خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/157"> الشيخ سلمان العودة . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/157?sub=4"> شرح بلوغ المرام
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح بلوغ المرام - كتاب الطهارة - باب المياه - حديث 5-6
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ), وفي لفظ: ( لم ينجس ), أو ( لم ينجس ).
تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه
فالحديث أخرجه الخمسة, وأخرجه الدارمي والدارقطني والطحاوي والطيالسي وابن حبان وابن خزيمة والحاكم والبيهقي . فهذه مصادر جديدة للحديث إضافة إلى ما ذكره المصنف رحمه الله.
وقد صححه الأئمة أيضاً، فممن صحح الحديث من ذكرهم المصنف, وهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، فهؤلاء ثلاثة صححوه, يضاف إليهم ابن منده , ويضاف إليهم يحيى بن معين رحمه الله, حيث قال عن طريق الحديث: إسنادها جيد.
ويضاف إليهم الطحاوي , فإنه صححه وإن لم يأخذ به كما أخذت به الشافعية, ولم يعتبره فرقاً بين الكثير والقليل.
وممن صححه الحافظ ابن حجر في التلخيص، والإمام ابن تيمية رحمه الله, بل ذكر ابن تيمية أن أبا عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي صنف كتاباً خاصاً في هذا الحديث, أثبت فيه صحته, وجمع طرقه, ورد فيه على ابن عبد البر الذي ضعف الحديث كما سيأتي.
وصححه أيضاً الذهبي في تلخيصه للمستدرك .
وصححه النووي .
ومن المعاصرين صححه الألباني . فالحديث صحيح عن جميع هؤلاء الأئمة.
وإلى جوار هؤلاء الذين صححوه، فهناك من ضعفوه، وممن ضعف هذا الحديث أو من أشهر من ضعف هذا الحديث: الحافظ ابن عبد البر المالكي , حيث قال: إن مذهب الشافعي في اعتبار القلتين فرقاً بين الكثير والقليل مذهب لا يثبت من جهة الأثر، ولا من جهة النظر، ويقصد من جهة الأثر: أن الحديث الذي استدل به وهو حديث القلتين أنه ضعيف. وأيضاً ضعفه القاضي إسماعيل، كما نقله ابن عبد البر , ممن ضعفه القاضي إسماعيل, وممن ضعفه الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه تهذيب السنن, وكتاب تهذيب السنن هو شرح لسنن أبي داود فقد ضعف رحمه الله هذا الحديث من خمسة عشر وجهاً, منها أوجه تتعلق بالإسناد، ومنها أوجه تتعلق بالمتن, ونقل بعضهم أن الحافظ المزي ضعف الحديث أيضاً.
وقد أخذ بقول هؤلاء الأئمة أحد العلماء المعاصرين, وهو الشيخ محمد بن حامد الفقي , فقال في تعليقه على بلوغ المرام : إن هذا الحديث شاذ, لا يصح من جهة السند، ولا من جهة المتن. ثم لخص كلام ابن القيم رحمه الله مقراً له.
أوجه تضعيف الحديث
الوجه الأول الذي ضعفوا به هذا الحديث: قالوا: إنه حديث مضطرب, يعني: اختلف الرواة في إسناده، فمرة يروونه عن فلان، ومرة يروونه عن فلان. وهذا يدل على أنهم لم يضبطوا الحديث. والحديث المضطرب هو أحد أقسام الحديث الضعيف, حتى لو كان رواته ثقات، فقالوا: إنه مضطرب من جهة الإسناد.
كيف هو مضطرب من جهة الإسناد، قالوا: إن مدار الحديث على الوليد بن كثير , الوليد بن كثير هذا وإن كان ثقة، إلا أنه روى الحديث على أربعة أوجه, وكل وجه مختلف عن الآخر, فمرة الوليد بن كثير يروي الحديث عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، ومرة يرويه عن محمد بن جعفر بن الزبير نفسه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أخ الأول، ومرة يذكر الوليد بن كثير الحديث ليس عن محمد بن جعفر بن الزبير، إنما عن رجل آخر هو محمد بن عباد بن جعفر , فيرويه عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، ومرة رابعة يرويه أيضاً عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبيد الله أخي عبد الله بن عبد الله بن عمر . قالوا: فهذه أربعة أوجه روي الحديث فيها عن الوليد بن كثير , فدل هذا على أن الوليد بن كثير لم يضبط إسناد الحديث.
وقد اختلف العلماء - علماء الحديث- في هذا اختلافاً كبيراً, ومن أراد التوسع فيه فليرجع إلى كتاب نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ الزيلعي , فقد أطال النفس في هذا الموضوع.
لكن خلاصة الجواب على من قالوا: إن الحديث مضطرب ما ذكره ابن حجر في كتابه التلخيص الحبير , حيث قال: الصواب: أن الحديث الصحيح من طريقين: الأول عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله , عبيد الله المصغر , الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر عن عبيد الله , هذا صحيح.
والطريق الثاني الصحيح أيضاً هو: عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد عن عبد الله بن عبد الله بن عمر المكبر . قال: ومن رواه عن غير هذا الوجه فقد وهم.
فرد ابن حجر رحمه الله الاضطراب بترجيح هاتين الروايتين, وتضعيف ما عداهما.
وبذلك يتبين لكم أن الاضطراب في إسناد هذا الحديث مدفوع بترجيح روايتين على بقية الروايات, هذا هو الاضطراب في السند, وهو الوجه الأول من أوجه تضعيف الحديث.
الوجه الثاني من أوجه تضعيف الحديث: قالوا: إنه مضطرب المتن, ما معنى مضطرب المتن؟
قالوا: مرة جاء الحديث: ( إذا بلغ الماء قلتين ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء قلة ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء ثلاث قلال ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء أربعين قلة ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء أربعين دلواً )، ومرة: ( إذا بلغ الماء أربعين غرباً لم يحمل الخبث ). فهذه ستة أوجه في تحديد الماء الذي لا يحمل الخبث, قلة أو قلتين أو ثلاث أو أربعين أو أربعين غرباً أو أربعين دلواً.
قالوا: وهذا الاضطراب في متن الحديث - الأول في الإسناد، وهذا في المتن- يدل أيضاً على ضعف الحديث.
والجواب على هذا القول: أن يقال: الراجح رواية القلتين؛ لأن رواتها أكثر وأوثق, فيضعف ما عداها من الروايات.
فالراجح: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ).
وهذا هو الوجه الثاني من أوجه تضعيف الحديث.
الوجه الثالث من أوجه تضعيف الحديث: قالوا: إنه مضطرب المعنى، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: لعدم تفسير القلة. ما هي القلة في لغة العرب؟
اختلف العلماء والفقهاء في تفسير القلة, فقال بعضهم: القلة هي القربة، وقال بعضهم: هي إناء معروف عند العرب كبير، وقال بعضهم: هو إناء معروف عند العرب صغير، وقال بعضهم: القلة هي الدورق, وقيل: القلة هي الجرة، وقيل: القلة هي الإناء الذي تقله بيدك, يعني: تستطيع أن ترفعه بيدك, حتى قال بعضهم: إن القلة هي رأس الجبل أيضاً, فرأس الجبل يسمى القلة, ولكن أنكر شيخ الإسلام رحمه الله هذا المعنى, وقال: من قال: إن المقصود بالقلة رأس الجبل فكأنه يستهزئ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأننا لا نعلم ماء يبلغ قلال الجبال - يعني: رءوس الجبال- إلا ماء الطوفان, أما بقية المياه فليست كذلك, فالمهم أن تعريف القلة مختلف فيه ما هي القلة. فهذا وجه من أوجه اضطراب المعنى.
الوجه الثاني: أنه على فرض أن القلة إناء معروف كما هو عند الشافعية, وعلى فرض أنه محدد بقلال هجر , فإن هذه القلال غير معلومة المقدار, وقد ذكر ابن المنذر رحمه الله تسعة أقوال في تحديد مقدار القلة , ومضى في الحلقة الماضية أن منهم من جعلها ألف رطل، ومنهم من جعلها أربعمائة رطل، وما بين ذلك, وهذا فرق كبير, بل قال بعضهم: كل إناء صغير أو كبير فهو قلة.
إذاً: فالوجه الثالث من أوجه تضعيف الحديث: أنه مضطرب المعنى, ومضطرب المعنى من وجهين: من وجه عدم تفسير القلة. ما المقصود بها؟ وعلى الفرض بأن القلة محددة ومعروفة فهي غير محددة المقدار.
فكيف نجيب على هذا الوجه أو على هذين الوجهين؟
أما جواب من أخذوا بالحديث وهم الشافعية، فقالوا: إن القلة معروفة, وما حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الماء بالقلتين في الحديث إلا لأن السامعين يعرفونه, ولو لم يعرفوه لسألوا واستفسروا عنه.
وفيما يتعلق بمقدارها، قالوا: إنها قلال هجر , وهي البحرين أو قرية قرب المدينة , وحددها الشافعي رحمه الله في كتاب الأم بخمس قرب تقريباً, وحددها بعضهم بأنها متر وربع طولاً وعرضاً وعمقاً, أن القلتين قدر ما يسع بركة أو حوضاً طوله متر وربع وعرضه متر وربع وعمقه متر وربع. هذا جواب من أخذوا بالحديث على اضطراب المعنى.
أما جواب غيرهم من أهل العلم ممن صححوا الحديث ولم يعتبروا القلتين تحديداً للقليل والكثير، فقالوا: نعم, مع التسليم لكم بأن القلة غير محددة وغير محددة المقدار، فإننا لا نحتاج إلى هذا التحديد, ولو احتجنا إليه لسأل عنه الصحابة فعلاً رضي الله عنهم, لا نحتاج إلى هذا التحديد؛ لأن المقصود في الحديث ليس التفريق بين كثير لا ينجس إلا بالتغير وبين قليل ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه, وإنما المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الماء الكثير لا يتأثر بالنجاسة في الغالب, فهذا الحديث له سبب كما هو معروف, وهو أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بالفلاة من الأرض, وما ينوبه من السباع والدواب, فهذا الماء كثير غالباً, وما يتعرض له من النجاسات قليل ينغمر فيه, فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن مثل هذه المياه لا تنجس بهذه الأشياء اليسيرة مما يأتيها من السباع والدواب, وإلا لو كان المقصود التحديد لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً, ولم يحتج إلى أن يأتي أعرابي فيسأل, فيبين النبي صلى الله عليه وسلم الحكم له, وكيف يخفى مثل هذا الحكم على الصحابة رضي الله عنهم, أو على بقية الصحابة حتى يأتي هذا الأعرابي فيسأل عنه؟ كما ذكر هذا الوجه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
فيقال: لسنا بحاجة إلى تحديد القلة ولا تحديد مقدارها؛ لأننا لا نعتبرها فرقاً بين الكثير والقليل, بل المقصود في معنى الحديث, هو أن الكثير لا يتغير بالنجاسة في الغالب كما سبق.
وبناء على ذلك فنقول: مع التسليم بأن الحديث مضطرب المعنى فهو صحيح, وهذا الاضطراب لا يؤثر في صحته.
هذه هي الأوجه الثلاثة التي ضعف بها الحديث, اضطراب السند .. اضطراب المتن .. اضطراب المعنى, وهذا ملخص الجواب على هذه الأوجه.
معاني ألفاظ الحديث
أي: يرد إليه ويأتيه نوبة بعد نوبة, فهذا هو الذي ينوبه, وقد ذكر الإمام الدارقطني رحمه الله أن الإمام عبد الله بن المبارك قد صحف هذا الحديث وما معنى التصحيف؟ معنى التصحيف هو: أن يأتي بحرف بدل حرف آخر فيتغير معنى الكلمة فمثلاً: في هذا الحديث ذكر الدارقطني أن عبد الله بن المبارك بدلاً من أن يقول: وما ينوبه بالنون، قال: وما يثوبه بالثاء. وهذا يسمى عند المحدثين تصحيفاً.
وقد اهتم المحدثون بتتبع تصحيفات الرواة وأخطائهم، سواء في السند أو في المتن, حتى ألف فيها العسكري كتاباً سماه تصحيفات المحدثين , وهو مطبوع في ثلاثة أجزاء, وألف كتاباً آخر سماه التصحيف والتحريف , وهو مخطوط فيما يظهر .
ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ). ما معنى قوله: (لم يحمل الخبث)؟
أي: أن الماء إذا بلغ قلتين فإنه يدفع الخبث عن نفسه, حتى ولو وقع فيه لا يتأثر به ولا ينجس. هذا هو المعنى الصحيح. والسنة يفسر بعضها بعضاً, فقوله: ( لم يحمل الخبث ) يفسره قوله: ( لم ينجس ), أو ( لم ينجس ), كما هي رواية أبي داود وابن ماجه وغيرهما في اللفظ الآخر.
وقد زعم بعضهم أن للحديث معنى آخر, وهو معنى فاسد, فقالوا: إن قوله: ( لم يحمل الخبث ) أي: أنه لا يقدر على حمل الخبث, أي: يضعف عن حمل الخبث. وهذا المعنى غير صحيح, بل هو باطل من وجهين:
باطل أولاً: لأنه مفسر بالرواية الأخرى: ( لم ينجس ).
وباطل لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين ). لأن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث على زعمهم، أي: أنه إذا بلغ قلتين فإنه ينجس بوقوع النجاسة فيه. هذا هو المعنى الثاني.
فإذا كان بلغ قلتين ينجس بوقوع النجاسة فيه، فما دون القلتين ما حكمه؟
من باب أولى ينجس, فيكون التحديد بالقلتين ليس له معنى على هذا, لو كان المعنى: ( لم يحمل الخبث ) أي: أنه ينجس بوقوع الخبث فيه لما كان للتحديد بالقلتين معنى, ولكان هذا لغواً. لكن الصحيح أنه لم ينجس.
وقد سبق أن الحديث دليل الشافعي رحمه الله ومن وافقه في التفريق بين القليل والكثير, واعتبار القلتين حداً فاصلاً في ذلك.
الحديث أخرجه الأربعة كما يقول المصنف، بل أخرجه الخمسة, وهم أصحاب الكتب الأربعة، السنن مع الإمام أحمد.
فالحديث أخرجه الخمسة, وأخرجه الدارمي والدارقطني والطحاوي والطيالسي وابن حبان وابن خزيمة والحاكم والبيهقي . فهذه مصادر جديدة للحديث إضافة إلى ما ذكره المصنف رحمه الله.
وقد صححه الأئمة أيضاً، فممن صحح الحديث من ذكرهم المصنف, وهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، فهؤلاء ثلاثة صححوه, يضاف إليهم ابن منده , ويضاف إليهم يحيى بن معين رحمه الله, حيث قال عن طريق الحديث: إسنادها جيد.
ويضاف إليهم الطحاوي , فإنه صححه وإن لم يأخذ به كما أخذت به الشافعية, ولم يعتبره فرقاً بين الكثير والقليل.
وممن صححه الحافظ ابن حجر في التلخيص، والإمام ابن تيمية رحمه الله, بل ذكر ابن تيمية أن أبا عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي صنف كتاباً خاصاً في هذا الحديث, أثبت فيه صحته, وجمع طرقه, ورد فيه على ابن عبد البر الذي ضعف الحديث كما سيأتي.
وصححه أيضاً الذهبي في تلخيصه للمستدرك .
وصححه النووي .
ومن المعاصرين صححه الألباني . فالحديث صحيح عن جميع هؤلاء الأئمة.
وإلى جوار هؤلاء الذين صححوه، فهناك من ضعفوه، وممن ضعف هذا الحديث أو من أشهر من ضعف هذا الحديث: الحافظ ابن عبد البر المالكي , حيث قال: إن مذهب الشافعي في اعتبار القلتين فرقاً بين الكثير والقليل مذهب لا يثبت من جهة الأثر، ولا من جهة النظر، ويقصد من جهة الأثر: أن الحديث الذي استدل به وهو حديث القلتين أنه ضعيف. وأيضاً ضعفه القاضي إسماعيل، كما نقله ابن عبد البر , ممن ضعفه القاضي إسماعيل, وممن ضعفه الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه تهذيب السنن, وكتاب تهذيب السنن هو شرح لسنن أبي داود فقد ضعف رحمه الله هذا الحديث من خمسة عشر وجهاً, منها أوجه تتعلق بالإسناد، ومنها أوجه تتعلق بالمتن, ونقل بعضهم أن الحافظ المزي ضعف الحديث أيضاً.
وقد أخذ بقول هؤلاء الأئمة أحد العلماء المعاصرين, وهو الشيخ محمد بن حامد الفقي , فقال في تعليقه على بلوغ المرام : إن هذا الحديث شاذ, لا يصح من جهة السند، ولا من جهة المتن. ثم لخص كلام ابن القيم رحمه الله مقراً له.
ولو نظرنا إلى هؤلاء الأئمة الذين ضعفوا الحديث لوجدنا أنهم ضعفوه من ثلاثة أوجه، نمر عليها بسرعة حتى لا يثقل عليكم الكلام في أوجه التضعيف:
الوجه الأول الذي ضعفوا به هذا الحديث: قالوا: إنه حديث مضطرب, يعني: اختلف الرواة في إسناده، فمرة يروونه عن فلان، ومرة يروونه عن فلان. وهذا يدل على أنهم لم يضبطوا الحديث. والحديث المضطرب هو أحد أقسام الحديث الضعيف, حتى لو كان رواته ثقات، فقالوا: إنه مضطرب من جهة الإسناد.
كيف هو مضطرب من جهة الإسناد، قالوا: إن مدار الحديث على الوليد بن كثير , الوليد بن كثير هذا وإن كان ثقة، إلا أنه روى الحديث على أربعة أوجه, وكل وجه مختلف عن الآخر, فمرة الوليد بن كثير يروي الحديث عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، ومرة يرويه عن محمد بن جعفر بن الزبير نفسه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أخ الأول، ومرة يذكر الوليد بن كثير الحديث ليس عن محمد بن جعفر بن الزبير، إنما عن رجل آخر هو محمد بن عباد بن جعفر , فيرويه عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، ومرة رابعة يرويه أيضاً عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبيد الله أخي عبد الله بن عبد الله بن عمر . قالوا: فهذه أربعة أوجه روي الحديث فيها عن الوليد بن كثير , فدل هذا على أن الوليد بن كثير لم يضبط إسناد الحديث.
وقد اختلف العلماء - علماء الحديث- في هذا اختلافاً كبيراً, ومن أراد التوسع فيه فليرجع إلى كتاب نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ الزيلعي , فقد أطال النفس في هذا الموضوع.
لكن خلاصة الجواب على من قالوا: إن الحديث مضطرب ما ذكره ابن حجر في كتابه التلخيص الحبير , حيث قال: الصواب: أن الحديث الصحيح من طريقين: الأول عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله , عبيد الله المصغر , الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر عن عبيد الله , هذا صحيح.
والطريق الثاني الصحيح أيضاً هو: عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد عن عبد الله بن عبد الله بن عمر المكبر . قال: ومن رواه عن غير هذا الوجه فقد وهم.
فرد ابن حجر رحمه الله الاضطراب بترجيح هاتين الروايتين, وتضعيف ما عداهما.
وبذلك يتبين لكم أن الاضطراب في إسناد هذا الحديث مدفوع بترجيح روايتين على بقية الروايات, هذا هو الاضطراب في السند, وهو الوجه الأول من أوجه تضعيف الحديث.
الوجه الثاني من أوجه تضعيف الحديث: قالوا: إنه مضطرب المتن, ما معنى مضطرب المتن؟
قالوا: مرة جاء الحديث: ( إذا بلغ الماء قلتين ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء قلة ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء ثلاث قلال ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء أربعين قلة ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء أربعين دلواً )، ومرة: ( إذا بلغ الماء أربعين غرباً لم يحمل الخبث ). فهذه ستة أوجه في تحديد الماء الذي لا يحمل الخبث, قلة أو قلتين أو ثلاث أو أربعين أو أربعين غرباً أو أربعين دلواً.
قالوا: وهذا الاضطراب في متن الحديث - الأول في الإسناد، وهذا في المتن- يدل أيضاً على ضعف الحديث.
والجواب على هذا القول: أن يقال: الراجح رواية القلتين؛ لأن رواتها أكثر وأوثق, فيضعف ما عداها من الروايات.
فالراجح: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ).
وهذا هو الوجه الثاني من أوجه تضعيف الحديث.
الوجه الثالث من أوجه تضعيف الحديث: قالوا: إنه مضطرب المعنى، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: لعدم تفسير القلة. ما هي القلة في لغة العرب؟
اختلف العلماء والفقهاء في تفسير القلة, فقال بعضهم: القلة هي القربة، وقال بعضهم: هي إناء معروف عند العرب كبير، وقال بعضهم: هو إناء معروف عند العرب صغير، وقال بعضهم: القلة هي الدورق, وقيل: القلة هي الجرة، وقيل: القلة هي الإناء الذي تقله بيدك, يعني: تستطيع أن ترفعه بيدك, حتى قال بعضهم: إن القلة هي رأس الجبل أيضاً, فرأس الجبل يسمى القلة, ولكن أنكر شيخ الإسلام رحمه الله هذا المعنى, وقال: من قال: إن المقصود بالقلة رأس الجبل فكأنه يستهزئ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأننا لا نعلم ماء يبلغ قلال الجبال - يعني: رءوس الجبال- إلا ماء الطوفان, أما بقية المياه فليست كذلك, فالمهم أن تعريف القلة مختلف فيه ما هي القلة. فهذا وجه من أوجه اضطراب المعنى.
الوجه الثاني: أنه على فرض أن القلة إناء معروف كما هو عند الشافعية, وعلى فرض أنه محدد بقلال هجر , فإن هذه القلال غير معلومة المقدار, وقد ذكر ابن المنذر رحمه الله تسعة أقوال في تحديد مقدار القلة , ومضى في الحلقة الماضية أن منهم من جعلها ألف رطل، ومنهم من جعلها أربعمائة رطل، وما بين ذلك, وهذا فرق كبير, بل قال بعضهم: كل إناء صغير أو كبير فهو قلة.
إذاً: فالوجه الثالث من أوجه تضعيف الحديث: أنه مضطرب المعنى, ومضطرب المعنى من وجهين: من وجه عدم تفسير القلة. ما المقصود بها؟ وعلى الفرض بأن القلة محددة ومعروفة فهي غير محددة المقدار.
فكيف نجيب على هذا الوجه أو على هذين الوجهين؟
أما جواب من أخذوا بالحديث وهم الشافعية، فقالوا: إن القلة معروفة, وما حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الماء بالقلتين في الحديث إلا لأن السامعين يعرفونه, ولو لم يعرفوه لسألوا واستفسروا عنه.
وفيما يتعلق بمقدارها، قالوا: إنها قلال هجر , وهي البحرين أو قرية قرب المدينة , وحددها الشافعي رحمه الله في كتاب الأم بخمس قرب تقريباً, وحددها بعضهم بأنها متر وربع طولاً وعرضاً وعمقاً, أن القلتين قدر ما يسع بركة أو حوضاً طوله متر وربع وعرضه متر وربع وعمقه متر وربع. هذا جواب من أخذوا بالحديث على اضطراب المعنى.
أما جواب غيرهم من أهل العلم ممن صححوا الحديث ولم يعتبروا القلتين تحديداً للقليل والكثير، فقالوا: نعم, مع التسليم لكم بأن القلة غير محددة وغير محددة المقدار، فإننا لا نحتاج إلى هذا التحديد, ولو احتجنا إليه لسأل عنه الصحابة فعلاً رضي الله عنهم, لا نحتاج إلى هذا التحديد؛ لأن المقصود في الحديث ليس التفريق بين كثير لا ينجس إلا بالتغير وبين قليل ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه, وإنما المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الماء الكثير لا يتأثر بالنجاسة في الغالب, فهذا الحديث له سبب كما هو معروف, وهو أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بالفلاة من الأرض, وما ينوبه من السباع والدواب, فهذا الماء كثير غالباً, وما يتعرض له من النجاسات قليل ينغمر فيه, فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن مثل هذه المياه لا تنجس بهذه الأشياء اليسيرة مما يأتيها من السباع والدواب, وإلا لو كان المقصود التحديد لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً, ولم يحتج إلى أن يأتي أعرابي فيسأل, فيبين النبي صلى الله عليه وسلم الحكم له, وكيف يخفى مثل هذا الحكم على الصحابة رضي الله عنهم, أو على بقية الصحابة حتى يأتي هذا الأعرابي فيسأل عنه؟ كما ذكر هذا الوجه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
فيقال: لسنا بحاجة إلى تحديد القلة ولا تحديد مقدارها؛ لأننا لا نعتبرها فرقاً بين الكثير والقليل, بل المقصود في معنى الحديث, هو أن الكثير لا يتغير بالنجاسة في الغالب كما سبق.
وبناء على ذلك فنقول: مع التسليم بأن الحديث مضطرب المعنى فهو صحيح, وهذا الاضطراب لا يؤثر في صحته.
هذه هي الأوجه الثلاثة التي ضعف بها الحديث, اضطراب السند .. اضطراب المتن .. اضطراب المعنى, وهذا ملخص الجواب على هذه الأوجه.