كتاب منهج السالكين - كتاب الطلاق


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

الطلاق ثابت بالكتاب والسنة, وإجماع سلف هذه الأمة:

أما الكتاب: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1].

وأما السنة: فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لا طلاق في إغلاق ولا إعتاق ), وقال صلى الله عليه وسلم: ( إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ), وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( مره فليراجعها حتى تطهر, ثم تحيض حتى تطهر, ثم إن شاء طلق, وإن شاء أمسك ), فدل ذلك على أن الطلاق مشروع بشرطه والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ والأصل فيه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ].

ومعنى (لعدتهن) يعني بذلك في أول عدتهن, بمعنى أنه يطلق في طهر لم يجامعها فيه, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ وطلاقهن لعدتهن فسره حديث ابن عمر , حيث طلق زوجته وهي حائض, فسأل عمر رضي الله عنه رسول الله صلى عليه وسلم عن ذلك فقال: ( مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر, ثم تحيض ثم تطهر, ثم إن شاء أمسك بعد, وإن شاء طلق قبل أن يمسها, فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ), متفق عليه وفي رواية: ( مره فليراجعها, ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً ), وهذا دليل على أنه لا يحل له أن يطلقها وهي حائض, أو في طهر وطئ فيه, إلا إن تبين حملها ].

هذه المسألة أحب أن أبينها بشيء من التفصيل, فقد جعل الشارع الطلاق بيد الرجل؛ لأجل أن يفكر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند الدارقطني : ( إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ), يعني: أخذ بشدة, فالرجل طبيعته تقتضي هذا الأمر, إذا ثبت هذا فإن الرجل لا يجوز له أن يطلق إلا على وفق السنة, بأن يطلق طلاقاً سنياً, وهو الطلاق في طهر لم يجامعها فيه, وأن يطلق مرة واحدة في مجلس العقد, الذي هو مجلس الطلاق, وعلى هذا فإنه لو طلق في طهر جامعها فيه, يعني: طهرت من حيضها ثم أتاها ثم طلقها, فقد اختلف العلماء في هذا الطلاق هل هو جائز, أو بدعي؟

القول الأول: ذهب الشافعي ومن وافقه إلى أن الطلاق جائز.

والقول الثاني: وهو مذهب الجمهور, وهو أن هذا الطلاق بدعي, وهو آثم في هذا؛ لأن الشارع إنما أراد ألا تحل هذه الوثائق من العقود إلا بالتروي والتأني, وقد قال الله تعالى: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1], قال ابن عباس وغيره: في قبل عدتهن, يعني: في أول عدتهن, وهذا لا يكون إلا في طهر لم يجامعها فيه, وهذا أمر ومقتضى الأمر الوجوب, أقول: هذا هو الراجح, وهو أن الرجل لا يجوز له أن يطلق امرأته في طهر جامعها فيه.

مسألة: لو أن الزوج طلق في طهر جامعها فيه, فهل يقع الطلاق, أم لا يقع؟

أقول: إن الرجل إذا طلق في طهر جامع فيه فإنه آثم على الراجح, فلو طلق فإن قول الأئمة الأربعة, وقول عامة سلف هذه الأمة, من المتقدمين والمتأخرين, بل حكى غير واحد الإجماع على أن الطلاق يقع, هذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

خلافاً لبعض أهل العلم, كـأبي العباس بن تيمية وغيره, بل بالغ أبو عمر بن عبد البر فحكى أن مخالف قول الجمهور شذاذ من أهل الاعتزال وغيرهم, والراجح هو قول عامة السلف أن الطلاق يقع, وإنما جعل أبو العباس عدم الوقوع؛ لأنه التزم قاعدة, وهي أن الطلاق لما كان غير مشروع, فقد عمل عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ), والذي يظهر والله أعلم: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فهو رد ), يعني: أنه غير مقبول منه, ومعنى غير مقبول: أنه آثم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وكل بدعة ضلالة ).

أما مسألة عدم الصحة من غيرها فإن غاية ما في هذا الحديث هو وقوع التحريم, وهو ما يسمى بالأحكام التكليفية, وأما الصحة من عدمها وهو خطاب الوضع, لا يتم إلا بوجود شرطه أو سببه, أو دليله, ولا دليل يفيد عدم الوقوع, وقال الجمهور: هناك أشياء نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها, ومع ذلك لا تبطل العبادة بها, كما جاء في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اعتدلوا في السجود, ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب ), فما حكمه؟ الراجح أنه محرم؛ لأنه شابه البهائم, فهل من فعل ذلك لا تصح صلاته؟ لا، تصح, إذاً لم يأتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل يبين عدم الصحة, غاية ما في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى, والنهي لا يلزم أن يقتضي الفساد مطلقاً, وهذا القول أظهر والله أعلم.

إذاً: الخلاصة أن الرجل إذا طلق امرأته في طهر جامع فيه فإنه آثم, ويمضي الطلاق, هذا هو كلام الأئمة المتقدمين والمتأخرين, ولم يخالف في ذلك أحد.

مسألة أخرى: إذا طلق الرجل امرأته أكثر من طلقة, مثل أن يقول: أنت طالق ألبتة, أو أنت طالق ثلاثاً, أو أنت طالق, فطالق, فطالق, أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق, فما حكم ذلك؟ فيه قولان:

القول الأول: وهو قول جمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة في المشهور عندهم, أن الطلاق يقع؛ قالوا: لأن عويمر العجلاني الذي لاعن امرأته قال: ( يا رسول الله! كذبت عليها إن أمسكتها, فطلقها ثلاثاً ), قال الزهري : فكانت سنة المتلاعنين, وهي المفارقة, ووجه الدلالة: أن الطلاق كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ومن ذلك ما جاء عند أبي داود أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً, فقالوا: هذا كان معهوداً, أن يطلق الرجل امرأته ثلاثاً, فدل ذلك على وقوعه.

القول الثاني: هو قول ابن عباس في رواية, وقول أبي الصهباء , تلميذ ابن عباس , وروي عن طاوس و عطاء و مجاهد , وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله إلى أن الطلاق إذا كان أكثر من واحدة في مجلس واحد فإنه لا يقع إلا واحدة, سواء قال: أنت طالق ثلاثاً, أو أنت طالق وذكر حروف العطف, فطالق ثم طالق وطالق, كل ذلك يكون واحدة؛ استدلالاً بما جاء في صحيح مسلم من حديث طاوس عن ابن عباس أنه قال: ( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر وصدراً من خلافة عمر , أن الثلاث يقع واحدة, فقال عمر : إن الناس قد استجعلوا في أمر كان لهم فيه أناء, فلو أمضيناه عليهم, فأمضاه عليهم ثلاثاً ), فكان ذلك من باب السياسة الشرعية.

وقد أنكر الإمام أحمد هذا الحديث وهو عند مسلم , وحاول الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله أن يقويه, بأن طاوساً لم يتفرد به, فقد تابعه أبو الصهباء عن ابن عباس , والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وهذا هو الظاهر والله أعلم, فالراجح هو اختيار ابن تيمية ؛ لأن هذه سنة عمر , وإلا فإن الأول كان الطلاق بلفظ الثلاث يقع طلقة واحدة, وإذا صح الحديث نقول به, وشيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله يقول: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثاً, بهذا اللفظ فإنها تقع واحدة, كما قال الشيخ عبد العزيز، والشيخ أحمد شاكر ؛ يقول: لأن الرجل إذا قال: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً, لا يصدق أنه قالها ثلاث مرات, وإنما قالها واحدة, أما لو قال: أنت طالق, طالق, طالق, ينظر, فإن كان يقصد التأكيد وإلا وقعت ثلاثاً, هذه صورتان من كلام شيخنا ابن باز .

الصورة الثالثة عند شيخنا عبد العزيز بن باز : أن الرجل إذا قال: أنت طالق فطالق, فطالق, أو وطالق, أو ثم طالق وهي حروف العطف, فإنها تقع ثلاثاً, إلا إن كان قصد التأكيد فواحدة, هذا رأي شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله.

يقول شيخنا عبد العزيز : وأما ما ذكره تقي الدين من أن الرجل إذا قال: أنت طالق فطالق فطالق تقع واحدة, فلا أعلمه عن أهل العلم, يعني: ما أعلم أحداً قاله من أهل العلم إلا ابن تيمية , يعني: إن شيخنا عبد العزيز بن باز يقول : إن الخلاف الموجود عند المتقدمين إنما هو في صورة واحدة, وهي صورة: أنت طالق ثلاثاً, أو أنت طالق, طالق, طالق, بلا حروف عطف, وقصد بها التأكيد, هذا كلام شيخنا عبد العزيز بن باز .

وهناك رسالة للشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله, بين قوة قول أبي العباس بن تيمية , وهو أن الخلاف عند الصحابة, إنما هو في وقوع أكثر من واحدة في مجلس واحد, سواء بلفظ التأكيد, أو بلفظ العطف, أو بأن يقول ثلاثاً, وعلى هذا فإن الأقرب هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

مسألة أخرى: وهي مسألة طلاق الحائض, طلاق الحائض كثر الخلاف المعاصر فيه, وأقول: إنه لم يكن هناك خلاف معتبر عند المتقدمين, ومنهم الأئمة الأربعة, وهو قول أكثر الصحابة وأكثر السلف, كما قال أبو عمر بن عبد البر : وهو قول فقهاء الإسلام, ولم يخالف إلا شذاذ من أهل البدع والرفض والاعتزال, وكذلك قاله ابن المنذر , أن طلاق الحائض يقع, والزوج آثم إن كان يعلم, وإن لم يعلم فلا يأثم.

إذاً: طلاق الحائض يقع أم لا يقع؟ قالوا: يقع, ما دليلكم؟

قالوا: لأن نافعاً مولى ابن عمر ذكر عن ابن عمر أنه طلق امرأته وحسبت عليه تطليقة, وأن سالم بن عبد الله بن عمر روى عن أبيه, أنه طلق امرأته وهي حائض وحسبت عليه تطليقة, وإن يونس الباهلي وكان ذا ثبت كما يقول محمد بن سيرين , روى عن ابن عمر أنه طلق زوجته وهي حائض وحسبت عليه تطليقة, قال: مه, أو إن عجز أو استحمق.

فهؤلاء ثلاثة, كل واحد منهم ثقة ثبت, يكفي بقبول خبره, فكيف وقد اجتمعوا؟! فدل ذلك على أن الصحيح أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فوقع, وأما ما جاء في رواية محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن ابن عمر أنه لم يحسبها شيء, فقد حاول ابن القيم أن يصحح هذا الأثر, والأقرب والله أعلم: أن أبا الزبير المكي حسن الحديث إذا لم يخالف, فكيف لو خالف نافعاً و سالماً و يونس الباهلي .

ومما يدل على وقوع الطلاق حديث ابن عمر : ( أن عمر بن الخطاب أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فقال: مره فليرجعها ), وفي رواية: ( فليراجعها ), وبعض الشراح وقف عند هذه اللفظة: (يرجعها) أو (يراجعها) فإن قال: يراجعها, دل على أنه وقع الطلاق, وإن قال: ( مره فليرجعها ), دل على أنه لم يقع الطلاق, وأقول: هذه الألفاظ ليست مقصودة شرعاً, والمقصود قوله: ( مره فليراجعها ), أو ( يرجعها )؛ وذلك لأن ابن عمر حينما طلق امرأته ذهب بها إلى أهلها.

وهل يجوز للمرأة إذا طلقها زوجها أن تذهب إلى أهلها؟

لا؛ لأن الله يقول: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ [الطلاق:1], فأمره صلى الله عليه وسلم أن يأتي بها إلى بيته, ثم قال: ( مره فليرجعها, حتى تطهر ثم تحيض حتى تطهر, ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ), إذاً: فما وجه الدلالة على أن طلاق الحائض يقع؟

قالوا: لو قلنا: بأن طلاق الحائض لا يقع لصار وقوعه لغواً, فجاز له أن يطلقها في الطهر الذي طهرت من حيضها فيه, والشارع نهاه في قوله: ( مره فليرجعها حتى تطهر ), إنما نهاه ولم يأمره أن يوقع الطلاق على هذا الطهر, دل ذلك على أن هذا الطهر تكملة للطلاق الذي أوقعه وهي حائض؛ ولهذا قال العلماء: إنما نهى الشارع أن يطلق الرجل امرأته وهي حائض؛ لأجل ألا تطول عدتها, فلما نهاه أن يطلق في الطهر الذي طهرت منه الحائض, وأمره أن يطلق في الطهر الثاني, دل على أن طلاق الحائض يقع, وهذا قول قوي.

وأما ابن تيمية فكما قلت لكم: التزم قاعدة: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ), فنقول: ليس هذا على إطلاقه, فإن تلقي الركبان نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لا يبطل البيع، وهكذا قال صلى الله عليه وسلم: ( من غشنا فليس منا ), فالإنسان إذا باع المبيع المعيب فإنه لا يبطل العقد، مع أنه (من غشنا فليس منا) ولو دلس فإنه لا يبطل, فدل ذلك على أن النهي لا يلزم منه أن يقتضي الفساد مطلقاً, وإن ( عمل عملاً ليس عليه أمرنا ), والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فإن قال قائل: ما تقولون في هذا الحديث؟

نقول: قوله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ), يعني: مردود عليه وهو آثم فيه, لكن الإثم حكم تكليفي, ووقوع الطلاق من عدمه حكم وضعي لم يثبت بعدم وقوعه, ولعل هذا القول أظهر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الصريح والكناية

يقول المؤلف رحمه الله: [ ويقع الطلاق بكل لفظ دل عليه ].

الطلاق يقع بلفظين: صريح وكناية, أما الصريح: فهو هو لفظ الطلاق وما يتصرف منه, مثل: أنت طالق, أنت مطلقة, أنت الطلاق, أنت طليقة, وغير ذلك من الألفاظ التي هي من تصريفات لفظ الطلاق, فإذا تلفظ بها فإنه يقع الطلاق عند عامة أهل العلم كما سوف يأتي بيانه.

وأما الكناية, وهو ليس بلفظ صريح الطلاق, فإنه يسمى عند العلماء: كناية, مثل: حبلك على غاربك, اخرجي من بيتي, ليس بيني وبينك شيء, انتهى الذي بيني وبينك, أنت في طريق وأنا في طريق, وغير ذلك من الألفاظ, فهذه الكلمات محتملة وليست صريحة, فإن العلماء رحمهم الله يقولون: إن ألفاظ الكناية لا تثبت إلا مع نية الطلاق, فهذا هو قول عامة أهل العلم, إلا أن بعض الفقهاء قال: إن بعض ألفاظ الكناية وإن لم تكن صريحة في الطلاق, لكنها لما كانت تتداول عند الناس وصارت قرينتها تدل على ما يدل عليه الصريح, فإننا أقمنا القرينة مقام النية, فإنهم على هذا قالوا: بعض العبارات تدل على الطلاق, مثل: أنت ألبتة, فإن كلمة ألبتة هو الطلاق الذي بمثابة الطلاق الثلاث, أو أنت مسرحة, فإن بعض أهل العلم كما هو مذهب أحمد و مالك في أحد قوليهما أو روايتين عنهما أن هذا اللفظ يعامل معاملة الصريح، حتى ولو قال: إنني لم أنو ذلك, وذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صريحاً إلا بالنية.

والأقرب والله أعلم: أن هذا على حسب تعامل البلد, فإذا كانوا يتعاملون بمثل ذلك فإنه يكون بمثابة الطلاق, وإلا فإن الهندي والصيني والأمريكي يتلفظون بألفاظ ليست هي الطلاق, ولكنهم تداولونها على أنها هي لفظ صريح في الطلاق, فالقرينة تقوم مقام وجود النية؛ ولهذا لا يحكم به إلا إذا اتفق أهل البلد, وأما إذا اختلفوا ولم تكن ثمة قرينة قوية, فالأقرب أنه لا بد فيه من نية, وقت والله أعلم.

المنجز والمعلق

ثم قال المؤلف: [ ويقع الطلاق منجزاً أو معلقاً ].

القسم الأول: المنجز، مثل أن يقول: أنت طالق, ولم يوجد أي حرف من حروف الشرط, فهذا يقع طلاقاً عند عامة أهل العلم, سواء كان جاداً أم هازلاً؛ لما جاء عند أبي داود وغيره من حديث عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن يوسف بن ماهك عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة ), وهذا الحديث حسنه بعض المتأخرين, والذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث في سنده علتان:

العلة الأولى: أن عبد الرحمن بن حبيب فيه نكارة, فقد قال النسائي : عبد الرحمن بن حبيب منكر الحديث.

العلة الثانية: أنه من رواية يوسف بن ماهك وروايته عن أبي هريرة ليست بذاك.

ولهذا فإن المالكية يرون أن الإنسان إذا كان هازلاً فإنه لا يقع طلاقه؛ لأن الطلاق عبادة, والأصل في العبادات أنها لا تثبت إلا بالنية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وإنما لكل امرئ ما نوى ), وأقول: هذا القول قوي تفقهاً, وإلا فإن مثل هذه القضايا لا ينبغي أن يفتى بها عند الناس العامة إلا في وقت الدرس والتدريس, وإنما قلنا هذا لأنه إذا قال رجل: إنما كنت هازلاً, فصدقته المرأة بذلك, فإنه يدين, ما معنى يدين؟ أي: يكون بينه وبين الله, فإن كان كاذباً فإنما يأتي أهله حراماً إذا كانت هذه آخر طلقة, ويعرف هذا بالقرائن, وإذا أنكرت المرأة ذلك, أو لم تثبت قرينة ولم يشهد على ذلك أحد فالأصل أن لفظ الطلاق هو طلاق.

إذاً: الأصل أنه بمجرد وجود هذه اللفظة فإنه يقع الطلاق إلا إن ادعى خلاف ذلك بقرينة؛ وذلك لأن الحديث الوارد في هذا ضعيف, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وإن كان جمهور الفقهاء على أنه يقع الطلاق, وقد ذكره أبو العباس بن تيمية و ابن القيم أن مجرد لفظ الطلاق يقع, يقول ابن تيمية : الفرق بين الهازل والسكران, يقول: إن الهازل قاصد للفظ وإن لم يكن قاصداً للأثر, بخلاف السكران؛ فإنه لم يكن قاصداً للفظ ولا للأثر.

وأقول: هذا ليس على إطلاقه, أحياناً الرجل يمزح ويقول: هي طالق, وإن قصد لفظ الطلاق لكنه لم ينو ولم يقصد لفظ الفرقة بينه وبين زوجته, ومع ذلك أقول: إنه إن قالت المرأة بل طلقني, فإنه يقع طلاق كما هو قول عامة أهل العلم.

القسم الثاني: المعلق, وأحب أن نتفطن له, والمعلق أنواع:

النوع الأول: أن يعلقه على شرط محض, مثل أن يقول: إن غربت الشمس فأنت طالق, إن أشرقت الشمس فأنت طالق, إن جاء رمضان فأنت طالق, فهذا يقع الطلاق عند تحقق الشرط عند عامة أهل العلم, وحكى بعضهم الإجماع على ذلك.

النوع الثاني: أن يوقعه على شيء يقصد به حض نفسه أو منعها, أو حض الغير أو منعه, مثل أن يقول لامرأته: إن خرجت فأنت طالق, إن لم تصلحي الحقيبة فأنت طالق, إن لم تذهبي إلى أمي فأنت طالق, فاختلف العلماء في هذه المسألة, وهذه يسميها العلماء: مسألة الحلف بالطلاق, وسميت حلفاً بالطلاق وإن لم يكن فيها لفظ الجلالة ولا صفة من صفاته لأنه لما كان الرجل يقصد بذلك تأكيد الأمر وعقد قلبه على منعه أو حضه فصار بمثابة اليمين؛ لأنه إنما عني بذلك لأجل القصد, كما قال ابن عباس : كل يمين يقصد بها شيء فهو إيلاء, فجعل ابن عباس قول الرجل: إن فعلت كذا فإنك كذا, فجعله بمثابة هذا.

واعلم أن الحلف بالطلاق لم يكن معروفاً في عهد الصحابة, ولا صغار الصحابة, ولا كبار التابعين, وإنما عرف في أواخر المائة الثانية؛ ولهذا من قال: إن الصحابة أفتوا بهذا فقد أخطأ عليهم, كما ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

وابن تيمية له قولان, هل هو حرام أم لا؟

والأظهر من قوله أنه لفظ بدعي يجب التوبة منه, خلاف ما يظنه كثير من الشباب, بعضهم لم يتزوج يقول: عليّ كذا أن تدخل بيتي, وهذا لا يجوز؛ لأن الله يقول: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224], فهذا اللفظ يجب التوبة منه.

إذا ثبت هذا وأنه يجب أن يتوب من هذا اللفظ, فهل إذا حض غيره على فعل شيء ثم خالف يقع الطلاق أم لا؟

فلو قال لامرأته: إن خرجت من البيت فأنت طالق, ويقول: إنما قصدت منعها, ثم خرجت, هل يقع الطلاق أم لا؟

أنا سألتكم الآن، وأظن أن أكثركم إن لم يكن كلكم سيقول: لا يقع, وقلبه بارد من هذه الإجابة.

أقول: الأئمة الأربعة وهو قول أكثر أهل العلم يرون أن الحلف بالطلاق يقع, هذا هو مذهب أحمد و الشافعي و مالك و أبي حنيفة وأكثر سلف هذه الأمة, وعلى هذا فإنهم قالوا: لا فرق بين أن يشترط لفظاً محضاً أو للمخلوق له فيه شأن, وقالوا: إن القاعدة أن من علق الحكم على شيء يقع بحصوله, وهذه هي لغة العرب.

القول الثاني: اختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله, وهو قول بعض فقهاء مذهب الحنابلة: أن الحلف بالطلاق إن كان قصد حض نفسه أو منعها أو حض الغير أو منعه فإنه لا يقع طلاقاً, ولكنه يكون في حكم الحنث باليمين, وكيف نعرف؟ قال ابن تيمية : إن كان يكره وقوع الحكم -وهو الطلاق- فإنه يكون قد قصد الحض أو المنع, وإن كان لا يكره وقوع الحكم فإنه يكون ناوياً للطلاق, هذا هو معنى كلام ابن تيمية, وبعض الناس يسأله العامي: أنا قلت لامرأتي: إن خرجت فأنت طالق, فيقول له: هل تقصد الطلاق؟ والعامي لا يدري, فيقول: نعم أنا أقصد الطلاق, وهو يقصد اللفظ, وبدلاً من أن تسأله هذا, اسأله: هل أنت كاره لوقوعه أم لا؟ وعلى هذا فهذا الذي أراد أبو العباس بن تيمية , و ابن تيمية يقول: إنه يكون في حكم اليمين.

ما دليل أبي العباس بن تيمية؟

ابن تيمية يقول: إن الصحابة قاسوا حث الإنسان على فعل شيء على من قصد به اليمين, كما روى الدارقطني أن امرأة وجدت عبدها مع أمتها, فحلفت بالله أن مالها كله رتاج الكعبة, وأنها يهودية أو نصرانية إن لم تفرق بينهما, فلما سكنت أمرت زوجها أن يسأل ابن عمر , فقال ابن عمر : مالها لها, ولتكفر كفارة يمين, فلم تقتنع بذلك, ثم ذهبت إلى ابن عمر : فأمرها أن تكفر كفارة يمين, فأنفقت وأعتقت؛ علَّ الله أن يكفرها.

وجه الدلالة: قال ابن تيمية : إنها قالت: مالي كله رتاج الكعبة, ما معنى رتاج الكعبة؟ يعني: أنفقه على باب وكسوة الكعبة إن لم أفرق بينهما, فكانت تقصد حث نفسها على التفرقة, قال: و ابن عمر حكم على أن هذا من باب نذر التبرر, أو نذر اللجاج والغضب, فحكم بأنها تكفر كفارة يمين ولم يأمرها بغير ذلك, فأقام الشرط الذي يقصد به الحث مقام اليمين.

وهذا القول وإن كان قوياً إلا أنه ينبغي لمن أفتى الناس بذلك ألا يهون عليهم ذلك, فالناس اليوم يا إخوان! أصبح الواحد منهم ما يبالي, حتى لو طلق امرأته فإنه يطلب من زوجته أن تسأل شيخاً, لا يريد أن يسأل هو, لكنه لو أراد أن يبني فلة فإنه لا يطلب من الزوجة أن تأتي بمشرف فلة أو أنها تتصل على أحد, هو الذي سوف يتصل, ولهذا ينبغي للمفتي أن يقول للزوجة: اجعلي الزوج يتصل علي, ويحرم عليك أن تقتربي منه؛ لأنه لا يدري, يمكن أن الصورة غير هذه الصورة, حتى يعلم خطورة هذا الأمر.

وابن عباس لما كان يرى وقوع طلاق الثلاث طلقة واحدة, ولكن روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلاً أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس ! يا ابن عباس ! طلقت امرأتي وأنا غاضب, فقال ابن عباس : اذهب, فقد وقعت عليك طلقة, يرغب أحدهم الحموقة, ثم يقول: يا ابن عباس , يا ابن عباس , والله يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2], ولو اتقى الله لوجد له مخرجاً, وهذا من الفقه ومن السياسة الشرعية في حق المفتي.

وعلى هذا فلا ينبغي التساهل في هذا الأمر, وليعلم الإنسان أنه على خطر عظيم, وأئمة كبار كـأبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد وغيرهم يقولون بوقوع الطلاق, فلا ينبغي للإنسان أن يتهاون ويتساهل, وإن كان قول أبي العباس قوي كما مر.

يقول المؤلف رحمه الله: [ ويقع الطلاق بكل لفظ دل عليه ].

الطلاق يقع بلفظين: صريح وكناية, أما الصريح: فهو هو لفظ الطلاق وما يتصرف منه, مثل: أنت طالق, أنت مطلقة, أنت الطلاق, أنت طليقة, وغير ذلك من الألفاظ التي هي من تصريفات لفظ الطلاق, فإذا تلفظ بها فإنه يقع الطلاق عند عامة أهل العلم كما سوف يأتي بيانه.

وأما الكناية, وهو ليس بلفظ صريح الطلاق, فإنه يسمى عند العلماء: كناية, مثل: حبلك على غاربك, اخرجي من بيتي, ليس بيني وبينك شيء, انتهى الذي بيني وبينك, أنت في طريق وأنا في طريق, وغير ذلك من الألفاظ, فهذه الكلمات محتملة وليست صريحة, فإن العلماء رحمهم الله يقولون: إن ألفاظ الكناية لا تثبت إلا مع نية الطلاق, فهذا هو قول عامة أهل العلم, إلا أن بعض الفقهاء قال: إن بعض ألفاظ الكناية وإن لم تكن صريحة في الطلاق, لكنها لما كانت تتداول عند الناس وصارت قرينتها تدل على ما يدل عليه الصريح, فإننا أقمنا القرينة مقام النية, فإنهم على هذا قالوا: بعض العبارات تدل على الطلاق, مثل: أنت ألبتة, فإن كلمة ألبتة هو الطلاق الذي بمثابة الطلاق الثلاث, أو أنت مسرحة, فإن بعض أهل العلم كما هو مذهب أحمد و مالك في أحد قوليهما أو روايتين عنهما أن هذا اللفظ يعامل معاملة الصريح، حتى ولو قال: إنني لم أنو ذلك, وذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صريحاً إلا بالنية.

والأقرب والله أعلم: أن هذا على حسب تعامل البلد, فإذا كانوا يتعاملون بمثل ذلك فإنه يكون بمثابة الطلاق, وإلا فإن الهندي والصيني والأمريكي يتلفظون بألفاظ ليست هي الطلاق, ولكنهم تداولونها على أنها هي لفظ صريح في الطلاق, فالقرينة تقوم مقام وجود النية؛ ولهذا لا يحكم به إلا إذا اتفق أهل البلد, وأما إذا اختلفوا ولم تكن ثمة قرينة قوية, فالأقرب أنه لا بد فيه من نية, وقت والله أعلم.

ثم قال المؤلف: [ ويقع الطلاق منجزاً أو معلقاً ].

القسم الأول: المنجز، مثل أن يقول: أنت طالق, ولم يوجد أي حرف من حروف الشرط, فهذا يقع طلاقاً عند عامة أهل العلم, سواء كان جاداً أم هازلاً؛ لما جاء عند أبي داود وغيره من حديث عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن يوسف بن ماهك عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة ), وهذا الحديث حسنه بعض المتأخرين, والذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث في سنده علتان:

العلة الأولى: أن عبد الرحمن بن حبيب فيه نكارة, فقد قال النسائي : عبد الرحمن بن حبيب منكر الحديث.

العلة الثانية: أنه من رواية يوسف بن ماهك وروايته عن أبي هريرة ليست بذاك.

ولهذا فإن المالكية يرون أن الإنسان إذا كان هازلاً فإنه لا يقع طلاقه؛ لأن الطلاق عبادة, والأصل في العبادات أنها لا تثبت إلا بالنية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وإنما لكل امرئ ما نوى ), وأقول: هذا القول قوي تفقهاً, وإلا فإن مثل هذه القضايا لا ينبغي أن يفتى بها عند الناس العامة إلا في وقت الدرس والتدريس, وإنما قلنا هذا لأنه إذا قال رجل: إنما كنت هازلاً, فصدقته المرأة بذلك, فإنه يدين, ما معنى يدين؟ أي: يكون بينه وبين الله, فإن كان كاذباً فإنما يأتي أهله حراماً إذا كانت هذه آخر طلقة, ويعرف هذا بالقرائن, وإذا أنكرت المرأة ذلك, أو لم تثبت قرينة ولم يشهد على ذلك أحد فالأصل أن لفظ الطلاق هو طلاق.

إذاً: الأصل أنه بمجرد وجود هذه اللفظة فإنه يقع الطلاق إلا إن ادعى خلاف ذلك بقرينة؛ وذلك لأن الحديث الوارد في هذا ضعيف, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وإن كان جمهور الفقهاء على أنه يقع الطلاق, وقد ذكره أبو العباس بن تيمية و ابن القيم أن مجرد لفظ الطلاق يقع, يقول ابن تيمية : الفرق بين الهازل والسكران, يقول: إن الهازل قاصد للفظ وإن لم يكن قاصداً للأثر, بخلاف السكران؛ فإنه لم يكن قاصداً للفظ ولا للأثر.

وأقول: هذا ليس على إطلاقه, أحياناً الرجل يمزح ويقول: هي طالق, وإن قصد لفظ الطلاق لكنه لم ينو ولم يقصد لفظ الفرقة بينه وبين زوجته, ومع ذلك أقول: إنه إن قالت المرأة بل طلقني, فإنه يقع طلاق كما هو قول عامة أهل العلم.

القسم الثاني: المعلق, وأحب أن نتفطن له, والمعلق أنواع:

النوع الأول: أن يعلقه على شرط محض, مثل أن يقول: إن غربت الشمس فأنت طالق, إن أشرقت الشمس فأنت طالق, إن جاء رمضان فأنت طالق, فهذا يقع الطلاق عند تحقق الشرط عند عامة أهل العلم, وحكى بعضهم الإجماع على ذلك.

النوع الثاني: أن يوقعه على شيء يقصد به حض نفسه أو منعها, أو حض الغير أو منعه, مثل أن يقول لامرأته: إن خرجت فأنت طالق, إن لم تصلحي الحقيبة فأنت طالق, إن لم تذهبي إلى أمي فأنت طالق, فاختلف العلماء في هذه المسألة, وهذه يسميها العلماء: مسألة الحلف بالطلاق, وسميت حلفاً بالطلاق وإن لم يكن فيها لفظ الجلالة ولا صفة من صفاته لأنه لما كان الرجل يقصد بذلك تأكيد الأمر وعقد قلبه على منعه أو حضه فصار بمثابة اليمين؛ لأنه إنما عني بذلك لأجل القصد, كما قال ابن عباس : كل يمين يقصد بها شيء فهو إيلاء, فجعل ابن عباس قول الرجل: إن فعلت كذا فإنك كذا, فجعله بمثابة هذا.

واعلم أن الحلف بالطلاق لم يكن معروفاً في عهد الصحابة, ولا صغار الصحابة, ولا كبار التابعين, وإنما عرف في أواخر المائة الثانية؛ ولهذا من قال: إن الصحابة أفتوا بهذا فقد أخطأ عليهم, كما ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

وابن تيمية له قولان, هل هو حرام أم لا؟

والأظهر من قوله أنه لفظ بدعي يجب التوبة منه, خلاف ما يظنه كثير من الشباب, بعضهم لم يتزوج يقول: عليّ كذا أن تدخل بيتي, وهذا لا يجوز؛ لأن الله يقول: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224], فهذا اللفظ يجب التوبة منه.

إذا ثبت هذا وأنه يجب أن يتوب من هذا اللفظ, فهل إذا حض غيره على فعل شيء ثم خالف يقع الطلاق أم لا؟

فلو قال لامرأته: إن خرجت من البيت فأنت طالق, ويقول: إنما قصدت منعها, ثم خرجت, هل يقع الطلاق أم لا؟

أنا سألتكم الآن، وأظن أن أكثركم إن لم يكن كلكم سيقول: لا يقع, وقلبه بارد من هذه الإجابة.

أقول: الأئمة الأربعة وهو قول أكثر أهل العلم يرون أن الحلف بالطلاق يقع, هذا هو مذهب أحمد و الشافعي و مالك و أبي حنيفة وأكثر سلف هذه الأمة, وعلى هذا فإنهم قالوا: لا فرق بين أن يشترط لفظاً محضاً أو للمخلوق له فيه شأن, وقالوا: إن القاعدة أن من علق الحكم على شيء يقع بحصوله, وهذه هي لغة العرب.

القول الثاني: اختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله, وهو قول بعض فقهاء مذهب الحنابلة: أن الحلف بالطلاق إن كان قصد حض نفسه أو منعها أو حض الغير أو منعه فإنه لا يقع طلاقاً, ولكنه يكون في حكم الحنث باليمين, وكيف نعرف؟ قال ابن تيمية : إن كان يكره وقوع الحكم -وهو الطلاق- فإنه يكون قد قصد الحض أو المنع, وإن كان لا يكره وقوع الحكم فإنه يكون ناوياً للطلاق, هذا هو معنى كلام ابن تيمية, وبعض الناس يسأله العامي: أنا قلت لامرأتي: إن خرجت فأنت طالق, فيقول له: هل تقصد الطلاق؟ والعامي لا يدري, فيقول: نعم أنا أقصد الطلاق, وهو يقصد اللفظ, وبدلاً من أن تسأله هذا, اسأله: هل أنت كاره لوقوعه أم لا؟ وعلى هذا فهذا الذي أراد أبو العباس بن تيمية , و ابن تيمية يقول: إنه يكون في حكم اليمين.

ما دليل أبي العباس بن تيمية؟

ابن تيمية يقول: إن الصحابة قاسوا حث الإنسان على فعل شيء على من قصد به اليمين, كما روى الدارقطني أن امرأة وجدت عبدها مع أمتها, فحلفت بالله أن مالها كله رتاج الكعبة, وأنها يهودية أو نصرانية إن لم تفرق بينهما, فلما سكنت أمرت زوجها أن يسأل ابن عمر , فقال ابن عمر : مالها لها, ولتكفر كفارة يمين, فلم تقتنع بذلك, ثم ذهبت إلى ابن عمر : فأمرها أن تكفر كفارة يمين, فأنفقت وأعتقت؛ علَّ الله أن يكفرها.

وجه الدلالة: قال ابن تيمية : إنها قالت: مالي كله رتاج الكعبة, ما معنى رتاج الكعبة؟ يعني: أنفقه على باب وكسوة الكعبة إن لم أفرق بينهما, فكانت تقصد حث نفسها على التفرقة, قال: و ابن عمر حكم على أن هذا من باب نذر التبرر, أو نذر اللجاج والغضب, فحكم بأنها تكفر كفارة يمين ولم يأمرها بغير ذلك, فأقام الشرط الذي يقصد به الحث مقام اليمين.

وهذا القول وإن كان قوياً إلا أنه ينبغي لمن أفتى الناس بذلك ألا يهون عليهم ذلك, فالناس اليوم يا إخوان! أصبح الواحد منهم ما يبالي, حتى لو طلق امرأته فإنه يطلب من زوجته أن تسأل شيخاً, لا يريد أن يسأل هو, لكنه لو أراد أن يبني فلة فإنه لا يطلب من الزوجة أن تأتي بمشرف فلة أو أنها تتصل على أحد, هو الذي سوف يتصل, ولهذا ينبغي للمفتي أن يقول للزوجة: اجعلي الزوج يتصل علي, ويحرم عليك أن تقتربي منه؛ لأنه لا يدري, يمكن أن الصورة غير هذه الصورة, حتى يعلم خطورة هذا الأمر.

وابن عباس لما كان يرى وقوع طلاق الثلاث طلقة واحدة, ولكن روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلاً أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس ! يا ابن عباس ! طلقت امرأتي وأنا غاضب, فقال ابن عباس : اذهب, فقد وقعت عليك طلقة, يرغب أحدهم الحموقة, ثم يقول: يا ابن عباس , يا ابن عباس , والله يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2], ولو اتقى الله لوجد له مخرجاً, وهذا من الفقه ومن السياسة الشرعية في حق المفتي.

وعلى هذا فلا ينبغي التساهل في هذا الأمر, وليعلم الإنسان أنه على خطر عظيم, وأئمة كبار كـأبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد وغيرهم يقولون بوقوع الطلاق, فلا ينبغي للإنسان أن يتهاون ويتساهل, وإن كان قول أبي العباس قوي كما مر.

يقول المؤلف: [فصل: الطلاق البائن والرجعي]. ‏

الطلاق البائن وأنواعه

المقصود بالطلاق البائن صورتان: بينونة صغرى, وبينونة كبرى.

البينونة الكبرى: هي التي لا يجوز للرجل أن يعود ويراجع امرأته, إما حتى تنكح زوجاً غيره, وإما باللعان, فأما اللعان فهو أقوى بينونة؛ فإنه لا يجوز له إذا لاعن زوجته أن يرجع إليها ولو نكحت أكثر من رجل.

فالبينونة الكبرى إذا طلقها ثلاث طلقات -يعني: طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها- فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

أما البينونة الصغرى فيقصد بها أنه إذا ما انتهت عدة المرأة يجوز لزوجها أن يرجع إليها بعقد جديد ومهر جديد, وذلك مثل ما لو طلقها طلقة أو طلقتين ثم انتهت عدتها, فإنه يجوز له أن يعود إليها, ومثل ذلك أيضاً: الخلع؛ فإذا انتهت عدتها بالخلع فإنه يجوز للمخالع أن يتزوج المخالعة.

عدد الطلقات التي يبت بها الطلاق وما يكون بعد ذلك

ثم قال المؤلف: [ ويملك الحر ثلاث طلقات ].

هذا بإجماع العلماء؛ لقوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229], ثم قال: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [البقرة:237].

[ فإذا تمت له لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ].

أجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته آخر ثلاث تطليقات فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بالإجماع, واختلفوا ما معنى (زوجاً غيره)؟ فذهب عامة السلف والخلف إلى أن النكاح المقصود به نكاح مع وطء, أما لو تزوجت زوجاً آخر ولم يطأها فإنها لا تحل للزوج الأول, خلافاً للحسن البصري فإنه جوز بمجرد العقد, والصحيح قول الأئمة الأربعة وغيرهم من السلف؛ لما جاء في الصحيحين: ( إن امرأة رفاعة قالت: يا رسول الله! إنها كانت تحت رفاعة , وإنه طلقها فبت طلاقها, وإنها تزوجت بعده بـعبد الرحمن بن الزبير , وإنه والله ما معه إلا مثل الهدبة, وأخذت هدبة من ريطتها, فجعل صلى الله عليه وسلم يضع ثوبه على وجهه وهو يضحك, فقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة- يعني: زوجها الأول- لا, حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته ), وكان خالد بن العاص يسمع حديثها ولم يؤذن له, فجعل ينادي: يا أبا بكر ! يا أبا بكر ! كيف تسمح لهذه أن تقوم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

وجه الدلالة: أنه جوز صلى الله عليه وسلم للمرأة أن ترجع إلى زوجها بعد أن بت طلاقها بشرط أن يطأها الزوج الثاني, هذا الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن ينكحها الزوج الثاني نكاحاً صحيحاً مقصوداً للاستدامة, فلو تزوجها لأجل أن يبر بزوجها الأول؛ لأنها أم عياله كما يقول العوام, فهذا لا يجوز, وهذا هو ما يسمى عند الشارع بالتيس المستعار, وهو المحلل, وقد ( لعن الله المحلل والمحلل له ), ولا يجوز, ولو لم يعلم الزوج الأول بذلك, فإن علم بعد العقد, يعني: علم الزوج الأول بعد عقد الثاني أنه أراد ليرجع له, فإنه زواجه لا يصح, ويجب أن يفارق زوجته.

تزوج المرأة بآخر لأجل أن يحللها وترجع لزوجها الأول

ولو أرادت الزوجة أن تتزوج زوجاً آخر لأجل أن يحللها وترجع إلى زوجها الأول فهل يصح؟ امرأة طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات وهي تريده, ثم أرادت أن يتزوجها زوج آخر ولم يعلم الزوج الثاني بخبرها ولا نيتها, فلما تزوجها ووطئها جلست معه أياماً ثم قالت: يا فلان! فارقني لا أريدك, ما حكم ذلك؟ هل يصح لزوجها الأول أن يرجع إليها؟

ذهب عامة الفقهاء كما أشار إلى ذلك أبو عمر بن عبد البر أن أكثر فقهاء الأمصار على أن المرأة لا تعتبر لها نية وإرادة في الزواج وفي النكاح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق), ومعنى: لا اعتبار ليس معناه لا إثم عليها, لا، بل عليها الإثم, ولكن إذا طلقها الزوج الثاني لها أن ترجع إلى زوجها الأول ولكنها آثمة, ما دليل ذلك؟

قالوا: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سمع قول امرأة رفاعة : وإنه والله ما معه إلا مثل الهدبة ), تقصد بذلك أنه لا يستطيع أن يطأ فقال: ( لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ), ففهم النبي صلى الله عليه وسلم أنها تريد أن ترجع؛ بدليل أن عبد الرحمن بن الزبير حينما علم بذلك لقولها, (فقال: والله يا رسول الله إنها كاذبة!) والله أعلم.

بقاء الطلقات إذا تزوجت المرأة زوجاً آخر بعد أن طلقها طلقة أو طلقتين

المسألة الأخرى: يقول المؤلف: (فإذا تمت له لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره).

هناك مسألة عند الفقهاء: إذا طلق الرجل امرأته طلقة أو طلقتين ثم تزوجت زوجاً آخر, السؤال: إذا تزوجت زوجاً آخر ثم طلقها, ثم عادت إلى زوجها الأول, هل تبقى الطلقات الموجودة طلقة وطلقتان أم تهدم؟

ذهب عامة الفقهاء, وهو مذهب الفقهاء الأربعة, وهو اختيار كثير من المحققين ومشايخنا أنها لا تهدم, فإنها باقية, فلو تزوجت زوجها الأول ثم طلقها واحدة انتهت, وهذا هو الصحيح, وخالف في ذلك بعض فقهاء الشافعية وهو ابن الزملكاني , وذكر ابن القيم هذه المسألة في الزاد, ولكن الراجح أنها لا تهدم, هذا قول الأئمة الأربعة، والله أعلم.

مسائل يقع فيها الطلاق بائناً

ثم قال المؤلف: [ويقع الطلاق بائناً في أربع مسائل], قال: [هذه إحداها], يعني: الطلاق ثلاثاً. الثانية: [وإذا طلق قبل الدخول], يعني: إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول فإنها تكون طلاقاً بائناً؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49], وحكى بعضهم الإجماع على ذلك كما حكاه إسحاق بن راهويه وغيره.

المسألة الثالثة من أمثلة الطلاق البائن: قال: [ وإذا كان في نكاح فاسد ], مثل أن يتزوج الرجل المرأة بلا ولي, فإن الراجح أنه فاسد, خلافاً لـأبي حنيفة في الثيب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيما امرأة نكحت نفسها من غير ولي فنكاحها باطل باطل, ولها المهر بما استحل من فرجها ).

والرابعة: [ وإذا كان على عوض ], فإنها تكون بينونة, لكن هذه البينونة كما قلت: صغرى أم كبرى؟ الأقرب أنها صغرى, وهي ما يسمى بالخلع, المؤلف ذكر أربع, وفيها أيضاً اثنتان: اللعان والموت، وإذا فسخها بموجب, مثل أن تكون فيها عيب من عيوب النكاح, أو يكون فيه عيب من عيوب النكاح والله أعلم, فتصبح مفارقة أو بينونة.

ما معنى بائناً؟ يعني: لا يصح مراجعتها حتى تنكح زوجاً غيره, هذا معنى البينونة, والبينونة إما أن تكون صغرى وإما أن تكون كبرى, فمعنى بائن يعني: ليس له حق أن يراجعها, هذا المعنى.

ما معنى الرجعة؟ الرجعة: أن يراجع الرجل امرأته ولو من غير رضاها, أما إذا قلنا: بائن, فلا يصح أن يراجعها إلا بشرطه, ما معنى شرطه؟ بمهر جديد وعقد جديد وولي, هذا معنى قولنا: بشرطه.

وإذا طلقها قبل الدخول اختلف العلماء: هل لها أن تتزوج الرجل نفسه؟

إسحاق بن راهويه يقول: لا تتزوج -وحكاه إجماعاً- حتى تنكح زوجاً غيره, وذهب بعض أهل العلم إلى أن لها أن تتزوج, والأقرب قول إسحاق .

الطلاق الرجعي

يقول المؤلف: [ وما سوى ذلك فهو رجعي ].

ما معنى رجعي؟ يعني: أنها زوجة له, وله أن يراجعها ولو من غير رضاها؛ ولهذا قال المؤلف: [ يملك الزوج رجعة زوجته ما دامت في العدة ] من غير رضاها, خلافاً لما يظنه العامة أن الرجل إذا صار بينه وبين زوجته خلاف ثم ذهبت إلى أهلها وأرادها فقالت: لا, قال: أنتِ على رجعتك, قالت: لست راضية بل أنا رافضة, فلا يصح؛ بل إذا راجعها فإنها تكون زوجة له, والله أعلم.

وبالتالي: إن أبت فإنها تكون ناشزاً, ولا يلزمه نفقتها والله أعلم.

ثم قال المؤلف: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ البقرة:228].

معنى ذلك: أن الرجل إذا طلق امرأته وهي ما زالت رجعية فإنه أحق برجعتها ولو من غير رضاها أو رضا وليها والله أعلم.

ثم قال المؤلف: [ والرجعية حكمها حكم الزوجات إلا في وجوب القسم ], يعني: المرأة المطلقة ولم تنته عدتها, مثل أن طلقها مرة أو مرتين فإنها زوجة, تجب النفقة عليها, ولها أن تتجمل, لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1], وإنما لا يجوز للزوج شيء واحد, وهو أن يبيت عندها والله أعلم.

المقصود بالطلاق البائن صورتان: بينونة صغرى, وبينونة كبرى.

البينونة الكبرى: هي التي لا يجوز للرجل أن يعود ويراجع امرأته, إما حتى تنكح زوجاً غيره, وإما باللعان, فأما اللعان فهو أقوى بينونة؛ فإنه لا يجوز له إذا لاعن زوجته أن يرجع إليها ولو نكحت أكثر من رجل.

فالبينونة الكبرى إذا طلقها ثلاث طلقات -يعني: طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها- فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.

أما البينونة الصغرى فيقصد بها أنه إذا ما انتهت عدة المرأة يجوز لزوجها أن يرجع إليها بعقد جديد ومهر جديد, وذلك مثل ما لو طلقها طلقة أو طلقتين ثم انتهت عدتها, فإنه يجوز له أن يعود إليها, ومثل ذلك أيضاً: الخلع؛ فإذا انتهت عدتها بالخلع فإنه يجوز للمخالع أن يتزوج المخالعة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [11] 2193 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [12] 2045 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الصداق [2] 2034 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الأطعمة 1991 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [4] 1746 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [6] 1713 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب الجنايات والحدود 1671 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [7] 1614 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [9] 1607 استماع
كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [1] 1458 استماع