كتاب منهج السالكين - كتاب الأطعمة


الحلقة مفرغة

‏بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، أما بعد:

نشرع في كتاب الأطعمة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب الأطعمة: وهي نوعان: حيوان وغيره, فأما غير الحيوان من الحبوب والثمار وغيرها، وكله مباح إلا ما فيه مضرة كالسم ونحوه, والأشربة كلها مباحة إلا ما أسكر, فإنه يحرم كثيره وقليله, لحديث: ( كل مسكر حرام )، ( وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام )، وإن انقلبت الخمرة خلاً حلت].

أقسام الأطعمة وأنواعها

المؤلف رحمه الله قال: إن الأطعمة قسمان, والأئمة رحمهم الله يذكرون أن الأطعمة تدخل فيها الأشربة، فتدخل الأشربة من باب التبع، فالأطعمة نوعان: حيوان أو غيره، فإن كان غير الحيوان مثل: الحبوب والثمار والأشجار فكلها مباح، ولا يحرم منها إلا ما كان من باب السم أو الحشيش أو الأفيون والمخدرات لضرره؛ كما قال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157], فالأصل الحل إلا إذا ظهر خبثه والله أعلم؛ لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29].

وأما الأشربة فإن الأصل في الأشربة الحل إلا إذا كان مسكراً أو سماً, فإن كان مسكراً فلا يجوز سواء كان إسكاره في الكثير أو القليل، فيكون حراماً، والله أعلم.

حكم الخمر إذا تخللت بنفسها أو بفعل آدمي

وأما الخمر فيقول المؤلف: (وإن انقلبت الخمر خلاً حلت).

الخمر إما أن تنقلب بنفسها، وإما أن تنقلب بفعل العبد, ما معنى بنفسها؟

يعني: وضعت خمراً فما علموا إلا بعد أن صارت خلاً، فإن انقلبت بنفسها صارت حلالاً بإجماع الفقهاء، وإن كانت بفعل الآدمي فقد اختلف العلماء في ذلك, والذي يظهر -والله أعلم- أنها تكون طاهرة وإن كان العبد عاصياً في ذلك, وهذا اختيار ابن حزم رحمه الله، فلو أخذ الخمر ووضعها في الشمس حتى تنقلب خلاً، فهذا بفعل العبد، فهو آثم وإن كان الخل حلالاً. والله أعلم.

أطعمة الحيوانات البحرية

قال رحمه الله تعالى: [والحيوان قسمان: بحري، فيحل كل ما في البحر حياً وميتاً].

البحري: هو الذي يعيش في البحر أو غالب حياته في البحر، فعلى هذا يدخل سرطان البحر الذي يعيش في البر والبحر، لكن بقاؤه في البحر لا بد منه، فهذا يكون في حكم البحري والله أعلم, فحينئذ يجوز أكله ولا يلزم ذكاته؛ لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [المائدة:96], ومعنى طعامه: أي الذي يقذفه البحر، مثل: العنبر في الحوت أو السمكة؛ فإذا لفظته فإنه يكون حلالاً، والله أعلم.

أطعمة الحيونات البرية

قال رحمه الله تعالى: [وأما البري فالأصل فيه الحل إلا ما نص الشارع على تحريمه, فمنها: ما في حديث ابن عباس : ( كل ذي ناب من السباع فأكله حرام )، (نهى عن كل ذي مخلب من الطير ) رواه مسلم ( ونهى عن لحوم الحمر الأهلية ) متفق عليه، ( ونهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد ) رواه أحمد و أبي داود , وجميع الخبائث محرمة كالحشرات ونحوها، و(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وألبانها حتى تحبس)، وتطعم الطاهر ثلاثاً].

يقول المؤلف: (وأما البري فالأصل فيه الحل إلا ما نص الشارع على تحريمه).

الأصل في الأطعمة الحيوانية الإباحة إلا ما نص الشرع على تحريمه، والذي نص الشرع على تحريمه هو: (كل ذي مخلب من الطير), والمخلب: هو الذي يصيد به الطير, وإلا فإن كل طير لديه مخلب، فالعصفور له مخلب لكن لا يصيد به، فالعبرة بالمخالب التي يصيد بها كالصقر والحديا والغراب ونحو ذلك.

ولا عبرة بالمنقار المائل, فإن بعض العامة يظنون أن ذي المنقار المائل لا يجوز أكله، كالصبري، فالأصل أنه يجوز أكل الصبري؛ لأنه لا يأكل بمخلبه ولكن يفترس الدخلة، فإذا كان يفترس الدخلة صار حكمه حكم الجلالة التي سوف نأتي إليها.

كذلك الخابور: وهو الطير المعروف, الذي يأكل الجيف، فإذا كان يأكل الجيف فإنه يؤكل إذا طهر وإلا فلا يؤكل؛ لأنه في حكم الجلالة. والله أعلم.

وكذلك كل ذي ناب من السباع، وهو الذي يأكل بنابه، واختلف العلماء في الضبع: هل هو صيد؟ فنقول: الراجح أن الضبع صيد، كما جاء في صحيح مسلم: ( الضبع صيد ), الضبعة هذه معروفة، لكن الضبعة لماذا جاز أكلها مع أنها تعتبر من المفترسات؟ قال بعض العلماء: إن أسنانها متراصة وليست مثل أسنان غيرها من المفترسات، وقال بعضهم: إن ذلك على سبيل الرخصة, والله أعلم بعلة هذا الاستثناء، لكننا نقول: الضبع صيد، فيجوز أكلها, فإن كانت تأكل الجيف فلا بد من حبسها حتى يطهر لحمها والله أعلم.

ثم قال المؤلف: ونهى عن لحوم الحمر الأهلية، الحمر الأهلية: هي التي عندنا، وأما الحمر الوحشية فليست هي الحمار الوحشي المخطط التي نعرفها، فإن الحمر الوحشية حمر معروفة توجد في بعض مناطق المملكة كالحريق لكنها قليلة ومندثرة ولا يوجد منها إلا القليل, وأما الحمار الوحشي الموجود هنا، فهل هو من فصيلة الحمر أم من فصيلة الخيول؟ الله أعلم, وأما الحمار الوحشي فإن بعضهم يقول: إنه من فصيلة الوعول والله أعلم، والحمار الوحشي الموجود في إفريقيا يجوز أكله؛ لأنه قريب من الخيل وليس بغلاً، والله أعلم.

النهي عن قتل بعض الحيوانات الصغيرة

ثم قال المؤلف: (ونهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد).

الصرد: هو الذي يأتي إلى الماء ويشرب ويسرع, هذا يسميه العامة: خاطوف.

وكذلك لا يجوز قتل الهدهد, ولا يجوز قتل النحلة، والنحلة الآن يعالج بها، فهل العلاج بها ممنوع؛ لأن علاجها سوف يؤدي إلى قتلها؟ نقول: المسألة محتملة، فإن كان العلاج متأكداً وينفع فلا بأس؛ لأنه تعارضت مفسدتان: مفسدة تلف النحلة ومفسدة ضرر الآدمي، فيقدم حق الآدمي، وأما إذا كانت النحلة تقتل من غير فائدة فلا يجوز.

وكذلك النملة لا تقتل ولا توطأ إلا إذا آذت، فإن الأذية تدخلها في حكم الفويسقات. والله أعلم.

الخبائث من الحشرات

ثم قال المؤلف: (وجميع الخبائث محرمة كالحشرات).

الحشرات: المقصود بها التي لا نفع فيها والله أعلم، فإنها مضرة؛ لقوله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157].

ثم قال: (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلالة وألبانها)، هذا الحديث رواه أبو داود و الترمذي و النسائي من حديث ابن عمر , وله شاهد من حديث ابن عباس وإن كان بعضهم يضعف الحديث كما في قصة خيبر، لكن الجلالة التي تأكل الجيف فإنها تحبس ثلاث ليال حتى يطهر لحمها، ولهذا قال المؤلف: (تحبس وتطعم الطاهر ثلاثاً) ومن المعلوم عند العلماء أن أكل لحوم الجلالة يزول بحبسها ثلاثة أيام، وأكلها العلف الطيب.

لعلنا نقف عند هذا الحد. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المؤلف رحمه الله قال: إن الأطعمة قسمان, والأئمة رحمهم الله يذكرون أن الأطعمة تدخل فيها الأشربة، فتدخل الأشربة من باب التبع، فالأطعمة نوعان: حيوان أو غيره، فإن كان غير الحيوان مثل: الحبوب والثمار والأشجار فكلها مباح، ولا يحرم منها إلا ما كان من باب السم أو الحشيش أو الأفيون والمخدرات لضرره؛ كما قال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157], فالأصل الحل إلا إذا ظهر خبثه والله أعلم؛ لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29].

وأما الأشربة فإن الأصل في الأشربة الحل إلا إذا كان مسكراً أو سماً, فإن كان مسكراً فلا يجوز سواء كان إسكاره في الكثير أو القليل، فيكون حراماً، والله أعلم.

وأما الخمر فيقول المؤلف: (وإن انقلبت الخمر خلاً حلت).

الخمر إما أن تنقلب بنفسها، وإما أن تنقلب بفعل العبد, ما معنى بنفسها؟

يعني: وضعت خمراً فما علموا إلا بعد أن صارت خلاً، فإن انقلبت بنفسها صارت حلالاً بإجماع الفقهاء، وإن كانت بفعل الآدمي فقد اختلف العلماء في ذلك, والذي يظهر -والله أعلم- أنها تكون طاهرة وإن كان العبد عاصياً في ذلك, وهذا اختيار ابن حزم رحمه الله، فلو أخذ الخمر ووضعها في الشمس حتى تنقلب خلاً، فهذا بفعل العبد، فهو آثم وإن كان الخل حلالاً. والله أعلم.

قال رحمه الله تعالى: [والحيوان قسمان: بحري، فيحل كل ما في البحر حياً وميتاً].

البحري: هو الذي يعيش في البحر أو غالب حياته في البحر، فعلى هذا يدخل سرطان البحر الذي يعيش في البر والبحر، لكن بقاؤه في البحر لا بد منه، فهذا يكون في حكم البحري والله أعلم, فحينئذ يجوز أكله ولا يلزم ذكاته؛ لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [المائدة:96], ومعنى طعامه: أي الذي يقذفه البحر، مثل: العنبر في الحوت أو السمكة؛ فإذا لفظته فإنه يكون حلالاً، والله أعلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [11] 2193 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [12] 2045 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الصداق [2] 2034 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [4] 1746 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [6] 1713 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الجنايات والحدود 1672 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [7] 1614 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [9] 1607 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الطلاق 1545 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [1] 1458 استماع