شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [34]


الحلقة مفرغة

موقف الألباني من أبي حنيفة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، على أمور الدنيا والدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، نسألك اللهم علماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، وبعد:

فكنا مع كلام الشيخ الألباني في الإمام أبي حنيفة عندما روى حديث رفع العاهة عند طلوع النجم، وكيف ضعفه، وذكر كلاماً في السلسلة الضعيفة حول هذا الحديث، والناظر في كلامه يعجب، ثم انظر للأمانة العلمية التي ينادي بها الناس في هذه الأيام!

يقول الألباني: أبو حنيفة ضعفه أربعة.

وهل من الأمانة أن نذكر ما قيل من قدح في الإنسان ولا نذكر ما قيل من توثيقٍ فيه، هل هذه أمانة أو هو اتباع للهوى؟!

إن أردت أن تبسط المسألة فابسطها وقل: قيل كذا وكذا، وبين لنا ماذا تختار؛ ليختار القارئ بعد ذلك ما يريد، أما أن تأتي بكلام الجارح وتسكت عن كلام الموثق المعدل فهذا ليس من الإنصاف والعدل، ذكر أربعة ممن ضعفوا أبا حنيفة ثم سكت عن كلام البقية من أئمة الجرح والتعديل.

وقد كان الألباني يصدر -فيما يظهر- هذه الأجزاء تباعاً في نفس السلسلة التي كان ينشرها في مائة حديث في أول الأمر كلما جمعها، فحصل ضجيج في العالم الإسلام نحو هذا الكلام، وأن أبا حنيفة ضعيف، فبدلاً من أن ينقل التضعيف عن أربعة من أئمة الجرح نقله عن أكثر من عشرة، وما قيد كلمة واحدة في توثيقه عن أحدٍ من أئمتنا الكرام.

وذكر هذا أيضاً في نفس الجزء من السلسلة الضعيفة في حديث رقم (458) صفحة (463) حيث يقول: ورواه الإمام محمد في كتاب الآثار صفحة (104) قال: أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم مرفوعاً، قلت: وهذا معضل، فإن الهيثم هذا هو ابن حبيب الصيرفي الكوفي وهو من أتباع التابعين، روى عن عكرمة وعاصم بن ضمرة ، ثم قيل: وتوضيحاً لذلك أقول: وأبو حنيفة ضعفوا حديثه كما سبق بيانه عند الحديث رقم (397).

يقول: ذكرت هناك أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله قد ضعفه من جهة حفظه البخاري ومسلم والنسائي وابن عدي أربعة، ثم قال: وغيرهم من أئمة الحديث.

قال الألباني: وسأذكر هنا نصوص الأئمة المشار إليهم وغيرهم ممن صح ذلك عنهم ليكون القارئ على بينة من الأمر، ولا يظن أحد أن فيما ذكرنا هناك ما يمكن أن يدعي مدعٍ أنه اجتهاد منا وإنما هو الاتباع لأهل العلم والمعرفة والاستقامة, والله عز وجل يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

انظر للألباني الآن كأنه يقول: أنا الآن مقلد ومتبع لمن قبلي، وهم ضعفوا أبا حنيفة فلا تقل: هذا اجتهاد مني، أنا الآن آخذ بأقوال العلماء، ويقول: تعال فاسأل به خبيراً، ثم أورد كلام مسلم كما تقدم هناك، وكلام النسائي وبدأ يسرد ويسرد حتى وصل العدد إلى أحد عشر عالماً ضعفوا أبا حنيفة .

الرد على الألباني

إن الألباني ما نقل كلام من وثقوا الإمام أبا حنيفة ، ثم قال: ومما لا شك فيه عندنا أن أبا حنيفة من أهل الصدق، ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى ينضم إليه الضبط والحفظ، وذلك مما لم يثبت في حقه رحمه الله، بل ثبت فيه العكس بشهادة من ذكرنا من الأئمة، وهم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم أو اتبع أقوالهم.

ليتك تهتدي لآثارهم!

تقدم معنا حديث في صحيح البخاري من رواية: يحيى بن سليم الطائفي ، ويصحح البخاري حديثه، وأنت رددت كلامه، ورددت كلام الحافظ ابن حجر ، ورددت كلام أئمة الإسلام من أجل فردٍ واحد لحاجة في نفسك، ثم تقول الآن: هم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم، لم لم تأخذ بشهادة البخاري هناك؟!

يعني: شهادة البخاري في أبي حنيفة جعلتها نصاً منزلاً كالقرآن، وشهادة البخاري في يحيى بن سليم الطائفي رددتها، وقد أورد حديثه في كتابه وصححه، فجئت وضعفته وما باليت، فإما أن تأخذ بأقوالهم كلها، وإما أن تردها، وأما هذا التذبذب بأن يأخذ الإنسان ما يريد ويترك ما يريد، فلا!

يأتي لإمام من أئمة الإسلام يطعنه كما يقال بخنجر مسموم، ثم يقول: أنا لن أضل؛ لأنني اتبعت أئمة الإسلام قبلي.

حسناً: فلم لم تتبعهم في يحيى بن سليم الطائفي ؟!

نعم؛ هم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم واتبع أقوالهم، فلا يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه، والله لو كنت تدري ما تقول وعرفت ما تكتب لما نقلت هذا الكلام بدون أن ترد عليه؛ لأن هؤلاء الذين جرحوا أبا حنيفة قد جرحوه في دينه وورعه وأمانته وديانته، وأنت لو كان عندك عقل عندما نقلت هذا الكلام لارعويت، وكما رددت كلامهم في الطعن في دين أبي حنيفة وأمانته، كان عليك أن ترد كلامهم في الطعن في حفظه وضبطه وتلتمس لهم المعاذير، وتسأل لهم المغفرة من الله تعالى.

وفي الكتب التي نقل منها الألباني ما فيها من بلاء نحو هذا الإمام المبارك عليه رحمة ربنا، يقول: فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيه أئمة الحديث من قبل حفظهم وسوء ضبطهم، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعناً في دينهم وعدالتهم كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة.

ثم بعد ذلك يقول: فهذا هو الحق والعدل وبه قامت السماوات والأرض، فالصلاح والفقه شيء، وحمل الحديث وحفظه وضبطه شيء آخر، ولكل رجاله وأهله، فلا ضير على أبي حنيفة رحمه الله ألا يكون حافظاً ضابطاً ما دام أنه صدوق في نفسه، أضف إلى ذلك جلالة قدره في الفقه والفهم، فليتق الله بعض المتعصبين له، ممن يطعن في الدارقطني لقوله في أبي حنيفة : ضعيف الحديث.

أقول: لا يقر الطعن في الدارقطني ولا في البخاري ولا في إمامٍ من أئمة الإسلام، ومن طعن في إمامٍ من أئمتنا فعليه غضب ربنا، وقد جرى بين أئمتنا ما هو أكبر منه؛ كما وقع بين الصحابة، فنضبط هذه الألسن، ونستغفر لهم جميعاً، ونتقي ربنا في أئمتنا.

وليس معنى هذا أننا إذا برأنا أبا حنيفة وقلنا: لا يضره طعن الدارقطني أننا نطعن في الدارقطني لا ثم لا، ولما انتقد الدارقطني أحاديث على البخاري -وليس منها ما انتقدته أنت، فهو إمام جهبذ- التمسنا له العذر، ورددنا قوله وانتهى الأمر.

وقلنا: إن تصحيح البخاري لا يقدم عليه كلام الدارقطني ولا غيره، لكن ليس معنى هذا أننا خاصمنا الدارقطني أو ضللناه، فله اجتهاده وعذره، وله تأويله، والكل سيئول إلى الله عز وجل.

وأئمة الإسلام ينبغي أن نغار عليهم أكثر من غيرتنا على أنفسنا وأعراضنا، وأن نتقي الله في أئمتنا، فـالدارقطني على عيننا ورأسنا، ونحن نتبرك بذكره ونرجو شفاعته عند ربنا، وهكذا سائر أئمتنا أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وليس عند دفاعنا عن أبي حنيفة أننا سنقع في البخاري أو في مسلم أو في غيرهم من أئمة الإسلام.

يقول: ويزعم أنه ما قال ذلك إلا تعصباً على أبي حنيفة ، ولم يدر البعض المشار إليه أن مع الدارقطني أئمة الحديث الكبار مثل الشيخين وأحمد وغيرهم ممن سبق ذكرهم، أفكل هؤلاء متعصبون ضد أبي حنيفة ؟!

والله إن شخصاً يقبل مثل هذه التهمة أن توجه إلى مثل هؤلاء الأئمة لأيسر عليه وأقرب إلى الحق أن يعكس ذلك فيقول: صدق هؤلاء فيما قالوه في الإمام أبي حنيفة , ولا ضير عليه في ذلك فغايته ألا يكون محدثاً ضابطاً، وحسبه ما أعطاه الله من العلم والفهم الدقيق، حتى قال الإمام الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة , ولذلك ختم الحافظ الذهبي ترجمة الإمام أبي حنيفة في سير أعلام النبلاء بقوله: قلت: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام, وهذا أمر لا شك فيه:

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

هذه الطعون في أبي حنيفة التي وجهت من قبل هؤلاء الأئمة منهم من استدل به بدءاً بـالبخاري فمن بعده -أقرأ عليكم من كتبه- أنهم طعنوا في أبي حنيفة من جهتين: طعنوا في عدالته وديانته كما طعنوا في حفظه وضبطه، فأنت إذا رددت أحد الأمرين فاردد الآخر.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، على أمور الدنيا والدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، نسألك اللهم علماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، وبعد:

فكنا مع كلام الشيخ الألباني في الإمام أبي حنيفة عندما روى حديث رفع العاهة عند طلوع النجم، وكيف ضعفه، وذكر كلاماً في السلسلة الضعيفة حول هذا الحديث، والناظر في كلامه يعجب، ثم انظر للأمانة العلمية التي ينادي بها الناس في هذه الأيام!

يقول الألباني: أبو حنيفة ضعفه أربعة.

وهل من الأمانة أن نذكر ما قيل من قدح في الإنسان ولا نذكر ما قيل من توثيقٍ فيه، هل هذه أمانة أو هو اتباع للهوى؟!

إن أردت أن تبسط المسألة فابسطها وقل: قيل كذا وكذا، وبين لنا ماذا تختار؛ ليختار القارئ بعد ذلك ما يريد، أما أن تأتي بكلام الجارح وتسكت عن كلام الموثق المعدل فهذا ليس من الإنصاف والعدل، ذكر أربعة ممن ضعفوا أبا حنيفة ثم سكت عن كلام البقية من أئمة الجرح والتعديل.

وقد كان الألباني يصدر -فيما يظهر- هذه الأجزاء تباعاً في نفس السلسلة التي كان ينشرها في مائة حديث في أول الأمر كلما جمعها، فحصل ضجيج في العالم الإسلام نحو هذا الكلام، وأن أبا حنيفة ضعيف، فبدلاً من أن ينقل التضعيف عن أربعة من أئمة الجرح نقله عن أكثر من عشرة، وما قيد كلمة واحدة في توثيقه عن أحدٍ من أئمتنا الكرام.

وذكر هذا أيضاً في نفس الجزء من السلسلة الضعيفة في حديث رقم (458) صفحة (463) حيث يقول: ورواه الإمام محمد في كتاب الآثار صفحة (104) قال: أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم مرفوعاً، قلت: وهذا معضل، فإن الهيثم هذا هو ابن حبيب الصيرفي الكوفي وهو من أتباع التابعين، روى عن عكرمة وعاصم بن ضمرة ، ثم قيل: وتوضيحاً لذلك أقول: وأبو حنيفة ضعفوا حديثه كما سبق بيانه عند الحديث رقم (397).

يقول: ذكرت هناك أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله قد ضعفه من جهة حفظه البخاري ومسلم والنسائي وابن عدي أربعة، ثم قال: وغيرهم من أئمة الحديث.

قال الألباني: وسأذكر هنا نصوص الأئمة المشار إليهم وغيرهم ممن صح ذلك عنهم ليكون القارئ على بينة من الأمر، ولا يظن أحد أن فيما ذكرنا هناك ما يمكن أن يدعي مدعٍ أنه اجتهاد منا وإنما هو الاتباع لأهل العلم والمعرفة والاستقامة, والله عز وجل يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

انظر للألباني الآن كأنه يقول: أنا الآن مقلد ومتبع لمن قبلي، وهم ضعفوا أبا حنيفة فلا تقل: هذا اجتهاد مني، أنا الآن آخذ بأقوال العلماء، ويقول: تعال فاسأل به خبيراً، ثم أورد كلام مسلم كما تقدم هناك، وكلام النسائي وبدأ يسرد ويسرد حتى وصل العدد إلى أحد عشر عالماً ضعفوا أبا حنيفة .

إن الألباني ما نقل كلام من وثقوا الإمام أبا حنيفة ، ثم قال: ومما لا شك فيه عندنا أن أبا حنيفة من أهل الصدق، ولكن ذلك لا يكفي ليحتج بحديثه حتى ينضم إليه الضبط والحفظ، وذلك مما لم يثبت في حقه رحمه الله، بل ثبت فيه العكس بشهادة من ذكرنا من الأئمة، وهم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم أو اتبع أقوالهم.

ليتك تهتدي لآثارهم!

تقدم معنا حديث في صحيح البخاري من رواية: يحيى بن سليم الطائفي ، ويصحح البخاري حديثه، وأنت رددت كلامه، ورددت كلام الحافظ ابن حجر ، ورددت كلام أئمة الإسلام من أجل فردٍ واحد لحاجة في نفسك، ثم تقول الآن: هم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم، لم لم تأخذ بشهادة البخاري هناك؟!

يعني: شهادة البخاري في أبي حنيفة جعلتها نصاً منزلاً كالقرآن، وشهادة البخاري في يحيى بن سليم الطائفي رددتها، وقد أورد حديثه في كتابه وصححه، فجئت وضعفته وما باليت، فإما أن تأخذ بأقوالهم كلها، وإما أن تردها، وأما هذا التذبذب بأن يأخذ الإنسان ما يريد ويترك ما يريد، فلا!

يأتي لإمام من أئمة الإسلام يطعنه كما يقال بخنجر مسموم، ثم يقول: أنا لن أضل؛ لأنني اتبعت أئمة الإسلام قبلي.

حسناً: فلم لم تتبعهم في يحيى بن سليم الطائفي ؟!

نعم؛ هم القوم لا يضل من أخذ بشهادتهم واتبع أقوالهم، فلا يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه، والله لو كنت تدري ما تقول وعرفت ما تكتب لما نقلت هذا الكلام بدون أن ترد عليه؛ لأن هؤلاء الذين جرحوا أبا حنيفة قد جرحوه في دينه وورعه وأمانته وديانته، وأنت لو كان عندك عقل عندما نقلت هذا الكلام لارعويت، وكما رددت كلامهم في الطعن في دين أبي حنيفة وأمانته، كان عليك أن ترد كلامهم في الطعن في حفظه وضبطه وتلتمس لهم المعاذير، وتسأل لهم المغفرة من الله تعالى.

وفي الكتب التي نقل منها الألباني ما فيها من بلاء نحو هذا الإمام المبارك عليه رحمة ربنا، يقول: فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيه أئمة الحديث من قبل حفظهم وسوء ضبطهم، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعناً في دينهم وعدالتهم كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة.

ثم بعد ذلك يقول: فهذا هو الحق والعدل وبه قامت السماوات والأرض، فالصلاح والفقه شيء، وحمل الحديث وحفظه وضبطه شيء آخر، ولكل رجاله وأهله، فلا ضير على أبي حنيفة رحمه الله ألا يكون حافظاً ضابطاً ما دام أنه صدوق في نفسه، أضف إلى ذلك جلالة قدره في الفقه والفهم، فليتق الله بعض المتعصبين له، ممن يطعن في الدارقطني لقوله في أبي حنيفة : ضعيف الحديث.

أقول: لا يقر الطعن في الدارقطني ولا في البخاري ولا في إمامٍ من أئمة الإسلام، ومن طعن في إمامٍ من أئمتنا فعليه غضب ربنا، وقد جرى بين أئمتنا ما هو أكبر منه؛ كما وقع بين الصحابة، فنضبط هذه الألسن، ونستغفر لهم جميعاً، ونتقي ربنا في أئمتنا.

وليس معنى هذا أننا إذا برأنا أبا حنيفة وقلنا: لا يضره طعن الدارقطني أننا نطعن في الدارقطني لا ثم لا، ولما انتقد الدارقطني أحاديث على البخاري -وليس منها ما انتقدته أنت، فهو إمام جهبذ- التمسنا له العذر، ورددنا قوله وانتهى الأمر.

وقلنا: إن تصحيح البخاري لا يقدم عليه كلام الدارقطني ولا غيره، لكن ليس معنى هذا أننا خاصمنا الدارقطني أو ضللناه، فله اجتهاده وعذره، وله تأويله، والكل سيئول إلى الله عز وجل.

وأئمة الإسلام ينبغي أن نغار عليهم أكثر من غيرتنا على أنفسنا وأعراضنا، وأن نتقي الله في أئمتنا، فـالدارقطني على عيننا ورأسنا، ونحن نتبرك بذكره ونرجو شفاعته عند ربنا، وهكذا سائر أئمتنا أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وليس عند دفاعنا عن أبي حنيفة أننا سنقع في البخاري أو في مسلم أو في غيرهم من أئمة الإسلام.

يقول: ويزعم أنه ما قال ذلك إلا تعصباً على أبي حنيفة ، ولم يدر البعض المشار إليه أن مع الدارقطني أئمة الحديث الكبار مثل الشيخين وأحمد وغيرهم ممن سبق ذكرهم، أفكل هؤلاء متعصبون ضد أبي حنيفة ؟!

والله إن شخصاً يقبل مثل هذه التهمة أن توجه إلى مثل هؤلاء الأئمة لأيسر عليه وأقرب إلى الحق أن يعكس ذلك فيقول: صدق هؤلاء فيما قالوه في الإمام أبي حنيفة , ولا ضير عليه في ذلك فغايته ألا يكون محدثاً ضابطاً، وحسبه ما أعطاه الله من العلم والفهم الدقيق، حتى قال الإمام الشافعي : الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة , ولذلك ختم الحافظ الذهبي ترجمة الإمام أبي حنيفة في سير أعلام النبلاء بقوله: قلت: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام, وهذا أمر لا شك فيه:

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

هذه الطعون في أبي حنيفة التي وجهت من قبل هؤلاء الأئمة منهم من استدل به بدءاً بـالبخاري فمن بعده -أقرأ عليكم من كتبه- أنهم طعنوا في أبي حنيفة من جهتين: طعنوا في عدالته وديانته كما طعنوا في حفظه وضبطه، فأنت إذا رددت أحد الأمرين فاردد الآخر.

سآخذ ثلاثةً ممن رجعت إلى كتبهم -ويعلم الله ما رجعت إلى كتبي في شيء- رجعت إلى كتب البخاري الذي نقل عنه الألباني ولم يتم كلامه وإلى الحاكم وهذا لا طعن في حفظه ولا في عدالته، ولكن الألباني ما فهم كلامهم كما سأذكر، وإلى كتاب الضعفاء للعقيلي فقد نقل عنه أيضاً كما سيأتي، وسأبين موقف هؤلاء الأئمة نحو أبي حنيفة .

كلام البخاري في أبي حنيفة

أولهم: قال البخاري في التاريخ الكبير في الجزء (8/81): النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي كان مرجئاً، سكتوا عنه.

وصفه ببدعة الإرجاء، وذكر أنهم سكتوا عنه، فالكلام في أمرين، وما تعرض للحفظ ولا للضبط، إنما الكلام هنا كله في عدالته.

أما الإرجاء فقلت: إنه إرجاء سني كما تقدم معنا في بدعة المرجئة، وتطلق بإطلاقٍ مذموم، وبإطلاقٍ لا حرج فيه، بل إن أهل السنة قاطبة يسمون مرجئة عند الخوارج والمعتزلة؛ لأننا نرجئ الحكم في صاحب الكبيرة إلى الله جل وعلا، كما تقدم معنا في إطلاقات الإرجاء الأربعة، فإرجاء أبي حنيفة إرجاء سني.

ومن تأثر بهذا المسلك من أبي حنيفة فنلتمس له عذر، ونقول: أنت مصيب ومهتدي لا تريد إلا الحق، لكن لا يؤثر كلامك في إمام الأئمة.

إذاً: الطعن هنا لا في الحفظ، وأما في التاريخ الصغير فليس هذا الكلام للبخاري فانظر للكلام في صفحة (2/93): لأن يبتلى العبد بكل ذنب خلا الشرك أيسر من أن يكون مرجئاً.

ولا أقول طعناً فيمن قاله، ولو قدر أنه جرى منه فهو بشر يخطئ ويصيب, ورحمة الله واسعة، وإذا تخيل شيئاً، وقال ما قال بناءً على تخيله فهو معذور ومأجور, ولا نترك إماماً من أجل كلام من هنا أو هناك.

وساق قبيل هذا الكلام الإسناد فقال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا الفزاري -هنا يترجم لمن ماتوا في حدود سنة (40 إلى 50)- يقول: ومات النعمان بن ثابت سنة (150) وله سبعون سنة، ثم أورد في ترجمته كلمة للثوري دون أن يورد شيئاً آخر.

يقول: حدثنا الفزاري قال: كنت عند سفيان فنعي النعمان ، فقال: الحمد لله! كان ينقض الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام أشأم منه.

إذاً: الطعن في حفظه وفي ديانته، وما بينه وبين الزنادقة فارق، والله الذي لا إله إلا هو لأن يزني الإنسان، ويلوط، ويشرب الخمر، ويقتل النفس التي حرم الله أيسر من أن يقول هذا في إمام من أئمة الإسلام.

فإما أنه ثابت عن سفيان أو لا؟

قلت: يقيناً لم يثبت مثل هذا الكلام لا عنه ولا عن غيره من أئمة الإسلام، ولو قدر أنه ثبت كقول ابن أبي ذئب في مالك فهو مما يطرح ونستغفر الله للقائل ونترضى عنه, ولا يضر من قيل هذا الكلام في حقه شيئاً، هذا ما ورد في ترجمته عند البخاري، مات سنة (150)، وما زاد عليه حرفاً واحداً.

إن البخاري نتبرك بذكره، ونرجو شفاعته عند الله، لكن كل شيءٍ يوضع في موضعه، وسفيان هذا ليس ابن عيينة ؛ لأنه كان يثني على أبي حنيفة كثيراً، ويقول: هو الذي أقعدني في الحديث، ولولاه لما حدثت، وقال عنه: هو من الأئمة الأعلام.

يقال: كان بين سفيان وأبي حنيفة شيء، رضي الله عنهم أجمعين.

على كل حال -والله الذي لا إله إلا هو- لولا أن هذا ذكر لكان من الكبائر أن يتحدث الإنسان في مثل هذه الأمور، لكن نحن أمام بلية واقعة، وسمعت مراراً لما كنت في بلاد أبها من يقول: لو تعلمون حقيقته -يعني: أبا حنيفة- للعنتموه، وأقمت في ذاك الوقت محاضرة في موقف طالب العلم نحو أئمة الإسلام، فإننا لم نسمع مثل هذا الكلام من قبل، وما عنده بينة ولا بصيرة، ولا أخذ عن شيخ، والأدب قبل العلم، وهذا يقول: أبو حنيفة ما ولد في الإسلام أشأم منه فهو زنديق من الزنادقة، والحمد لله الذي قضى عليه فقد كان يهدم الإسلام عروة عروة، أهذا يقال في أئمتنا؟!

والله لو كان هذا في أبي حنيفة فينبغي أن نجدد ديننا، وأن نبحث عن دين آخر؛ لأن هذا الدين جاء عن طريق هؤلاء، فإذا كانوا بهذه الصفة فكيف إذاً حال هذا الدين؟!

ووالله إن الطعن في أبي حنيفة طعن في الإسلام، وهكذا الطعن في سائر أئمتنا الكرام، ولو قدر أنه جرى بينهم أحياناً غضب، وقال الواحد منهم ما قال، فهو بشر، استغفر له وادع، ولا تتأثر نحوه.

إن البخاري الذي لا تخفى مكانته وشهرته تكلم فيه وطعن في عدالته وديانته أربعة من الجهابذة الكبار: شيخه الذي روى عنه في صحيحه محمد بن يحيى الذهلي ، وأبو زرعة -وهو إن لم يكن أعلم من البخاري فلا يقل عنه- وأبو حاتم وابن أبي حاتم .

وترجم الذهبي في المغني في الضعفاء للبخاري ولم يترجم لـأبي حنيفة ، ترجم للبخاري ليرد عنه الضعف، وقال: جبل الحفظ إمام الدنيا، ولا عبرة بترك الرازيين - أبو زرعة وأبو حاتم - له؛ لأنه مجتهد في مسألةٍ اللفظ التي نسبت إليه، أي: عبارة: لفظي بالقرآن مخلوق، وهل صدرت منه؟ أو أن أهل اللغط أثاروها؟ العلم عند الله، ولا أريد أن أحقق الكلام في هذه القضية، سيأتينا كلام عليها ضمن مباحث التوحيد بإذن الله.

وقد قال رضي الله عنه: كلامنا مخلوق، وكلامنا من أفعالنا، وكلام الله غير مخلوق، فالناس أكثروا الضجيج, وقالوا: البخاري يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، والإمام أحمد عليه رحمة الله كان يحذر من هذا غاية التحذير، وحصل ما حصل، وهجر من أجل ذلك وترك، وأعرض عنه من روى عنه، وهل معنى هذا أننا نترك البخاري ؟!

وانظر للإمام الذهبي حيث يورد للبخاري ترجمة ويدافع عنه، ولم يورد ترجمة أبي حنيفة ويدافع عنه؛ لأن منزلة أبي حنيفة في الأمة أعلى من منزلة البخاري ، أما عند الله فهذا لا يعلمه إلا الله؛ لأن الناس يتعبدون الله بفقهه وباجتهاده، وعلى مذهبه سارت الأمة الإسلامية قروناً، فالخلافة العثمانية حكمت بمذهبه ما يزيد على سبعة قرون، فالطعن في أبي حنيفة من جنس الطعن في البخاري ، وأنا لا أقول: إن الطعن في البخاري أمر سهل، والبخاري أعلى من أن يورد في كتاب للضعفاء، لكن لما جرى حوله ما جرى أراد الذهبي أن ينبه إلى هذا، فقال: لا عبرة بترك الرازيين له.

والبخاري ما طعن في حفظ أبي حنيفة، وإنما قال: كان مرجئاً سكتوا عنه.

كلام العقيلي في أبي حنيفة

ننتقل إلى العقيلي في الضعفاء: حيث قال في الضعفاء في الجزء (4/268) في الطبعة المحققة لدي، ونقل الألباني عنه قولاً عن الإمام أحمد وصححه.

يقول: قال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: سمعت أبي -وهو إمام أهل السنة أحمد بن حنبل- يقول: حديث أبي حنيفة ضعيف.

يعلق الألباني على هذا ويقول في التعليق، رقم واحد والذي بعده: هذان الإسنادان صحيحان، وقد آثرت نقلهما حتى لا يخطر في بال أحدٍ أنه لعلهما من قبيل بعض الأسانيد التي جاءت في ترجمة الإمام في تاريخ بغداد، فهناك أسانيد مزورة في تاريخ بغداد في ذم أبي حنيفة ، فأنا نقلت الإسناد من كتاب العقيلي وهو إسناد صحيح.

أقول: أنت نقلت الإسناد وهذا الكلام، وعلق المعلق على الكتاب عند هذا الموضع بكلام كثير يزيد على عشر صفحات في الدفاع عن أبي حنيفة ورد ما قيل فيه من طعن، وإنما الذي أريد نقله ما أورده العقيلي في صفحة (284) وكيف حذف الألباني بعضه وترك بعضه، ثم أذكر لك بقية النقول التي وردت في هذا الكتاب، وهي أشنع من المقالة التي مرت عن سفيان.

يقول صفحة (285): حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: سمعت أبي يقول: حديث أبي حنيفة ضعيف، في التكملة التي حذفها الألباني : ورأيه ضعيف، يعني: فقهه ضعيف وحديثه ضعيف، وأنت تقول: إن فقهه واجتهاده محل تقدير، وهنا طعن في الأمرين: في روايته، وفي فقهه واجتهاده، هذا نقلاً عن الإمام أحمد ، ويقول: الإسناد صحيح.

أما النقول الأخرى فحدث ولا حرج، منها: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أبو حنيفة يكذب.

في صفحة (281) كلام عن شعبة يقول: كان شعبة يلعن أبا حنيفة .

وفي صفحة (282) يقول شعبة : كف من تراب خير من أبي حنيفة ، وسمعت شعبة يلعن أبا حنيفة .

ثم روايات لا تحصى: أنه كان ينقض الإسلام عروةً عروة، وأن أبا حنيفة كان يرى السيف، وولد على غير الفطرة، يعني: منذ أن ولد على غير ملة الإسلام، هذا كله في الكامل في الضعفاء كتاب العقيلي وعن يوسف بن أسباط قال: كان أبو حنيفة مرجئاً، وكان يرى السيف، وولد على غير الفطرة.

فأنا أريد أن أقول: هؤلاء الذين طعنوا في ديانته قبل حفظه وضبطه، فأنت أنصفت في هذه القضية، وقلت: إنه عدل إمام صالح تقي ورع، فجزاك الله خيراً على هذا، وهذا واجب عليك، لكن كما أنك وقفت على هذا الكلام ورددته، ألا أتبعته برد هذا الكلام، وسيأتينا ثناء من شعبة على أبي حنيفة .

و الألباني بعد أن ينقل عن شعبة تضعيفه لـأبي حنيفة يقول: هذا فيه نظر، فإن له آراء متعددة، وليس قولاً واحداً.

وابن معين أثنى على أبي حنيفة يقول الألباني: ليس هذا رأياً واحداً وإنما له -أيضاً- آراء متعددة؛ فأحياناً أثنى وأحياناً ذم.

هذا كلام كثير ولا ينتهي، وكله ينبغي أن يبقى وراء الظهر، وإذا صدر من قائلٍ فنسأل الله لهم المغفرة والرحمة، وأبو حنيفة أعلى من أن تنزل درجته بكلام فلان أو فلان، ومن تكلم فيه لو قدر أنه ثبت عنه لا ننتقصه، والبشر يخطئ ويصيب.

كلام الحاكم في أبي حنيفة

أما الكتاب الثالث: نقل منه كلام الإمام الحاكم فهو معرفة علوم الحديث، حيث أورده في جماعة من الرواة من أتباع التابعين فمن بعدهم لم يحتج بحديثهم في الصحيح، وختم ذلك بقوله: فجميع من ذكرناهم قوم قد اشتهروا بالرواية ولم يعدوا في طبقة الأثبات المتقنين الحفاظ، سوف أذكر كلام الحاكم ، ثم أذكر شيئاً ذكره الحاكم قبل ذلك، وما ذكره الألباني ولا غيره في ترجمة أبي حنيفة ، والظن أن الناس لن تعود إلى هذه الكتب، وأنا ما آخذ نقلاً إلا وأرجع إلى الكتاب أتحقق منه، سواء من معاصرٍ أو من غيره، وتقدم لبعض شيوخنا الأجلاء محمد الأمين الشنقيطي عليه رحمة الله، لما نقل في قصة بلقيس كلاماً نقله عن غيره، والموجود خلاف ذلك، فلا بد من التحقق، فهذا دين الله.

ذكر الحاكم النوع الحادي والخمسين من علوم الحديث: معرفة جماعة من الرواة التابعين فمن بعدهم لم يحتج بحديثهم في الصحيح، ولم يسقطوا.

يقول الألباني: وقد ذكرت فيما تقدم من ذكر مصنفات علي بن المديني رحمه الله كتاباً بهذه الصفة، غير أني لم أر الكتاب قط ولم أقف عليه، وهذا علم حسن، فإن في رواة الأخبار جماعة بهذه الصفة.

مثال ذلك في الصحابة: أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجراح أمين هذه الأمة، لم يصح الطريق إليه من جهة الناقلين فلم يخرج حديثه في الصحيحين, وكذلك عتبة بن غزوان وغيرهما.

ومثال ذلك في التابعين: محمد بن طلحة بن عبيد الله ، ومحمد بن أبي بن كعب.

أقول: محمد بن أبي بن كعب عدّ في صغار الصحابة وليس من التابعين؛ لأن له رؤية كما قال الحافظ ابن حجر .

ومثال ذلك السائب بن خلاد ، ولما نظرت في كتب التراجم وجدت أيضاً أن له صحبة، وعمل لـعمر على اليمن رضي الله عنهم أجمعين.

يقول: ومنهم محمد بن أسامة بن زيد وعمارة بن حذية هؤلاء لم يحتج بهم في الصحيح ولم يسقطوا، ومن جملة من أورد سعيد بن سعد بن عبادة يقول الحافظ ابن حجر صحابي صغير، ولا يصح أن يورد ضمن التابعين.

يقول: ومنهم يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير أيضاً، قال الحافظ : وذكره العجلي في ثقات التابعين، ومنهم عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله وهذا احتج به الشيخان، فكيف أورده؟! إنه وهم من الحاكم ، ولم يصب ابن سعد في تضعيفه حديثه فهو في الكتب الستة.

يقول: هؤلاء التابعون على علو محالهم في التابعين ومحال آبائهم في الصحابة ليس لهم في الصحيح ذكر لفساد الطريق إليهم لا للجرح فيهم، وقد نزههم الله عن ذلك، وفي التابعين جماعة من هذه الطبقة.

ومثال ذلك في أتباع التابعين: موسى بن محمد وأورد عدة إلى آخره.

الذي أريده من الملاحظات: أنه ذكر منهم عبد الرحمن بن أبي الزناد مع أن حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة، وهو صدوق، فقوله: لم يحتج به في الصحيح غير مسلم.

كذلك ذكر عطاء بن السائب الثقفي مع أن حديثه في صحيح البخاري والسنن الأربعة.

وكذا عبد الله بن شبرمة الضبي وحديثه في البخاري -تعليقاً- وصحيح مسلم ، والسنن الأربعة إلا سنن الترمذي ، ومنهم محمد بن سالم أبو سهل وقد روى له مسلم والبخاري في الأدب المفرد، وأهل السنن الأربعة إلا سنن أبي داود .

فيحتاج كلام الحاكم إلى شيءٍ من الضبط.

ثم يقول: ومنهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، هذا في أتباع التابعين، ثم يقول: ومثال ذلك في أتباع الأتباع ومثال ذلك في الطبقة الخامسة، ومثال ذلك في الطبقة السادسة.

قال أبو عبد الله -وهذا الذي أريده، وهو الذي استدل به الألباني-: فجميع من ذكرناهم في هذا النوع بعد الصحابة -هذه الجملة حذفها الألباني- والتابعين فمن بعدهم -فطبقة أبي حنيفة خرجت أم لا؟! أخرجوا الصحابة والتابعين ومن بعدهم، هنا الطبقات الثلاث، ثم اذهب للرابعة والخامسة والسادسة ومن ذكرهم- قوم قد اشتهروا بالرواية، ولم يعدوا في طبقة الأثبات المكثرين الحفاظ والله أعلم.

انظر ماذا حذف الألباني يقول: فجميع من ذكرناهم قوم قد اشتهروا بالرواية، ولم يعدوا في طبقة الأثبات المكثرين الحفاظ، أين هذا القيد والاحتراز؟

فجميع من ذكرناهم في هذا النوع بعد الصحابة والتابعين فمن بعدهم -طبقة أتباع التابعين- قوم قد اشتهروا بالرواية ولم يعدوا في طبقة الأثبات المكثرين الحفاظ، كأنه يقول: أخرج طبقة الصحابة والتابعين وأتباعهم وهي طبقة أبي حنيفة ، ثم اذهب إلى الطبقات الأخرى فلم يعدوا في طبقات الحفاظ المكثرين الأثبات، فطبقة أبي حنيفة لا تكون معهم، أوليس كذلك؟ هذا كلام الحاكم فلم يحذف من كلام الحاكم ، ولا يورد كلامه كله ليتأمله القارئ كما تأملت، لنفرض أنك أخطأت في الفهم فسق الكلام كما هو، وقد أكون أنا مخطئاً في الفهم فأترك الكلام كما هو ليتأمل القارئ كلامك، وليكون على بينة من الكلام الأصلي، فـالحاكم في هذا الكتاب في صفحة (240) تعرض لذكر أبي حنيفة ، وجزاه الله خيراً على ما قال وأحسن إليه.

قال: ذكر النوع التاسع والأربعين من معرفة علوم الحديث: معرفة الأئمة الثقات المشهورين من التابعين وأتباعهم ممن يجمع حديثهم للحفظ والمذاكرة والتبرك بهم وبذكرهم من الشرق إلى الغرب، ثم عد من أهل مكة، ومن أهل البصرة، ومن أهل اليمامة, ومن أهل الكوفة أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، في أي شيء يعده الحاكم ؟ انتبه للعنوان: الأئمة الثقات المشهورون من التابعين وأتباعهم ممن يجمع حديثهم للحفظ والمذاكرة والتبرك بهم وبذكرهم من الشرق إلى الغرب.

ثم ذكر من أهل المدينة محمد بن مسلم الزهري ، ومن أهل مكة إبراهيم بن ميسرة ، ومن أهل مصر -حتى لا يغضب علينا أهل مصر- عمرو بن الحارث ، ومن أهل الشام إبراهيم بن أبي عبلة ، ومن أهل اليمن شيخ اليمن حجر بن قيس ، ومن أهل اليمامة ضمضم ، ومن أهل الكوفة الربيع بن خثيم العابد، ثم أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، ومالك بن مغول ، وبدأ يسرد، فـالحاكم يرى أنه ثقة ثبت حافظ إمام، يتبرك به وبذكره من الشرق إلى الغرب.

أنا أريد أن أعرف لم تنقل يا ألباني! ما قيل من ظن في أبي حنيفة ، ثم زعمت أنك وسط تريد أن تضعفه من جهة الضبط والحفظ لا من جهة الأمانة والديانة، ومن تكلم فيه إنما تكلم في الديانة أكثر، ومن تكلم بالثناء عليه إذا بك تغير كلامه، فإذا لم تقف على هذا النص فيا أسفاه على الحفاظ في هذه الأيام الذين يدعون الحفظ والتحديث.

قل: إن الحاكم يقول تارةً: أبو حنيفة من الثقات الحفاظ المكثرين الأثبات، وتارةً يقول: هؤلاء حديثهم ينزل عن درجة الحفظ والإثبات، حتى لو تناقض الحاكم ، لو أن الكلام الثاني للحاكم يريد منه طبقة أبي حنيفة لكان هذا تناقضاً منه، فليصحح كلامه.