: جواز رد ما هو أفضل من القرض إذا لم يكن مشترطاً،يعني: مثلاً أخذت منك سيارة وأعطيتك سيارة أفضل منها من غير أن يكون هذا الأمر شرطاً بيني وبينك، مثلما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بكراً ورد خياراً رباعياً، فهذا يدل على جواز أن يدفع الإنسان خيراً من القرض إذا لم يكن ذلك على سبيل المشارطة بينهما؛ سواء كانت المشارطة لفظية أو كانت عرفية، فإن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً كما يقولون، وسواء كانت الزيادة في العدد أو كانت الزيادة في الصفة، يعني: بالنسبة لحديث أبي رافع الزيادة هنا هل هي في العدد أو في الصفة؟ في الصفة؛ لأن هذا خيار رباعي وذاك بكر، فالزيادة هنا في الصفة.

كذلك لو أنه اقترض منه مثلاً صاعاً وأعطاه صاعين، هذه الزيادة تكون في العدد. إذاً: نقول: إن الزيادة إذا لم تكن مشروطة فهي جائزة, سواء كانت زيادة في العدد أو كانت زيادة في الصفة.

وفي حديث أبي رافع أيضاً: جواز استقراض الحيوان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استقرض بكراً ورد خياراً رباعياً، ففيه دليل على أنه يجوز أن يقرض أو يستقرض الحيوان، وكثير من الناس يظنون أن القرض مقصور على العملة، على الذهب أو الفضة أو الفلوس، وهذا ليس بصحيح بإجماع العلماء.

وقد اختلف العلماء فيما يجوز قرضه، هذه أول مسألة فقهية نقف عندها، ما هي الأشياء التي يجوز قرضها؟ اختلف العلماء تقريباً على أربعة أقوال فيما يجوز قرضه:

الأول: قول الحنفية -الإمام أبي حنيفة وأصحابه- قالوا: لا يجوز أن يقرض إلا المثليات.

ما هي المثليات؟ يعني: المكيل، والموزون، مثلاً أرز أو قمح أو شعير أو تمر، هذه الأشياء مثلية, ولذلك تستطيع أن تستقرض شيئاً وترد مثله تماماً من غير أن يكون بينهما فرق كبير، فهم يقولون: القرض خاص بالمثليات فقط، أما الأشياء القيمية -يعني: التي تقدر بالقيمة وليس بالمثل-، فإنها تتفاوت آحادها تفاوتاً كبيراً أحياناً، وهذا التفاوت يؤثر في قيمتها، ولذلك لا يجوز قرضها.

فعند الأحناف مثلاً لا يجوز قرض الحيوان كما في الحديث هنا، وهذه الصورة عندهم لها تخريج، وكذلك عندهم لا يجوز قرض العقار، أن أقرضك أرضاً وآخذ مثلها مثلاً؛ لأن الأرض قيمية وليست مثلية، وكذلك لا يجوز من باب أولى قرض الآدمي، مثل الرقيق لما كان موجوداً عند الناس، فقرض الجواري أو العبيد عندهم لا يجوز مطلقاً, يعني: من غير تفصيل؛ لأنه ليس مثلياً, وإنما هو قيمي يقدر بالقيمة.

إذاً: الأحناف يرون أن القرض لا يكون إلا في المثليات، أي في ما له مثل من المكيل والموزون ونحوه؛ وذلك لأنهم يقولون كما ذكر ابن عابدين وغيره من الأحناف: إن القرض في البداية هو عبارة عن نوع من الإعارة, كأني أعرتك الشيء، وفي النهاية هو نوع من المعاوضة، ولا يمكن الانتفاع بالقرض إلا باستهلاك عينه، يعني: آخذ المال هذا فأستهلكه ثم أعطيك مثله، هذا هو القرض عندهم، ولا يكون هذا إلا في المثليات.

أما الأرض مثلاً فلا تستهلك، وأما مثلاً الدور .. الحيوانات .. العقار فلا تستهلك، ولهذا لا يجري فيها القرض، هذا هو القول الأول، وهذا تقريباً تعليلهم.

القول الثاني: كل ما جاز فيه السلم جاز فيه القرض، وهنا سؤال: ما هو الذي يجوز فيه السلم؟ هو ما ينضبط بالوصف كما ذكرناه قبل قليل.

إذاً القول الثاني يقول: كل ما جاز فيه السلم مما ينضبط بالوصف جاز فيه القرض، وهذا مذهب الشافعية والمالكية.

وحجتهم واضحة أيضاً، لأنهم يقولون: أنك إذا استقرضت شيئاً سوف ترد بدله أو مثله، فما لم يكن واضحاً منضبطاً فإنه يترتب على ذلك ضرر ومفسدة وخصومة.

القول الثالث وهو قول الحنابلة: هو أن ما جاز بيعه جاز قرضه، ويستثني الحنابلة من ذلك في رواية: الآدمي كما نص عليه غير واحد، فيقولون: كل ما جاز بيعه جاز قرضه إلا الآدمي من عبد أو أمة، وإن كان هذا فيه خلاف في المذهب، فبعضهم يجيز ذلك بشروط معينة.

المهم أن القول الثالث للحنابلة هو: أن كل شيء يجوز بيعه يجوز قرضه، وهذا أوسع ممن يقولون: إنه لا يقرض إلا ما جاز فيه السلم، يعني: هناك أشياء ربما ما تنضبط بالوصف ولكن يجوز بيعها، فيجوز حينئذ عندهم قرضها.

إذاً: تلاحظون أن أضيق المذاهب هو مذهب أبي حنيفة لأنهم يقصرون القرض على المثليات، ثم أوسع منه مذهب مالك والشافعي أنهم يقولون: يقرض كل ما جاز فيه السلم مما ينضبط بالوصف، وأوسع من ذلك مذهب الحنابلة: أن كل ما جاز بيعه جاز قرضه.

المذهب الرابع وهو أوسعها جميعاً: مذهب الظاهرية داود الظاهري وابن حزم، ونسبه ابن حزم لـابن جرير الطبري وللمزني من الشافعية وجماعة من السلف: أنه يجوز قرض كل شيء؛ لعموم الأدلة؛ لأن الأدلة لم تستثن شيئاً، وبناءً على ذلك يجوز قرض كل شيء.

هنا أمثلة: الحيوان، من هو الذي لا يجيز قرض الحيوان؟ أبو حنيفة، لأنه متقوم وليس بمثلي.

العقار من هو الذي لا يجيز قرضه؟ أبو حنيفة ؛ لأنه غير مثلي. وأيضاً الشافعي ومالك ومن يقولون؛ بأن الأشياء غير المنضبطة لا تقرض كما أنه لا يسلم فيها، فالأرض لا يسلم فيها عند طوائف منهم وبالتالي لا تقرض؛ لعدم انضباطها بالوصف.

الخمر هل يجوز قرضه؟ لا، عند جميعهم؛ لحرمة تعاطيه وحرمة استعماله. الخبز؟