شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب المواقيت -2


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصنف رحمه الله في باب المواقيت لما ذكر ميقات المدينة والشام ومصر والمغرب واليمن ونجد والمشرق، قال: [ فهذه المواقيت لأهلها ولكل من يمر عليها ].

[ولكل من يمر عليها] يعني: من غير أهلها، مثل الشامي لو مر بـالمدينة، ثم مر بميقات ذي الحليفة وهو سيمر فيما بعد بـالجحفة أو قريباً منها، فهل يجب عليه أن يحرم كأهل المدينة من ذي الحليفة أو يسعه أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة؟

الشافعية والحنابلة وإسحاق بن راهويه يرون أنه يجب عليه أن يحرم من الميقات الأول، يعني: من ذي الحليفة، بل ذكر النووي هذه المسألة في شرح صحيح مسلم وذكرها في شرح المهذب في المجموع، وقال: بالاتفاق؛ أنه يجب عليه أن يحرم من الميقات الأول بالاتفاق، واستدرك عليه جماعة هذه الكلمة؛ لأن الخلاف في المسألة مشهور، والذي أعلمه من طريقة النووي رحمه الله في المجموع وغيره أنه يقصد اتفاق فقهاء الشافعية، ولا يعني بذلك اتفاق العلماء، فإن مثل النووي رحمه الله لا يجهل أن في هذه المسألة خلافاً ذائعاً مشهوراً، ولكن مما يستدرك عليه رحمه الله أنه حتى الشافعية ذهب بعضهم كـابن المنذر إلى أن هذا ليس بواجب، وأنه يجوز له أن يؤخر إحرامه إلى الميقات الثاني، وهذا مذهب الحنفية؛ فإنه يستحب عندهم أن يحرم من الميقات الأول، ولو أخر إحرامه إلى الميقات الثاني وسعه ذلك، وفي مذهب المالكية تفصيل يطول ذكره، فيستدرك هذا ويصحح ما سبق على لساني بالأمس مخالفاً لذلك.

ثم قال المصنف رحمه الله: [ ومن منزله دون الميقات فميقاته من منزله ].

[من منزله دون الميقات] يعني: الذين قدموا على الميقات من الآفاق؛ من مصر .. من الشام .. من المغرب .. من خراسان .. من أوروبا .. من أمريكا، هذه مواقيتهم، وهؤلاء يسمون بلغة الفقهاء .. ما اسمهم؟ الآفاقيون، أو الأفقيون، بمعنى: أنهم قدموا من الآفاق.

لكن بقي من ليس آفاقياً، ولكنه في داخل حدود المواقيت، فما حكمه؟ هذا ما بينه المصنف بقوله: [ومن منزله دون الميقات]، وهذا يشمل تقريباً أربعة أصناف من الناس:

سكان المواقيت

الصنف الأول: من يمكن أن يسموا بالميقاتيين، وبعضهم يطلق عليهم البستانيين، وهم سكان المواقيت .. سكان السيل أو سكان الجحفة يوم كانت مسكونة، أو سكان أبيار علي فهؤلاء يحرمون من البلد الذي هم فيه، وبعض الفقهاء: الاحتياط أن يحرموا من أقصى البلد، يعني: من أبعده عن مكة، وهذا فيه نظر، بل قد يقال: إنه ليس هو الأفضل، وإنما الأفضل أن يحرموا من بيوتهم أو من مساجد بيوتهم القريبة منهم، فلا يشرع لهم أن يتكلفوا أن يرجعوا إلى أقصى البلد وأبعدها عن مكة، ولا يشرع لهم أن يتقدموا أيضاً، ولو تقدموا وأحرموا من أقرب البلد إلى مكة لكان ذلك جائزاً لهم؛ لأنهم لا زالوا في البلد، أما السنة فأن يحرموا من بيوتهم أو من المساجد القريبة من بيوتهم.

أهل الحل الذين هم خارج الميقات

الصنف الثاني: من يمكن أن يسمى بالحلي، وهم أهل الحل الذين خارج الميقات، ولكنهم قبل أن تصل إلى أين؟ إلى حدود الحرم، مثل: عسفان أو خليص أو الجعرانة، لكن الجعرانة هي على حدود الحرم. المهم جميع البقاع والمواضع التي هي داخل المواقيت، ولكنها خارج الحرم. وهذا يخفى على بعض الناس؛ أنهم لا يفرقون بين المواقيت وبين حدود الحرم، فقد يكون الإنسان داخل الميقات، ولكنه خارج حدود الحرم، فإذا جاوز ذا الحليفة فقد جاوز الميقات، ولكن بقي عليه عن الحرم نحو أربعمائة كيلو على الطريق المعبد كما أشرنا إليه بالأمس، فهؤلاء يسمون الحليين، وهم أيضاً يحرمون من أماكنهم كل بحسبه حتى لو كان في بادية أو صحراء أو غيرها، فإنه يحرم من المكان الذي هو فيه، ولو نوى الإحرام لم يجز له أن يذهب إلى الحرم إلا محرماً.

من كان داخل حدود الحرم وليس من أهل مكة

الصنف الثالث منهم: الحرميون الذين هم داخل حدود الحرم، ولكنهم ليسوا من سكان مكة فهؤلاء الحرميون يحرمون أيضاً من مكانهم الذين هم فيه، ولا يستحب لهم أن يدخلوا مكة، ولا يستحب لهم أن يخرجوا إلى الحل أيضاً، بل يحرمون من مكانهم.

معالم حدود الحرم

وحدود الحرم معروفة، فالحرم له حدود تسمى المنار، منار الحرم يعني: علاماته كما في الحديث: ( لعن الله من غير منار الأرض )، يعني: علاماتها التي تعرف بها، فـمكة حرم.

وما أحاط بها داخل ما يسمى بالأميال فهو حرم أيضاً. وقد ضرب على حدوده بالمنار منذ القديم، فإنه قد جاء في حديث صحيح: ( أن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ) كما في صحيح البخاري : ( أن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض )، فالله تعالى جعل مكة حرماً آمناً منذ خلقها. وفي صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة )، فكيف نجمع بين تحريم إبراهيم وبين أن الله حرمها؟.

مداخلة: ...

الشيخ: إبراهيم دعا بالأمن اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا [البقرة:126]، لكن التحريم؟ أجود ما ظهر لي في الجمع بين هذين الحديثين: هو أن نقول: إن معنى تحريم إبراهيم لـمكة أنه أظهر هذه العلامات وحددها، فهي كانت حرماً يوم خلق الله السماوات والأرض منذ الأزل، لكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وضع حدود الحرم وبين معالمه، وأشهر ذلك وأذكره في الناس، وقد جاء في بعض الروايات: ( أن جبريل عليه الصلاة والسلام ذهب بـإبراهيم وأراه حدود الحرم وعينه )، وهذا ليس بغريب ولا بعيد؛ لأن هذا تحديد رباني، فالحرم له أحكام تخصه فيما يتعلق بالصيد .. فيما يتعلق بالشجر .. فيما يتعلق حتى ببركة العبادة فيه وغير ذلك، فلابد أن يكون له توقيت وتحديد رباني إلهي، ولذلك هذا يدعم ويقوي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أوقف إبراهيم على حدود الحرم فحدها إبراهيم، ثم كان العرب يتوارثون هذه الحدود حتى إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فجددها الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم عبد الملك بن مروان .. وهكذا ظل الولاة يجددونها حتى لا تندرس ولا تغيب، فهذه هي حدود الحرم.

ومع ذلك فقد اختلف العلماء في حدودها، فيذكر كثير منهم حدوداً، على سبيل المثال خليل المالكي -وهو صاحب المختصر في الفقه المالكي - ذكر حدوداً للحرم قال: إن من جهة المدينة أربعة أميال أو خمسة إلى التنعيم، ومن جهة العراق ثمانية أميال، ومن جهة عرفة تسعة، ومن جهة جدة عشرة أميال.

وضبطها بعضهم بعلامة وليس بعدد الأميال، وجمع ذلك في بيتين من الشعر يقول:

إن رمت للحرم المكي معرفة فاسمع وكن واعياً قولي وما أصف

ما هي العلامة؟

اعلم بأن سيول الأرض قاطبة إذا جرت نحوه من دونه تقف

فيقول: علامة الحرم أن السيول إذا جرت نحو الحرم تقف دونه. بسبب الوديان، فيقف السيل دون حدود الحرم، وهذا القيد ليس مطلقاً، وإنما هو أغلبي كما ذكره الزرقاني وغيره، وإلا فالسيل قد يدخل الحرم من جهة التنعيم ومن جهة غيره، خصوصاً أن الحدود كلها -كما ذكرت- عبارة عن وديان.

وقد كتب فضيلة الشيخ عبد الله بن بسام رسالة لطيفة في حدود الحرم، وهي مطبوعة، واجتهد في تحديد هذه الحدود وقال: إن هذا هو أول كتاب يكتب فيما أعلم في التاريخ في حدود مكة .

وكذلك الشيخ عبد الملك بن دهيش له كتاب اسمه الحرم المكي الشريف والأعلام المحيطة به، وهو مطبوع أيضاً.

طبعاً الشيخ عبد الله بن بسام لما يقول: إنه أول كتاب، يقصد أنه أول كتاب أُلِّف خصيصاً في هذه المسألة، وإلا فإن معظم العلماء الذين كتبوا في تاريخ مكة كـالأزرقي والفاكهاني وأبي الطيب الحسني التقي الفاسي وغيرهم وكذلك المحب الطبري، فإنهم يذكرون حدود الحرم، وبعضهم يعتني بذلك عناية كبيرة، وإنما مراد الشيخ -حفظه الله- أن رسالته هي مؤلف خاص ومستقل في حدود الحرم دون غيرها من التفاصيل المتعلقة بـمكة .

وقد وجدت في كتاب العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين لـأبي الطيب الحسني المكي -كما ذكرت- أنه ذكر اختلاف العلماء في حدود الحرم؛ أربعة أميال .. خمسة أميال .. أقل .. أكثر، واستطرد في ذلك، ثم خلص إلى هذه النتيجة. يقول: (وقد اعتبرت مقدار الحرم من جهته المعروفة بحبل مقدر على ذراع اليد)، كما ذكرنا سابقاً في ذي الحليفة وبعده عن المدينة، يقول: (وهو المعتبر في مسافة القصر على ما ذكره المحب الطبري فنذكر ذلك، وهو أن من جدر باب الحرم -باب المسجد الحرام- المعروف بباب بني شيبة إلى العلمين اللذين هما علامة حد الحرم في جهة عرفة سبعة) بتقديم السين كي لا يقع التصحيف أو التحريف فتكون تسعة، يقول: (سبعة وثلاثين ألف ذراع ومائتي ذراع وعشرة أذرع وسبعي ذراع اليد، ومن عتبة باب المَعلاة أو المُعلاَّة إلى العلمين المشار إليهما خمسة وثلاثون ألف ذراع وثلاثة وثمانون ذراعاً وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد، أما حد الحرم من جهة العراق فإن من جدر باب بني شيبة إلى العلمين اللذين بجادة طريق وادي نخلة سبعة وعشرون ألف ذراع ومائة ذراع واثنان وخمسون ذراعاً باليد، ومن عتبة باب المعلاة إلى العلمين المشار إليهما خمسة وعشرون ألف ذراع وخمسة وعشرون ذرعاً باليد، وأما حد الحرم من جهة التنعيم، فإن من جدر باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة إلى أعلام الحرم في هذه الجهة التي بالأرض لا التي بالجبل اثني عشر ألف ذراع وأربعمائة ذراع وعشرين ذراعاً باليد، ومن عتبة باب الشبيكة إلى الأعلام المشار إليها عشرة آلاف ذراع وثمانمائة ذراع واثنا عشر ذراعاً. أما حدود الحرم من جهة اليمن فإنه من جدر باب المسجد الحرام المعروف بباب إبراهيم إلى علامة حد الحرم في جهة اليمن أربعة وعشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وتسعة أذرع بتقديم التاء وأربعة أسباع ذراع ...) إلى آخر ما ذكر.

وهذا حقيقة أنا أعتبره نوعاً من التبكيت لأنفسنا أن نظل نحن في هذا العصر الذي تقدمت فيه وسائل الاتصال والعلم والتقنية؛ نظل نعتمد على ما كتب في القرن مثلاً السابع أو الثامن أو التاسع في بعض الحدود والمعالم التي يمكن ضبطها بدقة متناهية.

طيب، إذاً الخلاصة أن للحرم حدوداً ومعالم معروفة، وأن ما كان داخل هذه الحدود فإنه يتمتع بفضائل الحرم المعروفة.

ومن فضائل الحرم كما هو معروف أن الصلاة تضعف فيه، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة )، فهل هذا خاص بالمسجد المحيط بالكعبة أم هو يشمل الحرم كله؟

في المسألة رأيان معروفان: مذهب الحنفية -المشهور عنهم- والمالكية والشافعية أن المضاعفة تعم جميع الحرم، وهذا هو الذي نختاره لأدلة، منها: أدلة القرآن الكريم، فإن الله تعالى ذكر لفظ المسجد الحرام في القرآن الكريم في مواضع، كما في قوله: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ [الحج:25]، وكذلك قوله سبحانه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الإسراء:1]، وإنما أسري به من بيت أم هانئ على قول أكثر المفسرين، فلفظ المسجد الحرام في القرآن الكريم يطلق -على الراجح- على الحرم كله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بـالحديبية يختلف إلى الحرم فيصلي فيه، ثم يرجع إلى مكانه بـالحديبية، وفي ذلك أحاديث، وأما ما ورد أنه سماه مسجد الكعبة، فهذا لا غرابة فيه؛ لأن الحرم كله يسمى مسجد الكعبة أيضاً، ولا يلزم أن يكون هذا نصاً على المسجد المبني الذي لا يدخله الجنب.

على كل حال في المسألة أقوال أوصلها الزركشي إلى سبعة أقوال هذا أحدها، والثاني: أن المقصود الحرم، والثالث: أن المقصود الكعبة وما يحيط بها، والخلاف في المسألة ذائع ومشهور.

إذاً: الخلاصة أن الحرمية من أهل الحرم يحرمون من مكانهم.

إحرام أهل مكة

الصنف الرابع: المكي، وهم أهل مكة، فأهل مكة أيضاً يحرمون من بيوتهم، وما ذكره بعض الحنابلة من أنه يستحب لهم أن يحرموا من عند الكعبة تحت الميزاب، فهذا لا أعلم عليه دليلاً، وإنما ظاهر الحديث أن يحرموا من بيوتهم ؛ وذلك لأن حديث ابن عباس الذي هو حجة في المسألة، قال: ( ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ )، يعني: من حيث نوى أو أحدث نية الحج، ( حتى أهل مكة يهلون من مكة )، ولذلك قال المصنف رحمه الله: [ فميقاته من منزله حتى أهل مكة يهلون منها لحجهم ].

موضع الإحرام ومن كان في حكمه تمتعاً أو قراناً

هنا سؤال: إذا كان المكي أو من في حكم أهل مكة يريد الإحرام بالحج مفرداً، فهذا لا إشكال فيه أنه يحرم من مكانه، لكن لو كان يريد الإحرام بالحج متمتعاً أو قارناً، يعني: يريد حجاً وعمرة، فهل يحرم من مكانه باعتبار أنه أحرم بحج، أو نقول: له حكم العمرة -كما سيأتي الآن- ونقول: بناء عليه أنه يحرم من ميقات المعتمر ويخرج إلى أدنى الحل؟

في المسألة خلاف مشهور لـمالك وغيره، وفي مذهب الشافعية قولان، والأقرب والراجح عند الحنابلة والشافعية، وهو الأصح دليلاً أن المكي يحرم من مكانه سواء كان حجه مفرداً أو قارناً أو متمتعاً، والعبرة بإحرام الحج وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، ولم يؤمر أحد من المكيين أن يخرج إلى الحل ليعتمر منه لحجه.

فنقول: المكي يحرم -على الراجح- من بيته، سواء كان إحرامه مفرداً أو قارناً أو متمتعاً.

حكم الحج للمكي تمتعاً أو قراناً

هل يحرم المكي قارناً أو متمتعاً، أو نقول: ينبغي أو يجب على المكي أن يكون مفرداً؟

أيضاً هذه المسألة فيها اختلاف، فبعضهم يرى ألا يحرم المكي إلا مفرداً .. لا يجوز له أن يجمع الحج والعمرة، ويستدلون بقوله تعالى في سورة البقرة: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ... [البقرة:196] إلى قوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، فقالوا: إن المقصود التمتع: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وبناء عليه قالوا: لا يحل للمكي أن يجمع الحج والعمرة، بل يجب عليه أن يفرد الحج وحده، وهذا القول فيه نظر، والأقرب أن قوله: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] ما يتعلق بالهدي: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، هذا لمن لم يكن أهله حاضر المسجد الحرام. أما المكي فإن له أن يحرم متمتعاً أو قارناً أو مفرداً وليس عليه هدي، وإنما الهدي على من جمع الحج والعمرة في سفر واحد وهو الأفقي كما ذكرنا، أما المكي فلا يشمله ذلك. طيب، ولذلك قال: [ حتى أهل مكة يهلون منها لحجهم].

مكان إحرام المكي للعمرة

قوله: [ويهلون للعمرة من أدنى الحل ] إذاً: عندنا إشكال في موضوع العمرة؛ هل يحرم من حيث أنشأ كما هو ظاهر حديث ابن عباس، أم لها حكم آخر؟ فإن حديث ابن عباس يدل بظاهره على أن المعتمر كالحاج يحرم من محله؛ لأنه قال: ( هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة )، ثم قال: ( ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ )، فلو أخذنا بظاهر اللفظ لقلنا: المعتمر كالحاج يحرم من حيث أنشأ، وهذا القول ضعيف، ولم يقل به إلا أفراد قلائل من السلف منهم مجاهد وغيره، وحكى بعضهم الإجماع على خلافه.

واليقين أن أئمة المذاهب الأربعة على خلافه، وهو المشهور عند الأمة كافة؛ أن المعتمر يخرج إلى أدنى الحل، قد يخرج للتنعيم كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بـعائشة فيعمرها من التنعيم، والحديث في الصحيحين من حديث جابر، وهو في البخاري أيضاً من حديث عائشة، وكذلك من حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بـعائشة إلى التنعيم حتى تحرم بعمرة)، فإن خرج إلى التنعيم أجزأه ذلك، وإن خرج إلى الجعرانة أجزأه ذلك، وإن خرج إلى عرفة فهي من الحل أجزأه ذلك، والمؤلف قال: [من أدنى الحل]، وإن خرج إلى الحديبية أجزأه ذلك.

والخلاصة في هذه المسألة؛ أن الشرع أراد أن يجمع المعتمر بين الحل والحرم، وهكذا الحاج، فالحاج بطبيعة الحال يخرج إلى الحل، متى يخرج إلى الحل؟

مداخلة: ...

الشيخ: في عرفة، فإن عرفة حل، ليست من الحرم، فالحاج يخرج إلى عرفة يوم عرفة، فيكون جمع في نسكه بين الحل والحرم، يعني: صار عنده نوع من السفر والتنقل، وهذا مطلوب ومقصود في النسك، أما المعتمر فليس عنده خروج إلى عرفة، وإنما عنده طواف وسعي وحلق أو تقصير، فلذلك شرع له وأوجب عليه أن يحرم بالعمرة من أدنى الحل، يحرم بها من الحديبية أو من التنعيم أو من الجعرانة أو من عرفة أو من أي مكان آخر في الحل، يجمع في نسكه بين الحل والحرم.

وهذا تقريباً ما توافق عليه أهل العلم وحكاه بعضهم إجماعاً .. حكى بعضهم الإجماع على هذه المسألة. طيب.

الصنف الأول: من يمكن أن يسموا بالميقاتيين، وبعضهم يطلق عليهم البستانيين، وهم سكان المواقيت .. سكان السيل أو سكان الجحفة يوم كانت مسكونة، أو سكان أبيار علي فهؤلاء يحرمون من البلد الذي هم فيه، وبعض الفقهاء: الاحتياط أن يحرموا من أقصى البلد، يعني: من أبعده عن مكة، وهذا فيه نظر، بل قد يقال: إنه ليس هو الأفضل، وإنما الأفضل أن يحرموا من بيوتهم أو من مساجد بيوتهم القريبة منهم، فلا يشرع لهم أن يتكلفوا أن يرجعوا إلى أقصى البلد وأبعدها عن مكة، ولا يشرع لهم أن يتقدموا أيضاً، ولو تقدموا وأحرموا من أقرب البلد إلى مكة لكان ذلك جائزاً لهم؛ لأنهم لا زالوا في البلد، أما السنة فأن يحرموا من بيوتهم أو من المساجد القريبة من بيوتهم.

الصنف الثاني: من يمكن أن يسمى بالحلي، وهم أهل الحل الذين خارج الميقات، ولكنهم قبل أن تصل إلى أين؟ إلى حدود الحرم، مثل: عسفان أو خليص أو الجعرانة، لكن الجعرانة هي على حدود الحرم. المهم جميع البقاع والمواضع التي هي داخل المواقيت، ولكنها خارج الحرم. وهذا يخفى على بعض الناس؛ أنهم لا يفرقون بين المواقيت وبين حدود الحرم، فقد يكون الإنسان داخل الميقات، ولكنه خارج حدود الحرم، فإذا جاوز ذا الحليفة فقد جاوز الميقات، ولكن بقي عليه عن الحرم نحو أربعمائة كيلو على الطريق المعبد كما أشرنا إليه بالأمس، فهؤلاء يسمون الحليين، وهم أيضاً يحرمون من أماكنهم كل بحسبه حتى لو كان في بادية أو صحراء أو غيرها، فإنه يحرم من المكان الذي هو فيه، ولو نوى الإحرام لم يجز له أن يذهب إلى الحرم إلا محرماً.

الصنف الثالث منهم: الحرميون الذين هم داخل حدود الحرم، ولكنهم ليسوا من سكان مكة فهؤلاء الحرميون يحرمون أيضاً من مكانهم الذين هم فيه، ولا يستحب لهم أن يدخلوا مكة، ولا يستحب لهم أن يخرجوا إلى الحل أيضاً، بل يحرمون من مكانهم.

وحدود الحرم معروفة، فالحرم له حدود تسمى المنار، منار الحرم يعني: علاماته كما في الحديث: ( لعن الله من غير منار الأرض )، يعني: علاماتها التي تعرف بها، فـمكة حرم.

وما أحاط بها داخل ما يسمى بالأميال فهو حرم أيضاً. وقد ضرب على حدوده بالمنار منذ القديم، فإنه قد جاء في حديث صحيح: ( أن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ) كما في صحيح البخاري : ( أن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض )، فالله تعالى جعل مكة حرماً آمناً منذ خلقها. وفي صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة )، فكيف نجمع بين تحريم إبراهيم وبين أن الله حرمها؟.

مداخلة: ...

الشيخ: إبراهيم دعا بالأمن اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا [البقرة:126]، لكن التحريم؟ أجود ما ظهر لي في الجمع بين هذين الحديثين: هو أن نقول: إن معنى تحريم إبراهيم لـمكة أنه أظهر هذه العلامات وحددها، فهي كانت حرماً يوم خلق الله السماوات والأرض منذ الأزل، لكن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وضع حدود الحرم وبين معالمه، وأشهر ذلك وأذكره في الناس، وقد جاء في بعض الروايات: ( أن جبريل عليه الصلاة والسلام ذهب بـإبراهيم وأراه حدود الحرم وعينه )، وهذا ليس بغريب ولا بعيد؛ لأن هذا تحديد رباني، فالحرم له أحكام تخصه فيما يتعلق بالصيد .. فيما يتعلق بالشجر .. فيما يتعلق حتى ببركة العبادة فيه وغير ذلك، فلابد أن يكون له توقيت وتحديد رباني إلهي، ولذلك هذا يدعم ويقوي أن جبريل عليه الصلاة والسلام أوقف إبراهيم على حدود الحرم فحدها إبراهيم، ثم كان العرب يتوارثون هذه الحدود حتى إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فجددها الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم عبد الملك بن مروان .. وهكذا ظل الولاة يجددونها حتى لا تندرس ولا تغيب، فهذه هي حدود الحرم.

ومع ذلك فقد اختلف العلماء في حدودها، فيذكر كثير منهم حدوداً، على سبيل المثال خليل المالكي -وهو صاحب المختصر في الفقه المالكي - ذكر حدوداً للحرم قال: إن من جهة المدينة أربعة أميال أو خمسة إلى التنعيم، ومن جهة العراق ثمانية أميال، ومن جهة عرفة تسعة، ومن جهة جدة عشرة أميال.

وضبطها بعضهم بعلامة وليس بعدد الأميال، وجمع ذلك في بيتين من الشعر يقول:

إن رمت للحرم المكي معرفة فاسمع وكن واعياً قولي وما أصف

ما هي العلامة؟

اعلم بأن سيول الأرض قاطبة إذا جرت نحوه من دونه تقف

فيقول: علامة الحرم أن السيول إذا جرت نحو الحرم تقف دونه. بسبب الوديان، فيقف السيل دون حدود الحرم، وهذا القيد ليس مطلقاً، وإنما هو أغلبي كما ذكره الزرقاني وغيره، وإلا فالسيل قد يدخل الحرم من جهة التنعيم ومن جهة غيره، خصوصاً أن الحدود كلها -كما ذكرت- عبارة عن وديان.

وقد كتب فضيلة الشيخ عبد الله بن بسام رسالة لطيفة في حدود الحرم، وهي مطبوعة، واجتهد في تحديد هذه الحدود وقال: إن هذا هو أول كتاب يكتب فيما أعلم في التاريخ في حدود مكة .

وكذلك الشيخ عبد الملك بن دهيش له كتاب اسمه الحرم المكي الشريف والأعلام المحيطة به، وهو مطبوع أيضاً.

طبعاً الشيخ عبد الله بن بسام لما يقول: إنه أول كتاب، يقصد أنه أول كتاب أُلِّف خصيصاً في هذه المسألة، وإلا فإن معظم العلماء الذين كتبوا في تاريخ مكة كـالأزرقي والفاكهاني وأبي الطيب الحسني التقي الفاسي وغيرهم وكذلك المحب الطبري، فإنهم يذكرون حدود الحرم، وبعضهم يعتني بذلك عناية كبيرة، وإنما مراد الشيخ -حفظه الله- أن رسالته هي مؤلف خاص ومستقل في حدود الحرم دون غيرها من التفاصيل المتعلقة بـمكة .

وقد وجدت في كتاب العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين لـأبي الطيب الحسني المكي -كما ذكرت- أنه ذكر اختلاف العلماء في حدود الحرم؛ أربعة أميال .. خمسة أميال .. أقل .. أكثر، واستطرد في ذلك، ثم خلص إلى هذه النتيجة. يقول: (وقد اعتبرت مقدار الحرم من جهته المعروفة بحبل مقدر على ذراع اليد)، كما ذكرنا سابقاً في ذي الحليفة وبعده عن المدينة، يقول: (وهو المعتبر في مسافة القصر على ما ذكره المحب الطبري فنذكر ذلك، وهو أن من جدر باب الحرم -باب المسجد الحرام- المعروف بباب بني شيبة إلى العلمين اللذين هما علامة حد الحرم في جهة عرفة سبعة) بتقديم السين كي لا يقع التصحيف أو التحريف فتكون تسعة، يقول: (سبعة وثلاثين ألف ذراع ومائتي ذراع وعشرة أذرع وسبعي ذراع اليد، ومن عتبة باب المَعلاة أو المُعلاَّة إلى العلمين المشار إليهما خمسة وثلاثون ألف ذراع وثلاثة وثمانون ذراعاً وثلاثة أسباع ذراع بذراع اليد، أما حد الحرم من جهة العراق فإن من جدر باب بني شيبة إلى العلمين اللذين بجادة طريق وادي نخلة سبعة وعشرون ألف ذراع ومائة ذراع واثنان وخمسون ذراعاً باليد، ومن عتبة باب المعلاة إلى العلمين المشار إليهما خمسة وعشرون ألف ذراع وخمسة وعشرون ذرعاً باليد، وأما حد الحرم من جهة التنعيم، فإن من جدر باب المسجد الحرام المعروف بباب العمرة إلى أعلام الحرم في هذه الجهة التي بالأرض لا التي بالجبل اثني عشر ألف ذراع وأربعمائة ذراع وعشرين ذراعاً باليد، ومن عتبة باب الشبيكة إلى الأعلام المشار إليها عشرة آلاف ذراع وثمانمائة ذراع واثنا عشر ذراعاً. أما حدود الحرم من جهة اليمن فإنه من جدر باب المسجد الحرام المعروف بباب إبراهيم إلى علامة حد الحرم في جهة اليمن أربعة وعشرون ألف ذراع وخمسمائة ذراع وتسعة أذرع بتقديم التاء وأربعة أسباع ذراع ...) إلى آخر ما ذكر.

وهذا حقيقة أنا أعتبره نوعاً من التبكيت لأنفسنا أن نظل نحن في هذا العصر الذي تقدمت فيه وسائل الاتصال والعلم والتقنية؛ نظل نعتمد على ما كتب في القرن مثلاً السابع أو الثامن أو التاسع في بعض الحدود والمعالم التي يمكن ضبطها بدقة متناهية.

طيب، إذاً الخلاصة أن للحرم حدوداً ومعالم معروفة، وأن ما كان داخل هذه الحدود فإنه يتمتع بفضائل الحرم المعروفة.

ومن فضائل الحرم كما هو معروف أن الصلاة تضعف فيه، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة )، فهل هذا خاص بالمسجد المحيط بالكعبة أم هو يشمل الحرم كله؟

في المسألة رأيان معروفان: مذهب الحنفية -المشهور عنهم- والمالكية والشافعية أن المضاعفة تعم جميع الحرم، وهذا هو الذي نختاره لأدلة، منها: أدلة القرآن الكريم، فإن الله تعالى ذكر لفظ المسجد الحرام في القرآن الكريم في مواضع، كما في قوله: وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ [الحج:25]، وكذلك قوله سبحانه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الإسراء:1]، وإنما أسري به من بيت أم هانئ على قول أكثر المفسرين، فلفظ المسجد الحرام في القرآن الكريم يطلق -على الراجح- على الحرم كله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بـالحديبية يختلف إلى الحرم فيصلي فيه، ثم يرجع إلى مكانه بـالحديبية، وفي ذلك أحاديث، وأما ما ورد أنه سماه مسجد الكعبة، فهذا لا غرابة فيه؛ لأن الحرم كله يسمى مسجد الكعبة أيضاً، ولا يلزم أن يكون هذا نصاً على المسجد المبني الذي لا يدخله الجنب.

على كل حال في المسألة أقوال أوصلها الزركشي إلى سبعة أقوال هذا أحدها، والثاني: أن المقصود الحرم، والثالث: أن المقصود الكعبة وما يحيط بها، والخلاف في المسألة ذائع ومشهور.

إذاً: الخلاصة أن الحرمية من أهل الحرم يحرمون من مكانهم.

الصنف الرابع: المكي، وهم أهل مكة، فأهل مكة أيضاً يحرمون من بيوتهم، وما ذكره بعض الحنابلة من أنه يستحب لهم أن يحرموا من عند الكعبة تحت الميزاب، فهذا لا أعلم عليه دليلاً، وإنما ظاهر الحديث أن يحرموا من بيوتهم ؛ وذلك لأن حديث ابن عباس الذي هو حجة في المسألة، قال: ( ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ )، يعني: من حيث نوى أو أحدث نية الحج، ( حتى أهل مكة يهلون من مكة )، ولذلك قال المصنف رحمه الله: [ فميقاته من منزله حتى أهل مكة يهلون منها لحجهم ].

هنا سؤال: إذا كان المكي أو من في حكم أهل مكة يريد الإحرام بالحج مفرداً، فهذا لا إشكال فيه أنه يحرم من مكانه، لكن لو كان يريد الإحرام بالحج متمتعاً أو قارناً، يعني: يريد حجاً وعمرة، فهل يحرم من مكانه باعتبار أنه أحرم بحج، أو نقول: له حكم العمرة -كما سيأتي الآن- ونقول: بناء عليه أنه يحرم من ميقات المعتمر ويخرج إلى أدنى الحل؟

في المسألة خلاف مشهور لـمالك وغيره، وفي مذهب الشافعية قولان، والأقرب والراجح عند الحنابلة والشافعية، وهو الأصح دليلاً أن المكي يحرم من مكانه سواء كان حجه مفرداً أو قارناً أو متمتعاً، والعبرة بإحرام الحج وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، ولم يؤمر أحد من المكيين أن يخرج إلى الحل ليعتمر منه لحجه.

فنقول: المكي يحرم -على الراجح- من بيته، سواء كان إحرامه مفرداً أو قارناً أو متمتعاً.

هل يحرم المكي قارناً أو متمتعاً، أو نقول: ينبغي أو يجب على المكي أن يكون مفرداً؟

أيضاً هذه المسألة فيها اختلاف، فبعضهم يرى ألا يحرم المكي إلا مفرداً .. لا يجوز له أن يجمع الحج والعمرة، ويستدلون بقوله تعالى في سورة البقرة: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ... [البقرة:196] إلى قوله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، فقالوا: إن المقصود التمتع: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، وبناء عليه قالوا: لا يحل للمكي أن يجمع الحج والعمرة، بل يجب عليه أن يفرد الحج وحده، وهذا القول فيه نظر، والأقرب أن قوله: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] ما يتعلق بالهدي: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، هذا لمن لم يكن أهله حاضر المسجد الحرام. أما المكي فإن له أن يحرم متمتعاً أو قارناً أو مفرداً وليس عليه هدي، وإنما الهدي على من جمع الحج والعمرة في سفر واحد وهو الأفقي كما ذكرنا، أما المكي فلا يشمله ذلك. طيب، ولذلك قال: [ حتى أهل مكة يهلون منها لحجهم].