شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [1]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الأيمان.

واليمين التي تجب فيها الكفارة إذا حنث هي: اليمين بالله، أو صفة من صفاته، أو بالقرآن، أو بالمصحف، والحلف بغير الله محرم، ولا تجب به كفارة. ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط:

الأول: أن تكون اليمين منعقدة، وهي التي قصد عقدها على مستقبل ممكن، فإن حلف على أمر ماضٍ كاذباً عالماً فهي الغموس.

ولغو اليمين الذي يجري على لسانه بغير قصد، كقوله: لا والله وبلى والله، وكذا يمين عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه، فلا كفارة في الجميع .

الثاني: أن يحلف مختاراً، فإن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه.

الثالث: الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله مختاراً ذاكراً، فإن فعله مكرهاً أو ناسياً فلا كفارة، ومن قال في يمين مكفرة: إن شاء الله لم يحنث، ويسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً، ومن حرم حلالاً سوى زوجته من أمة أو طعام أو لباس أو غيره لم يحرم، وتلزمه كفارة يمين إن فعله.

فصل في كفارة اليمين: يخير من لزمته كفارة يمين بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات].

تقدم لنا ما يتعلق بأحكام الصيد، وذكرنا أن حكم الصيد الإباحة، هذا في الأصل؛ لقول الله عز وجل: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [المائدة:2]، وقد يكون مشروعاً إذا كان المقصود به الاكتساب وتحصيل لقمة العيش، وقد يكون محرماً إذا تضمن إيذاء الناس في حروثهم ومواشيهم، ويكون مكروهاً إذا كان المقصود به اللهو.

وتقدم لنا أن الصيد يشترط له شروط:

الشرط الأول: الأهلية، والأهلية تكون بأمرين: الأمر الأول: العقل، والأمر الثاني: الدين، والمقصود بالدين أن يكون مسلماً أو كتابياً يهودياً أو نصرانياً.

والشرط الثاني: الآلة، والآلة في الصيد تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: محدد لابد أن يجرح الصيد؛ لحديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكُل)، فلابد أن يكون محدداً، له حد يجرح الصيد بحده.

والقسم الثاني من أقسام الآلة: الجارحة، وذكرنا أن الجارحة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما يصيد بنابه، كالكلاب والفهود ونحو ذلك، والقسم الثاني: ما يصيد بمخلبه، مثل الصقر والبازي ونحو ذلك.

والذي يصيد بنابه أو يصيد بمخلبه يشترط أن يكون مُعلماً؛ لقول الله عز وجل: وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ [المائدة:4] .

وتعليم الكلب ونحوه يكون بثلاثة أمور: الأمر الأول: إذا أرسلته يسترسل، والأمر الثاني: أنه إذا زُجر ينزجر، وبينا ما المراد بالزجر، والأمر الثالث: أنه إذا أمسك لا يأكل.

وأما تعليم ما يصيد بمخلبه من الصقور والبازي ونحو ذلك، فيكون إذا أرسلته يسترسل، وإذا دُعي فإنه يجيب، وأما الأكل فلا يشترط، فلو أكل فإن ذلك لا يخرجه عن كونه معلماً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب الأيمان).

الأيمان: جمع يمين، واليمين في اللغة تطلق على معانٍ منها: الحلف والقسم والقوة واليد الجارحة.

وأما في الاصطلاح فاليمين هي: تأكيد المحلوف عليه بذكر لفظ الجلالة أو اسم من أسمائه سبحانه أو صفة من صفاته.

والأصل في الأيمان القرآن والسنة والإجماع، أما القرآن فقول الله عز وجل: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89]، وأما السنة فقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم : (يمينك على ما يصدقك به صاحبك)، والإجماع منعقد على ذلك في الجملة.

والأصل في المسلم أنه يحفظ يمينه؛ لقول الله عز وجل: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] ، وحفظ اليمين يكون بثلاثة أمور: حفظها ابتداءً بألا يحلف، وحفظها وسطاً بألا يحنث، يعني إذا حلف فإنه لا يخالف ما حلف عليه، إلا إذا كان خيراً كما سيأتينا إن شاء الله، وحفظها انتهاءً أنه إذا حلف وحنث في يمينه فإنه يخرج الكفارة، وكما قلنا: الأصل في المسلم أن يحفظ اليمين، ولهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه كتاب التوحيد بوَّب باباً: باب ما جاء في كثرة الحلف بالله عز وجل، كيف ذلك؟ لأنه إذا أكثر من الحلف بالله سبحانه وتعالى هذا يدل على عدم تعظيم الله عز وجل، وهذا نقص في التوحيد، يكون ذلك مخالفاً للتوحيد.

قال رحمه الله: (واليمين التي تجب فيها الكفارة إذا حنث).

الحنث في اليمين: هي أن يفعل ما حلف على تركه أو أن يترك ما حلف على فعله، يعني مخالفة اليمين بأن يفعل ما حلف على تركه، أو أن يترك ما حلف على فعله. ‏

اليمين بالله

قال رحمه الله: (واليمين التي تجب فيها الكفارة إذا حنث هي اليمين بالله أو صفة من صفاته أو بالقرآن أو بالمصحف).

اليمين التي تجب فيها الكفارة يقول لك المؤلف رحمه الله تعالى هي اليمين بالله عز وجل، وهذا الحصر فيه شيء؛ لأن من الأيمان ما تجب فيه الكفارة، وهي ليست يميناً بالله عز وجل كما سيأتينا إن شاء الله.

فإذا حلف بالطلاق -وهي يمين محدثة مبتدعة بعد عهد الصحابة- أو حلف بالتحريم أو حلف بالنذر ونحو ذلك، فإن هذه الأيمان تجب فيها الكفارة كما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكما سيأتينا إن شاء الله.

على كل حال مراد المؤلف رحمه الله بقوله: (هي اليمين بالله أو صفة من صفاته) يعني إذا حلف بمخلوق من المخلوقات، فإنها يمين محرمة ولا تجب فيها الكفارة.

قوله: (هي اليمين بالله).

وهذا بالإجماع كما ذكر ابن المنذر ، أن العلماء رحمهم الله أجمعوا أنه إذا قال: بالله أو والله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة.

اليمين بصفة من صفات الله

قال رحمه الله: (أو صفة من صفاته).

يعني إذا حلف بصفة من صفات من الله عز وجل؛ لأن الحلف بصفة من صفات الله عز وجل، هذا حلف بالله عز وجل، فإذا قال: وعزة الله.. وقدرة الله.. وحكمة الله.. وسمع الله.. وبصر الله، إلى آخره.

وظاهر كلام المؤلف في قوله: (أو صفة من صفاته) سواء كانت هذه الصفة من الصفات الفعلية، أو من الصفات المعنوية، أو من الصفات الخبرية، كما لو قال: ووجه الله ونحو ذلك.

ويدل لذلك حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقال للرجل الذي يغمس في الجنة: هل رأيت بؤساً قط؟ قال: لا وعزتك وجلالك)، فقوله: (لا وعزتك وجلالك) حلف بصفة من صفات الله عز وجل.

وحديث عائشة في صحيح البخاري : (كانت أكثر يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ومقلب القلوب)، وثبت عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لا وسمع الله.

ومثل ذلك أيضاً لو حلف بعهد الله أو بأمانته ونحو ذلك، وهذه كلها من الأيمان.

اليمين بالقرآن والمصحف

قال: (أو بالقرآن).

فإذا حلف بالقرآن فهذا حلف بصفة من صفات الله عز وجل؛ لأن القرآن كلام الله، والله عز وجل تكلم بالقرآن كلاماً بصوت وحرف مسموعين، فالحلف بالقرآن حلف بصفة من صفات الله، وسواء حلف بالقرآن كله، أو بسورة من سور القرآن، أو بآية من آيات القرآن، هذا كله يمين؛ لأنه حلف بصفة من صفات الله عز وجل.

قال رحمه الله: (أو بالمصحف).

الحلف بالمصحف فيه تفصيل، لأن القرآن المقصود به المقروء المتلو، والمصحف المقصود به الوحي المكتوب، فإذا قال: والمصحف لأسافرنَّ، فإن كان مراده أن يحلف بالمداد والورق والجلد ونحو ذلك فنقول: بأن هذا حلف بمخلوق لا يجوز؛ لأن المداد والورق مخلوقة.

وإن أراد بقوله: (والمصحف)، الوحي المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم الذي هو صفة من صفات الله، فنقول: هذا حلف بالله عز وجل كما تقدم الحلف بالقرآن؛ لأنه حلف بصفة من صفات الله عز وجل.

أقسام اليمين بأسماء الله تعالى

أسماء الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما كان خاصاً بالله عز وجل، فالحلف بهذا الاسم الخاص بالله عز وجل يمين، مثل: الله، الرحمن، مالك يوم الدين، رب العالمين، الإله، هذه أسماء خاصة بالله عز وجل، فالحلف بها يمين .

القسم الثاني: ما كان مشتركاً يُسمى الله عز وجل به، وكذلك أيضاً يسمى به المخلوق، لكن يغلب إطلاقه على الله عز وجل، مثل: الجبار والرزاق والملك ونحو ذلك، فهذا إن نوى نقول: بأنه إذا حلف به يمين، لكن إن نوى أن يحلف به المخلوق فهذا حلف بالمخلوق.

القسم الثالث: ما يسمى به الله وغيره، ويغلب إطلاقه على غير الله عز وجل، أو نقول: لا يغلب إطلاقه على الله، يسمى الله عز وجل به ويسمى به غير الله، ولا يغلب إطلاقه على الله، مثل: الحي والعزيز والمؤمن إلى آخره، فهذا إن نوى الله عز وجل فيمين، وإن نوى المخلوق فهذه ليست يميناً شرعية، وإن أطلق فهذا موضع خلاف، والصواب أنها يمين؛ لأن المسلم لا يحلف إلا بالله عز وجل، فنقول: إن نوى الحلف بالله فهذه يمين، وإن نوى المخلوق فهذه ليست يميناً شرعية، وإن أطلق فهذا موضع خلاف، والذي يظهر والله أعلم أنها يمين شرعية؛ لأن المؤمن لا يحلف إلا بالله عز وجل.

قال رحمه الله: (واليمين التي تجب فيها الكفارة إذا حنث هي اليمين بالله أو صفة من صفاته أو بالقرآن أو بالمصحف).

اليمين التي تجب فيها الكفارة يقول لك المؤلف رحمه الله تعالى هي اليمين بالله عز وجل، وهذا الحصر فيه شيء؛ لأن من الأيمان ما تجب فيه الكفارة، وهي ليست يميناً بالله عز وجل كما سيأتينا إن شاء الله.

فإذا حلف بالطلاق -وهي يمين محدثة مبتدعة بعد عهد الصحابة- أو حلف بالتحريم أو حلف بالنذر ونحو ذلك، فإن هذه الأيمان تجب فيها الكفارة كما جاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكما سيأتينا إن شاء الله.

على كل حال مراد المؤلف رحمه الله بقوله: (هي اليمين بالله أو صفة من صفاته) يعني إذا حلف بمخلوق من المخلوقات، فإنها يمين محرمة ولا تجب فيها الكفارة.

قوله: (هي اليمين بالله).

وهذا بالإجماع كما ذكر ابن المنذر ، أن العلماء رحمهم الله أجمعوا أنه إذا قال: بالله أو والله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة.

قال رحمه الله: (أو صفة من صفاته).

يعني إذا حلف بصفة من صفات من الله عز وجل؛ لأن الحلف بصفة من صفات الله عز وجل، هذا حلف بالله عز وجل، فإذا قال: وعزة الله.. وقدرة الله.. وحكمة الله.. وسمع الله.. وبصر الله، إلى آخره.

وظاهر كلام المؤلف في قوله: (أو صفة من صفاته) سواء كانت هذه الصفة من الصفات الفعلية، أو من الصفات المعنوية، أو من الصفات الخبرية، كما لو قال: ووجه الله ونحو ذلك.

ويدل لذلك حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقال للرجل الذي يغمس في الجنة: هل رأيت بؤساً قط؟ قال: لا وعزتك وجلالك)، فقوله: (لا وعزتك وجلالك) حلف بصفة من صفات الله عز وجل.

وحديث عائشة في صحيح البخاري : (كانت أكثر يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ومقلب القلوب)، وثبت عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لا وسمع الله.

ومثل ذلك أيضاً لو حلف بعهد الله أو بأمانته ونحو ذلك، وهذه كلها من الأيمان.

قال: (أو بالقرآن).

فإذا حلف بالقرآن فهذا حلف بصفة من صفات الله عز وجل؛ لأن القرآن كلام الله، والله عز وجل تكلم بالقرآن كلاماً بصوت وحرف مسموعين، فالحلف بالقرآن حلف بصفة من صفات الله، وسواء حلف بالقرآن كله، أو بسورة من سور القرآن، أو بآية من آيات القرآن، هذا كله يمين؛ لأنه حلف بصفة من صفات الله عز وجل.

قال رحمه الله: (أو بالمصحف).

الحلف بالمصحف فيه تفصيل، لأن القرآن المقصود به المقروء المتلو، والمصحف المقصود به الوحي المكتوب، فإذا قال: والمصحف لأسافرنَّ، فإن كان مراده أن يحلف بالمداد والورق والجلد ونحو ذلك فنقول: بأن هذا حلف بمخلوق لا يجوز؛ لأن المداد والورق مخلوقة.

وإن أراد بقوله: (والمصحف)، الوحي المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم الذي هو صفة من صفات الله، فنقول: هذا حلف بالله عز وجل كما تقدم الحلف بالقرآن؛ لأنه حلف بصفة من صفات الله عز وجل.