خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8330"> شرح مقدمة الترمذي
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [44]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
إخوتي الكرام! إن الأمور التي يتحصن بها الإنسان من الجان على كثرتها وتعددها تنقسم إلى قسمين اثنين: قسم من باب الاجتناب والتخلية، وقسم من باب الأفعال والاكتساب والتحلية، فقسم يتخلى عنه وقسم يتحلى به. وأما ما ينبغي أن يتخلى عنه فسبعة أمور:
أولها: أن يتخلى عن الخواطر الرديئة، والثاني: عن اللحظات الخبيثة، والثالث: عن اللفظات المنكرة الشنيعة، والرابع: عن الخطوات المحرمة الذميمة، والخامس: أن يحفظ الأذن من سماع الخنا والمنكر، والسادس: أن يحفظ البطن مما حرم الله، والسابع: أن يحفظ الفرج أيضاً مما حرمه الله عليه، هذه سبعة أمور كلها من باب التحصين للإنسان، وبها يتخلى عن المنكرات والآثام.
ثم ينبغي أن يكتسب ثمانية أمور -مع تلك الأمور- يحصن الإنسان بها نفسه من الشيطان للضرورة، وهي ثمانية أمور: أولها كما تقدم معنا: الاستعاذة بالرحمن من الشيطان، وثانيها: الإكثار من قراءة القرآن، وثالثها: ذكر الله على الدوام، ورابعها: كثرة الصلاة والسلام على نبينا خير الأنام عليه الصلاة والسلام، وخامسها: المحافظة على الطهارة، وسادسها: الكينونة مع الجماعة، وأن يكون مع عباد الله المؤمنين الموحدين، وسابعها: الإكثار من الصوم، وثامنها: الحرص على طلب العلم، وهذه الأمور الخمسة عشر -فعلاً وتركاً- إذا قام بها الإنسان أصبحت جنة حصينة من الشيطان.
ذكرنا أن الأول منها: حفظ الخطوات، والثاني: حفظ اللحظات، والثالث: حفظ اللفظات، وقدمت في هذا الأمر حديثاً عن نبينا عليه الصلاة والسلام ثابت في الصحيحين وغيرهما من رواية سيدنا أبي هريرة وأبي شريح العدوي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) وهذا الحديث انتهينا من مدارسته.
درجة حديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه)
كلام ابن رجب في معنى حديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
إذاً معنى الحديث: أن يترك المرء ما لا يعنيه من قول أو فعل، والاقتصار على ما يعنيه من الأقوال والأفعال.
ثم قال: ومعنى يعنيه، أي: تتعلق عنايته به، ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية من شدة الاهتمام بالشيء، ثم قال عليه رحمة الله: وليس المراد أنه يترك ما لا عناية له به، ولا إرادة له به بحكم الهوى وطلب المدح، بل بحكم الشرع والإسلام؛ ولهذا جعل ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام من حسن الإسلام، فالمراد من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) أي: ما لا يكون من مقصده ولا يتعلق غرضه به مما هو من حظ نفسه، وإرادة نفسه، فمثلاً لو قال قائل: السلام على عباد الله لا يعنيني وليس لي في ذلك مصلحة فلا أسلم، فلا، فليس المراد ما لا يعنيه على حسب حظ نفسه ورأيه وهواه وميوله، إنما المراد ما لا يعنيه في الإسلام. وما هو الذي لا يعنيه؟ هو ما ليس بواجب ولا مستحب، أي: ما لم يطلب منك وجوباً أو استحباباً، فهذا لا يعنيك شرعاً، فلا تتكلم فيه، وما أمرت أن تتكلم به فتكلم، وسواء على سبيل الوجوب أو الاستحباب، وما عدا هذا فلا يعنيك، الكلام الذي هو فضول في المباحات، ومن باب أولى في المكروهات، ومن باب أولى في المحرمات فاتركه قال صلى الله عليه وسلم: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) أي: ما لا يعنيه شرعاً، لا ما لا يعنيه بحكم الهوى وإرادة النفس والرغبة البشرية.
قال الإمام ابن رجب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال؛ لأن الإسلام الكامل يقتضي أن تفعل الواجبات والمستحبات، وأن تترك المحرمات والمكروهات، وألا تنهمك في المباحثات، وهذه الأمور الخمسة بها تحصل الولاية لرب الأرض والسماوات، فالولي والصديق والمؤمن الحق هو الذي يعمل المأمور واجباً أو مستحباً، ويترك المنهي محرماً أو مكروهاً، ولا ينهمك، أي: لا يستغرق وقته، ولا يفرط عنايته إلى التمتع بالمباحات، إنما يأخذ منها بمقدار ما يفيده، فهذه الأمور الخمسة هي أركان الولاية وهي دعائم المسلم الحق. ولذلك إذا حسن إسلامك تفعل ما يعنيك من واجبات ومستحبات، وتترك ما لا يعنيك من محرمات ومكروهات، ولا تشتغل بعد ذلك بفضول المباحات، وإن لم تكن مكروهات ومحرمات.
( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) وهذه قاعدة وضعها نبينا صلى الله عليه وسلم لعباد الله المؤمنين ولأتباعه فليعض عليها بالنواجذ، ولذلك إذا أردت أن تتكلم فكر في هذا الكلام، وهل هو مأمور به أمر إيجاب أم أمر استحباب؟ فإن كان مأموراً به وإلا فاسكت، فالسكوت غنيمة، وأئمتنا عليهم رحمة الله يقولون: زينة النساء الحياء، والصمت زينة العقلاء، زينة المرأة أن تكون حيية، وزينة العاقل أن يكون صامتاً، وألا يتكلم إلا بمقدار، والتقي ملجم كأنه مربوط على فمه برباط، وكأنه يوجد قفل على شفته، وكانوا يقولون: الكلام كالدواء، فإذا أكثرت منه أصبت بالعطب والبلاء، والإنسان إذا أراد أن يشرب كميات كبيرة من الدواء فأخذ علبة قارورة الدواء من حبوب أو من شراب سائل، وقال له الطبيب: اشربها على شهر، قال: أشربها مرة واحدة آذى نفسه؛ لأنه خلاف المراد، وإذا أكثرت من الكلام والهدر والثرثرة حصل خلاف المراد، وأكثر خطايا بني آدم في ألسنتهم، وسيأتينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أكثر ما يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم حصائد ألسنتهم ).
إذاً: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) كما كان أئمتنا يقولون: هذا اللسان صغير جِرمه كبير جُرمه والجرم بالكسر، هو الذات والحجم، فحجمه صغير وذاته قصيرة، أي: ما يزيد طوله على شبر من أوله إلى آخره، فهو كبير صغير، صغير الجِرم وكبير الجُرم وهو الذنب والإثم والمعصية، وأكثر خطايا بني آدم في ألسنتهم؛ ولذلك من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه قولاً وفعلاً.
وأما الحديث الثاني: -وهو حديث صحيح- فهو ما رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، ورواه الإمام مالك في الموطأ، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت مرسلاً من رواية علي بن الحسين زين العابدين إلى نبينا الأمين عليه وعلى أصحابه وآل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه، كما روي الحديث في مسند الإمام أحمد ومعاجم الطبراني الثلاثة، وقلت: إسناد الحديث صحيح من رواية علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن نبينا عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه، وروي في معجم الطبراني الصغير من رواية زيد بن ثابت، وقلت: في إسناد الرواية الثالثة محمد بن كثير بن مروان وفيه ضعف، لكن هذه الرواية الرابعة تتقوى بالرواية المتقدمة، والحديث صحيح ولفظه: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ).
إخوتي الكرام! قلت: إن الإمام ابن رجب الحنبلي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ذكر كلاماً محكماً سديداً قوياً رشيداً حول هذا الحديث، قرر هذا في كتاب جامع العلوم والحكم (ص:806)، ونقل هذا الكلام عنه الإمام السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب في الجزء الأول (ص:67)، وخلاصة كلامه يقول الإمام ابن رجب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: معنى الحديث: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) أي: تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، فاللفظات التي لا تدخل في دائرة الوجوب والمستحبات لا تعنينا شرعاً، ولن نتكلم فيها.
إذاً معنى الحديث: أن يترك المرء ما لا يعنيه من قول أو فعل، والاقتصار على ما يعنيه من الأقوال والأفعال.
ثم قال: ومعنى يعنيه، أي: تتعلق عنايته به، ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية من شدة الاهتمام بالشيء، ثم قال عليه رحمة الله: وليس المراد أنه يترك ما لا عناية له به، ولا إرادة له به بحكم الهوى وطلب المدح، بل بحكم الشرع والإسلام؛ ولهذا جعل ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام من حسن الإسلام، فالمراد من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) أي: ما لا يكون من مقصده ولا يتعلق غرضه به مما هو من حظ نفسه، وإرادة نفسه، فمثلاً لو قال قائل: السلام على عباد الله لا يعنيني وليس لي في ذلك مصلحة فلا أسلم، فلا، فليس المراد ما لا يعنيه على حسب حظ نفسه ورأيه وهواه وميوله، إنما المراد ما لا يعنيه في الإسلام. وما هو الذي لا يعنيه؟ هو ما ليس بواجب ولا مستحب، أي: ما لم يطلب منك وجوباً أو استحباباً، فهذا لا يعنيك شرعاً، فلا تتكلم فيه، وما أمرت أن تتكلم به فتكلم، وسواء على سبيل الوجوب أو الاستحباب، وما عدا هذا فلا يعنيك، الكلام الذي هو فضول في المباحات، ومن باب أولى في المكروهات، ومن باب أولى في المحرمات فاتركه قال صلى الله عليه وسلم: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) أي: ما لا يعنيه شرعاً، لا ما لا يعنيه بحكم الهوى وإرادة النفس والرغبة البشرية.
قال الإمام ابن رجب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال؛ لأن الإسلام الكامل يقتضي أن تفعل الواجبات والمستحبات، وأن تترك المحرمات والمكروهات، وألا تنهمك في المباحثات، وهذه الأمور الخمسة بها تحصل الولاية لرب الأرض والسماوات، فالولي والصديق والمؤمن الحق هو الذي يعمل المأمور واجباً أو مستحباً، ويترك المنهي محرماً أو مكروهاً، ولا ينهمك، أي: لا يستغرق وقته، ولا يفرط عنايته إلى التمتع بالمباحات، إنما يأخذ منها بمقدار ما يفيده، فهذه الأمور الخمسة هي أركان الولاية وهي دعائم المسلم الحق. ولذلك إذا حسن إسلامك تفعل ما يعنيك من واجبات ومستحبات، وتترك ما لا يعنيك من محرمات ومكروهات، ولا تشتغل بعد ذلك بفضول المباحات، وإن لم تكن مكروهات ومحرمات.
( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) وهذه قاعدة وضعها نبينا صلى الله عليه وسلم لعباد الله المؤمنين ولأتباعه فليعض عليها بالنواجذ، ولذلك إذا أردت أن تتكلم فكر في هذا الكلام، وهل هو مأمور به أمر إيجاب أم أمر استحباب؟ فإن كان مأموراً به وإلا فاسكت، فالسكوت غنيمة، وأئمتنا عليهم رحمة الله يقولون: زينة النساء الحياء، والصمت زينة العقلاء، زينة المرأة أن تكون حيية، وزينة العاقل أن يكون صامتاً، وألا يتكلم إلا بمقدار، والتقي ملجم كأنه مربوط على فمه برباط، وكأنه يوجد قفل على شفته، وكانوا يقولون: الكلام كالدواء، فإذا أكثرت منه أصبت بالعطب والبلاء، والإنسان إذا أراد أن يشرب كميات كبيرة من الدواء فأخذ علبة قارورة الدواء من حبوب أو من شراب سائل، وقال له الطبيب: اشربها على شهر، قال: أشربها مرة واحدة آذى نفسه؛ لأنه خلاف المراد، وإذا أكثرت من الكلام والهدر والثرثرة حصل خلاف المراد، وأكثر خطايا بني آدم في ألسنتهم، وسيأتينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أكثر ما يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم حصائد ألسنتهم ).
إذاً: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) كما كان أئمتنا يقولون: هذا اللسان صغير جِرمه كبير جُرمه والجرم بالكسر، هو الذات والحجم، فحجمه صغير وذاته قصيرة، أي: ما يزيد طوله على شبر من أوله إلى آخره، فهو كبير صغير، صغير الجِرم وكبير الجُرم وهو الذنب والإثم والمعصية، وأكثر خطايا بني آدم في ألسنتهم؛ ولذلك من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه قولاً وفعلاً.
إخوتي الكرام! وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يتابع نصحه وإرشاده لأمته بضبط ألسنتهم، فكان يخبرنا عليه الصلاة والسلام أن الصمت نجاة، ومن أراد أن ينجو فليكثر من الصمت، وهذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ثبت في المسند، وسنن الترمذي ، والحديث رواه الإمام الدارمي في سننه، والطبراني في معجمه الكبير، ورواه الإمام ابن المبارك في كتابه الزهد (ص:130)، ورواه ابن وهب في كتابه الجامع، وأبو الشيخ في الأمثال، والإمام العسكري والقضاعي في مسند الشهاب في الجزء الأول (ص:219)، ورواه ابن شاهين في الترغيب والترهيب، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، كما في جمع الجوامع للإمام السيوطي في الجزء الأول (ص:797)، والحديث حكم عليه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثالث (ص:536) فقال: رواته ثقات، وقد استشهد به الحافظ في الفتح، وعلى شرط ألا ينزل عن درجة الحسن في الجزء العاشر (ص:446)، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند في الجزء التاسع (ص:245): إسناده صحيح، وقال الإمام العراقي في تخريج أحاديث الإحياء في الجزء الثالث (ص:105): إسناده جيد، والحديث صحيح، وهو من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صمت نجا ).
إخوتي الكرام! في الترغيب والترهيب ورد تصحيف في اسم هذا الصحابي المبارك عبد الله بن عمرو إلى عبد الله بن عمر وهذا خطأ، وهكذا في فتح الباري في الطبعة الثلاثين، فالحديث من روايته عبد الله بن عمرو ، وهذا الذي في المسند وسنن الترمذي وغير ذلك: ( من صمت نجا ).
أقسام الكلام عند الإمام الغزالي
القسم الأول: كلام هو ضرر محض.
القسم الثاني: كلام هو نفع محض.
القسم الثالث: مختلف، فيه نفع وفيه ضرر.
القسم الرابع: لا نفع فيه ولا ضرر فيه.
فلا تخرج الأقسام عن: كلام خير هو نفع محض، كلام شر هو ضرر محض، كلام فيه خير وشر، وفيه فضيلة ورذيلة، واختلط الصالح بالطالح فيه، وكلام من باب الهذر والمباحات ليس فيه معصية ولا فضيلة، ولا ذكر لله، وليس فيه وقوع فيما حرم الله.
فالقسم الأول قال عنه رحمه الله: أما الكلام الذي هو ضرر محض فيجب السكوت عنه قطعاً؛ لما فيه من الضرر المحض الذي يجب السكوت عنه. أما القسم الثاني: قال رحمه الله: فالكلام الذي فيه ضرر ونفع فيترك؛ لغلبة الضرر؛ ولأن دفع المحظورات مقدم على جلب المصالح، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا اشتمل الكلام على حق وباطل فالواجب تركه، وذكرنا هذا في كلام شيخ الإسلام والإمام النووي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وأن الإنسان لا يجوز أن يتكلم إلا بالكلام الذي ظهرت المصلحة فيه وليس فيه مفسدة بوجه من الوجوه، أي: لا تختلط المصلحة بالمفسدة، فما هو ضرر نتركه، وما فيه ضرر ونفع نتركه؛ درءاً للمفسدة؛ لئلا نقع في المفسدة ونحن نريد المصلحة.
ويقول العبد الصالح الحسن بن صالح بن حزم وهو من أئمة التابعين -وهذا الكلام منقول عن الإمام ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس-: إن الشيطان يفتح على الإنسان تسعة وتسعين باباً من الخير ليوقعه في باب من الشر؛ لأن هذا الباب إذا وقعت فيه قد يزيد خبثه على فضيلة تلك الأبواب، على أنك إذا وقعت فيه واستمرأته تلغي بعد ذلك أبواب الخير وتنهمك في الشر؛ ولذلك السلامة لا يعدلها شيء.
والقسم الثالث: وهو ما لا نفع فيه ولا ضرر منه، فهو كلام في المباحات لا فائدة منه، وليس فيه إثم ولا معصية، قال رحمه الله: فالاشتغال به فضول وتضييع للزمان، وهو عين الحماقة، أي: من قدر أن يأخذ درة فأخذ بعرة فالبعرة مباح، ولو أراد أن يلتقطها ما عليه إثم، ولكن هنا درة وهنا بعر، فترك الدرة وأخذ البعر هذه حماقة!
قال رحمه الله: فسقط ثلاثة أرباع الكلام: ما هو ضرر محض، وما فيه ضرر وفيه نفع، وما لا ضرر فيه ولا نفع فيه، فهذه كلها سقطت، والعاقل ينبغي أن يمسك عنها، وبقي قسم واحد وهو: ما كان فيه النفع دون أن يصاحبه ضرر ومفسدة بوجه من الوجوه، وبذلك تتحقق من كلام النبي عليه الصلاة والسلام: ( من صمت نجا ) أن أكثر الكلام ينبغي أن تصمت عنه، فإن كان ضرراً محضاً تسكت عنه، وإن كان ضرراً وفيه خير فاسكت عنه، وإن كان لا ضرر فيه ولا نفع فيه فاسكت عنه، وتعين القسم الرابع وهو: ما فيه نفع محض بلا ضرر على الإطلاق. هذا كلام الإمام الغزالي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وما اقتصر الغزالي على هذا، فاستمع لقوله.
قال رحمه الله: والقسم الرابع الذي هو نفع محض فيه خطأ؛ لأنه قد يمتزج به الرياء، ويصاحبه الرياء وتزكية النفس، وقد يحصل به غيبة الآخرين والتعريض بهم مع أنه نفع، فقد تتكلم بكلام حسن فيقع في قلبك خاطر الرياء من أجل أن يقول الناس عنك: صاحب منطق فصيح، عندها هويت في نار جهنم، مع أنك تتكلم بحق، أو تريد تزكية الناس، أو تكلمت عن إنسان من أجل مصلحة شرعية، فقلت: وفلان مكروه، وفلان ضعيف، فلان لا يؤخذ منه، وأنت تريد النصح في الأصل، لكن من أجل أن تنتقم لنفسك، ومن أجل أن تحقر من يخالفك، مع أنك تتكلم بكلام فيه نفع؛ ولذلك كان أئمتنا يقولون: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها المؤرخون والمحدثون، فليتقوا الله. فعندما تقول: فلان كذا، وفلان مكروه، وفلان مدلس، وفلان، وفلان... فإن كان كلام حق، وأنت تقصد منه سلامة الشريعة المطهرة فلا إثم عليك، لكن ألا يمكن أن يدخل حظ نفس؟ نعم يمكن، وقد تريد تحقيره باسم المحافظة على الشريعة المطهرة.
إذاً: القسم الرابع الذي هو نفع محض لصاحبه فيه بلايا ورزايا لا يعلمها إلا رب البرايا سبحانه وتعالى؛ ولذلك حتى القسم الرابع لو أمسكت عن كثير منه لكان خيراً لك ( من صمت نجا ). فثلاثة أقسام العاقل من يمسك عنها قطعاً وجزماً، والقسم الرابع يحترز غاية الاحتراز منه، فلا يتكلم به إلا إذا خلصت النية، فلا يريد رياءً ولا تزكية نفس، ولا يريد أن يحط من قدر غيره من أجل الانتصار لنفسه، فإذا ظهر للإنسان هذا تحقق من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام: ( من صمت نجا ). وكما كان أئمتنا يقولون: السكوت عن الحق أيسر من الكلام بالباطل، فإذا سكت عن الحق كان احتمال ذلك مفسدة، لكن أيسر من أن يتكلم بالباطل، وإذا كان الساكت عن الحق شيطان أخرس، فالمتكلم بالباطل شيطان متكلم، والشيطان إذا كان أخرس فهذا أحسن من أن يكون متكلماً؛ لأن إفساده يزداد.
-شيخنا- الشيخ محمد نجيب خياط ، عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول: الإنسان إذا صام ولم يصل، ولم يحترز عن المخالفات من غيبة ونميمة ونظر الحرام وسمع الغناء، وغير ذلك، هو كالكلب الجائع -ثم كان يضحك عليه رحمة الله- فالكلب إذا شبع يعتدي على الذاهب والآيب، ويؤذي عباد الله، فإذا جاع يشتغل بنفسه، فالصائم مع أنه لا أجر له عند ربه حين كان يقع في المحظورات هو كالكلب الجائع أحسن من أن يفطر في رمضان؛ لأنه يصبح كلباً شبعاناً، والضرر يزداد منه، أي: لو سكت عن الحق -مع أن هذا مذموم- فهو أيسر من أن يتكلم بالباطل، بل أيسير بكثير؛ ولذلك إخوتي الكرام! من صمت نجا.
إن كان يعجبك السكوت فإنه قد كان يعجب قبلك الأخيار
ولئن ندمت على سكوتك مرة فلتندمن على الكلام مراراً
إن السكوت سلامة ولربما زرع الكلام عداوة وضراراً
السكوت سلامة، والبلاء موكل بالمنطق.
( من صمت نجا ) هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والإمام الغزالي عليه وعلى أئمتنا رحمة الله يوضح دلالة هذا الحديث بهذا التقسيم الشديد المخيف فتكلم على أربعة أقسام، وتكلم في القسم الرابع: أنه إذا أمسكت عن كثير منه فهو خير لك، حتى تخلص النية لربك جل وعلا.
سوء عاقبة كلام المرء فيما لا يعنيه
تقدم معنا إخوتي الكرام هذا الحديث، ونظائره في هذا المعنى كثيرة ضمن مباحث النبوة، وفي معيشة نبينا عليه الصلاة والسلام، قلت: والغالب على أتباعه عليه الصلاة والسلام المقتدين به الفقر في هذه الحياة، وذكرت هذه الرواية وروايات أخرى أيضاً لمعناها، ورواية أبي يعلى وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من رواية أنس أيضاً رضي الله عنه وأرضاه، قال: استشهد رجل منا على عهد النبي عليه الصلاة والسلام فرأينا بطنه -وهذا كان محل الشاهد ربط البطن بالحجر عند شدة الجوع- قد ربط بحجرة من شدة الجوع -فذكرت الحكم من وضع الحجر على البطن، ثم الشد عليه برباط وحزام ضمن مباحث النبوة- فقالت أمه بعد أن مسحت الغبار والتراب عن وجهه: هنيئاً لك الجنة يا بني -وفيه هذه الصفة: يشد الحجر على بطنه من الجوع- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يبخل بما لا يضره )، وفي رواية: بما لا يغنيه، هنا: يبخل بما لا يضره، فالشيء القليل لو أخرجه لا يضره، لكنه متعلق بهذه الحياة.
والحديث رواه الإمام الطبراني أيضاً في معجمه الأوسط بسند جيد، وهو في المجمع في الجزء العاشر (ص:313) عن كعب بن عجرة رضي الله عنه وأرضاه، ومحل الشاهد: ( أنه عندما مرض وعاده النبي عليه الصلاة والسلام وأغمي على
والحديث رواه أيضاً الإمام أبو يعلى والبيهقي من رواية أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين، وفيه: أنه ( قتل رجل على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فبكت عليه باكية وقالت: وا شهيداه! فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: لعله كان يتكلم بما لا يعنيه، أو يبخل بما لا ينقصه ) هنا: لا ينقصه، وفي رواية: لا يضره، وفي رواية: لا يغنيه.
وروى الإمام البيهقي من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن : أن امرأة كانت مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهن أجمعين، ومعهما نسوة، فقالت امرأة في هذا المجلس: لأدخلن الجنة، أسلمت وما سرقت ولا زنيت، وما رد عليها أحد في المجلس -وهذا حصل بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام- فلما ذهبت من عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها ونامت في بيتها، رأت من يقول لها: أنت القائلة كذا وكذا؟ قالت: نعم، فقال: وما يدريك لعلك كنت تتكلمين فيما لا يعنيك، أو تبخلين بما لا يغنيك، لعل هذا فيك، فلما استيقظت جاءت إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأخبرتها بذلك، فأمرتها أن تخبر النسوة بما رأت في منامها من أجل أن تحصل لهن هذه الموعظة.
إذاً: ( من صمت نجا )، والذي يتكلم فيما لا يعنيه يؤخره ذلك عن دخول الجنة، فكيف إذا تكلم في المنكرات والمحرمات؟
إخوتي الكرام! ( من صمت نجا )، كما أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم.
يقرر الإمام الغزالي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في الإحياء بتقرير وكلام يكتب بماء العينين، فانظروا لكلامه وتقريره عليه رحمة الله، يقول: الذي يدلك على فضل الصمت أن الكلام ينقسم إلى أربعة أقسام لا يخرج عنها مطلقاً:
القسم الأول: كلام هو ضرر محض.
القسم الثاني: كلام هو نفع محض.
القسم الثالث: مختلف، فيه نفع وفيه ضرر.
القسم الرابع: لا نفع فيه ولا ضرر فيه.
فلا تخرج الأقسام عن: كلام خير هو نفع محض، كلام شر هو ضرر محض، كلام فيه خير وشر، وفيه فضيلة ورذيلة، واختلط الصالح بالطالح فيه، وكلام من باب الهذر والمباحات ليس فيه معصية ولا فضيلة، ولا ذكر لله، وليس فيه وقوع فيما حرم الله.
فالقسم الأول قال عنه رحمه الله: أما الكلام الذي هو ضرر محض فيجب السكوت عنه قطعاً؛ لما فيه من الضرر المحض الذي يجب السكوت عنه. أما القسم الثاني: قال رحمه الله: فالكلام الذي فيه ضرر ونفع فيترك؛ لغلبة الضرر؛ ولأن دفع المحظورات مقدم على جلب المصالح، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا اشتمل الكلام على حق وباطل فالواجب تركه، وذكرنا هذا في كلام شيخ الإسلام والإمام النووي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وأن الإنسان لا يجوز أن يتكلم إلا بالكلام الذي ظهرت المصلحة فيه وليس فيه مفسدة بوجه من الوجوه، أي: لا تختلط المصلحة بالمفسدة، فما هو ضرر نتركه، وما فيه ضرر ونفع نتركه؛ درءاً للمفسدة؛ لئلا نقع في المفسدة ونحن نريد المصلحة.
ويقول العبد الصالح الحسن بن صالح بن حزم وهو من أئمة التابعين -وهذا الكلام منقول عن الإمام ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس-: إن الشيطان يفتح على الإنسان تسعة وتسعين باباً من الخير ليوقعه في باب من الشر؛ لأن هذا الباب إذا وقعت فيه قد يزيد خبثه على فضيلة تلك الأبواب، على أنك إذا وقعت فيه واستمرأته تلغي بعد ذلك أبواب الخير وتنهمك في الشر؛ ولذلك السلامة لا يعدلها شيء.
والقسم الثالث: وهو ما لا نفع فيه ولا ضرر منه، فهو كلام في المباحات لا فائدة منه، وليس فيه إثم ولا معصية، قال رحمه الله: فالاشتغال به فضول وتضييع للزمان، وهو عين الحماقة، أي: من قدر أن يأخذ درة فأخذ بعرة فالبعرة مباح، ولو أراد أن يلتقطها ما عليه إثم، ولكن هنا درة وهنا بعر، فترك الدرة وأخذ البعر هذه حماقة!
قال رحمه الله: فسقط ثلاثة أرباع الكلام: ما هو ضرر محض، وما فيه ضرر وفيه نفع، وما لا ضرر فيه ولا نفع فيه، فهذه كلها سقطت، والعاقل ينبغي أن يمسك عنها، وبقي قسم واحد وهو: ما كان فيه النفع دون أن يصاحبه ضرر ومفسدة بوجه من الوجوه، وبذلك تتحقق من كلام النبي عليه الصلاة والسلام: ( من صمت نجا ) أن أكثر الكلام ينبغي أن تصمت عنه، فإن كان ضرراً محضاً تسكت عنه، وإن كان ضرراً وفيه خير فاسكت عنه، وإن كان لا ضرر فيه ولا نفع فيه فاسكت عنه، وتعين القسم الرابع وهو: ما فيه نفع محض بلا ضرر على الإطلاق. هذا كلام الإمام الغزالي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وما اقتصر الغزالي على هذا، فاستمع لقوله.
قال رحمه الله: والقسم الرابع الذي هو نفع محض فيه خطأ؛ لأنه قد يمتزج به الرياء، ويصاحبه الرياء وتزكية النفس، وقد يحصل به غيبة الآخرين والتعريض بهم مع أنه نفع، فقد تتكلم بكلام حسن فيقع في قلبك خاطر الرياء من أجل أن يقول الناس عنك: صاحب منطق فصيح، عندها هويت في نار جهنم، مع أنك تتكلم بحق، أو تريد تزكية الناس، أو تكلمت عن إنسان من أجل مصلحة شرعية، فقلت: وفلان مكروه، وفلان ضعيف، فلان لا يؤخذ منه، وأنت تريد النصح في الأصل، لكن من أجل أن تنتقم لنفسك، ومن أجل أن تحقر من يخالفك، مع أنك تتكلم بكلام فيه نفع؛ ولذلك كان أئمتنا يقولون: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها المؤرخون والمحدثون، فليتقوا الله. فعندما تقول: فلان كذا، وفلان مكروه، وفلان مدلس، وفلان، وفلان... فإن كان كلام حق، وأنت تقصد منه سلامة الشريعة المطهرة فلا إثم عليك، لكن ألا يمكن أن يدخل حظ نفس؟ نعم يمكن، وقد تريد تحقيره باسم المحافظة على الشريعة المطهرة.
إذاً: القسم الرابع الذي هو نفع محض لصاحبه فيه بلايا ورزايا لا يعلمها إلا رب البرايا سبحانه وتعالى؛ ولذلك حتى القسم الرابع لو أمسكت عن كثير منه لكان خيراً لك ( من صمت نجا ). فثلاثة أقسام العاقل من يمسك عنها قطعاً وجزماً، والقسم الرابع يحترز غاية الاحتراز منه، فلا يتكلم به إلا إذا خلصت النية، فلا يريد رياءً ولا تزكية نفس، ولا يريد أن يحط من قدر غيره من أجل الانتصار لنفسه، فإذا ظهر للإنسان هذا تحقق من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام: ( من صمت نجا ). وكما كان أئمتنا يقولون: السكوت عن الحق أيسر من الكلام بالباطل، فإذا سكت عن الحق كان احتمال ذلك مفسدة، لكن أيسر من أن يتكلم بالباطل، وإذا كان الساكت عن الحق شيطان أخرس، فالمتكلم بالباطل شيطان متكلم، والشيطان إذا كان أخرس فهذا أحسن من أن يكون متكلماً؛ لأن إفساده يزداد.
-شيخنا- الشيخ محمد نجيب خياط ، عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول: الإنسان إذا صام ولم يصل، ولم يحترز عن المخالفات من غيبة ونميمة ونظر الحرام وسمع الغناء، وغير ذلك، هو كالكلب الجائع -ثم كان يضحك عليه رحمة الله- فالكلب إذا شبع يعتدي على الذاهب والآيب، ويؤذي عباد الله، فإذا جاع يشتغل بنفسه، فالصائم مع أنه لا أجر له عند ربه حين كان يقع في المحظورات هو كالكلب الجائع أحسن من أن يفطر في رمضان؛ لأنه يصبح كلباً شبعاناً، والضرر يزداد منه، أي: لو سكت عن الحق -مع أن هذا مذموم- فهو أيسر من أن يتكلم بالباطل، بل أيسير بكثير؛ ولذلك إخوتي الكرام! من صمت نجا.
إن كان يعجبك السكوت فإنه قد كان يعجب قبلك الأخيار
ولئن ندمت على سكوتك مرة فلتندمن على الكلام مراراً
إن السكوت سلامة ولربما زرع الكلام عداوة وضراراً
السكوت سلامة، والبلاء موكل بالمنطق.
( من صمت نجا ) هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والإمام الغزالي عليه وعلى أئمتنا رحمة الله يوضح دلالة هذا الحديث بهذا التقسيم الشديد المخيف فتكلم على أربعة أقسام، وتكلم في القسم الرابع: أنه إذا أمسكت عن كثير منه فهو خير لك، حتى تخلص النية لربك جل وعلا.
إخوتي الكلام! عدم الصمت عما لا ينفع الإنسان مهلكة له في الدنيا والآخرة، وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا في أحاديثه الكثيرة الوفيرة فاستمع لما يجر إليه الكلام، واستمع لما يترتب على عدم صمت الإنسان: ثبت في سنن الترمذي وأبي يعلى ، والحديث رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وإسناده حسن من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، قال: ( توفي رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: أبشر بالجنة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، أو يبخل بما لا يغنيه )، أي: لعله يتصف بإحدى هاتين الصفتين: عنده ثرثرة في الكلام الفارغ الذي لا فائدة منه، لعله تكلم فيما لا يعنيه، وهذا فضول، أو يبخل بما لا يغنيه، بالشيء القليل يبخل به ولا يساعد عباد الله، لعل فيه هذا أو هذا -سبحان ربي العظيم. وإذا كان الإنسان يتكلم بما لا يعنيه، يعني: مهدد بهذا الأمر، فكيف يقال أنه من أهل الجنة، وإذا كان يتكلم بما لا يعنيه فهذا يدل على أنه ليس من أهل الجنة، ليس ممن يدخلونها من السابقين المقربين، ولا بد من تمحيص، إذاً: فكيف إذا كان الإنسان يتكلم بالباطل؟ إن تكلم بما لا يعنيه فهذا من مؤخرات دخوله الجنة، ( لعله كان يتكلم بما لا يعنيه، أو يبخل بما لا يغنيه ).
تقدم معنا إخوتي الكرام هذا الحديث، ونظائره في هذا المعنى كثيرة ضمن مباحث النبوة، وفي معيشة نبينا عليه الصلاة والسلام، قلت: والغالب على أتباعه عليه الصلاة والسلام المقتدين به الفقر في هذه الحياة، وذكرت هذه الرواية وروايات أخرى أيضاً لمعناها، ورواية أبي يعلى وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من رواية أنس أيضاً رضي الله عنه وأرضاه، قال: استشهد رجل منا على عهد النبي عليه الصلاة والسلام فرأينا بطنه -وهذا كان محل الشاهد ربط البطن بالحجر عند شدة الجوع- قد ربط بحجرة من شدة الجوع -فذكرت الحكم من وضع الحجر على البطن، ثم الشد عليه برباط وحزام ضمن مباحث النبوة- فقالت أمه بعد أن مسحت الغبار والتراب عن وجهه: هنيئاً لك الجنة يا بني -وفيه هذه الصفة: يشد الحجر على بطنه من الجوع- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يبخل بما لا يضره )، وفي رواية: بما لا يغنيه، هنا: يبخل بما لا يضره، فالشيء القليل لو أخرجه لا يضره، لكنه متعلق بهذه الحياة.
والحديث رواه الإمام الطبراني أيضاً في معجمه الأوسط بسند جيد، وهو في المجمع في الجزء العاشر (ص:313) عن كعب بن عجرة رضي الله عنه وأرضاه، ومحل الشاهد: ( أنه عندما مرض وعاده النبي عليه الصلاة والسلام وأغمي على
والحديث رواه أيضاً الإمام أبو يعلى والبيهقي من رواية أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين، وفيه: أنه ( قتل رجل على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فبكت عليه باكية وقالت: وا شهيداه! فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: لعله كان يتكلم بما لا يعنيه، أو يبخل بما لا ينقصه ) هنا: لا ينقصه، وفي رواية: لا يضره، وفي رواية: لا يغنيه.
وروى الإمام البيهقي من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن : أن امرأة كانت مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهن أجمعين، ومعهما نسوة، فقالت امرأة في هذا المجلس: لأدخلن الجنة، أسلمت وما سرقت ولا زنيت، وما رد عليها أحد في المجلس -وهذا حصل بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام- فلما ذهبت من عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها ونامت في بيتها، رأت من يقول لها: أنت القائلة كذا وكذا؟ قالت: نعم، فقال: وما يدريك لعلك كنت تتكلمين فيما لا يعنيك، أو تبخلين بما لا يغنيك، لعل هذا فيك، فلما استيقظت جاءت إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأخبرتها بذلك، فأمرتها أن تخبر النسوة بما رأت في منامها من أجل أن تحصل لهن هذه الموعظة.
إذاً: ( من صمت نجا )، والذي يتكلم فيما لا يعنيه يؤخره ذلك عن دخول الجنة، فكيف إذا تكلم في المنكرات والمحرمات؟
إخوتي الكرام! ( من صمت نجا )، كما أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم.
وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن كلام ابن آدم عليه لا له، إلا ما كان في الخير، فلنستمع لتقرير هذا من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام الترمذي في سننه، وقال: حسن غريب، والحديث رواه الإمام ابن ماجه والحاكم في المستدرك في الجزء الثاني (ص:512) وصححه، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت (ص:40)، ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير وابن شاهين في الترغيب في الذكر، ورواه الإمام العسكري في الأمثال، والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث: حسن من رواية أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر لله عز وجل )، وفي رواية: ( كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله عز وجل ) اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
والحديث: إسناده حسن، وقد حسنه الترمذي ، وصححه الحاكم ، والشيخ الأرنؤوط تناقض نحو هذا الحديث، ففي تعليقه على كتاب الأذكار للإمام النووي في طبعتيه الجديدة والقديمة، في الطبعة القديمة (ص:286)، وفي الجديدة (ص:480) في تعليقه على الأذكار يقول: إسناده ضعيف، وعلق عليه في جامع الأصول في الجزء الحادي عشر (ص:830) فيقول: إسناده حسن، والمعلق على الأذكار هو المعلق على جامع الأصول، وهو الشيخ عبد القادر الأرنؤوط ، فهناك ضعيف وهنا حسن، وهو في تعليقه على جامع الأصول أنصف وأصاب، والنووي نقل عن الإمام الترمذي تحسين الحديث وأقره، فعلق عليه الأرنؤوط وقال: إسناده ضعيف، ثم جاء في جامع الأصول وعلق عليه وقال: إسناده حسن، والسبب في هذه الأخطاء التي تقع أننا لسنا من الجهاذبة الصيارفة في حديث نبينا عليه الصلاة والسلام، فنقول حسب ما يؤدينا إليه البحث من قواعد ظاهرة، فإذا لم نلتزم بكلام أئمتنا نتخبط، وهو لو أخذ بتحسين الترمذي لاستراح وأراح، لكن عندما أراد أن يبحث تارة قال: إنه حسن، وتارة قال: إنه ضعيف، وهذا كما قلت تناقض، هذا كتاب جامع الأصول (ص:730)، يقول في الحاشية: إسناده حسن، وهنا على شرط جامع الأصول لم يعز الحديث إلا إلى الترمذي ولم يعزه إلى ابن ماجه ولا إلى غيره، ففي الترمذي ( كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله عز وجل ) أخرجه الترمذي ، قلت: هذا كلام المعاصرين، فإياك ثم إياك أن تأخذ بكلام أحد من المعاصرين إلا إذا نقل هذا عن المتقدمين، ولا تأخذ بكلامهم لا في تصحيح ولا في تضعيف، خذ من كلام أئمتنا ويكفيك، فهذا الحديث إسناده حسن، ومع أن في الإسناد محمد بن يزيد بن خنيس المكي وكان من العباد، وهو من رجال الترمذي وسنن ابن ماجه ، توفي بعد سنة عشرين ومائتين للهجرة، قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وقال في الميزان: قلت: هو وسط، وقد حسن أئمتنا الحديث لشواهده على أن الإمام الترمذي يرى هذا العبد الصالح وهو محمد بن يزيد بن خنيس صدوق وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن، والعلم عند الله جل وعلا.
لا إله إلا الله ( من صمت نجا )، فمن تكلم بما لا يعنيه يؤخره هذا عن دخول الجنة، وإذا تكلم فيما لا يعنيه فهذا عليه لا له، فليس له من كلامه إلا ما كان فيه خير، إما أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو ذكر لله عز وجل، والأحاديث في ذلك كثيرة وفيرة تنهانا عن كثرة القيل والقال، والتي فشت بين العباد في هذه الأيام.
ويخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام: أن من أكثر الكلام بغير ذكر الرحمن قسا قلبه، وأبعد القلوب من الرحمن القلب القاسي، وهذا لو كان يتكلم بثرثرة وبلا أمور منكرة، يعني: كلام فارغ، كما لو قال: ذهبنا.. جئنا.. طبخنا.. أكلنا.. شربنا، فهو لا يتكلم عن أحد لا عن حي ولا عن ميت، وكما هو كلام الناس: إنسان طويل وقصير، وهذا أجمل، وهذا أصغر، وهذا لو كان لونه كذا، من هذه الأمور التي في أمور الدنيا مما لا يدخل تحت دائرة الإثم، ولكن هذه تقسي القلب، فإذا قسا قلبك ابتعد عن ربك جل وعلا، هذا الكلام في غير الآثام؟ فكيف إذا تكلمنا في المنكرات والآثام، نسأل الله حسن الختام.
واستمع لتقرير هذا من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام لتتحقق معنى قوله: ( من صمت نجا ) ثبت في سنن الترمذي وقال: حسن غريب، والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان، ورواه ابن شاهين في كتاب الترغيب في الذكر، وقد نقل الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثالث (ص:538) تصحيح الترمذي وأقره، والحديث استشهد به الحافظ في الفتح في الجزء العاشر (ص:446)، وعلى شرطه لا ينزل عن درجة الحسن -كما هو معلوم من شرطه في الأحاديث التي يستشهد بها في شرحه، والحديث في جمع الجوامع في الجزء الأول (ص:904) وفي جامع الأصول؛ لأنه في سنن الترمذي في الجزء الحادي عشر (ص:737)، ولفظ الحديث من رواية ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تكثروا ) بصيغة الجمع، وفي رواية بصيغة الإفراد: (لا تكثر)، قال: ( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي ).
كلام الأئمة رحمهم الله على حديث: (... إن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب...)
أنا أريد أن أعلم ما معنى قول الترمذي : هذا حديث حسن غريب، فهل هذا توثيق له؟ يعني: عندما حسن له الترمذي ، الذهبي يقول: أنا لا أعلم فيه جرحاً، فهذا حكم منه بتوثيق الرجال قطعاً وجزماً، وإلا كيف سيحسن الحديث وفي الرجال ضعيف، سبحان الله! وهل علمت توثيقاً؟ حتماً علمت توثيقاً، من تحسين الإمام الترمذي، ويقول الإمام الألباني : ولذلك فالأحسن في الإفصاح عن حاله قول ابن القطان : لا يعرف حاله، وأما ابن حبان فذكره في الثقات على قاعدته، قال عنه: مستقيم الحديث، ليس على عادته في توثيق الأحاديث، فهنا ينص على أنه مستقيم الحديث، يقول الإمام الألباني : واغتر به الشيخ أحمد شاكر رحمه الله وصحح إسناده في عمدة التفسير، يعني: اغتر بتوثيق ابن حبان أنه أورده في الثقات، هو يقول: إنه مستقيم الحديث، يحسن له الترمذي، يقول: والحديث رواه الإمام مالك في الموطأ، قال: عيسى عليه الصلاة والسلام كان يقول... فذكره من قول نبي الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وسأذكر لكم كلام نبي الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وهو يشبه كلام نبينا عليه الصلاة والسلام، والكلامان يخرجان من مشكاة النبوة، فهذا نبي وهذا نبي، على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.
ثم قال: وهذا هو اللائق بمثل هذا الكلام أن يكون مما يرويه أهل الكتاب، فهذا ليس من حديث نبينا عليه الصلاة والسلام، إنما هذا من كلام نبي الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
وهذا الكلام مردود جملة وتفصيلاً، ولا يقبل على حسب الموازين العلمية، فأقول:
أولاً: الترمذي حسنه، والشيخ أحمد شاكر صحح الحديث والمنذري في الترغيب والترهيب أقر تحسين الترمذي ، والحافظ ابن حجر استشهد به على شرطه فلا ينزل عن درجة الحسن، والشيخ الأرنؤوط في تعليقه على جامع الأصول يقول: الحديث حسن، وفي تحفة الأحوذي أقر تحسين الإمام الترمذي .
إذاً: هذا الرجل هو إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب الجمحي ، والمعروف من حال الشيخ الألباني أنه يقتدي بكلام الحافظ ابن حجر . افتح التقريب لنرى بأي شيء يحكم الحافظ ابن حجر على هذا، حكم عليه بأنه صدوق، وإذا كان صدوقاً حديثه حسن، يعني: ما وجدت إلا كلام الإمام ابن القطان وجعلته الآن عمود الإسلام في هذه القضية، وإذا قال الإمام ابن القطان : لا يعرف حاله، وخفي عليه حال إبراهيم بن عبد الله الجمحي ، فإذا خفي عليه حاله وعرفه الإمام الترمذي ، والإمام الذهبي الذي هو بعد القطان وبعد الترمذي يقول: ما علمت فيه جرحاً، والترمذي يحسن له. فلم لا تنقل كلام الحافظ ابن حجر، والحافظ ابن حجر ترجمه أيضاً في تهذيب التهذيب أنه من رجال الكتب الستة، فاستمعوا لكلام الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب حول هذا الحديث: إبراهيم عبد الله بن الحارث بن حاطب الجمحي، روى عن عبد الله بن جماعة وعطاء بن أبي رباح وغيرهما، وعنه القعنبي وأبو النضر وعلي بن حفص المدائني ، قلت: وقال البخاري روى عن محمد بن يحيى بن حبان قال ابن حبان في الثقات: مستقيم الحديث، وقال ابن القطان : لا يعرف حاله، والترمذي يحسن له، فإذا كان هكذا فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن، وقد حسنه وصححه عدد ممن يشتغلون بالحديث في هذا العصر، ونحن لا نقبل الاعتراض على هذا إلا من رجل كـالترمذي ، وأما أن يأتي الألباني ويأتي الطحان ويأتي الشيخ أحمد شاكر رحمة الله على المسلمين أجمعين، ويقول: كلام الترمذي غير حسن نقول: كلامك غير حسن، وانتهى الكلام. وقال الألباني : يوجد ألف حديث في سنن الترمذي ضعيف لا يوجد لها شواهد تجبرها من هذا الباب كله كلام يحتمل ويحتمل، فكلام الترمذي باطل، وكلام الشيخ أحمد شاكر باطل، وتحسين الحافظ المنذري وإقراره لا يعتبر به، وسكوت الحافظ ابن حجر عليه فهو درجة في الحسن لا قيمة له، فالألف الحديث التي ينوه بها وأنها في سنن الترمذي لا يسلم له منها حديث واحد فضلاً عن مائة، وكما ترون الحديث الذي قبله الشيخ عبد القادر تارة يقول: إسناده ضعيف، وتارة يقول: حديث حسن، وهو في الترمذي ، وإذا قال هكذا العقيلي في حسان بن إبراهيم الكرماني ، وبعد كلام الإمام البخاري وكلام الإمام مسلم ، كل هذا يطرح من أجل كلام ابن العقيلي ، فلا.
الديانة تقتضي فينا إذا وجدنا لأئمتنا كلاماً أن ننظر لكلام من غربل هذا الكلام من المتأخرين، كـالذهبي وابن حجر وأن نحكم بعد ذلك بحكمهم. فإذاً بين كلام ابن القطان ثم قال إنصافاً: نقول عنه صدوق، فهذا كلام معتبر، أما أن نأتي نتمسك بكلام واحد من المتقدمين لحاجة في أنفسنا ونرد كلام باقي الأئمة، والذين غربلوا الأقوال من المتأخرين، فهذا عبث، ولا يجوز أن نرجع إليه لحال من الأحوال، فالحديث -إن شاء الله- لا ينزل عن درجة الحسن: ( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي ).