خطب ومحاضرات
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - فضل عشر ذي الحجة ومسائل في الحج
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
حياكم الله! أستأذنكم أيها الأحبة أن أحرف مسار الحديث قليلاً هذه الليلة، باعتبارها الليلة الأخيرة في جلساتنا المباركة هذه، ونحن نستقبل موسم الحج ونستقبل العشر الأول من ذي الحجة.
وكنت رتبت بعض النقاط التي رأيت أن من المناسب أن أختم بها أو أخصص الحديث عنها هذه الليلة، وها هو الأخ الكريم يقترح أن نجعل جزءاً من درس هذا اليوم في الحديث عن فضل العشر وما يسن فيها، وهذا جزء من الموضوع الذي زورت الحديث عنه.
ففيما يتعلق بالعشر يكفي فيها حديث ابن عباس في البخاري : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر ).
وشرع النبي صلى الله عليه وسلم فيها التهليل والتكبير والتحميد والتسبيح، وهي من الأيام الفاضلة، حتى إنه قيل: إن الله تعالى أقسم بها.
وورد في فضلها شيء كثير، وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومها وكأن هذا لا يصح، وفيها يوم النحر وهو يوم الحج الأكبر، وفيها يوم عرفة، وورد في فضل صيامه أنه يكفر سنتين، وهو أفضل أيام السنة كلها؛ ولذلك ينبغي لنا أن نغتنم هذه الأيام في طاعة الله تبارك وتعالى.
ومما يشرع فيها: الإكثار من التكبير، وهو شعار في هذه العشر يرفع، ويتحدث به في المجامع وفي الأسواق وفي الطرقات للحاج وغير الحاج، وفيه التكبير المطلق والتكبير المقيد على ما هو مشهور عند أهل العلم، فالمطلق في سائر أيام العشر منذ دخولها، ولذلك ألفت نظر الإخوة الكرام.
أما موضوعنا هذه الليلة فهو بعنوان مسائل في الحج.
المسألة الأولى: التوحيد في الحج، يقول الله تبارك وتعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج:26]، هذا في سورة الحج، فذكر الله تبارك وتعالى أن تحديد مكان البيت كان لغرض توحيد الله تبارك وتعالى وإفراده بالعبادة.
وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا كلهم بالتوحيد، فالحج مظهر من مظاهر الوحدانية لله تبارك وتعالى، وإفراده بالعبادة، ويتجلى هذا في شعار الحج الذي هو التلبية، فإن فيها تكراراً وتأكيداً على طاعة الله تعالى وتلبيته وإجابته ووحدانيته لا شريك له، وهذا المعنى الذي يجهر به الحاج يفترض أن فيه تواطأً بين القلب واللسان، بحيث يكون القلب موجهاً لطاعة الله تعالى ومحبته وإفراده، ويكون اللسان لاهجاً بذلك، وتكون الجوارح أيضاً مذللة في طاعة الله تبارك وتعالى.
ولذلك ينبغي أن نرعى هذا المعنى وندركه، حتى إن الصحابة رضي الله عنهم من شدة حفاوتهم بهذا المعنى وكونهم عرفوا الشرك وعرفوا الجاهلية ونشئوا فيها، ثم من الله تعالى عليهم بالتوحيد، فإنهم كانوا يتحرجون من الطواف بين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية وكانوا يهلون لمناة، حتى نزل قول الله تعالى: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، خلافاً لما كانوا يتوهمونه ويخافونه.
وكذلك البيت: الكعبة، فإن الكعبة كان فيها في الجاهلية ثلاثمائة وستون نصباً أو صنماً، فلما فتح الله تعالى مكة على المسلمين ( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعنها بعود في يده، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ).
فكان عمر رضي الله عنه الذي قضى جزءاً كبيراً من عمره في الجاهلية يطوف بالبيت بعد الإسلام ويستلم الحجر، ثم يقول: ( والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك! ).
إذاً: الطواف بالبيت هو لله سبحانه وتعالى لا لهذه الأحجار، ورمي الجمار هو لله تبارك وتعالى لا لهذه الأحجار، والوقوف بـعرفة هو لله تعالى لا لهذا الجبل، والمبيت بـمزدلفة هو لله تعالى لا لهذه الأرض أو التراب.
وهكذا كل الأعمال التي يؤديها الحاج يستشعر فيها أنه يعبد الله، فهذا عمر يقول: ( حجر لا تضر ولا تنفع )، وإنما هو يقبله أو يستلمه امتثالاً لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعاً لسنته، وإنما يجهر بذلك ويعلنه ليعطي الناس درساً في معنى الوحدانية.
ومع الأسف الشديد أن من العادة أن كثيراً من المسلمين ينسون المعاني الشرعية التي شرعت من أجلها الأعمال، وتتحول عندهم إلى رسوم وإلى أشكال، وإلى أعمال بدنية خاوية من المعنى، بل تتحول في كثير من الأحيان إلى أعمال مخالفة للشرع ومخالفة للسنة، وربما تجر إلى شيء من الشرك بالله كما نعرف أن كثيراً من المسلمين وقعوا في تعظيم الأضرحة والقبور والطواف بها، والنذر لها، والذبح عندها، وسؤال المقبورين، ودعائهم، والاستغاثة بهم، حتى عند النوازل والملمات التي يفزع فيها الناس بفطرتهم إلى الله تبارك وتعالى.
وهذا أمر مؤسف أن تجد في طول العالم الإسلامي وعرضه أن كثيراً من الناس الذين لا يصلون الجماعة ولا يصلون الجمعة ولا يشهدون شعائر الله تبارك وتعالى، ومع ذلك فهيهات هيهات أن يتخلف أو يتأخر عن مناسبات غير شرعية، مناسبات منحرفة، مناسبات قد تتعلق بالمزارات والقبور والأعياد وغيرها مما لا أصل له في دين الله تعالى.
حتى إن بعض الوسائل الإعلامية الغربية وبعض الصحف الأمريكية أذكر أنها رسمت صورة للكعبة وكتبت تحتها: هذه هي الحجارة التي يعبدها المسلمون.
نعم لا شك أن هذا تشويه لحقيقة الإسلام، وإلا فإن نقاء الإسلام وصفاءه وخلوصه وشدته في موضوع التوحيد لا يوجد لها نظير قط، حتى في الألفاظ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي أصحابه على عدم الحلف بغير الله تعالى، على أن لا تقولوا: ما شاء الله وشئت قولوا: ما شاء الله وحده، على معانٍ حتى فيما يتعلق بأدب الألفاظ يتربى المؤمن على تجريد التوحيد لله تعالى، وما ذلك إلا لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعلم مما سبق من عوائد الأمم الأخرى وأتباع الأنبياء، وكيف طرأ عليهم الانحراف.. أن الانحراف يبدأ بشكل تدريجي، وأن لب الانحراف الذي يقع هو أن ينسى الناس المعاني التي شرعت من أجلها العبادات والأعمال، ويقتصر على الرسوم والألفاظ والأشكال الظاهرة، هذه مرحلة ثم يتدرج بعد ذلك إلى تقديس هذه الرسوم والوقوف عندها وتتحول الوسائل عندهم إلى غايات.
فكان صلى الله عليه وسلم يشدد في ذلك حتى عند موته عليه الصلاة والسلام، وحتى فيما يخصه هو شخصياً ( لا تتخذوا قبري عيداً )، ( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد )، وهذا باب واسع حتى عند موته صلى الله عليه وسلم كان يؤكد على هذا المعنى، وكان يقول: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله ) و: ( أجعلتني لله نداً)، ( قل ما شاء الله وحده )، فكان عليه الصلاة والسلام يعطي أصحابه والمسلمين مثلاً أعلى في تجريد التوحيد لله تبارك وتعالى والخلوص من مظاهر الشرك، سواءً كانت في الأقوال أو في الاعتقادات أو في الألفاظ، فالحج مظهر من مظاهر الوحدانية لله تبارك وتعالى، ويجب أن نكرس هذا المعنى ونبرزه.
وبمقابل ذلك فإنني أذكر الإخوة أنه وإن كان الأمر بهذه المثابة إلا أننا يجب أن لا نستعمل مع المسلمين أسلوب التكفير والقسوة في بعض مظاهر الانحراف والشرك التي وقعوا فيها، بل ينبغي أن نجعل من أنفسنا مرشدين وهداة ودعاة، وحاولوا استخراجهم مما هم فيه، ونعلمهم الدين الصحيح بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة، والدليل والصبر والأناة؛ لأن الانحراف الذي تراكم عبر العصور لا يمكن أن يزول بين يوم وليلة، حتى في حس الفرد الواحد، وتغيير الإنسان قناعته الدينية والشرعية أمر صعب، وأنت تفترض أن الشخص الذي أمامك هو لا يعرفك أصلاً، وقد يكون لا يثق بك، وقد يتصور أن بينك وبينه حواجز، فأنت من مذهب آخر وأنت من بلد آخر، وربما تكون من لغة أخرى، فلا غرابة أن يكون عنده كفافات نفسية كبيرة تجعل أنه لا يستقبل ما يصدر منك بصدر رحب على كل حال، فيحتاج الأمر إلى صبر وحلم وأناة وطول نفس.
وأنصح الإخوة بأن يشتغلوا بهذا.. بتنوير عقول المسلمين، بمجادلتهم بالتي هي أحسن، بنقلهم من الضياع والجهالة والبعد عن الاشتغال بتكفيرهم، ثم القسوة عليهم والانسلاخ عن مجتمعاتهم.
إن كثيراً من المجتمعات الإسلامية يوجد فيها مظاهر انحراف وضلال وفساد في العقيدة.. في السلوك.. في الأخلاق.. في الاقتصاد.. في غيرها.. لكن الحل ليس هو أن نرمي هؤلاء بالكفر ونتبرأ منهم، ونحاربهم ونقسو عليهم بأقوالنا، بألفاظنا، بعباراتنا، بأحكامنا، وربما بأفعالنا.
فإن الحكم بتكفيرهم يترتب عليه البراءة منهم، ويترتب عليه تحريم مناكحتهم.. تحريم التوارث معهم، بل يترتب عليه استحلال دمائهم وأموالهم وهذا باب خطير؛ ولذلك يجب عدم الولوج فيه، ويجب أن نعالج الانحرافات الموجودة عند المسلمين بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى والصبر الذي هو منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً، فإنهم ما بعثوا إلا بالدعوة إلى الله عز وجل، حتى الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، إنما هدف الجهاد هو الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ليكون الدين كله لله.
فالدعوة إلى الله تحقق لب هذا الأمر بطريقة لبقة؛ ولذلك لما عقد الرسول صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع قريش، أسلم بينه وبين فتح مكة أضعاف أضعاف من كانوا أسلموا قبل ذلك، بل قال الزهري : (إنه لم يخاطب أحد في الإسلام يعقل إلا دخل فيه) لأن الأمور هدأت والنفوس هدأت، وصار هناك فرصة كبيرة للدعوة، ومجال واسع للحديث والمناقشة، وهدأت عقول الناس، وبدأت تتقبل الحق.
ثانياً: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، هذا أيضاً جزء من آية في كتاب الله تعالى، جمع الله تعالى فيها بمناسبة الحج بين الدعوة إلى الوحدانية واجتناب قول الزور، فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30].
وفي ذلك تأكيد على أهمية الخلق الكريم للحاج، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197].
أما الرفث فهو المتعلق بالنساء، الرفث هو الجماع، ولذلك أجمع العلماء على أن الوطء في الحج قبل عرفة يفسده، ومن الرفث: مقدمات الجماع التي تدعو إليه؛ ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى تحريم المباشرة لشهوة، كالقبلة والضم واللمس ونحوها للمرأة؛ لأن هذا قد يدعو إلى ما وراءه، وربما مضى شيء من ذلك.
وقد يكون من الرفث: استمرار وطول الكلام في أمر النساء عند جماعة من أهل العلم، وبعض الحجاج مثلاً قد يأخذون جزءاً كبيراً من حجهم بدعابات تتعلق بالأمور الجنسية والمعاشرة الزوجية وقصص تنطلق من هذا الإطار، وكثير من الناس يستعذبون الحديث عن مثل هذه الأمور ولا يملون منه أبداً، وقد يكون الحج خصوصاً وهو سفر وليس هناك شغل إلا المناسك، وفيه مؤانسة ومباسطة، وعادة ما يسافر الإخوان والأصحاب مع بعضهم، فتكون الفرصة لتبادل الأحاديث عن النساء وأصناف النساء وأي النساء أفضل؟ والجنس وما يتعلق به، وطريقة معاملة المرأة، إلى غير ذلك مما لا يحسن الاستطراد فيه. إلا أن يكون هناك مصلحة لبيان فوائد أو طرق علمية في التعامل مع المرأة وحسن الخلق معها وما أشبه ذلك مما فيه مصلحة وفيه توجيه وتأديب للآخرين.
أما الفسوق فهو معروف، وهو الخروج عن شريعة الله تعالى وعن أمره، فيدخل في الفسوق ارتكاب الكبائر، ويدخل فيه ارتكاب الذنوب أيضاً؛ لأنها تفضي إلى ما سواها، وقد ذكرت عن الأوزاعي أنه كان يرى في السباب في الحج فدية .
فمن الفسوق الغيبة في الحج، ومن الفسوق النميمة، ومن الفسوق التلاعن، ومن الفسوق ارتكاب الحرام، ومن الفسوق أكل الربا، ومن الفسوق الكذب، ومن الفسوق العدوان على الناس، ومن الفسوق الظلم، إلى غير ذلك من الأشياء المعروفة.
وأما الجدال فالمقصود به الجدال بالباطل، وهو ما يقع عادة بين الأصحاب أو مع رجل المرور، أو مع الجيران أو مع عامة المسلمين الذين تحتك بهم، فتجادلهم، أصحاب السيارات يتجادلون، وعند الجمرة يتجادلون بل يتقاتلون، وعند الطواف بالبيت مثل ذلك، وعند السعي مثل ذلك، وفي عرفة وفي منى وفي مزدلفة وفي غيرها.
والله تعالى نهى عن ذلك وقال: وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، فتلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قرن قول الزور مع الشرك بالله فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، وهذا فيه رفع للأهمية الأخلاقية في الحج، وفي الإسلام بشكل عام.
فلذلك خص الله تعالى هذا الأمر في الحج؛ لأن الحج غالباً عرضة لمثل هذا، كثرة الناس، وعدم معرفة بعضهم لبعض، ضيق المكان بهم، الغربة، الضغوط النفسية، هذا الحاج ضاع، وهذا ضاعت نفقته، وهذا تأخر، وهذا تقدم، وهذا فقد أصحابه، وهذا غريب عن أهله، زد على ذلك العجلة التي تعتريهم في كثير من الأحيان، فيترتب على ذلك أن النفوس مهيأة للثورة والغضب.
ولذلك في الصيام ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضاً وأنه، ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب )؛ لأن الصائم بسبب الامتناع عن الأكل والشرب والمعاشرة ربما يكون عنده نوع من التوتر أحياناً، فيكون جاهزاً للانفجار والانفعال.
فالله سبحانه وتعالى ينبه أن الصائم وأن الحاج أو المعتمر متلبس بعبادة وبنسك يجب معه أن يكون قمة في الأخلاق والتعامل والصبر، والكلام في مثل هذه الأمور جميل ولذيذ، لكن المهم هو التطبيق وأن يستطيع الإنسان أن يلجم نفسه عن الاندفاع والانفعال واستخدام المواقف الحادة حتى مع افتراض أن الآخرين أخطئوا عليك.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل أنه قال في وصف دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان قد شنق للقصواء الزمام ) يعني: كأنه جر وأمسك هذا الزمام حتى لا تندفع ولا تسرع.
يقول جابر رضي الله عنه: ( حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله -يعني: يجرها حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله- ويقول بيده اليمنى: أيها الناس! السكينة السكينة ) وفي بعض الأحاديث: ( السكينة، السكينة، السكينة ) يعني: يأمرهم بالهدوء، وفي بعض طرق الحديث: ( فإن البر ليس بالإيضاع )، البر والحج والقربة ليست بالسرعة وبالركض وبمهاجمة الناس وعدم الالتفات إليهم، وإنما هي بالهدوء وطيب النفس.
وهكذا جاء عن ابن عباس رضي الله عنه وعن أسامة بن زيد في وصف حج النبي صلى الله عليه وسلم، ودفعه من عرفة وهدوئه وأمره الناس بالسكينة، وهذا ليس مقصوراً على عرفة هذا أمر، (السكينة السكينة) معناه: الزموا السكينة، اعتمدوا السكينة، افعلوا السكينة، وأنتم تدفعون إلى عرفة أو تدفعون من عرفة أو تدفعون من مزدلفة، أو ترمون الجمار، أو تطوفون بالبيت، أو تطوفون بين الصفا والمروة، فالسكينة ينبغي أن تكون شعاراً يظلل هذا الموسم.
أيها الأحبة! لعلكم تعرفون أن الحج الآن أصبح موسماً عالمياً، تتنافس القنوات الفضائية على نقل شعائره، حتى إن قناة (سي إن إن) وهي ربما أكبر قناة إخبارية في العالم تنقل كثيراً من شعائر الحج فضلاً عن القنوات الأوروبية والألمانية واليابانية والصينية وغيرها. إما أن ينقلوا بعض الشعائر، أو ينقلوا لقطات متفرقة منها.
وهذا معناه أنه سوف يشاهد موسم الحج على الشاشة ربما مئات الملايين من البشر، كثير منهم أصلاً لم يسمعوا بشيء اسمه الإسلام، ولكن حين يشاهدون هذه اللقطات التي قد تبث لأغراض إعلامية بحتة أحياناً، لما يشاهدون هذه اللقطات ربما يثير عندهم تساؤلاً: ما هو هذا الإسلام؟ ما هو الدين الذي اجتمع حوله هؤلاء؟
وهذا مجال كبير للدعوة إلى الله تبارك وتعالى ونقل الإسلام إلى عقول وقلوب لم تسمع به قط، لكن بشرط أن تكون هذه اللقطات التي يشاهدونها تشجع عن البحث عن هذا الدين، فلو أنهم شاهدوا مجموعات من المسلمين يتدافعون وبعضهم يؤذي بعضاً وبعضهم يضرب بعضاً وبعضهم يزحم بعضاً وبعضهم يطأ بعضاً، أعتقد أن هذا لن يشجعهم قط على البحث عن الإسلام أو لا؟
ولكن لما يرون الانسيابية ويرون الهدوء، ويرون أنه على رغم هذه الأعداد الغفيرة الكبيرة، والألوان المختلفة والملامح المختلفة والسحنات من أنحاء الأرض، إلا أنهم يتعارفون بسرعة والبسمة تعلو وجوههم والتعاون يتم بينهم والسكينة تعلوهم، هذا لا شك أنه سوف يكون دعوة قوية ومؤثرة من خلال هذه الوسائل التي سخرها الله تبارك وتعالى.
طبعاً تلاحظون أن المشكلة عامة في هذا الجانب، لكن لا بأس أن نشير إلى العيب الذي يخصنا نحن المسلمين الآن، كثير من المسلمين يشق عليه أن يقف في الطابور في أي مناسبة من المناسبات، يريد أن يتجاوز الناس ويتجاهلهم؛ لأنه لا يشعر إلا بحاجته الخاصة.
هناك أحياناً نوع من الأنانية والذاتية، علماً أن الحج والمناسك والعبادات كلها تربي المسلم على التخلص من هذه الذاتية والأنانية، تربيه على التجرد، تربيه على الإيثار، تربيه على تقديم الآخرين، تربيه على التنازل عن حظ النفس، لكن تلاحظ الإنسان دائماً وأبداً تثور عنده الأنانية، وهو يقود السيارة يخيل له أن الطريق له هو وحده وأن الناس يجب أن يتوقفوا حتى يعبر، وإذا كان الأمر يخصه فإنه ينتقد الذين يخطئون كثيراً حتى لو كان خطؤهم سهلاً، لكن إذا كان الأمر يخصه هو فإنه يرتكب الأخطاء ويتعجل ويتجاوز حينما لا يسمح له بالتجاوز ولا يلتفت إلى الآخرين، ويرى أن هذه قد تكون شطارة، وقد تكون حرفة، وقد تكون ذكاءً، وهذه مشكلة، ينبغي أن تحس بحاجة الآخرين مثلما تحس بحاجتك، ينبغي أن تلتمس العذر للآخرين في أخطائهم مثلما تريد منهم أن يلتمسوا العذر لك في خطئك.
الجانب الثاني: أن الحج فرصة كبيرة لهذه الأعداد الغفيرة من المسلمين، يعني: الذين يجتمعون في الحج أكثر من مليونين، وربما أستطيع أن أقول: إن (80%) منهم لا يتكرر حجهم في العمر إلا مرة واحدة، وبعض الذين يحجون من أصقاع الأرض ربما يقضي أربعين أو خمسين سنة وهو يجمع القرش والقرشين حتى يتسنى له أن يوفر نفقة الحج، ثم يأتي وكل أمله وطموحه هو أن يرى الكعبة، حتى إن كثيراً منهم بمجرد ما يرى الكعبة يقع له من الانفعال والبكاء والتأثر والحزن شيئاً عظيماً لا يقع لي ولك؛ لأننا تعودنا على مرآها، ومن السهل علينا أن نقصدها.
فمثل هذه الأعداد الغفيرة التي ربما لا تتكرر لها الرحلة والزيارة إلا مرة واحدة في العمر، ويقع عندهم أيام لا بأس بها في هذا المكان يظللهم جو العبودية لله سبحانه وتعالى وجو الأخوة الإسلامية, فهذه فرصة كبيرة لأن يقدم لهم النموذج الإسلامي الفاضل في الخلق الطيب، لماذا لا يكون شعارنا جميعاً وأن ننشره بين الإخوة وبين الشباب على وجه الخصوص، أن يكون شعارنا الإحسان إلى هؤلاء الناس، خدمتهم، مساعدتهم، البسمة في وجوههم، السلام عليهم، التعرف عليهم، السؤال عن أحوالهم، الرفق بهم في التعليم، إمكانية أن نقيم علاقات معهم، ما اسمك وأين تسكن؟ وما هو عنوانك؟ وإمكانية أن أراسلك، وأن أبعث إليك ببعض الكتب وبعض الأشرطة حتى يكون فعلاً من معنى الحج تحقيق التعارف بين المسلمين.
لماذا لا نترك لديهم الانطباع الطيب عن العنصر المستقيم؟! العنصر الأكثر التزاماً بالإسلام في هذه المناسبة، وخصوصاً وأن من بينهم أعداداً كبيرة من كبار السن، من الضعفة، من المعوقين، من النساء، من الصبيان، من الفقراء الذين هم بأمس الحاجة إلى اللمسة الحانية والكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة.
ونحن نجد أن الله سبحانه وتعالى في الحج شرع لهم رخصاً، لعل من أشهرها وأظهرها أنه في ليلة مزدلفة رخص النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين للضعفة ومن معهم ومن في حكمهم أن يدفعوا بعد نصف الليل، وبالتالي أن يرموا جمرة العقبة بمجرد وصولهم، كما في حديث أسماء .
فلذلك الله سبحانه وتعالى رخص لهم، والرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم، وأجمع العلماء على مثل هذه الرخصة، فلماذا لا نجعل من ذلك سنة لنا في التعامل معهم في كل أمورنا وكل قضايانا.
ثالثاً: حج القلوب، في آيات الحج يقول الله سبحانه وتعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ [الحج:30-31].
ويقول سبحانه: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32]، ويقول: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج:34]، هذا كله في سياق الحج، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [الحج:35].
فجعل الله سبحانه وتعالى التقوى وإرادة وجهه والتعبد له سر من أسرار الحج حتى قال في النسائك المنحورة المذبوحة، قال: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].
فتعظيم شعائر الله تبارك وتعالى وتعظيم حرمات الله تعالى وتعظيم البيت العتيق وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، تعظيم الحج، تعظيم النسك، تعظيم الذبائح التي تراق دماؤها لوجه الله تعالى، هذا من تقوى القلوب.
والهدف من هذا الأمر كله هو تحقيق التقوى في القلوب؛ ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: ( إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى ) رواه الدارمي من قول عائشة، ورواه الترمذي وأحمد وأبو داود وغيرهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن الموقوف على عائشة أصح.
فهذه الأشياء إنما جعلت لإقامة ذكر الله تعالى، لا للمضاربة ولا للمنافسة ولا للصياح، ولا إليك إليك، ولا لاستعراض البطولات والعضلات والقصص والمغامرات، وإنما جعلت لإقامة ذكر الله تعالى. فلنسأل أنفسنا:
هل ما نفعله نحن، وهل ما يفعله كثير من المسلمين أثناء أداء بعض الأنساك، خصوصاً عند الازدحام، هل فيه استحضار ذكر الله تعالى؟! واستحضار التقوى في القلب؟! واستحضار مردود هذه العبادة على باطننا، على مشاعرنا، على قلوبنا، على إيماننا؟! هذا هو السؤال.
ولذلك تجد أن الله سبحانه وتعالى جعل من عبادات الحج الدعاء، فالمسلم يدعو في مناسبات كثيرة، يدعو عند دخول الحرم، يدعو في الطواف، يدعو على الصفا مستقبل الكعبة، يدعو على المروة مستقبل الكعبة، يدعو بعد رمي الجمرة الأولى والثانية في اليوم الثاني والثالث، يدعو في عرفة دعاءً طويلاً، يدعو في مزدلفة .
فـ(الدعاء هو العبادة )، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن الدعاء فيه ملامسة مشاعر القلب والتوجه والتأله إلى الله تبارك وتعالى، وتذكير الإنسان بأن الهدف من هذه العبادات هو إحياء القلوب وليس مجرد أداء أعمال لا يستشعر الإنسان معناها ومقصدها.
وهذه أيضاً هي من المشكلات التي تعرض لأهل الكتب السماوية وأتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أنهم ينهمكون بأعمال الجوارح ويغفلون عن أعمال القلوب، وينشغلون بالوسائل ويتركون الغايات، فتجد أن همهم مثلاً في المصحف: أن لا يقع المصحف على الأرض، أو أن لا يتمزق المصحف، أو أن لا يهان، ولا شك أن هذه كلها مطلوبة، لكنهم يغفلون في سبيل ذلك وفي إظهار إكرامه يغفلون عن معنى تحقيق قراءة القرآن وفهم معناه والعمل به والدعوة إليه، وتمثله واقعاً حياً في حياته.
وهكذا الحال في الصلاة: قد يهتمون بأداء الصلاة من حيث طريقة أدائها، لكنهم يغفلون عن لب الصلاة وهو الخشوع.
وكذلك الحال في موضوع الحج، فإن كثيراً من الناس ربما يشدد في بعض القضايا ويتوقف عندها وقوفاً طويلاً وينقر فيها تنقيراً، ومع ذلك هو لا يسأل نفسه قط ولا يسأل غيره عن مردود هذه الأعمال على قلبه وعلى نفسه. وإليك بعض الأمثلة:
مثلاً: الازدحام الشديد حول الحجر الأسود، عند تقبيل الحجر أو عند الإشارة إليه، وخصوصاً بعد وضع الخط الذي يترتب عليه أن كثيراً من الناس يتوقفون عند هذا الخط، ويضيق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضاً، ويعتقد بعضهم أن التكبير أو بدء الشوط قبل هذا الخط أو بعده أنه لا يجزئ، مع أن هذا الخط ليس له أصل وإنما وضع من باب الإرشاد لكن المشكلة هو فهم الناس؛ ولذلك في اعتقادي أنه لو لم يوجد لكان خيراً للناس وأوسع لهم، وأبعد عن سوء الفهم الذي يقع فيه كثير من عوام المسلمين وجهلتهم
فالازدحام عند الحجر وعند تقبيل الحجر، وعمر يقول: ( إنك لا تضر ولا تنفع )، وفيه رواية عند أحمد وغيره: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لـ
فهذا الحديث يدل على أن الإنسان ينبغي له وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنه من طرق عديدة، أنه نهى وكره المزاحمة على الحجر، وإن كان نقل عن ابن عمر غير ذلك.
فنحن نقول: إن كانت المزاحمة في القدر المعقول فلا بأس، أما حين يصل الازدحام إلى التضييق على الناس والإضرار بكبار السن ومضايقة النساء ومضايقة الصبيان، وإحراج أناس قد يكون قدموا من أماكن بعيدة وأنت ربما قبلته مراراً واستلمته مراراً، وربما ترى يسهل ذلك في رمضان وفي غيره، فلا شك أن الإنسان ينبغي له أن لا يضيق على الناس بذلك.
مثل هذا أيضاً: الازدحام الشديد عند رمي الجمرات، بل يصل في كثير من الأحيان إلى القتل ووطء الجثث في الأقدام. وسوف أشير إلى جانب يتعلق بذلك بعد قليل.
ومثل ذلك التجمعات الكبيرة التي تقع في منى وطرقاتها وشوارعها.
رابعاً: تجليات الوحدة في الحج، من الموضوعات المفضلة عندي دائماً والتي أحب أن أدندن حولها موضوع أهمية الوحدة بين المسلمين، وأنا أتعمد طرق هذا الموضوع بأنني أعتقد أننا ننجح على الأقل إذا استطعنا أن نبعث هذا الهم في قلوب المسلمين، حتى لو لم يتحقق وحده، مجرد وجود هم للوحدة عند المسلمين وشعور بأن الوحدة قوة وأن الفرقة ضعف وشتات وهزيمة وخذلان وقبل ذلك كله معصية لله تبارك وتعالى، هذا لو استطعنا أن نوصله إلى قلوب الناس لكان خيراً كثيراً، ومكسباً لا يستهان به.
الوحدة في الحج واضحة، الناس يجتمعون في موضع واحد لا يظللهم شيء إلا الإيمان بالله تعالى والسكينة والتعبد لله عز وجل، عيدهم واحد، وقوفهم في عرفة في يوم واحد، شعارهم وهو التلبية واحد لا يكادون يختلفون فيه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الذي رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، قال: ( الصوم يوم تصومون، والأضحى يوم تضحون ) .
يعني: لو أن الناس أخطئوا في عيد الأضحى أو في الوقوف بـعرفة لأجزأهم ذلك بلا نزاع، وكفاهم عن حجة الإسلام، ويقف المرء معهم حيث وقفوا، وقد جاء أيضاً عن عائشة رضي الله عنها المعنى نفسه: ( أضحاكم يوم تضحون ) وهو عند الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الدارقطني وقال: الصواب أنه موقوف على عائشة من قولها هي.
يقول الترمذي رحمه الله: إن معنى الحديث أن الصوم يكون مع الجماعة ومع معظم الناس، حينما يصوم الناس نصوم، وحينما يضحي الناس نضحي، من غير حاجة إلى الانخزال والانسلاخ والبعد عن جماعة المسلمين.
إن بقاء هذه الأمة على رغم المصائب الكبيرة التي اعترتها وعلى رغم الأخطاء الكبيرة وعلى رغم الضعف إلا أنه ينبغي أن نعتبر أن بقاء وحدة لهذه الأمة ولو كانت رمزية أن هذا مكسب كبير.
لقد كان سقوط الخلافة العثمانية مأساة بالنسبة للمسلمين على رغم أنه لم يكن بقي منها إلا ظلها واسمها، فينبغي أن نحافظ على الوحدة المعنوية الآن التي تظلل شعوب الإسلام، وأن نحرص على أن نكون ضد أي دعوة إلى تفتيت وحدة المسلمين بعصبيات قبلية، بنظرات أو نعرات عرقية أو شعوبية، باختلافات مذهبية قابلة للترفع عنها، ولا تتعلق بالجوانب التي يمكن المفاصلة عليها في أبواب الاعتقاد ونحوها، ينبغي أن نكون دعاة إلى توحيد كلمة المسلمين في الحج وغيره، وإذا سلمنا بصعوبة تجمع المسلمين وصعوبة وجود وحدة تلم شعثهم فلا أقل من برنامج عمل مشترك بين أفراد هذه الأمة، خصوصاً وأننا الآن نواجه العولمة وتحدياتها في الاقتصاد والإعلام والإدارة والثقافة وغيرها، ولا يستطيع المسلمون أن يواجهوا العولمة إلا بميثاق مشترك يتفقون فيها على أعمال اقتصادية يقوم بها طوائف منهم، أعمال إعلامية يقوم بها طوائف منهم، أعمال ثقافية يقوم بها طوائف، أعمال دعوية يقوم بها طوائف
وإنني أقول لكم أيها الأحبة! كم هو مؤسف أن نجد كثيراً من المؤمنين والمسلمين كلما تقدم علمهم واتسع وعيهم وزادت ثقافتهم، ربما زادوا انغلاقاً عن بقية المسلمين، وزادوا بعداً عن بقية المسلمين، وزادوا انحرافاً عن مبدأ الوحدة الذي قرره الإسلام
خامساً: موسم للدعوة والجهاد، هذه الأعداد الغفيرة لها علينا وعليكم حق أن ندعوهم إلى الله تبارك وتعالى بالكلمة الطيبة والكتاب والشريط والنشرة، من الجيد جداً نشر بعض الكتيبات في المناسك، كتاب المناسك للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، كتاب المناسك للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله من الكتب المختصرة الجيدة، توزيعها مفيد، كتب في العلوم الشرعية، كتب في العقيدة، كتب في الدعوة، كتب في الأخلاق، كتب في التربية، ينبغي أن نسعى إلى نشرها بين المسلمين، أشرطة مفيدة، دروس تقام في المخيمات، محاضرات، يستحيل إحاطة الجهات المكلفة والقائمة على هذه الأنشطة بجميع المسلمين؛ ولذلك ينبغي أن يكون هناك هم مشترك عندنا جميعاً: أن نحاول أن نزور بعض المخيمات، وأن نلتقي بالمسلمين فيها، وأن نتحدث معهم، حتى من لم يكن لديه قدرة على أن ينشئ محاضرة أو درساً فبإمكانه أن يزورهم ويتعرف معهم ويجري فضول الحديث بينهم، والحديث يجر بعضه بعضاً، ونصل إلى فوائد وأحاديث وتعارف، وفي ذلك خير كثير.
إن كثيراً من الشباب يسلكون أسلوب المراسلة مع المسلمين في أنحاء الأرض، وهذا شيء طيب، لكنني أقول: إن الحج يجمع لك أعداداً كبيرة من المسلمين من أقاصي الدنيا، فهو تشكيلة يمثل فيها جميع شعوب الأرض، فلماذا لا نستثمر هذه الفرصة في نقل بعض أصول الدعوة إلى هؤلاء في التعرف عليهم؟! وأن يكون ذلك بداية لعلاقة قد تستمر بعد الحج.
التخيير في الأنساك الثلاثة
وأما من أدى عمرة قبل أشهر الحج أو عمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده وأنشأ سفراً جديداً للحج فالأفضل في حقه الإفراد، فهذا خلاصة ما قرره جمع من أهل العلم
التقديم والتأخير في أعمال يوم العيد
ركنا الحج
وهذا الركن يحصل بلحظة، حتى إن العلماء قالوا: لو مر بأجواء عرفة بالطائرة وهو مار بالجو، بل لو مر بصاروخ فرضاً بـعرفة في يوم عرفة أجزأه ذلك . فهذا هو الركن الأول.
ولو دفع من عرفة قبل الغروب أجزأه عند جميع الأئمة خلافاً لـمالك رحمه الله، يقول ابن عبد البر : لا نعلم أحداً من أهل العلم وافق مالكاً على هذا .
فـ الجمهور يرون أنه يجزئه أن يدفع قبل الغروب، وإن كان بعضهم يقول: عليه دم، ولكن الصواب أنه لا شيء عليه، والدليل على ذلك حديث عروة بن مضرس : ( وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء من جبل طي، ما ترك جبلاً إلا وقف عليه، قال: فهل لي من حج؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه، وكان قد وقف قبل ذلك بـعرفة أية ساعة شاء من ليل أو نهار، فقد تم حجه وقضى تفثه ).
فهذا دليل على أنه لو دفع قبل الغروب فإنه لا شيء عليه، وحديث عروة حديث صحيح رواه الخمسة، وقال الترمذي : حسن صحيح، وصححه أيضاً الحاكم وابن حبان والدارقطني وابن العربي والنووي وابن حجر وغيرهم
الركن الثاني: هو طواف الإفاضة، ويسمى طواف الحج، ويسمى طواف الزيارة، وطواف الإفاضة لا يقع إلا بعد الوقوف بـعرفة وبعد المبيت بـمزدلفة، ولا أعلم هذا إلا قولاً واحداً للعلماء، وهذا هو ظاهر القرآن الكريم، فإن الله تعالى قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، فجعل الطواف بالبيت العتيق هو آخر هذه الأشياء.
فلذلك نقول: أخطأ من ظن أن طواف الحج يمكن إيقاعه قبل الوقوف كما ذهب إليه الصديق حسن خان في الروضة الندية .
فيبدو لي أن هذا كان خطأً ولبسه بسبب رواية موهمة في صحيح البخاري، وإلا فالإجماع قائم -حد علمي- على أن طواف الحج لا يكون إلا بعد الوقوف بـعرفة والمبيت بـمزدلفة، لكن متى يبدأ وقته؟ إما أن نقول: يبدأ وقته بعد نصف الليل باعتبار أن من يدفعون من مزدلفة من المعذورين، أو نقول: يبدأ وقته بعد الفجر، يعني: من طلوع الفجر يوم النحر.
قولان للعلماء: والأمر فيهما واسع؛ لعدم وجود تنصيص على هذه الجزئية.
الطواف إذاً ركن، ركن آخر للحج بالإجماع كما نقله النووي وابن المنذر وابن تيمية والكاساني وابن قدامة وغيرهم، ووقته كما ذكرنا.
الطواف على غير طهارة
الجمهور يوجبون الطهارة للطواف من الحدث الأكبر والأصغر، وأجاز أبو حنيفة الطواف على غير طهارة، وهناك رواية عن الإمام أحمد : أنه من طاف على غير طهارة ناسياً أجزأه، وكأن الإمام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم يميلان إلى هذا.
ولذلك نقول: إنه ينبغي بل يجب على الإنسان أن يتوضأ للطواف، لكن لو أنه طاف ثم أحدث بسبب شدة الزحام أو طول الوقت وأصبح من الصعب عليه أن يذهب إلى دورات المياه ويتوضأ خصوصاً في طواف الحج، وقد تفوته رفقته وأصحابه ويترتب على ذلك مشقة عظيمة، ففي هذه الحالة نقول: خذ هذه الرخصة وبإمكانك أن تطوف؛ لأنه لا يوجد دليل على اشتراط الطهارة للطواف إلا حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لما حاضت: ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري )، وهذا ليس نصاً في اشتراط الطهارة، وإن كنا نقول: يجب عليه أن يتطهر، ولكن لو لم يتطهر وطاف أو أحدث خلال الطواف وشق عليه أن يجدد وضوءه، فليس عليه في ذلك حرج.
ومثله أيضاً: المرأة الحائض لو كانت لا تطهر إلا بعد وقت طويل أو يذهب رفقتها وينصرفون عنها ويتركونها، أو تذهب معهم وهي لم تؤدِ الطواف، فنقول: إن لها أن تتحفظ وتطوف بالبيت وليس عليها في ذلك شيء، والأمر بحمد الله تعالى واسع.
موضع رمي الجمار
فبعض الناس يظنون أن التعبد هو أن تقع الحصاة في الحوض نفسه، والصواب أنه لا يشترط ذلك، وإنما تقع الحصاة مع الحصى المحيط بالمرمى، حتى لو رمى الإنسان فإنها لا يمكن أن تقع في المرمى بل تقع على مجتمع الحصى.
ولذلك نقول: إذا رمى باتجاه الجمرة ووقعت الجمرة على الحصى أو مجتمع الحصى أو قريباً منه أجزأه ذلك.
يقول الإمام السرخسي وهو من فقهاء الحنفية: فإن رماها من بعيد فلم تقع الحصاة عند الجمرة فإن وقعت قريباً منها أجزأه ذلك؛ لأن هذا القدر مما لا يتأتى التحرز عنه خصوصاً عند كثرة الزحام، وإن وقعت بعيداً منها لم يجزئه.
وهذا كلام طيب نفيس، فما بالك بالواقع الذي يعيشه الناس الآن والزحام العظيم والقتل الذي يقع بسبب حرص بعض الناس على أن يرمي على جدار الحوض أو أن يضع الحصاة في المرمى.
فالأمر في ذلك واسع، ولا شك أن الهدف من الرمي والحكمة من الرمي هو إقامة ذكر الله تعالى وتحقيق معنى من معاني العبودية له، وهذا يقع بأن يرمي الإنسان الجمرة في اتجاه مجمع الحصى، ولا يوسوس، وقعت أو لم تقع، أو وقع شيء من ذلك، حتى أن من الفقهاء من يقول: لو خطفها طائر، ما هذا الطائر الذي سوف يخطف حصاة في الفضاء، أو منهم من يقول: لو وقعت هذه الحصاة على الأرض ثم رمت بحصاة أخرى إلى المرمى أو وقعت في المرمى ثم طارت منه، إلى غير ذلك من التفريعات التي لا حاجة إليها.
كذلك مما يتعلق بالرمي أن له أن يرمي ليلاً، وهو مذهب عبد الله بن عمر وجمع من الصحابة والإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة، والدليل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في حديث أسامة بن زيد في قصة الرجل الذي قال: ( يا رسول الله! رميت بعدما أمسيت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا حرج )، ولا شك أن المقصود في المساء هو الليل.
ومن التسهيلات في موضوع الرمي أن التحلل الأول يقع برمي جمرة العقبة، فإذا رمى جمرة العقبة حل له كل شيء إلا النساء، وهو مذهب مالك، وهو رواية عن أحمد والشافعي، ودليله ما ذكرته عن عمر رضي الله عنه وابن عباس وغيرهم.
المبيت بمنى وحكمه
لكن هل هو واجب أو سنة؟ في المسألة قولان:
مالك يرى أن المبيت واجب، وهذا مذهب الحنابلة المشهور، والدليل قالوا: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص
فهذا دليل من قال بالوجوب.
وقالوا: إذا تركه فعليه دم -هذا إذا كان واجباً- أو يتصدق بشيء أو لا شيء عليه. وهي ثلاث روايات في مذهب الإمام أحمد .
القول الثاني: أن المبيت بـمنى ليالي منى سنة وليس بواجب، وهذا مذهب أبي حنيفة وهو أحد القولين عن الشافعي أنه سنة قولاً واحداً، والقول الثاني: أن في مذهب الشافعي خلافاً، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقد نصر ابن حزم هذا القول في المحلى نصراً مؤزراً، وهو مذهب ابن عباس رضي الله عنه والحسن البصري وجماعة، قالوا:
أولاً: لا دليل على الوجوب، والرخصة للنبي صلى الله عليه وسلم ورد في ألفاظها: ( أن
ومما استدلوا به على ذلك أن بعضهم قالوا: إن المبيت المقصود به أن يكون قريباً من الجمرات لرميها. كما ذكره الأحناف.
وعلى كل حال سواءً قلنا بالوجوب كما هو مذهب مالك وأحمد، أو قلنا بالاستحباب، فإنني أريد أن أقول للإخوة: إن الذي يقع في منى منذ زمن هو بعيد كل البعد عن أقوال الفقهاء، لا القائلين بالوجوب ولا القائلين بالسنة، ما معنى أن يفترش الناس الطريق؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري وهو عند أبي داود وأحمد وغيرهم: ( إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما لنا بد من مجالسنا نتحدث بها، قال: أما إذ أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) -وفي بعض الروايات- قال: ( وإرشاد السبيل )، وفي حديث عمر قال: ( وتغيث الملهوف وتهدي الضال ) وفي حديث ابن عباس قال: ( وتعين الحمولة ) .
إذاً مسألة الجلوس في الطرقات منهي عنه بحديث متفق على صحته، وأجزم أن الوقوف والجلوس في الطرقات في مثل منى أجزم أنه محرم؛ لأن المسألة ليست مثل حديث أبي سعيد : ( ما لنا بد من مجالسنا ) لا، هذه الطرقات تستطرأ ويحتاج إليها الناس في الذهاب والإياب، وأعداد غفيرة وذاهب وآيب، ففي افتراش الطريق أذية للمسلمين وتضييق عليهم وحرمان لهم من مرفق هم بأمس الحاجة إليه، ثم فيه أذية لنفسه.
فأقول: أجزم أن افتراش بعض الطرقات التي تؤذي المسلمين أن الأصل فيه أنه محرم لشدة الحاجة إليها، لكن قد يعذر بعض الناس للضرورة؛ لأنه لا يجد مكاناً يقيم فيه أصلاً إلا هذا المكان خصوصاً الغرباء والقادمين من بعيد، قد يكون مكانهم الوحيد الذي يستطيعون أن يقيموا فيه هو ذاك المكان، كما نجد في كثير ممن يقيمون في الطريق إلى الجمرات، لكن القادر على ذلك معه سيارته، ربما يكون عنده شقة بـمكة أو بـالعزيزية وربما يكون عنده خيمة بـمزدلفة ويستطيع أن يذهب إلى الفضاء البعيد، فمثل هذا لا يجوز له أن يجلس في الطريق لأذية الناس، وزد على ذلك أنه في الغالب يكون معه نساء، فيعرض هؤلاء النساء للخطر وللتكشف وللاختلاط وللمضايقة والازدحام من غير حاجة لذلك.
أمر ثالث: أن كثيراً من الناس قد يجلسون في سياراتهم في طرقات منى، طول الليل وهو في سيارته لا ينام سهران؛ لأنه يريد أن يجلس في منى هذا الوقت بأي طريقة كانت، يا أخي! رخصة الله سبحانه وتعالى أوسع من هذا بكثير.
ولذلك أقول -وأنا مطمئن تماماً إلى هذا-: إن وجدت خيمة مناسبة وظليلة واستطعت أن تقيم فيها بدون أن يكون هناك مبالغة في ارتفاع ثمنها، كما يقع من بعض الذين يرفعون أسعار الخيام ويبالغون في الأجرة، إن وجدت خيمة بسعر معقول ومكثت فيها أنت وأهلك فهذا جيد وهو موافقة للسنة ولا يسع الإنسان أن يترك ذلك.
أما إن لم تجد فإن بقاءك في سيارتك أو بقاءك في الطريق أو على الرصيف والشوارع والطرقات -في رأيي- أن هذا مما لا يأمر الله تبارك وتعالى.
وأنا أذكر الإخوة بهذا السؤال: هل تظن أن الله يأمرك بشيء كهذا؟ فيه أذية عليك وأذية على المسلمين ومضايقة لهم وسد لطرقاتهم وربما يتعرض الإنسان للدهس وربما يكون سبباً في شدة الزحام، وربما يترتب على ذلك: الموت أحياناً لكثير من الناس، وهذا مما نقول أيضاً: إنه من المظاهر السلبية التي نتمنى أن تختفي من حياة المسلمين، والله أعلم.
أخيراً من تيسيرات الحج: الحج فيه تيسير كما في جميع شعائر الإسلام وعباداته، ومن التيسيرات التي ذكرتها سلفاً: جواز الأنساك الثلاثة كلها: التمتع والإفراد والقران، وقد ذكرت أن هذا إجماع أو يشبه الإجماع عند أهل العلم ولا يكاد يوجد له مخالف، وقال بعض أهل العلم: إن هذه الأنساك كلها سواء في الفضيلة، وإن كنا ذكرنا أن الأفضل التمتع إلا من ساق الهدي، فمن ساق الهدي فالأفضل له القران.
وأما من أدى عمرة قبل أشهر الحج أو عمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده وأنشأ سفراً جديداً للحج فالأفضل في حقه الإفراد، فهذا خلاصة ما قرره جمع من أهل العلم
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية | 3986 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 | 3925 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة | 3854 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض | 3845 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين | 3671 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 | 3624 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض | 3614 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع | 3552 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج | 3516 استماع |
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها | 3444 استماع |