تفسير: (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله)
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
تفسير قول الله تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ﴾
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14].
الأنصار: جمع نصير، وهو الناصر: القوي النصرة، وقرأ نافع: ﴿ كُونُوا أَنْصَارًا للَّهِ ﴾ بتنوين (أنصارًا)، وقرأ حفص بدون تنوين مضافًا إلى اسم الجلالة.
الحواريون: جمع حَوَاريّ - بفتح الحاء وتخفيف الواو - وهي معرَّبة عن الحبشية (حواريا)، وهو: الصاحب الصفي، وأطلق هذا الاسم على أصحاب عيسى عليه السلام الاثني عشر رجلاً، وقد سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام حواريَّه على التشبيه بأحد الحواريين؛ قال: ((إن لكل نبيٍّ حواريًّا، وإن حواريَّ الزبير))[1].
﴿ ظَاهِرِينَ ﴾؛ أي: غالبين؛ يقال: ظهر عليه؛ أي: غلبه، وهو مشتق من الظَّهر الذي هو العمود الوسط من جسد الإنسان والدواب، ومثل الظهور التأييد مشتق من اليد، وكذا عضَدَه - إذا نصَره وقوَّاه - مأخوذ من العضد[2].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير الآية الكريمة:
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم، وأن يستجيبوا لله ولرسوله كما استجاب الحواريُّون لعيسى حين قال: ﴿ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾؛ أي: مُعيني في الدعوة إلى الله - عز وجل - ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ ﴾ وهم أتباع عيسى عليه السلام: ﴿ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ﴾؛ أي: نحن أنصارك على ما أُرسلت به، ومؤازروك على ذلك، وهكذا كان رسول الله يقول في أيام الحج: ((مَن رجل يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي؛ فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي))، حتى قيَّض الله - عز وجل - له الأوس والخزرج من أهل المدينة، فبايعوه ووازروه وشاطروه أن يمنعوه من الأسوَدِ والأحمر إن هو هاجر إليهم، فلما هاجر إليهم بمَن معه من أصحابه، وفوا له بما عاهدوا الله عليه؛ ولهذا سماهم الله ورسوله (الأنصار)، وصار ذلك علمًا عليهم رضي الله عنهم.
وقوله تعالى: ﴿ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ ﴾؛ أي: لما بلَّغ عيسى عليه السلام رسالة ربه إلى قومه، ووازره مَن وازَره من الحواريين، اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاء به، وضلت طائفة فخرجَتْ عما جاءهم به وجحَدوا نبوَّته ورموه وأمَّه بالعَظائم، وهم اليهود عليهم لعائن الله المُتتابعة إلى يوم القيامة، وغلتْ فيه طائفة ممَّن اتَّبعه حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوَّة، وافترقوا فِرَقًا وشيَعًا؛ فمِن قائل منهم: إنه ابنُ اللهِ، وقائل: إنه ثالث ثلاثة (الأب والابن والروح القدس)، ومن قائل: إنه الله، وكل هذه الأقوال مفصَّلة في سورة النساء.
وقوله تعالى: ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ ﴾؛ أي: نصرْناهم على من عاداهم من فِرَق النصارى، ﴿ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾؛ أي: عليهم، وذلك ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ ﴾؛ يعني: الطائفة التي كفرَتْ مِن بني إسرائيل في زمن عيسى، والطائفة التي آمنت في زمن عيسى، ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ بإظهار محمَّد صلى الله عليه وسلم دينَهم على دين الكفار، فأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم لا يزالون ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، وحتى يقاتل آخرهم الدجال مع عيسى ابن مريم عليه السلام كما وردَتْ بذلك الأحاديث الصِّحاح، والله أعلم[3].
[1] رواه البخاري والترمذي - رحمهما الله تعالى - عن جابر رضي الله عنه - ص.
ج رقم: 2155.
[2] أيسر التفاسير - الجزائري (2 / 1626).
[3] مختصر تفسير ابن كثير - رحمه الله تعالى؛ الصابوني (3 / 495).