كتاب منهج السالكين - كتاب الجنايات والحدود


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:

شرع المؤلف في كتاب الجنايات، فقال رحمه الله تعالى: [ كتاب الجنايات.

القتل بغير حق ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: العمد العدوان: وهو أن يقتله بجناية تقتل غالباً، فهذا يخير الولي فيه بين القتل والدية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل وإما أن يفدى ) متفق عليه.

الثاني: شبه العمد: وهو أن يتعمد الجناية عليه بما لا يقتل غالباً.

الثالث: الخطأ: وهو أن تقع الجناية منه بغير قصد، بمباشرة أو سبب، ففي الأخيرين لا قود، بل الكفارة في مال القاتل، والدية على عاقلته، وهم عصباته كلهم، قريبهم وبعيدهم، توزع عليهم الدية بقدر حالهم، وتؤجل عليهم ثلاث سنين، كل سنة يحملون ثلثها.

والديات للنفس وغيرها قد فصلت في حديث عمرو بن حزم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن -وفيه- أن من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وإن في النفس الدية؛ مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي البيضتين الدية )].

قال المؤلف: (كتاب الجنايات)، والجنايات: جريمة بحق الغير تؤدي إلى قتله أو ما دون نفسه، وهنا تكلم المؤلف عن الجناية في النفس، فقسمها إلى ثلاثة أقسام، قال: (القتل بغير حق ينقسم إلى ثلاثة أقسام):

قتل العمد العدوان

القسم الأول: القتل العمد العدوان، والقتل العمد العدوان: هو أن يقصد الجناية بما يقتل غالباً، فهو ضرب الشخص قاصداً إيذاءه بما يقتل غالباً، والذي يقتل غالباً السكين، الحصاة الكبيرة، الحديدة، المسدس، فهذا يسميه العلماء: قتلاً عمداً عدواناً، وهو أن يقصد جنايته بما يقتل غالباً، فهذا يخير فيه الولي، كما قال تعالى: فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [الإسراء:33]، والسلطان: التخيير، بين أن يقتل الجاني أو أن يأخذ الدية؛ (لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل وإما أن يفدى )، متفق عليه).

قتل شبه العمد

قال: (الثاني: شبه العمد).

شبه العمد جمع بين مزيتين، جمع بين قتل الخطأ؛ وهو أنه قصد الجناية بما لا يقتل غالباً، وجمع مع القتل بأنه يقصد أذيته، فقال: (وهو أن يتعمد الجناية عليه بما لا يقتل غالباً) مثل: العصا ضربه بها، ثم سقط ومات، أو مع قصد المضاربة هو وإياه مسكه وقذفه فمات، عادة في المصارعة يضربون أشد من هذا، لكن هذا مات، فهذا يسميه العلماء قتل شبه عمد؛ أن يقصد الجناية لكن بما لا يقتل غالباً.

قتل الخطأ

قال: (الثالث الخطأ: وهو أن تقع الجناية منه بغير قصد، بمباشرة أو سبب).

يعني: أن هذه الآلة التي وقعت الجناية بها مما يقتل غالباً، لكنه لم يقصد الجناية على ذاك الشخص، مثل: شخص يصيد ولقي طيراً، فرماه بحجر، فأصابت الحجر رأس شخص كان خلف الشجرة لا يعلم به، فهذا يسميه العلماء: قتل الخطأ.

فالثاني والثالث من أقسام القتل ليس فيها قود، فشبه العمد ليس فيه قود على الراجح، ولكن فيه الدية والكفارة، أما كفارة شبه العمد وكفارة الخطأ فهي واحدة، من مالهما جميعاً، فيلزمهما الكفارة، هذا قول بعض أهل العلم، وبعضهم يرى أن الكفارة إنما هي في حق قتل الخطأ فقط، وأما شبه العمد والعمد فليس فيهما كفارة؛ لأن ذنبهما عظيم، فلا بد فيهما من التوبة.

وأما الدية فإن دية شبه العمد دية مغلظة، ودية قتل الخطأ دية مخففة، والله أعلم.

والذي يظهر -والله أعلم- أن الكفارة لا تجب في العامد، سواء كان قتل عمد أو شبه العمد، ولكن تجب في قتل الخطأ كما هو قول المؤلف رحمه الله.

أما الدية في قتل الخطأ فهي على العاقلة؛ وهم عصبته الذكور، ولهذا قال: (عصباته كلهم، قريبهم وبعيدهم، توزع عليهم بقدر حالهم، وتؤجل عليهم ثلاث سنين، كل سنة يحملون ثلثها) والله أعلم، وإن شاءوا أن يدفعوها كاملة مباشرة فلا حرج في ذلك، والله أعلم.

أقسام ديات النفس وغيرها

ثم قسم المؤلف الديات للنفس وغيرها، و(قد فصلت في حديث عمرو بن حزم) في الكتاب الذي جاءه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في اليمن، وفيه: ( أن من اعتبط مؤمناً قتلاً )، يعني: قتل بلا جناية ولا جريرة، ( عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول ).

ثم قال: (وإن في النفس الدية: مائة من الإبل )].

اختلف العلماء: هل الأصل في الدية الإبل أم الورق: الذهب والفضة؟

الأظهر -والله أعلم- أن الأصل أنها في الإبل، وقد قدرت دية الإنسان -مائة من الإبل- بمائة ألف ريال، والآن اختلفت قيمة الإبل، سوف تعاد الفتوى، وهي ما زالت محل بحث، والظاهر أنها لم تصدر بعد، سوف تكون في حق الإنسان ثلاثمائة ألف، والله أعلم.

ثم ساق المؤلف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(وإن في النفس الدية، وهي في الأنف إذا أوعب جدعة -بمعنى قطع- الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية)]، هذا لا نستطيع أن نجتهد فيه؛ لأن هذا من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجمع العلماء عليه، ( وفي البيضتين -يعني: الخصيتين- الدية، وفي الصلب -يعني: يكسر ظهره- الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية -وفي الرجلين الدية كاملة- وفي المأمومة ثلث الدية )، وهي التي تضرب من قبل الرأس، وتخرق الجلد حتى تصل إلى أم الدماغ، (وفي الجائفة -وهي الجرح الذي يصل إلى باطن الجوف- ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل -أيضاً- وإن الرجل يقتل بالمرأة، كما أن المرأة تقتل بالرجل، وعلى أهل الذهب ألف دينار)، رواه أبو داود، والمنقلة هي الشجة القوية التي توضح عظم الجمجمة، وتهشمه أحياناً، أو تنقل عظامه بتكسيره، فهذه يسميها العلماء المنقلة، هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث وإن كان روي مرسلاً لكن ابن عبد البر حكم بأن هذا الحديث في حكم الموصول. وقد أجمع العلماء على معناه. والله أعلم.

القسم الأول: القتل العمد العدوان، والقتل العمد العدوان: هو أن يقصد الجناية بما يقتل غالباً، فهو ضرب الشخص قاصداً إيذاءه بما يقتل غالباً، والذي يقتل غالباً السكين، الحصاة الكبيرة، الحديدة، المسدس، فهذا يسميه العلماء: قتلاً عمداً عدواناً، وهو أن يقصد جنايته بما يقتل غالباً، فهذا يخير فيه الولي، كما قال تعالى: فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [الإسراء:33]، والسلطان: التخيير، بين أن يقتل الجاني أو أن يأخذ الدية؛ (لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل وإما أن يفدى )، متفق عليه).

قال: (الثاني: شبه العمد).

شبه العمد جمع بين مزيتين، جمع بين قتل الخطأ؛ وهو أنه قصد الجناية بما لا يقتل غالباً، وجمع مع القتل بأنه يقصد أذيته، فقال: (وهو أن يتعمد الجناية عليه بما لا يقتل غالباً) مثل: العصا ضربه بها، ثم سقط ومات، أو مع قصد المضاربة هو وإياه مسكه وقذفه فمات، عادة في المصارعة يضربون أشد من هذا، لكن هذا مات، فهذا يسميه العلماء قتل شبه عمد؛ أن يقصد الجناية لكن بما لا يقتل غالباً.

قال: (الثالث الخطأ: وهو أن تقع الجناية منه بغير قصد، بمباشرة أو سبب).

يعني: أن هذه الآلة التي وقعت الجناية بها مما يقتل غالباً، لكنه لم يقصد الجناية على ذاك الشخص، مثل: شخص يصيد ولقي طيراً، فرماه بحجر، فأصابت الحجر رأس شخص كان خلف الشجرة لا يعلم به، فهذا يسميه العلماء: قتل الخطأ.

فالثاني والثالث من أقسام القتل ليس فيها قود، فشبه العمد ليس فيه قود على الراجح، ولكن فيه الدية والكفارة، أما كفارة شبه العمد وكفارة الخطأ فهي واحدة، من مالهما جميعاً، فيلزمهما الكفارة، هذا قول بعض أهل العلم، وبعضهم يرى أن الكفارة إنما هي في حق قتل الخطأ فقط، وأما شبه العمد والعمد فليس فيهما كفارة؛ لأن ذنبهما عظيم، فلا بد فيهما من التوبة.

وأما الدية فإن دية شبه العمد دية مغلظة، ودية قتل الخطأ دية مخففة، والله أعلم.

والذي يظهر -والله أعلم- أن الكفارة لا تجب في العامد، سواء كان قتل عمد أو شبه العمد، ولكن تجب في قتل الخطأ كما هو قول المؤلف رحمه الله.

أما الدية في قتل الخطأ فهي على العاقلة؛ وهم عصبته الذكور، ولهذا قال: (عصباته كلهم، قريبهم وبعيدهم، توزع عليهم بقدر حالهم، وتؤجل عليهم ثلاث سنين، كل سنة يحملون ثلثها) والله أعلم، وإن شاءوا أن يدفعوها كاملة مباشرة فلا حرج في ذلك، والله أعلم.

ثم قسم المؤلف الديات للنفس وغيرها، و(قد فصلت في حديث عمرو بن حزم) في الكتاب الذي جاءه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في اليمن، وفيه: ( أن من اعتبط مؤمناً قتلاً )، يعني: قتل بلا جناية ولا جريرة، ( عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول ).

ثم قال: (وإن في النفس الدية: مائة من الإبل )].

اختلف العلماء: هل الأصل في الدية الإبل أم الورق: الذهب والفضة؟

الأظهر -والله أعلم- أن الأصل أنها في الإبل، وقد قدرت دية الإنسان -مائة من الإبل- بمائة ألف ريال، والآن اختلفت قيمة الإبل، سوف تعاد الفتوى، وهي ما زالت محل بحث، والظاهر أنها لم تصدر بعد، سوف تكون في حق الإنسان ثلاثمائة ألف، والله أعلم.

ثم ساق المؤلف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(وإن في النفس الدية، وهي في الأنف إذا أوعب جدعة -بمعنى قطع- الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية)]، هذا لا نستطيع أن نجتهد فيه؛ لأن هذا من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجمع العلماء عليه، ( وفي البيضتين -يعني: الخصيتين- الدية، وفي الصلب -يعني: يكسر ظهره- الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية -وفي الرجلين الدية كاملة- وفي المأمومة ثلث الدية )، وهي التي تضرب من قبل الرأس، وتخرق الجلد حتى تصل إلى أم الدماغ، (وفي الجائفة -وهي الجرح الذي يصل إلى باطن الجوف- ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل -أيضاً- وإن الرجل يقتل بالمرأة، كما أن المرأة تقتل بالرجل، وعلى أهل الذهب ألف دينار)، رواه أبو داود، والمنقلة هي الشجة القوية التي توضح عظم الجمجمة، وتهشمه أحياناً، أو تنقل عظامه بتكسيره، فهذه يسميها العلماء المنقلة، هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث وإن كان روي مرسلاً لكن ابن عبد البر حكم بأن هذا الحديث في حكم الموصول. وقد أجمع العلماء على معناه. والله أعلم.

ثم شرع المؤلف فيما يشترط في وجوب القصاص فقال رحمه الله تعالى: [ ويشترط في وجوب القصاص كون القاتل مكلفاً والمقتول معصوماً، ومكافئاً للجاني في الإسلام والرق والحرية، فلا يقتل المسلم بالكافر، ولا الحر بالعبد، ولا يكون والداً للمقتول، فلا يقتل الأبوان بالولد، ولا بد من اتفاق الأولياء المكلفين، والأمن من التعدي في الاستيفاء، وتقتل الجماعة بالواحد، ويقاد كل عضو بمثله إذا أمكن بدون تعد؛ لقوله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]، إلى آخر الآية، ودية المرأة على النصف من الرجل إلا فيما دون الثلث فهما سواء ].

المؤلف رحمه الله ذكر شروط وجوب القصاص، فقال:

الشرط الأول: (كون القاتل مكلفاً)؛ لأن غير المكلف كالمجنون والصغير عمده خطأ في حق المكلف، فلو أن صبياً قتل فإنه لا يقتل، ولكن يلزمه الدية، كما لو قتل المكلف خطأ فعمد الصبي كقتل الكبير خطأ، والله أعلم.

الشرط الثاني: قال المؤلف: (وأن يكون المقتول معصوماً)، فلو أن مسلماً قتل حربياً معاهداً فهو وإن وقع في الإثم، وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يجد رائحة الجنة )، ولكن لا يقتل به، وقال بعضهم: يقتل تعزيراً، وهذه مسألة ثانية، لكن ليس ذلك من حكم القصاص، والله أعلم.

ولهذا قال المؤلف: (ومكافئاً للجاني في الإسلام) فالمسلم لا يقتل بالكافر، فلو أن مسلماً قتل كافراً فلا يقتل به، وكذلك لو أن حراً قتل عبداً لا يقتل به، والعبد لو قتل حراً لا يقتل، فلا يقتل مسلم بكافر، ولا الحر بالعبد، وهذا قول عامة أهل العلم، خلافاً لـأبي حنيفة في بعض أقواله.

الشرط الثالث: (ألا يكن والداً للمقتول)، فإن العلماء أجمعوا على ذلك كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( لا يقتل والد بولده)، فلو أن والداً قتل ولده فلا يقتل الوالد به، والله أعلم، وأما الابن فإنه يقتل بوالده، فلا يقتل الأبوان: الأم والأب بأحد أبنائهما أو بناتهما، فلا يقتل الوالدان بالولد.

ولا بد أيضاً من اتفاق أولياء المقتول المكلفين، يعني: أنه إذا قتل زيد عمراً، فيقال لأولياء عمرو: لا بد أن تتفقوا على الدم، فلو أن واحداً يريد الدية والبقية يريدون الدم هل يقتل؟ لا، حتى يجمعوا على ذلك، والله أعلم.

ثم قال المؤلف: (والأمن من التعدي في الاستيفاء) يعني: أنه إذا مثلاً قطعت يده، فيخشى أنه إذا قطعت يده أن يموت كاملاً؛ لأنه ليس عنده مناعة، بل به مرض، فإننا نقول: دعوه حتى يتماثل، كما قال علي رضي الله عنه: ( أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقيم على أمة الحد فوجدتها حاملاً، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها وما في بطنها، فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أحسنت، اتركها حتى تماثل )، والله أعلم.

قال المؤلف: (وتقتل الجماعة بالواحد)، يعني: لو أن جماعة تضافروا على قتل واحد فإنهم يقتلون جميعاً، لقول عمر رضي الله عنه: لو أن أهل صنعاء تمالئوا على قتله لقتلتهم به، والله أعلم.

ثم قال: (ويقاد كل عضو بمثله إذا أمكن بدون تعد)، يعني: يد بيد، رجل برجل، أذن بأذن، وقد قال الله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45]، الآية.

ثم قال المؤلف: (ودية المرأة على النصف من دية الرجل، إلا فيما دون ثلث الدية فهما سواء)، إذا كانت دون ثلث الدية فهما سواء، مثل الجنين الذي في بطن الأم، ففيه خمس الدية، سواء كان ذكراً أم أنثى، والله أعلم.

والعبد نصف الدية والأمة نصفها مثلهم.

قال رحمه الله تعالى: [ كتاب الحدود.

لا حد إلا على مكلف عالم بالتحريم، ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه، إلا السيد، فإن له إقامته بالجلد خاصة على رقيقه، وحد الرقيق في الجلد نصف حد الحر، فحد الزنا -وهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر- إن كان محصناً؛ وهو الذي قد تزوج ووطئها، وهما حران مكلفان فهذا يرجم حتى يموت، وإن كان غير محصن جلد مائة جلدة، وغرب عن وطنه عاماً، ولكن بشرط أن يقر به أربع مرات، أو يشهد عليه أربعة عدول يصرحون بشهادتهم، قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم )، رواه مسلم ، وآخر الأمرين الاقتصار على رجم المحصن كما في قصة ماعز و الغامدية ].

قال المؤلف: (كتاب الحدود)، وهي العقوبات التي نص عليها الكتاب والسنة، وليس لأحد الاجتهاد فيها أو إلغاؤها، إلا أن أهل العلم استثنوا أنه لا بأس بترك إقامة الحد في دار الحرب، خوفاً من أن المسلم ربما يذهب إلى الكفرة، فهنا ليس إبطالاً للحد ولكنه تأخير له، والله أعلم.

ثم قال المؤلف: (لا حد إلا على مكلف ملتزم عالم بالتحريم)، يعني: أن غير المكلف كالمجنون والصبي إذا فعل ما يوجب الحد فليس عليهم حد؛ قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، ومن المعلوم أن المكلف هو الذي يعقل ويعلم، وأما غير المكلف فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( رفع القلم عن ثلاثة، الصغير حتى يبلغ... ) الحديث. والله أعلم.

ثم قال المؤلف: (ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه)، يعني: لا يجوز للإنسان أن يقيم الحد إلا الإمام، لأن هذا افتيات على حق الإمام؛ لقوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179]، أما السيد إذا زنى عبده فله أن يقيم عليه الحد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن )، فهذا يدل على جواز أن يقيم الإنسان على عبيده أو إمائه الحد، والله أعلم، وهو الجلد خاصة، ولهذا قال المؤلف: (حد الرقيق في الجلد نصف حد الحر).

والله أعلم.

تعريف الزنا

ثم بدأ المؤلف في أول حد، وهو حد الزنا، فقال: (فحد الزنا: وهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر)، وهو أن يأتي الرجل المرأة في قبلها أو في دبرها، فإن هذا يعد زنا، والله أعلم.

وأما أن يأتي الرجل الرجل في دبر، فهذا هل يأخذ حكم الزنا؟ اختلف العلماء في ذلك، والأقرب أنه لا يأخذ حكم الزنا، ولكن هل يقتل به؟ هذه مسألة معروفة عند العلماء. والله أعلم.

عقوبة الزاني المحصن وغير المحصن

ثم قال المؤلف: (إن كان محصناً، وهو الذي تزوج ووطئ زوجته، وهما حران مكلفان)، فهذا يرجم، ولو وطئ مرة واحدة وطلق فإنه يسمى محصناً إذا كان مكلفاً والزوجة مكلفة، ولو كان قد طلق وليس عنده امرأة فإنه يعتبر محصناً والله أعلم.

وأما غير المحصن فهو الذي لم يتزوج زواجاً صحيحاً، فلو كان -والعياذ بالله- عنده صاحبة أو خليلة يجامعها فلا يعد زواجاً، فلو جاء إلى بلاد الإسلام وزنى، هل يقام عليه حد الزنا أو الجلد؟ هذا يسمى غير محصن؛ لأنه لم يتزوج زواجاً شرعياً، والله أعلم، فهذا يجلد.

قال المؤلف: (إن كان محصناً وهو الذي قد تزوج وهما حران مكلفان فهذا يرجم حتى يموت)؛ لقول عمر رضي الله عنه: وإن الرجم حق في كتاب الله على من زنى أو كان الحبل أو الاعتراف، وهذا قول عمر بن الخطاب ، وقد أجمع العلماء على ذلك، وأما إن كان غير محصن فهذا عليه جلد مائة، كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين، قال: ( وأما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها )، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة بالرجم؛ لأنها متزوجة ومحصنة، وحكم على الشاب بالجلد؛ لأنه لم يتزوج، والله أعلم.

وأما التغريب لمدة عام، فبعض العلماء يرى أن هذا محل اجتهاد للإمام، فلو سجنه أو ذهب به إلى بعض المدن كفى، وقد كانوا في السابق يغربون إلى مدينة فرسان، والآن صارت فرسان منطقة جميلة، يذهب الناس إليها سياحة، فلو ذهب بمن أقيم عليه التغريب إليها صار سياحة له، وهذا يختلف من بلد إلى بلد.

طرق إثبات الزنا

يقول المؤلف: (ولكن بشرط أن يقر به أربع مرات)، يعني: إذا زنى المحصن أو غير المحصن فإن إقامة الحد يثبت إما بشهود أربعة يشهدون أن الميل قد دخل في المكحلة.

والراجح أنه لا فرق بين إن رأى بعضهم ذلك الشخص يزني في بيت فلان ورآه بعضهم في بيت ثان، فلا فرق؛ لأن القصد وقوع الزنا، كما حقق ذلك أيضاً الشيخ ابن سعدي رحمه الله.

ويثبت الحد بأن يقر هو على نفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، والله أعلم.

وفي الشهادة لا بد أن يصرح الشهود بالزنا، فإن قال: رأيته وقع عليها، أو رأيته ينتفض، ولكنه لم ير شيئاً، فإنه لا يقام عليه الحد، كما قال عمر رضي الله عنه، في قصة المغيرة بن شعبة فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين! قال: ما رأيت ما عندك يا سلخ العقاب؟ وقد صرخ به عمر لعله يرجع، يقول: اللهم لا تفضح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد هذا، فقال الرجل كلمة معروفة، كما رواها الطحاوي، قال: رأيت نفساً يعلوا، ورأيت إستاً تنبو، ورأيت رجليها بين رأسه كأنهما أذنا بعير، فقال عمر : الله أكبر! يعني: ما رأى أكثر من هذا، وهو أن يكون قد وقع بها، لكن لم ير الميل قد دخل في المكحلة، فهذا لا يسمى شهادة زنا؛ لأنه لا بد أن يكون قد رأى الميل قد دخل في المكحلة، والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف حديث عبادة بن الصامت والآية، وهذه الآية مرت معنا: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، هذا في حق غير المحصن، وأما المحصن فقد (قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)، رواه مسلم).

التغريب في حد الزنا

قوله: (وآخر الأمرين الاقتصار على رجم المحصن، كما في قصة ماعز و الغامدية)، يعني: أن التغريب إنما كان في أول الأمر، وهذا يدل على أنه مسألة اجتهاد، فللوالي أن يفعله أو يتركه، هذا الراجح. والله تبارك وتعالى أعلم.

ثم بدأ المؤلف في أول حد، وهو حد الزنا، فقال: (فحد الزنا: وهو فعل الفاحشة في قبل أو دبر)، وهو أن يأتي الرجل المرأة في قبلها أو في دبرها، فإن هذا يعد زنا، والله أعلم.

وأما أن يأتي الرجل الرجل في دبر، فهذا هل يأخذ حكم الزنا؟ اختلف العلماء في ذلك، والأقرب أنه لا يأخذ حكم الزنا، ولكن هل يقتل به؟ هذه مسألة معروفة عند العلماء. والله أعلم.