شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة الخارج من الأرض 2


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

إذا كان الله سبحانه وتعالى قد امتن علينا ببهيمة الأنعام، كما ذكرنا ذلك فيما مضى في غير موضع من كتابه، كما في سورة الأنعام وسورة النحل وسورة (يس).. وغيرها، وما في هذه الأنعام من الخير والدر والسمن والجلود والمنافع العظيمة.

ثم امتن علينا أيضاً سبحانه بالزروع والثمار، كما ذكرنا في الجلسة الماضية، وكيف أن هذه البلاد.. بلاد الإسلام فيها من الخيرات والبركات والنعم من هذا وذاك ما لا يكاد يأتي عليه العد والحصر، وبالذات ما يتعلق بالزروع التي كانت هي القسم الأول من موضوع الخارج من الأرض، حيث نجد أن كثيراً من بلاد الإسلام فيها من أنواع المزروعات، ما يحقق ما يسمى بالأمن الغذائي لهذه الأمة في كافة الظروف، سواء كانت ظروف سعة وغنى ووجد، بحيث تكون هذه مادة تقدم للمساهمة والمنافسة في ميدان التجارة العالمية، أو كانت ظروف ضعف وضيق وحاجة، حيث تكون هذه المزروعات وغيرها زاداً وعطاء وبذلاً، للفقير والمحتاج وابن السبيل، وقد ورد في حديث وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه جيد وجميل: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر النخل فسماها: الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل )، وفي هذا إشارة إلى بقاء النخلة وصبرها ومصابرتها وثباتها، وإلى إطعامها خصوصاً في أزمان المحل والفقر والشدة.

فإن الله سبحانه وتعالى قد امتن وأنعم أيضاً على الأمة الإسلامية، بالجانب الآخر من الخارج من الأرض، وهو ما يتعلق بالمعادن، ونحن نذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: ( بينا أنا نائم إذ أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي. فيقول أبو هريرة : ذهب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم تنتثلونها )، يعني: تستخرجونها.

فنجد أن المسلمين مَنَّ الله تعالى عليهم بهذه المعادن التي كانت في باطن أراضيهم، حتى إنك تجد أن الكشوفات المتعلقة بالنفط اليوم تتوالى باستمرار، تدل على ما يوجد في باطن البلاد الإسلامية، فأما ما يوجد -مثلاً- في السعودية أو في العراق .. أو في غيرهما فحدث ولا حرج، وهو معروف، لكن حتى البلاد الإفريقية فقد سمعت -مثلاً- أن السودان قد كشف في أرضها ثروة نفطية هائلة، تجعلها في مصاف ربما ثالث دولة في العالم على مستوى المخزون النفطي، وهكذا تجد أن الفوسفات تتوالى في البلاد الإسلامية، على رغم أن المسلمين ظروفهم العلمية والتقنية ليست على ما يرام على كل حال، لكن مع ذلك جعل الله تعالى في هذا لهم خيراً وسعة وغنى، ولذلك انتفعوا بهذا، على رغم أنهم بالمثابة والحالة التي ذكرت.

فالمعادن إذاً هي إحدى نعم الله تبارك وتعالى على عباده، وعلى المسلمين على وجه الخصوص، ولذلك كانت هي القسم الثاني من الخارج من الأرض: أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267].

عندنا القسم الثاني: وهو زكاة المعادن.

المعادن: جمع مَعدِن أو مَعدَن، وهو مأخوذ من العَدَن أو العَدْن وهو الإقامة، ومنه قوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ [التوبة:72]، أي: جنات إقامة وخلود وبقاء لا زوال له، يقال: عَدَنَ فلان بالمكان؛ إذا أقام فيه إقامة طويلة، وإنما سميت المعادن بهذا؛ لأنها تبقى في الأرض مدة طويلة، وقد تكون -كما ذكر الجوهري وغيره- سميت معادن؛ لأن الناس يقطنون حولها أو يقيمون قربها.

والفرق بين المَعدن وبين الكنز وبين الركاز، وإن كان سيأتي طرف منه في آخر هذه الجلسة، إلا أن الفرق الأساسي أن المعدن يطلق على ما خلقه الله سبحانه وتعالى من المعادن في باطن هذه الأرض.

أما الكنز فهو ما دفنه الإنسان بفعله أو أخفاه، ولذلك الله سبحانه وتعالى قال: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة:34]، والمعروف أن المقصود هنا ما لم يؤدوا زكاته، وقد يطلق على ما أخفوه؛ لأن الإخفاء ربما يكون سبيلاً للتفصي والتخلص من إخراج زكاته ودفعها، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً قال كما في الحديث الصحيح: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها)، وفي لفظ: (زكاتها).

إذاً: الفرق بين المعدن وبين الكنز أن المعدن هو ما خلقه الله سبحانه وتعالى في باطن الأرض، أما الكنز فهو ما أخفاه الإنسان أو منع زكاته.

وقد اختلف الفقهاء في تعريف المعدَن في باب الزكاة ما هو، وأجود تعريف فقهي وجدته في هذا، هو ما ذكره ابن قدامة في المغني، فإنه قال: إن المعدَن هو كل ما خرج من الأرض مما يُخلق فيها من غيرها مما له قيمة، فجعل له أربعة أوصاف:

أولاً: ما خرج من الأرض؛ فإن المعدِن يخرج من الأرض: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]، فأما ما كان على ظاهر الأرض مثلاً، فإنه لا يسمى معدَناً.

والأمر الثاني: أنه يُخلق في الأرض، يعني: في باطنها.

والوصف الثالث: أنه يُخلق من غيرها، يعني: ليس هو مخلوقاً من الأرض نفسها، مثل ما يكون في الطين أو غيره، وإنما يخلق من أشياء أخرى موجودة في باطن الأرض.

والوصف الرابع: أن يكون له قيمة، أقلها أن يكون مثلاً نصاباً عند من يشترطون النصاب، وهو ما يكون فيه مجال للمواساة.

فإذاً: قيده بهذه القيود الأربعة، أخرج بهذا القيد ما يخرج من البحر، وسوف يأتي الإشارة إليه، ولكن يُشْكِل على ما ذكره ابن قدامة رحمه الله أمور:

في قوله: (ما خرج من الأرض)، يُشْكل عليه ما كان في غير الأرض؛ فإن العلم الآن يثبت أن كثيراً من الكواكب الموجودة في الفضاء فيها كميات هائلة من المعادِن، مثل: القمر وعطارد والزهرة والمريخ.. وغيرها، بل إن في قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25] قال كثير من العلماء المعاصرين: إن المعادِن الموجودة في باطن الأرض إنما نزلت من الكواكب.. وغيرها، والله تبارك وتعالى أعلم بذلك، لكن هذا إيراد.

وقوله: (بأنه يخلق في الأرض)، كما ذكرنا أخرج ما يكون في خارج الأرض مما يعمله الناس ويصنعونه، وتقييده بالقيمة يخرج القليل الذي لا يبلغ النصاب.

يقول ابن الجوزي رحمه الله: إنه أحصى المعادن الموجودة في وقته، قال: فوجدتها سبعمائة صنف، أو سبعمائة معدِن، ولا شك أن إحصاء ابن الجوزي هو أمر نسبي أو تقريبي؛ لأنه كان اجتهد وصبر، ولكن في حدود المعلومات الممكنة في تلك البيئة وفي ذلك العصر، وإلا فإن العلماء المعاصرين المختصين يذكرون أن أصناف المعادن تزيد على ثلاثة آلاف صنف، المستعمل والمشهور منها حوالي مائة صنف من المعادن.

بقي أن أشير إلى أن ثمة فرقاً بين تعريف المعدن الذي ذكره ابن قدامة، وبين تعريف المعدِن أو المعدَن عند المتخصصين المعاصرين، فإنهم يعرفون المعدِن على نحو مختلف، فالمعدِن عندهم أو المعدَن بالأصح بفتح الدال؛ لأن مقصودنا المادة وليس المكان الذي تستخرج منه، فالمعدَن هو الذي يتمتع عندهم بالخواص التالية:

أولاً: أن يكون موجوداً في الأرض أو في الطبيعة، وهذا ربما أشار إليه ابن قدامة .

ثانياً: أن يتكون من مواد لم تكن حية أصلاً، بخلاف النفط مثلاً عندهم؛ فإنه لا يعتبر عند المعاصرين معدَناً بالمعنى الصحيح، لأنه تكون من الأحياء التي كانت موجودة، ثم انطمرت في باطن الأرض.

الوصف الثالث: أن يكون للمعدَن التركيب الكيميائي نفسه أينما وجد، بخلاف الرمل مثلاً، فإنه يكون له تركيبات كيميائية مختلفة.

الوصف الرابع: أن تترتب ذرات المعدَن في نسق منتظم، وتكون وحدات صلبة يسمونها: بالبلورات، وبناءً عليه؛ فإننا سنجد أشياء يسميها الفقهاء كلهم: معدَناً، مثل النفط، ولا يسميها العلماء المتخصصون بالمعدَن على السبيل العلمي.

طيب. يحسن أن نضيف أيضاً إلى تعريف ابن قدامة كلمة وهي: (ما ليس بنبات)؛ لأن تعريفه قد ينطبق على النبات، فهو يخرج من الأرض ومما ليس منها، وقد يكون له قيمة، فنشترط أن يكون ليس بنبات، حتى يتحدد هذا التعريف أنه يشمل التعريف الفقهي أو التعريف الاصطلاحي للمعدَن.

المعادن كثيرة جداً، منها: الذهب والفضة والجواهر، والبلور والعقيق، والكحل والزرنيخ، والنورة والكبريت، والزفت والملح والزئبق، والقار والنفط، والياقوت والزبرجد، والفيروزج والرخام .. وغيرها.

ومن أنفس المعادِن المعروفة اليوم (البترول) أو النفط، كما هو معروف في قيمته الاقتصادية و(اليورانيوم) أيضاً، وهو من أعظم المعادن، ويدخل في تركيب السلاح النووي، ولذلك يباع بأغلى الأثمان.

وقد يطلق الكنز على المعدَن من باب التسامح والتجوز، أو باعتبار ما يئول إليه، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وأعطيت الكنزين: الأحمر، والأبيض )، فإن مقصوده صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الذهب والفضة، والحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وأحمد .. وغيرهم، ولذلك قال العلماء: إن المقصود بالكنزين الأحمر والأبيض الذهب والفضة: كنز كسرى، وكنز قيصر، وربما كان في هذا الحديث نفسه أيضاً إشارة ضمنية، إلى دعوة المسلمين وحثهم على استخراج هذه المعادِن، والاستفادة منها، وإنفاقها في سبيل الله تعالى، وتوظيفها في الدعوة إلى الله عز وجل، خصوصاً وأن ذلك ورد صريحاً في حديث أبي هريرة، كما في المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، أو والذي نفس محمد بيده! لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل )، وليس بلازم أن يكون المقصود بكنوزهما ما هو موجود في خزائنهما، بل يشمل هذا، ويشمل ما كان تحت ملكهم وقبضتهم من ذلك، وقد استشهد بعضهم على هذا المعنى، وهو دعوة المسلمين إلى استخراج المعادِن من الأرض، استشهدوا بحديث يروى عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( اطلبوا الرزق في خبايا الأرض )، وهذا الحديث رواه الطبراني في الصغير والأوسط وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان .. وغيرهم، وقد عزاه القرطبي في تفسير سورة البقرة للترمذي، وأظن هذا وهماً؛ فإن الترمذي لم يخرج هذا الحديث فيما أحسب وأعلم، وإنما هو لمن ذكرت، والحديث على كل حال ضعيف، فإن فيه هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي يروي عن هشام بن عروة عن أبيه، ويروي عنه مصعب بن عبد الله المشهور بـمصعب الزبيري، وقد قال ابن حبان عن هشام هذا: ينفرد بما لا أصل له من حديث هشام بن عروة، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، ولذلك عد الذهبي وابن حجر هذا الحديث من مفرداته، وقال النسائي : هذا حديث منكر، وقال ابن طاهر : لا أصل له، إنما هو من كلام عروة، وأشار البيهقي إذ رواه إلى ضعفه، فقال: الحديث يُحمل إن صح.. وهذا فيه إشارة إلى إعلاله أو تضعيفه .

ومما يتعلق بهذه النقطة أن هذا من كلام عروة بن الزبير، أن رجلاً اسمه عبد الله بن عبد الملك جاء إلى محمد بن شهاب الزهري وكان قد ركب بعيره وأراد أن يتجهز للبحث عن الرزق في أنحاء الأرض، وقال للزهري : أوصني أين أطلب الرزق؟ فقال له الزهري -وهذه من الأبيات الجميلة، لم أكن أعرف أن الزهري يقول الشعر حتى قرأتها- يقول:

أقول لعبد الله لما لقيته وقد شد أحلاس المطي مشرقا

تتبع حنايا الأرض وادع مليكها لعلك يوماً أن تجاب وترزقا

فيؤتيك مالاً واسعاً ذا مثابة إذا ما مياه الأرض غارت تدفقا

إذاً: المعادن هي النوع الثاني من الخارج من الأرض الذي ذكره المصنف رحمه الله.

وفي مسألة المعادن عدة أمور: الأول منها: ما هي المعادن التي تجب فيها الزكاة؟

اختلف العلماء في هذه المسألة تقريباً على أربعة اتجاهات أو مذاهب:

القول الأول: لا زكاة في المعادن مطلقاً

الأول: مذهب الظاهرية كـداود بن علي الأصبهاني وابن حزم وغيرهما، وحكاه ابن حزم أيضاً في المحلى عن الليث بن سعد : أنه لا زكاة في شيء من المعادن مطلقاً، ولا خُمُس ولا غيره، وقالوا: إن هذه الأشياء مما رزقه الله العبد، ولم يثبت أن فيه شيئاً بنص ولا بإجماع، وذمة الإنسان معصومة، ولذلك فلا زكاة في شيء من المعادن، إلا أن يحول عليها الحول عند مالكها فتجب عليه الزكاة حينئذ ولا بد؛ لأنه مال حال عليه الحول، وذكر ابن حزم أن هذا القول هو أحد أقوال الإمام الشافعي .

القول الثاني: أن الزكاة في المعادن إنما هي في الذهب والفضة

القول الثاني: وهو مذهب الشافعي المذكور عنه والمنصوص في كتبه أو غالب كتبه قديمها وحديثها، وهو أيضاً مذهب مالك : أن الزكاة من المعادن إنما تجب في الذهب والفضة فحسب، وحجته في ذلك: أولاً: ما ورد من النصوص في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، كقوله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34]، وكقوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاته .. ) وكل هذا قد مضى، والإجماع كما حكاه غير واحد، فقالوا: هذا دليل على أن المعدَن إذا كان ذهباً أو فضة فإن فيه الزكاة، وأما ما كان غير ذلك فلا زكاة فيه.

وكذلك احتجوا بأن ما وراء ذلك ليس فيه دليل، فيبقى مالاً مباحاً ظفر به صاحبه، فلا شيء عليه فيه، كما أن بعضهم قاسوه على الطين الأحمر.. وغيره، قالوا: وقع الاتفاق على أن الطين والرمل ليس فيه شيء، وكذلك المعادن المستفادة من الأرض تقوم بالذهب والفضة وتشبه الطين فلا شيء فيها.

واحتجوا بحديث نصه: ( لا زكاة في الحجر )، وهذا الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل وأشار إلى تضعيفه، وأنه من رواية عمر بن أبي عمر الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعمر الكلاعي هذا ضعيف كما أشار إليه ابن عدي أو هو مجهول، هو ضعيف أو مجهول، قال: وأحاديثه منكرة وغير محفوظة.

وأيضاً: رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيها المقال الذي سبق مراراً، وقد تابع عمراً هذا محمد بن عبيد الله العرزمي، العرزمي : بعين فراء فزاي، وهو ضعيف أيضاً، ضعفه البخاري والنسائي وابن معين والفلاس .. وغيرهم.

إذاً: حديث: ( لا زكاة في الحجر ) حديث ضعيف، أو ضعيف جداً لا تقوم به حجة، هذا هو القول الثاني، وهو قول الشافعية والمالكية: أنه لا زكاة في شيء من المعادن إلا في الذهب والفضة.

القول الثالث: تقسيم المعادن المستخرجة إلى ثلاثة أقسام

القول الثالث: وهو مذهب الحنفية يقولون: إن المعادن المستخرجة من باطن الأرض تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول منها: معدَن جامد ينطبع بالنار، يعني: يقبل الطرق والسحب والتشكيل، ممكن أن يصنع منه مثلاً أشياء عديدة، يصنع منه صفائح، يصنع منه أسلاك، يصنع منه حلي.. أو غير ذلك، فهو يقبل الطرق والسحب وأصله جامد، مثل: الذهب، ومثل: الفضة، ومثل: الحديد، ومثل: الرصاص، ومثل: النحاس، وهذه أيضاً تصنع منها الدراهم والدنانير وغيرها والصُفُر، فهذه الأشياء يجب فيها الحق، كما سوف أبينه بعد قليل.

القسم الثاني عندهم: الجامد الذي لا يقبل الانطباع ولا يقبل التشكيل والطرق والسحب، وذلك مثل: الجُص، أو الكحل أو النورة أو الزرنيخ.. أو غيرها، فقالوا: هذا لا شيء فيه لا من زكاة ولا من خمس ولا سواه.

القسم الثالث: وهو المائع، طبعاً لن يكون هنا حاجة إلى قيد آخر، فالمائع مثل: النفط والقار وسواها، قالوا: هذا أيضاً لا شيء فيه.

إذاً: الحنفية أوجبوا الحق الشرعي، وهو الخمس كما سوف أشير في الجامد الذي يقبل الانطباع ويقبل الطرق والسحب والتشكيل، ولم يوجبوه فيما سوى ذلك من الجامدات غير القابلة أو من المائعات، وكأن الحنفية بهذا ألحقوا الجامد القابل للتشكيل؛ ألحقوه بالركاز الذي ورد فيه النص أن فيه الخمس، ولذلك أوجبوا فيما يجب في الركاز.

أما ما سواه من الجامد الذي لا يقبل الطرق ومن المائعات فإنهم ألحقوها بالتراب والطين والحجر، وقالوا: ليس فيها شيء ولا خمس ولا صدقة ولا زكاة.

ويُشْكل عليهم في تقسيمهم -على الأقل- ما هو معروف اليوم من الغاز، فإن الغاز ليس جامداً ولا مائعاً، وهو لا شك أنه ليس معدناً بالتعريف العلمي الذي ذكرناه، ولكنه معدن بتعريف الفقهاء الاصطلاحي الذي مر قبل قليل، وهو من المعادن النفيسة المهمة، فثروات كثير من الدول اليوم -دول الخليج وغيرها- تقوم على الغاز كما هو معروف.

القول الرابع: وجوب الزكاة في المعادن كلها

المذهب الرابع: هو مذهب الحنابلة؛ ذهبوا إلى إيجاب الزكاة في المعادن كلها، يعني: سواءً كانت جامدة قابلة للطرق أو غير قابلة، أو مائعة أو ما سوى ذلك، وسواءً كانت في ملكه أو كانت في البراري، ودليل الحنابلة في ذلك عموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]، فقالوا: كل ما خرج من الأرض وجب فيه الزكاة، وهذا هو الأصل الذي ينبغي طرده وعدم التفريق فيه بين معدن ومعدن، وما دمنا قد رجحنا في الأسبوع الماضي مذهب الحنفية في وجوب الزكاة في الخارج من الأرض من النباتات والخضروات والفواكه.. وغيرها، فمن الطبيعي أن نرجح في هذا الموضع مذهب الحنابلة؛ لأنه أكثر اطراداً وأكثر انسجاماً مع عموم النص، الذي لا يوجد ما يقيده أو يحده، كما أنه يمكن الاستدلال لهم بقياس بقية المعادن على الذهب والفضة، التي ورد بها النص الصريح، والإجماع الذي نقله غير واحد، باعتبار أن كل هذه الأشياء معادن، وأنها استخرجت من باطن الأرض، وأنها ذات قيمة، فوجبت فيها الزكاة.

إذاً: هذه هي المسألة الأولى، وهذا هو القول الراجح فيها.

الأول: مذهب الظاهرية كـداود بن علي الأصبهاني وابن حزم وغيرهما، وحكاه ابن حزم أيضاً في المحلى عن الليث بن سعد : أنه لا زكاة في شيء من المعادن مطلقاً، ولا خُمُس ولا غيره، وقالوا: إن هذه الأشياء مما رزقه الله العبد، ولم يثبت أن فيه شيئاً بنص ولا بإجماع، وذمة الإنسان معصومة، ولذلك فلا زكاة في شيء من المعادن، إلا أن يحول عليها الحول عند مالكها فتجب عليه الزكاة حينئذ ولا بد؛ لأنه مال حال عليه الحول، وذكر ابن حزم أن هذا القول هو أحد أقوال الإمام الشافعي .

القول الثاني: وهو مذهب الشافعي المذكور عنه والمنصوص في كتبه أو غالب كتبه قديمها وحديثها، وهو أيضاً مذهب مالك : أن الزكاة من المعادن إنما تجب في الذهب والفضة فحسب، وحجته في ذلك: أولاً: ما ورد من النصوص في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، كقوله عز وجل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:34]، وكقوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاته .. ) وكل هذا قد مضى، والإجماع كما حكاه غير واحد، فقالوا: هذا دليل على أن المعدَن إذا كان ذهباً أو فضة فإن فيه الزكاة، وأما ما كان غير ذلك فلا زكاة فيه.

وكذلك احتجوا بأن ما وراء ذلك ليس فيه دليل، فيبقى مالاً مباحاً ظفر به صاحبه، فلا شيء عليه فيه، كما أن بعضهم قاسوه على الطين الأحمر.. وغيره، قالوا: وقع الاتفاق على أن الطين والرمل ليس فيه شيء، وكذلك المعادن المستفادة من الأرض تقوم بالذهب والفضة وتشبه الطين فلا شيء فيها.

واحتجوا بحديث نصه: ( لا زكاة في الحجر )، وهذا الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل وأشار إلى تضعيفه، وأنه من رواية عمر بن أبي عمر الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعمر الكلاعي هذا ضعيف كما أشار إليه ابن عدي أو هو مجهول، هو ضعيف أو مجهول، قال: وأحاديثه منكرة وغير محفوظة.

وأيضاً: رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيها المقال الذي سبق مراراً، وقد تابع عمراً هذا محمد بن عبيد الله العرزمي، العرزمي : بعين فراء فزاي، وهو ضعيف أيضاً، ضعفه البخاري والنسائي وابن معين والفلاس .. وغيرهم.

إذاً: حديث: ( لا زكاة في الحجر ) حديث ضعيف، أو ضعيف جداً لا تقوم به حجة، هذا هو القول الثاني، وهو قول الشافعية والمالكية: أنه لا زكاة في شيء من المعادن إلا في الذهب والفضة.

القول الثالث: وهو مذهب الحنفية يقولون: إن المعادن المستخرجة من باطن الأرض تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول منها: معدَن جامد ينطبع بالنار، يعني: يقبل الطرق والسحب والتشكيل، ممكن أن يصنع منه مثلاً أشياء عديدة، يصنع منه صفائح، يصنع منه أسلاك، يصنع منه حلي.. أو غير ذلك، فهو يقبل الطرق والسحب وأصله جامد، مثل: الذهب، ومثل: الفضة، ومثل: الحديد، ومثل: الرصاص، ومثل: النحاس، وهذه أيضاً تصنع منها الدراهم والدنانير وغيرها والصُفُر، فهذه الأشياء يجب فيها الحق، كما سوف أبينه بعد قليل.

القسم الثاني عندهم: الجامد الذي لا يقبل الانطباع ولا يقبل التشكيل والطرق والسحب، وذلك مثل: الجُص، أو الكحل أو النورة أو الزرنيخ.. أو غيرها، فقالوا: هذا لا شيء فيه لا من زكاة ولا من خمس ولا سواه.

القسم الثالث: وهو المائع، طبعاً لن يكون هنا حاجة إلى قيد آخر، فالمائع مثل: النفط والقار وسواها، قالوا: هذا أيضاً لا شيء فيه.

إذاً: الحنفية أوجبوا الحق الشرعي، وهو الخمس كما سوف أشير في الجامد الذي يقبل الانطباع ويقبل الطرق والسحب والتشكيل، ولم يوجبوه فيما سوى ذلك من الجامدات غير القابلة أو من المائعات، وكأن الحنفية بهذا ألحقوا الجامد القابل للتشكيل؛ ألحقوه بالركاز الذي ورد فيه النص أن فيه الخمس، ولذلك أوجبوا فيما يجب في الركاز.

أما ما سواه من الجامد الذي لا يقبل الطرق ومن المائعات فإنهم ألحقوها بالتراب والطين والحجر، وقالوا: ليس فيها شيء ولا خمس ولا صدقة ولا زكاة.

ويُشْكل عليهم في تقسيمهم -على الأقل- ما هو معروف اليوم من الغاز، فإن الغاز ليس جامداً ولا مائعاً، وهو لا شك أنه ليس معدناً بالتعريف العلمي الذي ذكرناه، ولكنه معدن بتعريف الفقهاء الاصطلاحي الذي مر قبل قليل، وهو من المعادن النفيسة المهمة، فثروات كثير من الدول اليوم -دول الخليج وغيرها- تقوم على الغاز كما هو معروف.

المذهب الرابع: هو مذهب الحنابلة؛ ذهبوا إلى إيجاب الزكاة في المعادن كلها، يعني: سواءً كانت جامدة قابلة للطرق أو غير قابلة، أو مائعة أو ما سوى ذلك، وسواءً كانت في ملكه أو كانت في البراري، ودليل الحنابلة في ذلك عموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]، فقالوا: كل ما خرج من الأرض وجب فيه الزكاة، وهذا هو الأصل الذي ينبغي طرده وعدم التفريق فيه بين معدن ومعدن، وما دمنا قد رجحنا في الأسبوع الماضي مذهب الحنفية في وجوب الزكاة في الخارج من الأرض من النباتات والخضروات والفواكه.. وغيرها، فمن الطبيعي أن نرجح في هذا الموضع مذهب الحنابلة؛ لأنه أكثر اطراداً وأكثر انسجاماً مع عموم النص، الذي لا يوجد ما يقيده أو يحده، كما أنه يمكن الاستدلال لهم بقياس بقية المعادن على الذهب والفضة، التي ورد بها النص الصريح، والإجماع الذي نقله غير واحد، باعتبار أن كل هذه الأشياء معادن، وأنها استخرجت من باطن الأرض، وأنها ذات قيمة، فوجبت فيها الزكاة.

إذاً: هذه هي المسألة الأولى، وهذا هو القول الراجح فيها.

المسألة الثانية، ولها تعلق بالأولى وهي: هل ما يخرج من البحر من الجواهر والأحجار والمعادن الكريمة، كاللؤلؤ مثلاً أو المرجان، أو ما يخرج منه أيضاً من الطيب كالعنبر الذي يباع بأغلى الأثمان؛ هل هذا أيضاً فيه حق أو زكاة، أو ليس فيه شيء؟

القول الأول: أن المستخرج من البحر لا زكاة فيه

جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وقول أبي عبيد صاحب الأموال وأبي ثور، ومذهب عكرمة نص عليه، كما ذكره ابن أبي شيبة عنه: أن المستخرج من البحر لا شيء فيه، لا من زكاة ولا من خمس، ويروى في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (ليس في العنبر شيء)، وهكذا عن جابر، والأثر عنهما رواه أبو عبيد .. وغيره، وهذا من حجتهم.

من حجتهم أيضاً: أن هذه الأشياء كانت تستخرج في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يأت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة كما قاله أبو عبيد، ولا نقل عن أحد من الخلفاء الراشدين أنهم أخذوا منه الزكاة من وجه يصح.

وقد جاء عن ابن عباس أيضاً من وجه آخر غير ما سبق أنه قال: (لا شيء في العنبر، إنما هو شيء دسره البحر أو ألقاه البحر)، وأثر ابن عباس أخرجه البيهقي، وذكره البخاري معلقاً مجزوماً به، مما يدل على أنه عنده ثابت، ووصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق .. وغيرهما.

إذاً: هذا هو القول الأول، وهو مذهب الجمهور؛ أن ما يخرج من البحر ليس فيه شيء لا زكاة ولا خُمس ولا سواها.

القول الثاني: أن المستخرج من البحر فيه الزكاة

والقول الثاني في هذه المسألة: وهو قول أبي يوسف من الحنفية، وهو رواية أيضاً عن الإمام أحمد : أن فيما يخرج من البحر الزكاة، والمقصود: ما يخرج منه من المعادن أو الطيب.. ونحوها أن فيه الزكاة، وقالوا: إنه يشبه معدَن البر.

وروي هذا أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه وعمر بن الخطاب والحسن والزهري، وهو إحدى الروايتين عن عمر بن عبد العزيز .

والأقرب في هذه المسألة هو القول الأول:

أولاً: لعدم وجود أدلة تكفي في هذا الباب.

وثانياً: لما ذكروه من أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفاءه لم يأخذوا منه شيئاً.

وثالثاً: لقلة ما يخرج من البحر بالقياس إلى ما يوجد في البر من المعادن فهو قليل، والشرع إنما يوجب الزكاة في الأشياء الكثيرة.

ورابعاً: للكلفة التي تحصل لمن يستخرج هذه المعادن من البحر غالباً، فإنها قد تحتاج إلى غوص، وإن كان يوجد منها ما يلقيه البحر في البر دون عناء.

وخامساً: لأن إلحاق ما يخرج من البحر بالصيد وبالسمك الذي يستخرج من البحر أولى، ولذلك أيضاً ذهب الجمهور إلى أن الصيد ليس فيه زكاة، سواء كان صيد البر أو صيد البحر، وقد ذكر الله تعالى صيد البر في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا [المائدة:96]، وذكره النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي قتادة وغيره، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه حقاً على من صاده.

قال ابن قدامة رحمه الله: أما السمك فلا شيء فيه بحال في قول أهل العلم كافة، إلا شيء روي عن عمر بن عبد العزيز، رواه عنه أبو عبيد وقال أبو عبيد : ليس الناس على هذا، ولا نعلم أحداً يعمل به، وقد روي ذلك أيضاً عن أحمد .

والصحيح أن هذا لا شيء فيه؛ لأنه صيد فلم يجب فيه زكاة كصيد البر، ولأنه لا نص ولا إجماع على الوجوب فيه. انتهى كلام ابن قدامة، ولا يصح قياس الصيد على ما فيه الزكاة بحال من الأحوال فلا وجه لإيجابها فيه.

إذاً: الصحيح أن صيد البر والبحر ليس فيه زكاة على من أخذه، إلا أن يتحول إلى شيء آخر، كأن يكون عروض تجارة مثلاً، فتجب الزكاة التي هي زكاة عروض التجارة.

جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وقول أبي عبيد صاحب الأموال وأبي ثور، ومذهب عكرمة نص عليه، كما ذكره ابن أبي شيبة عنه: أن المستخرج من البحر لا شيء فيه، لا من زكاة ولا من خمس، ويروى في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (ليس في العنبر شيء)، وهكذا عن جابر، والأثر عنهما رواه أبو عبيد .. وغيره، وهذا من حجتهم.

من حجتهم أيضاً: أن هذه الأشياء كانت تستخرج في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يأت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة كما قاله أبو عبيد، ولا نقل عن أحد من الخلفاء الراشدين أنهم أخذوا منه الزكاة من وجه يصح.

وقد جاء عن ابن عباس أيضاً من وجه آخر غير ما سبق أنه قال: (لا شيء في العنبر، إنما هو شيء دسره البحر أو ألقاه البحر)، وأثر ابن عباس أخرجه البيهقي، وذكره البخاري معلقاً مجزوماً به، مما يدل على أنه عنده ثابت، ووصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق .. وغيرهما.

إذاً: هذا هو القول الأول، وهو مذهب الجمهور؛ أن ما يخرج من البحر ليس فيه شيء لا زكاة ولا خُمس ولا سواها.