لماذا يخافون من الإسلام


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أنـزل عليه ربه عز وجل.

وبعــد:-

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:1-8].

وهذا البلد الأمين

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين:1-2] الإشارة إلى هذا البلد الذي فيه تقطنون، وإليه يحن المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، قصبة الإسلام، وعاصمة التوحيد، ومهبط الوحي، ومنطلق الرسالة. وطأت أرضها أقدام المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشهدت تربتها البداية الأولى لدعوة الإسلام العظيمة، التي اكتسحت البلاد كلها شرقاً وغربا.

فيقسم الله تبارك وتعالى بها، ويسميها البلد الأمين، كما سماها أم القرى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ [الشورى:7] ومن حولها كل بلاد الإسلام، قرى تحن إلى هذه القصبة العظيمة والعاصمة الكريمة قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً [آل عمران:96-97].

sh= 9902756>بلادي كل أرضٍ ضجَّ فيها نداء الحق صداحاً مغنى

ودوي ثمَّ بالسبع المثاني     شباب كان للإسلام حصنا

تمنيت الحجاز أكون فيه      فأعطى الله قلبي ما تمنى

سقى الله الحجاز وساكنيه     وأمطر كل ساقية ومغنى

أخي إن زرت بيت الله تبغي     رضاً أو تشتكي هماً وحزنا

ففي تلك الرحاب عظيم أنسٍ     لناءٍ إن دعاه الشوق حنا

لـطيبة يأرز الإيمان حباً      ويشتاق لها القلب المعنى

لحى الله اليهود فما أقاموا     لعهد الله في المحراب وزنا

ترى القدس الحزين لنا ينادي     وما من سامعٍ قد هب منا

ينادي المغرب المقدام مصراً     ويدعو القدس لبنان المعنى

ويهوى القلب شهباء المعالي     وفي بغداد للإسلام معنى

إذا كابول آذتها جراح      ففي صنعاء إخوان المثنى

ثم يقول الله عز وجل: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [التين:5-6] وهذه الآية ذات علاقة وثيقة بموضوع الحديث إليكم هذه الليلة، فإن الله تعالى حكم على الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم، بأنه يرد إلى أسفل سافلين، انحرافاً وظلالاً وضياعاً وتيهاً، ويستثنى من ذلك طائفة قليلة هم الذين آمنوا، قال الله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ [الأعراف:179].

وفي صحيح مسلم: { يقول الله: يا آدم أخرج بعث النار. قال: يا ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحدٌُ إلى الجنة} والعادة على جاري اللغة ومقتضى الفصاحة والبلاغة والبيان، أن المستثنى يكون أقل من المستثنى منه، فأنت تقول مثلاً: عندي لك عشرة إلا واحد، لكن ما تقل عندي لك عشرة إلا تسعة، وهكذا قوله -تعالى- هنا: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [التين:5] هو دليل على إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات قليل: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40] أما البقية فرُدوا إلى أسفل سافلين.

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين:1-2] الإشارة إلى هذا البلد الذي فيه تقطنون، وإليه يحن المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، قصبة الإسلام، وعاصمة التوحيد، ومهبط الوحي، ومنطلق الرسالة. وطأت أرضها أقدام المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشهدت تربتها البداية الأولى لدعوة الإسلام العظيمة، التي اكتسحت البلاد كلها شرقاً وغربا.

فيقسم الله تبارك وتعالى بها، ويسميها البلد الأمين، كما سماها أم القرى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ [الشورى:7] ومن حولها كل بلاد الإسلام، قرى تحن إلى هذه القصبة العظيمة والعاصمة الكريمة قال الله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً [آل عمران:96-97].

sh= 9902756>بلادي كل أرضٍ ضجَّ فيها نداء الحق صداحاً مغنى

ودوي ثمَّ بالسبع المثاني     شباب كان للإسلام حصنا

تمنيت الحجاز أكون فيه      فأعطى الله قلبي ما تمنى

سقى الله الحجاز وساكنيه     وأمطر كل ساقية ومغنى

أخي إن زرت بيت الله تبغي     رضاً أو تشتكي هماً وحزنا

ففي تلك الرحاب عظيم أنسٍ     لناءٍ إن دعاه الشوق حنا

لـطيبة يأرز الإيمان حباً      ويشتاق لها القلب المعنى

لحى الله اليهود فما أقاموا     لعهد الله في المحراب وزنا

ترى القدس الحزين لنا ينادي     وما من سامعٍ قد هب منا

ينادي المغرب المقدام مصراً     ويدعو القدس لبنان المعنى

ويهوى القلب شهباء المعالي     وفي بغداد للإسلام معنى

إذا كابول آذتها جراح      ففي صنعاء إخوان المثنى

ثم يقول الله عز وجل: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [التين:5-6] وهذه الآية ذات علاقة وثيقة بموضوع الحديث إليكم هذه الليلة، فإن الله تعالى حكم على الإنسان الذي خلق في أحسن تقويم، بأنه يرد إلى أسفل سافلين، انحرافاً وظلالاً وضياعاً وتيهاً، ويستثنى من ذلك طائفة قليلة هم الذين آمنوا، قال الله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116] وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ [الأعراف:179].

وفي صحيح مسلم: { يقول الله: يا آدم أخرج بعث النار. قال: يا ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحدٌُ إلى الجنة} والعادة على جاري اللغة ومقتضى الفصاحة والبلاغة والبيان، أن المستثنى يكون أقل من المستثنى منه، فأنت تقول مثلاً: عندي لك عشرة إلا واحد، لكن ما تقل عندي لك عشرة إلا تسعة، وهكذا قوله -تعالى- هنا: ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [التين:5] هو دليل على إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات قليل: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود:40] أما البقية فرُدوا إلى أسفل سافلين.

لماذا يكرهون الإسلام؟

في هذا الموضوع عدة عناوين:

أولها: هل الغرب علماني؟

وهل الغرب يؤمن بدين العلمانية؟

لقد ظن الكثيرون حتى من الأخيار أحياناً أن الغرب قد أصبح علمانياً، لا فرق عنده بين المسجد والكنيسة، ولا بين المصحف والإنجيل، وإنما همه قطرة النفط التي يصر على استمرار وصولها إليه، حسب رغبته وحسب مواصفاته.

فهل الغرب نفسه يقبل مثل هذا التصور أو يقره، أو يوافق عليه، سواءً من الناحية العملية أو من الناحية النظرية؟

هذا سؤال؟ وإليك الجواب.

حقيقة الغرب الدينية من الناحية النظرية

أما من الناحية النظرية، فإنني أترك الجواب لطاغية من طغاة الغرب، وكبيرٍ من أكابرهم كما قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا [الأنعام:123].

ذلكم هو رئيس النظام الدولي الجديد، ورئيس الولايات المتحدة الذي ألقى خطاباً قبل أيام هو في غاية الدهشة، وأنا أقرأ عليكم الآن أحرفاً يسيرة من هذا الخطاب، لتكتشفوا أن أكبر متحدث باسم النظام الدولي الجديد، الذي يريد أن يفرض هيمنته على العالم، يتحدث من منطلق ديني بحت، فهو يقول بالحرف الواحد: إنه لولا الإيمان وحرية العقيدة في أمريكا لما قامت هذه الدولة العظمى، ولا فتحت ذراعيها لكل المضطهدين في أوروبا وفي العالم، فمنذ أن اكتشف كولمبس أمريكا سنة (1492م)، وكل موجوع القلب والعقل والمعدة، يحزم متاعه ويتجه إلى أرض الخير الوفير، والثروات الهائلة، والتسامح الديني.

ثم يقول: يستحيل أن يكون الإنسان رئيساً لـأمريكا دون أن يكون مؤمناً. قال: إنها قدسية الحياة والعمل، وإنها الشجاعة الأمينة في قول الحق وشجب الخطأ، والإيمان بالأسرة، وهي القوة الحقيقية لـأمريكا، إنها حرية التفكير والخيال والإبداع والعبادة، إن بلادنا في هذا القرن اشتركت في خمسة حروب، في أماكن مختلفة في العالم؛ دفاعاً عن الحق ورفعاً للظلم عن المظلومين -هكذا يقول- ثم أشار إلى انتصار الحرية في حرب الخليج، ثم ذكر: إن الذين حرَّموا الدين على مئات الملايين في الاتحاد السوفيتي قد أعادوه مرةً أخرى، ففتحوا المعابد للصلاة والتوجه إلى الله، إن هذا انتصارٌ للإيمان، وإنها لضرورةُ حيوية، وإن كل إنسان حر في أن يعبد الله -والكلام له- على طريقته دون أن يتدخل أحد بينه وبين الله.

ثم قال: إن الشاعر الأمريكي أوتيمان عندما كان يتحدث وسئل عن سر عظمة أمريكا، فقال: إيمانها بالله. ثم يقول: إن الإحصائيات الرسمية المؤكدة تقول: أن (90%) من الشعب الأمريكي يؤدون الصلاة في أوقاتها.

والرجل يتكلم من خلال إحصائيات، (90%) من الشعب الأمريكي يؤدون الصلاة في أوقاتها، (90%) يتعبدون ويذهبون إلى الكنائس، والمعابد والمساجد... إلى آخر الكلام.

هذا الكلام تجاهلته الصحف العربية، بل وبعض الصحف الغربية، ونشر على استحياء في مجلة اليقظة العدد [1208] في شوال من عام ألف (1412هـ) بعنوان: لولا الإيمان بالله ما كانت هذه العظمة.

دعونا من كل التعليقات على مثل هذا الكلام، فالرجل نحن نعلم أنه نصراني، وأنه قبل أن يخوض أي حرب من الحروب الخمس التي تحدث عنها، كان يذهب إلى الكنيسة، ويصلي من أجل الغرب ومن أجل أمريكا ومن أجل المصالح، ولكنه لم يخجل أن يتكلم بهذا الكلام الواضح البين، وأن يفخر بأن الشعب الأمريكي يؤدي الصلوات في أوقاتها. قد يقول البعض: إن هذه مناورة انتخابية وهو يستعد الآن لخوض المعركة الانتخابية.

وأقول: لنفترض أن هذا الكلام صحيح، فكون الرجل يتكلم عن الدين، ويمدح الشعب الأمريكي بأنه متدين، أليس دليلاً فعلاً على أن العاطفة الدينية عاطفة قوية هناك، وأنه هو الذي قد ينجح في مخاطبتها، وأن الرئيس نفسه يتودد إلى شعبه من خلال الثناء عليه، والإطراء لتدينه ومحافظته؟ بلى. هذا من الناحية النظرية.

حقيقة الغرب الدينية من الناحية العملية

أما من الناحية العملية، فإنني قد أعددت كلاماً لأقوله لكم عن البوسنة والهرسك، وبينما نحن في الطريق إذا بنا نسمع إذاعة لندن، وإذا بها تقول كلاماً يوجع القلب، ويستخرج الدموع بالقوة من الأعين، حتى القلوب الصلدة القاسية، لا بد أن تهتز وتضطرب.

يقول: إن الصرب الآن يحاصرون إحدى المدن الشرقية وذكرها، التي غالبية سكانها من المسلمين، وفر إليها سكان مدنٍ أخرى سوَّاها الصرب بالأرض، بدباباتهم ومدافعهم وطائراتهم؛ ففر السكان إلى تلك المدينة، وإذا بهم يفرون من معاناةٍ إلى معانة أخرى أشد منها.

ويقول: إن السكان الآن بلا طعام، ولا شراب، ولا مؤن، ولا أغذية، ولا أدوية، وإنهم يواجهون خطر الفناء التام، بعدما فر الكثير منهم، وبقي نحو مائة ألف في هذه المدينة، حتى إن الأطباء يجرون عمليات البتر للأعضاء، الأيدي والأرجل وغيرها، دون أن يستخدموا المخدرات أو المهدئات أو غير ذلك؛ لأنهم لا يجدونها، فيبترون ساق الإنسان أو يده للحاجة وهو ينظر ويتألم ويحزن.!!

ويقول: إن الصرب يضربونها الآن بشراسة، براجمات الصواريخ، والمدافع، والدبابات والرشاشات وغيرها، وإذا سقطت هذه المدينة كان الطريق أمامهم مفتوحاً تماماً إلى سراييفو، أي أن تتوجه كل قوات الصرب إلى العاصمة التي هي القلعة الأخيرة في هذه الدولة.

وأيضاً سمعنا خبراً آخر، يقول: إن فرنسا قد أجلت إرسال الطائرات المروحية والجنود الذين كانت تنوي أن ترسلهم يوم الأربعاء القادم، لأسبابٍ أمنية، وبناءً على طلب الأمم المتحدة، هنا يبرز دور بطرس غالي، الذي كان من المفروض أن يطلب التدخل أصبح يطلب منهم التريث، حتى يتمكن الصرب من اقتحام سراييفو وحشد كل قواتهم حولها.

الحروب كثيرة والاحتكاكات كثيرة، سواءً في الدول التي خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتي، أو في البوسنة والهرسك والهجمات الصربية عليها كما ذكرت، وفي كل يومٍ منذ أربعة أشهر خبر تتقطع له القلوب أسى، فهذا راديو سراييفو يعلن أن جثث القتلى في الشوارع لا تجد من ينتشلها، ولا من يؤوي الفارين والمشردين، ويكفي الناس شر الجراثيم المتصاعدة منها، والروائح المنتنة.

وأخبار أخرى تقول: إن مدينة سراييفوا قد هدمت بالكامل، وإنه لا يوجد ولا حتى مبنىً واحد سلم من القصف المدفعي المتواصل. وأخبار عن مدن على الحدود الشرقية بمحاذاة صربيا، على امتداد ما يزيد على ثلاثمائة كيلومتر قد دمرت بأكملها، وأبيد شعبها في مجازر وحشية تقشعر لهولها الأبدان، وأخبار عن احتلال مبنى التلفزيون، وقطع الاتصالات، ومنع الضحايا من أن ينقلوا إلى المستشفيات.

وأخبار عن إحاطة الصرب بسكان بعض المدن، وحصد أهلها بالرصاص في إحدى الساحات العامة، وأخبار عن كبار السن الذين لم يستطيعوا الهرب، يقولون: إنهم لم يعانوا خلال السنوات الأربع التي شاهدوها في الحرب العالمية الثانية، شيئاً يذكر، بالقياس إلى ما عانوه في هذه الثلاثة الأشهر الماضية.

وأخبار عن مدينة ذوبوي، وغالبية سكانها من المسلمين؛ أن الصرب يهددونها بالتسليم، وعندما رفضت انهالت عليهم الحمم من كل جانب، ثم قتل من قتل تحت الأنقاض، ومن هرب منهم سقط به الجسر الذي قصفه الصرب، حينما كان المسلمون يعبرون عليه، أما النازحون من المسلمين، فتقدرهم بعض الإحصائيات بأكثر من مليون ونصف.

والخطورة هنا تكمن في أن تغييراً كبيراً يحدث في التركيبة السكانية للمناطق، وهذا نائب رئيس وزراء البوسنة يصرح في تركيا؛ أن الصرب يقتلون المسلمين بالهوية ويلعبون برءوسهم كرة القدم.

لا تظنوا هذه مبالغات، لقد أحضر مجموعةً من الإخوة الذين ذهبوا إلى هناك، عشرات الأشرطة والصور، التي تؤكد أن ما يقال هو بعض الحقيقة وليس كلها، وقمة المأساة عندما فجر الصرب مكاناً يكتظ بأعدادٍ كبيرةٍ من المسلمين، كانوا ينتظرون دورهم لشراء الخبز، فأحالتهم قنابل الصرب إلى كتلةٍ من الدماء والأشلاء.

كل ذلك يجري على أنغام الموسيقى، والأناشيد الكنسية التي تحث الشباب الصربيين المنتسبين إلى صربيا الكبرى حماة المسيحية، على أن يحتفلوا ويرقصوا على أجساد الكفار، أي المسلمين، نشيدهم المفضل يقول: أنا أشرب دم التركي أولاً، فمن يشربه ثانياً.

وأما النشيد الثاني فيقول: وهي كلمة للزعيم الصربي يتناقلونها، وقد أصبحت نشيداً لهم:

مستعدون أن نخسر ثلاثمائة ألف جندي؛ لإبادة الإسلام من سراييفو إلى مكة.

هذه هي المأساة، فماذا كان موقف الغرب؟

كان موقفهم عبارة تعاطف كلامي: يجب على الصرب أن يكفوا وإلا! يجب عليهم أن يحترموا القرارات الدولية! تهديد بالمقاطعة! حتى كادوا أن يقاطعوا صربيا رياضياً فيمنعوا فريقها من دخول المباراة، الله أكبر!! ويقولون -عندما تدخلوا فعلاً من أجل الإغاثة والإمدادات والمعونات الإنسانية، ثم صارت الحرب- قالوا: إذا لم تتوقف الحرب فسوف ننسحب!!

ثم يقولون: لقد اكتشفنا أن كلا الفريقين يمتلكون الأسلحة.

والواقع أن المسلمين مساكين، في بلادهم في سراييفو العاصمة نفسها، ومع ذلك يستكثر عليهم أن يملكوا السلاح الذي يدافعون به عن أنفسهم، وهو سلاح بسيط وقليل، يشترى بالقرش والريال الذي يدفع من جيوبكم، أما الأسلحة الحقيقية فيمتلكها الجيش اليوغسلافي، وذهب غالبيتها إلى الصرب.

هذا تعاطف كلامي من الغرب، ومساعدات إنسانية محدودة، بعد ثلاثة أشهر كان المسلمون خلالها يعيشون في السراديب، تحت وابلٍ من القصف المتواصل، وهذه المساعدات، وهذا التعاطف الكلامي تراجعت عنه أوروبا، والتفت عليه حينما طالبت المسلمين في البوسنة والهرسك بإنشاء ثلاثة كانتونات، أي ثلاثة أجهزة أو ثلاث جهات.

للصرب كانتون خاص بهم أشبه ما يكون بالحكم الذاتي، لأنهم يمثلون (30%) من الجمهورية، وللكروات كانتون خاص بهم وهم يمثلون (18%)، وللمسلمين وهم يمثلون نحو (44%) كانتون خاصٌ بهم.

إذاً طالبوا بوجود جمهوريات داخل الجمهورية الكبرى، واحدة للصرب وواحدة للكروات وواحدة للمسلمين، لكن أوروبا والغرب لم يطالب صربيا بذلك، مع أننا نعلم -مثلاً- أن مدينة كوسوفو الواقعة تحت حكم الصرب، فيها مليونا مسلم؟!

مليونان لم يطالبوا لهم بالحكم الذاتي، وإن السنجق نصف مليون مسلم لم يطالب لهم بالحكم الذاتي.

إذاً: القضية حرب صليبية، الغرب إن لم يكن مؤيداً لها، فإنه ليس معارضاً لها، وهناك معلومات تسربت على أن رجال الأمم المتحدة يساعدون الجنود الصرب على نقل السلاح، ونحن نعلم يقيناً أن المسلمين لو كانوا نصارى؛ لكان للغرب موقف آخر، كما نعلم يقيناً أن المسلمين الذي يعيشون تحت الحصار الشديد الآن، في جبال الأكراد، أو في شمال العراق أو في جنوبه أو في وسطه، أنهم لو كانوا من النصارى لكان للغرب موقف آخر.

ولما رضي أن يعيش (18) مليوناً تحت آلام الفقر والجوع والحرمان؛ حتى أصبحت علبة البيبسى كولا -إن وجدت- تباع بما يزيد على مائة ريال، وأصبحت الدجاجة -إن وجدت أيضاً، ولا يجدها إلا الخاصة وكبار الأثرياء- تباع بما يعادل خمسمائة ريال، وأصبحت المرأة حتى الفتاة الحصينة العفيفة مضطرة أن تتاجر بعرضها، وانتشرت تجارة البغاء والرذيلة، لأنها تبحث عن اللقمة التي تسد جوعتها، وأصبح الإنسان الشريف مضطراً إلى أن يقفز في الليل على أحد البيوت؛ حتى يسرق منه طعاماً يأكله من الجوع. بل وصل الحال إلى أن البعض يقتل أولاده -وحصل هذا فعلاً في العراق- لماذا؟!

قال: لم أجد شيئاً أطعمهم إياه، لا أريد أن أراهم يتضورون أمامي جوعاً ثم يموتون.

فلو كان هذا الشعب نصرانياً، لتنادت أمم النصارى من المشرق والمغرب لرفع هذا الظلم الواقع عليه، وكانت تستطيع أن تنتقم من طاغية بغداد بغير هذا الأسلوب.

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فماتت فدخلت بها النار} فما بالك بشعبٍ بأكمله يموت جوعاً وعطشاً، حتى إن الإحصائيات تقول: عدد الموتى يزيد على مائة وخمسين ألفاً خلال الشهور الماضية، وغالبيتهم من الأطفال.

المهم أن الغرب ينطلق من منطلق صليبي حاقد نظرياً وعملياً.

أما من الناحية النظرية، فإنني أترك الجواب لطاغية من طغاة الغرب، وكبيرٍ من أكابرهم كما قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا [الأنعام:123].

ذلكم هو رئيس النظام الدولي الجديد، ورئيس الولايات المتحدة الذي ألقى خطاباً قبل أيام هو في غاية الدهشة، وأنا أقرأ عليكم الآن أحرفاً يسيرة من هذا الخطاب، لتكتشفوا أن أكبر متحدث باسم النظام الدولي الجديد، الذي يريد أن يفرض هيمنته على العالم، يتحدث من منطلق ديني بحت، فهو يقول بالحرف الواحد: إنه لولا الإيمان وحرية العقيدة في أمريكا لما قامت هذه الدولة العظمى، ولا فتحت ذراعيها لكل المضطهدين في أوروبا وفي العالم، فمنذ أن اكتشف كولمبس أمريكا سنة (1492م)، وكل موجوع القلب والعقل والمعدة، يحزم متاعه ويتجه إلى أرض الخير الوفير، والثروات الهائلة، والتسامح الديني.

ثم يقول: يستحيل أن يكون الإنسان رئيساً لـأمريكا دون أن يكون مؤمناً. قال: إنها قدسية الحياة والعمل، وإنها الشجاعة الأمينة في قول الحق وشجب الخطأ، والإيمان بالأسرة، وهي القوة الحقيقية لـأمريكا، إنها حرية التفكير والخيال والإبداع والعبادة، إن بلادنا في هذا القرن اشتركت في خمسة حروب، في أماكن مختلفة في العالم؛ دفاعاً عن الحق ورفعاً للظلم عن المظلومين -هكذا يقول- ثم أشار إلى انتصار الحرية في حرب الخليج، ثم ذكر: إن الذين حرَّموا الدين على مئات الملايين في الاتحاد السوفيتي قد أعادوه مرةً أخرى، ففتحوا المعابد للصلاة والتوجه إلى الله، إن هذا انتصارٌ للإيمان، وإنها لضرورةُ حيوية، وإن كل إنسان حر في أن يعبد الله -والكلام له- على طريقته دون أن يتدخل أحد بينه وبين الله.

ثم قال: إن الشاعر الأمريكي أوتيمان عندما كان يتحدث وسئل عن سر عظمة أمريكا، فقال: إيمانها بالله. ثم يقول: إن الإحصائيات الرسمية المؤكدة تقول: أن (90%) من الشعب الأمريكي يؤدون الصلاة في أوقاتها.

والرجل يتكلم من خلال إحصائيات، (90%) من الشعب الأمريكي يؤدون الصلاة في أوقاتها، (90%) يتعبدون ويذهبون إلى الكنائس، والمعابد والمساجد... إلى آخر الكلام.

هذا الكلام تجاهلته الصحف العربية، بل وبعض الصحف الغربية، ونشر على استحياء في مجلة اليقظة العدد [1208] في شوال من عام ألف (1412هـ) بعنوان: لولا الإيمان بالله ما كانت هذه العظمة.

دعونا من كل التعليقات على مثل هذا الكلام، فالرجل نحن نعلم أنه نصراني، وأنه قبل أن يخوض أي حرب من الحروب الخمس التي تحدث عنها، كان يذهب إلى الكنيسة، ويصلي من أجل الغرب ومن أجل أمريكا ومن أجل المصالح، ولكنه لم يخجل أن يتكلم بهذا الكلام الواضح البين، وأن يفخر بأن الشعب الأمريكي يؤدي الصلوات في أوقاتها. قد يقول البعض: إن هذه مناورة انتخابية وهو يستعد الآن لخوض المعركة الانتخابية.

وأقول: لنفترض أن هذا الكلام صحيح، فكون الرجل يتكلم عن الدين، ويمدح الشعب الأمريكي بأنه متدين، أليس دليلاً فعلاً على أن العاطفة الدينية عاطفة قوية هناك، وأنه هو الذي قد ينجح في مخاطبتها، وأن الرئيس نفسه يتودد إلى شعبه من خلال الثناء عليه، والإطراء لتدينه ومحافظته؟ بلى. هذا من الناحية النظرية.

أما من الناحية العملية، فإنني قد أعددت كلاماً لأقوله لكم عن البوسنة والهرسك، وبينما نحن في الطريق إذا بنا نسمع إذاعة لندن، وإذا بها تقول كلاماً يوجع القلب، ويستخرج الدموع بالقوة من الأعين، حتى القلوب الصلدة القاسية، لا بد أن تهتز وتضطرب.

يقول: إن الصرب الآن يحاصرون إحدى المدن الشرقية وذكرها، التي غالبية سكانها من المسلمين، وفر إليها سكان مدنٍ أخرى سوَّاها الصرب بالأرض، بدباباتهم ومدافعهم وطائراتهم؛ ففر السكان إلى تلك المدينة، وإذا بهم يفرون من معاناةٍ إلى معانة أخرى أشد منها.

ويقول: إن السكان الآن بلا طعام، ولا شراب، ولا مؤن، ولا أغذية، ولا أدوية، وإنهم يواجهون خطر الفناء التام، بعدما فر الكثير منهم، وبقي نحو مائة ألف في هذه المدينة، حتى إن الأطباء يجرون عمليات البتر للأعضاء، الأيدي والأرجل وغيرها، دون أن يستخدموا المخدرات أو المهدئات أو غير ذلك؛ لأنهم لا يجدونها، فيبترون ساق الإنسان أو يده للحاجة وهو ينظر ويتألم ويحزن.!!

ويقول: إن الصرب يضربونها الآن بشراسة، براجمات الصواريخ، والمدافع، والدبابات والرشاشات وغيرها، وإذا سقطت هذه المدينة كان الطريق أمامهم مفتوحاً تماماً إلى سراييفو، أي أن تتوجه كل قوات الصرب إلى العاصمة التي هي القلعة الأخيرة في هذه الدولة.

وأيضاً سمعنا خبراً آخر، يقول: إن فرنسا قد أجلت إرسال الطائرات المروحية والجنود الذين كانت تنوي أن ترسلهم يوم الأربعاء القادم، لأسبابٍ أمنية، وبناءً على طلب الأمم المتحدة، هنا يبرز دور بطرس غالي، الذي كان من المفروض أن يطلب التدخل أصبح يطلب منهم التريث، حتى يتمكن الصرب من اقتحام سراييفو وحشد كل قواتهم حولها.

الحروب كثيرة والاحتكاكات كثيرة، سواءً في الدول التي خرجت من عباءة الاتحاد السوفيتي، أو في البوسنة والهرسك والهجمات الصربية عليها كما ذكرت، وفي كل يومٍ منذ أربعة أشهر خبر تتقطع له القلوب أسى، فهذا راديو سراييفو يعلن أن جثث القتلى في الشوارع لا تجد من ينتشلها، ولا من يؤوي الفارين والمشردين، ويكفي الناس شر الجراثيم المتصاعدة منها، والروائح المنتنة.

وأخبار أخرى تقول: إن مدينة سراييفوا قد هدمت بالكامل، وإنه لا يوجد ولا حتى مبنىً واحد سلم من القصف المدفعي المتواصل. وأخبار عن مدن على الحدود الشرقية بمحاذاة صربيا، على امتداد ما يزيد على ثلاثمائة كيلومتر قد دمرت بأكملها، وأبيد شعبها في مجازر وحشية تقشعر لهولها الأبدان، وأخبار عن احتلال مبنى التلفزيون، وقطع الاتصالات، ومنع الضحايا من أن ينقلوا إلى المستشفيات.

وأخبار عن إحاطة الصرب بسكان بعض المدن، وحصد أهلها بالرصاص في إحدى الساحات العامة، وأخبار عن كبار السن الذين لم يستطيعوا الهرب، يقولون: إنهم لم يعانوا خلال السنوات الأربع التي شاهدوها في الحرب العالمية الثانية، شيئاً يذكر، بالقياس إلى ما عانوه في هذه الثلاثة الأشهر الماضية.

وأخبار عن مدينة ذوبوي، وغالبية سكانها من المسلمين؛ أن الصرب يهددونها بالتسليم، وعندما رفضت انهالت عليهم الحمم من كل جانب، ثم قتل من قتل تحت الأنقاض، ومن هرب منهم سقط به الجسر الذي قصفه الصرب، حينما كان المسلمون يعبرون عليه، أما النازحون من المسلمين، فتقدرهم بعض الإحصائيات بأكثر من مليون ونصف.

والخطورة هنا تكمن في أن تغييراً كبيراً يحدث في التركيبة السكانية للمناطق، وهذا نائب رئيس وزراء البوسنة يصرح في تركيا؛ أن الصرب يقتلون المسلمين بالهوية ويلعبون برءوسهم كرة القدم.

لا تظنوا هذه مبالغات، لقد أحضر مجموعةً من الإخوة الذين ذهبوا إلى هناك، عشرات الأشرطة والصور، التي تؤكد أن ما يقال هو بعض الحقيقة وليس كلها، وقمة المأساة عندما فجر الصرب مكاناً يكتظ بأعدادٍ كبيرةٍ من المسلمين، كانوا ينتظرون دورهم لشراء الخبز، فأحالتهم قنابل الصرب إلى كتلةٍ من الدماء والأشلاء.

كل ذلك يجري على أنغام الموسيقى، والأناشيد الكنسية التي تحث الشباب الصربيين المنتسبين إلى صربيا الكبرى حماة المسيحية، على أن يحتفلوا ويرقصوا على أجساد الكفار، أي المسلمين، نشيدهم المفضل يقول: أنا أشرب دم التركي أولاً، فمن يشربه ثانياً.

وأما النشيد الثاني فيقول: وهي كلمة للزعيم الصربي يتناقلونها، وقد أصبحت نشيداً لهم:

مستعدون أن نخسر ثلاثمائة ألف جندي؛ لإبادة الإسلام من سراييفو إلى مكة.

هذه هي المأساة، فماذا كان موقف الغرب؟

كان موقفهم عبارة تعاطف كلامي: يجب على الصرب أن يكفوا وإلا! يجب عليهم أن يحترموا القرارات الدولية! تهديد بالمقاطعة! حتى كادوا أن يقاطعوا صربيا رياضياً فيمنعوا فريقها من دخول المباراة، الله أكبر!! ويقولون -عندما تدخلوا فعلاً من أجل الإغاثة والإمدادات والمعونات الإنسانية، ثم صارت الحرب- قالوا: إذا لم تتوقف الحرب فسوف ننسحب!!

ثم يقولون: لقد اكتشفنا أن كلا الفريقين يمتلكون الأسلحة.

والواقع أن المسلمين مساكين، في بلادهم في سراييفو العاصمة نفسها، ومع ذلك يستكثر عليهم أن يملكوا السلاح الذي يدافعون به عن أنفسهم، وهو سلاح بسيط وقليل، يشترى بالقرش والريال الذي يدفع من جيوبكم، أما الأسلحة الحقيقية فيمتلكها الجيش اليوغسلافي، وذهب غالبيتها إلى الصرب.

هذا تعاطف كلامي من الغرب، ومساعدات إنسانية محدودة، بعد ثلاثة أشهر كان المسلمون خلالها يعيشون في السراديب، تحت وابلٍ من القصف المتواصل، وهذه المساعدات، وهذا التعاطف الكلامي تراجعت عنه أوروبا، والتفت عليه حينما طالبت المسلمين في البوسنة والهرسك بإنشاء ثلاثة كانتونات، أي ثلاثة أجهزة أو ثلاث جهات.

للصرب كانتون خاص بهم أشبه ما يكون بالحكم الذاتي، لأنهم يمثلون (30%) من الجمهورية، وللكروات كانتون خاص بهم وهم يمثلون (18%)، وللمسلمين وهم يمثلون نحو (44%) كانتون خاصٌ بهم.

إذاً طالبوا بوجود جمهوريات داخل الجمهورية الكبرى، واحدة للصرب وواحدة للكروات وواحدة للمسلمين، لكن أوروبا والغرب لم يطالب صربيا بذلك، مع أننا نعلم -مثلاً- أن مدينة كوسوفو الواقعة تحت حكم الصرب، فيها مليونا مسلم؟!

مليونان لم يطالبوا لهم بالحكم الذاتي، وإن السنجق نصف مليون مسلم لم يطالب لهم بالحكم الذاتي.

إذاً: القضية حرب صليبية، الغرب إن لم يكن مؤيداً لها، فإنه ليس معارضاً لها، وهناك معلومات تسربت على أن رجال الأمم المتحدة يساعدون الجنود الصرب على نقل السلاح، ونحن نعلم يقيناً أن المسلمين لو كانوا نصارى؛ لكان للغرب موقف آخر، كما نعلم يقيناً أن المسلمين الذي يعيشون تحت الحصار الشديد الآن، في جبال الأكراد، أو في شمال العراق أو في جنوبه أو في وسطه، أنهم لو كانوا من النصارى لكان للغرب موقف آخر.

ولما رضي أن يعيش (18) مليوناً تحت آلام الفقر والجوع والحرمان؛ حتى أصبحت علبة البيبسى كولا -إن وجدت- تباع بما يزيد على مائة ريال، وأصبحت الدجاجة -إن وجدت أيضاً، ولا يجدها إلا الخاصة وكبار الأثرياء- تباع بما يعادل خمسمائة ريال، وأصبحت المرأة حتى الفتاة الحصينة العفيفة مضطرة أن تتاجر بعرضها، وانتشرت تجارة البغاء والرذيلة، لأنها تبحث عن اللقمة التي تسد جوعتها، وأصبح الإنسان الشريف مضطراً إلى أن يقفز في الليل على أحد البيوت؛ حتى يسرق منه طعاماً يأكله من الجوع. بل وصل الحال إلى أن البعض يقتل أولاده -وحصل هذا فعلاً في العراق- لماذا؟!

قال: لم أجد شيئاً أطعمهم إياه، لا أريد أن أراهم يتضورون أمامي جوعاً ثم يموتون.

فلو كان هذا الشعب نصرانياً، لتنادت أمم النصارى من المشرق والمغرب لرفع هذا الظلم الواقع عليه، وكانت تستطيع أن تنتقم من طاغية بغداد بغير هذا الأسلوب.

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فماتت فدخلت بها النار} فما بالك بشعبٍ بأكمله يموت جوعاً وعطشاً، حتى إن الإحصائيات تقول: عدد الموتى يزيد على مائة وخمسين ألفاً خلال الشهور الماضية، وغالبيتهم من الأطفال.

المهم أن الغرب ينطلق من منطلق صليبي حاقد نظرياً وعملياً.

النقطة الثانية: تعليم القرآن.

لسنا بحاجةٍ إلى أن نثبت هذا من خلال الأدلة والوثائق، ومن خلال كلام فلانٍ أو علان، لأن القرآن الكريم قد وضع قواعد واضحة في هذا المجال، ويكفي أن أذكر بعض النصوص، والمسلم لا يقرأ القرآن من أجل التبرك فحسب، ولا من أجل الحصول على الأجر والمثوبة أيضاً فحسب، ولكنه يقرأ القرآن ليتعلم منه ما يجب أن يكون عليه اعتقاداً وقولاً وعملا.

يقول ربنا جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] ويقول سبحانه: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] ويقول: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118] وقس ما خفي على ما ظهر.

ويقول جل وعلا: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] ويقول: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] ويقول سبحانه: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:119-120].

هذا هو القرآن هذا هو الحق: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32] يقرر لك عقيدة هؤلاء النصارى والمشركين واليهود بالنسبة للمسلم، وتصورهم عنه، وطموحهم في شأنه، وتمنياتهم حوله.

كثير من الفقهاء والكتاب يبحثون، هل الأصل في علاقتنا بالكفار الحرب أم السلام؟

هل يمكن أن تسود العلاقات الودية بين المسلمين وبين الكفار؟

بعض الفقهاء المعاصرين يميلون إلى الليونة في مثل هذا الكلام، مثل ما كتب الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله وغفر له، والدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ حسين خالد، والدكتور وهبة الزحيلي وغيرهم كثير.

قضية واضحة

وأنا أرى أن أمامنا الآن قضية واضحة جداً، ليس المهم الآن هو الافتراض المثالي، المهم هو الواقع المشهود المستمر، وأعطيك مثالاً: لو عرض الإسلام بتجرد ووضوح ونقاء، وفصاحة وبلاغة، وأسلوبٍ ناجح وناضج وقوي للعالم كله، أليس من المتوقع أن يسلم أكثر الناس؟ بلى.

ولا تعني هذه الفرضية أنهم أصبحوا بمجرد هذا الافتراض مسلمين، فالتاريخ كله تاريخ الحرب مع الكفار، والواقع اليوم وأمس هو واقع التوتر الدائم الذي يتوجس فيه كل من الآخر، والقضية لا تعدو أن تكون -في الغالب- نوعاً من المخادعة أو كسب الوقت -كما يقال- في نظر الطرف الآخر.

فإذا قال بعض الغربيين مثلاً: موقفنا من الإسلام موقف تسامح، فهو يقصد بذلك كسب الوقت. وإذا قال بعض المسلمين -في الغالب-: إن الإسلام لا يبغض الغرب ولا يكرهه، وإنما يسالمه ويهادنه، فالواقع أنهم يعرفون في قرارات أنفسهم أن الإسلام له موقف آخر لو كان يملك القوة التي يواجه بها الغرب، والله عز وجل يقول: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254] فالكفر قرين الظلم، ويقول سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

فطبيعة الكافر في الأعم الأغلب أنه فاسد التصور، مختل التفكير، ومنحرف العقل، وهامد الإحساس والقلب، فتصوراته ومشاعره غير سوية، وقد يحتج بعض الإخوة بحالات، فيتحدث عن مسلمين يسلمون في أمريكا أو بريطانيا أو غيرها هنا وهناك، خاصةً من النساء في الغالب، وهذه تظل حالات محدودة، وأعتقد أنه من البعيد جداً تصور أن تتحول تلك الدول إلى دول إسلامية والله تعالى أعلم.

وحينما تحس تلك الدول بأن الدعوة الإسلامية خطرٌ عليها؛ فسوف يضعون العراقيل والقيود في طريقها، وسيحاربونها علانيةً وبدون مواربة، وسيتخلون عن الديمقراطية والمؤسسات الليبرالية، كما يحارب المشرق والمغرب العربي الإسلام علانية.

وأنا أرى أن أمامنا الآن قضية واضحة جداً، ليس المهم الآن هو الافتراض المثالي، المهم هو الواقع المشهود المستمر، وأعطيك مثالاً: لو عرض الإسلام بتجرد ووضوح ونقاء، وفصاحة وبلاغة، وأسلوبٍ ناجح وناضج وقوي للعالم كله، أليس من المتوقع أن يسلم أكثر الناس؟ بلى.

ولا تعني هذه الفرضية أنهم أصبحوا بمجرد هذا الافتراض مسلمين، فالتاريخ كله تاريخ الحرب مع الكفار، والواقع اليوم وأمس هو واقع التوتر الدائم الذي يتوجس فيه كل من الآخر، والقضية لا تعدو أن تكون -في الغالب- نوعاً من المخادعة أو كسب الوقت -كما يقال- في نظر الطرف الآخر.

فإذا قال بعض الغربيين مثلاً: موقفنا من الإسلام موقف تسامح، فهو يقصد بذلك كسب الوقت. وإذا قال بعض المسلمين -في الغالب-: إن الإسلام لا يبغض الغرب ولا يكرهه، وإنما يسالمه ويهادنه، فالواقع أنهم يعرفون في قرارات أنفسهم أن الإسلام له موقف آخر لو كان يملك القوة التي يواجه بها الغرب، والله عز وجل يقول: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254] فالكفر قرين الظلم، ويقول سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].

فطبيعة الكافر في الأعم الأغلب أنه فاسد التصور، مختل التفكير، ومنحرف العقل، وهامد الإحساس والقلب، فتصوراته ومشاعره غير سوية، وقد يحتج بعض الإخوة بحالات، فيتحدث عن مسلمين يسلمون في أمريكا أو بريطانيا أو غيرها هنا وهناك، خاصةً من النساء في الغالب، وهذه تظل حالات محدودة، وأعتقد أنه من البعيد جداً تصور أن تتحول تلك الدول إلى دول إسلامية والله تعالى أعلم.

وحينما تحس تلك الدول بأن الدعوة الإسلامية خطرٌ عليها؛ فسوف يضعون العراقيل والقيود في طريقها، وسيحاربونها علانيةً وبدون مواربة، وسيتخلون عن الديمقراطية والمؤسسات الليبرالية، كما يحارب المشرق والمغرب العربي الإسلام علانية.

إن دعاوى الديمقراطية هشة، لا يكمن أن تقاوم الإحساس بالخطر من الإسلام في الغرب، كما يحتج البعض -أحياناً- بأشخاص من المستشرقين أو غيرهم الذين قد يكون لديهم نوعٌ من الأنصاف والاعتدال في كتبهم وأطروحاتهم، وأقول: هذا الاعتدال -أحياناً- هو إمعانٌ في الخداع، فهو قد يكون معتدلاً لإقناعنا بأنصاف الحلول.

مثال: أن يأتي مستشرق نعتبره من الغلاة المحاربين المتشددين، فيقول: الإسلام دين الدماء، ودين الحرب، ودين القوة، دين انتشر بالسيف. فيزعجنا هذا الكلام، فيأتي مستشرقٌ آخر ويتطوع ليظهر بمظهر المعتدل المنصف، ويقول: لا يا أخي، الإسلام دين التسامح، والإسلام دين المرونة، والإسلام دين العقل، والإسلام لم ينتشر بالسيف، والإسلام لا يرضى الحرب -أيضاً-، ولا يخوض الإسلام الحرب إلا مضطراً للدفاع عن نفسه.

فنجد أنفسنا حرجين، فنوافق هذا الإنسان على أن الإسلام لا يؤمن بالحرب إلا دفاعاً عن نفسه، وبذلك نبطل مفهوم الجهاد الشرعي: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193].

وأقول: قد يوجد من بين أفراد العوام في البلاد الغربية؛ من لا يحمل حقداً على الإسلام، ونحن نعرف أنه كان في الجاهلية من التاريخ العربي مشركون، مثل عبد الله بن أريقط الذي كان دليل الهجرة كما في حديث عائشة في صحيح البخاري، وذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر إلى الغار، كان هذا الرجل هادياً خريتاً دليلاً، ولكنه كان مأموناً، فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المهمة الصعبة الخطيرة.

وهناك مواقف شخصية لبعض المشركين، كـالنجاشي مثلاً الذي كان ملكاً على الحبشة، قبل أن يسلم ذهب إليه المسلمون وأقاموا عنده، ومدحه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه {ملكٌ عادل لا يظلم عنده أحد} كما في حديث أم سلمة وهو في مسند الإمام أحمد وغيره وسنده صحيح.

لكن تظل هذه النسبة قليلة جداً ومحدودة جداً، والعبرة أيها الإخوة بالقيادات الكبرى، الرؤوس السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، والقيادات في كل مجتمع، التي تسير هذه المجتمعات، وتؤثر في سلوكها، وفي نظرتها وفي تفكيرها، وفي عواطفها، هذه القيادات في بلاد الغرب واعية ومدركة، وغير متجاهلة للعداوة الدينية بينها وبين المسلمين، وهي تستثير مشاعر الجماهير عند الحاجة، كما كان يعمل بطرس في الحروب الصليبية، لقد مسح أجزاء من أوروبا على حماره، وكان يدعو الناس إلى غزو هذه البلاد التي يقول لهم: إنها تفيض لبناً وعسلا، وتطهير بيت المقدس -كما يزعم- من الكفار، يعني بهم المسلمين.

ولا زال الجميع يحتفظون بذكريات الحروب الصليبية التي قادها هؤلاء، ولقي المسلمون من جرائها أمراً عصيباً، حتى سجلها بعض الشعراء أو سجل جزءاً من المعانات يشبه ما نتحدث عنه اليوم:

أحل الكفر بالإسلام ضيماً      يطول به على الدين النحيب

فحق ضائعٌ وحمىً مباحٌ     وسيفٌ قاطعٌ ودمٌ صبيبُ

وكم من مسلمٍ أضحى سليباً     ومسلمةٍ لها حرمٌ سليبُ

وكم من مسجدٍ جعلوه ديراً     على محرابه نُصب الصليبُ

دم الخنـزير فيه لهم خلوف     وتحريقُ المصاحف فيه طيب

فقل لذوي الكرامة حيث كانوا     أجيبوا الله ويحكم أجيبوا

أما لله والإسلام حقٌ      يدافع عنه شبانٌ وشيبُ

كيف ينظر الغرب إلينا؟

المواطن الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي أو الغربي، كيف يتصورني أنا؟

وكيف يتصورك أنت؟

وبشكل عام كيف يتصور العربي والمسلم؟

تحقيقات وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام والأهداف منها

أولاً: التحقيقات التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام والدراسات، هي موجهة لعدة أهداف:

الهدف الأول: الدفاع عن ما يسمى بـإسرائيل، فالغرب ينظر إلى إسرائيل على أنها معقل الحضارة الغربية في وسط الأدغال الإسلامية.

ثانياً: من أجل الاحتفاظ بالذكريات الحية المخيفة عن الإسلام، وحضارته، ودوله، وآخرها الدولة العثمانية التي احتلت أجزاءً من أوروبا، ونحن نعرف مثلاً أن البوسنة والهرسك دخلها الإسلام أيام الدولة العثمانية.

وهناك دراسة تحليلية كنموذج واحد فقط، لمضمون ثلاث مطبوعات غربية من أشهر الصحف قبل فترة، وهي: نيويورك تايمز، لوس أنجلوس تايمز، واشنطن بوست، وهي صحفٌ أمريكية، هذه الصحف كلها تتحدث بلهجةٍ مؤيدةٍ لـإسرائيل خلال الصراع السابق عام 67م، ونادت بأن على أمريكا ليس أن تؤيد إسرائيل، أو ما يسمى بإسرائيل دبلوماسياً وسياسياً فحسب، بل عليها أن تمدها بالمساعدات العسكرية.

إذاً هم يعتبرون العلاقة بينهم وبين إسرائيل علاقةً تاريخية، وإستراتيجيةً وثيقة، وفي النهاية نجد أن أمريكا مستعدة لخوض الحرب مع إسرائيل جنباً إلى جنب ضد أي تهديد عربي أو إسلامي.

الصورة التي يظهر بها العربي المسلم عند الغرب

كيف يظهر المواطن العربي هناك؟ يظهر كالتالي:

أولاً: إنسانٌ جائعٌ للجنس، منهمكٌ في استخدام واستغلال الفتيات المراهقات جنسياً، كل همه أن يشبع غريزته، وتظهر أفلام غربية تصور العربي بهذه الصورة فقط، وأنا أعجب حقيقةً، نحن نعرف عن أولئك الأقوام أنهم كالبهائم، يتسافدون في الطرقات، وفي الحدائق، والسيارات وفي كل مكان، ويرقصون عراةً أحياناً، ويمارسون ألوان الشذوذ الجنسي حتى مع الحيوانات، والجنس الجماعي، والشذوذ.

وما أخبار الإحصائيات المذهلة عن مرض الإيدز إلا مؤشر واحد، يدل على ما وصولوا إليه من إباحية وتحلل، ومع ذلك هم لا يفتئون يذكرون ذلك عن المسلمين، حتى المواطن العادي منهم، تلاحظه في الشارع ينظر إليك، ويعتبر أن كل همك هو الجنس والجنس فقط!!

وأذكر أنني سمعت من بعض الشباب العربي المسلم في فرنسا، أن بعض المحطات التلفزيونية الفرنسية تعرض فلماً عن إحدى الدول الخليجية، كل نصف شهر، وتكرر عرض هذا الفيلم حتى لا ينسى الانطباع السيئ عن المواطن العربي والخليجي حينما يظهر بغترته وعقاله، أميراً أو شخصاً عادياً أو ثرياً أو تاجراً أو غير ذلك، بالطائرة وهو ينظر بالمكبر؛ فإذا وجد في الطائر فتاة تعجبه في حسنها وجمالها؛ دعاها وأصبح يمارس معها الجنس في الطائرة، ويسكر، وبعد قليل يصطفون لأداء الصلاة.

إمعاناً في إظهار التناقض لهذا الإنسان، وهم دائماً وأبداً يصورونه بصورة بشعة، تثير التقزز في نفس الطفل والمرأة والكبير والصغير والعامي وغيره.

ثانياً: يصوروننا على أننا ساديون مصاصو دماء، كل همنا القتل وسفك الدماء.

ثالثاً: نحن نطعن من الخلف، وليس لنا عهد ولا ميثاق.

رابعاً: نحن شيوخ البترول والنفط الأثرياء، نملك الجمال والسيارات الفخمة الفارهة، ونهدد الغرب وأمريكا إذا زادوا علينا في قيمة السيارة، أن نستخدم ضدهم سلاح النفط.

هذا تصويرهم للمواطن العربي والمسلم، هذه صورة تاريخية ليست جديدة، لا يستثنى منها حتى سيد البشر، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن نعلم أي عقيدةٍ يحملونها عن الرسول عليه الصلاة والسلام، هم يعتقدون وأستغفر الله عز وجل أنه كاذب فيما أخبر، ومفترٍ على الله عز وجل وأن القرآن من وضعه واختلاقه، ويصورنه في أفلامهم صوراً بشعة أستعظم أن أتحدث عنها.

الغرب يعزون أسباب هذه الشخصية لأمور

ومنذ قديمٍ كان الرحالة الغربيون الذين يأتون إلى البلاد العربية والإسلامية ينقلون هذه الصور، فيصورون العرب على أنهم شحاذون، وقراصنة، ولصوص، ومستغلون، يتاجرون بالرقيق والبغاء والرذيلة، الكتب الشعبية عندهم هناك تؤكد هذا المعنى وتعزوه إلى أمرين:

الأمر الأول: النفسية والعقلية التي يتكون منها العربي، فمن طبيعته العداء والاستبداد والعنف والقسوة والحدة.

وثانياً: ينسبون هذا ويعزونه إلى القرآن والدين، الذي يحرض العربي على القتل وسفك الدماء، -هكذا يتصورون- ولا يعرفون من هذا الدين إلا ثلاثة أمور:

الأول: الرق.

الثاني: السيف والقتل.

الثالث: تعدد الزوجات.

الرسوم والصور، أو ما يسمى بالكاريكاتيرات التي تظهر في صحفهم، كلها تصور العربي دائماً وأبداً بعباءة، وكوفية أوطاقية أو غترة وعقال، وخنجر في الماضي، أو كلاشنكوف في الحاضر، وهو حافي القدمين، ومن وراءه تظهر آبار النفط، وهو يحتضن مالاً أو دولارات أو شيئاً آخر.

وفي حرب 56م صورت إحدى الصحف البريطانية ستة عشر رسماً للعرب، على أنهم معتدون، وسفاكون للدماء، وعاجزون عن زراعة الأرض أو إحيائها أو الاستفادة منها، إضافةً إلى صورة الحريم التي لا تفارق العربي، فهو يجلس على الأرض أحياناً واضعاً ساقاً على الأخرى، وبكرشٍ كبير، وأنفٍ طويل مقوس، وعينان تموران بالجشع، وابتسامة شريرة، ومن خلفه إحدى عشر امرأة، كل واحدةٍ منهن ترفع يدها وتطالب بالطلاق ولكن هيهات!

وأيضاً الأفلام وهناك فيلمٌ حاز على واحد من مائة فيلم من أشهر الأفلام، يسمونه: فيلم الشيخ، يصور العربي بالأسلوب الشهواني، حيث يخطف امرأة ويجبرها على أن تحبه وتقع في غرامه بالقوة، كذلك فيلم آخر اسمه: الريشات السبع. يصور العرب كأوغاد وتجار رقيق، وغدارين ومتعصبين ومتعطشين للدماء.

أهم العوامل التي ساهمت في تكوين هذه الصورة عند الغرب

وهناك عوامل كثيرة ساهمت في صياغة هذه الصورة البشعة للمسلم والعربي، في نظر المواطن الغربي العادي، منها الظروف التاريخية، والحروب التي قامت بيننا وبينهم.

ومنها: الدين، وهو من أهم العوامل.

ومنها: التعليم الذي يعلمهم هذه الصورة منذ نعومة أظفارهم.

ومنها: الإعلام، وهو في الكثير الغالب إعلامٌ مستقلٌ غير مرتبط، ويركز على هذه الصورة.

ويؤسفني أن أقول: إن الإعلام حتى مع الدول التي يعتبر معتدلة، وحتى في حالة الحاجة، لا يفتأ يتحدث عن هذه الدول بهذه الصورة، فمثلاً: أثناء حرب الخليج، كان الإعلام الغربي والأمريكي بالذات، يشن حملةً شرسة على هذه البلاد، وينشر من التقارير والصور والأفلام وغير ذلك في أجهزة إعلامه ما تقشعر منه الأبدان، ليس عن العراق، بل عن دول الخليج، ومصر وبلاد الشام وغيرها.

الدول التي لم تقف ضده، بل وقفت معه ضد العراق، وضد عدوان العراق على الكويت.

ومن المؤثرات: السيطرة الصهيونية واليهودية، والكلام في هذا الموضوع يطول.

ولكن ينبغي أن تعرف أن الرجل الأوروبي العادي أو الأمريكي العادي ثقافته محدودة، جداً، دعك من المثقفين والساسة، المواطن العادي ثقافته محدودةً، تقول له: أنا عربي -أحياناً- لو كنت بغير الملابس الخاصة بأهل هذه البلاد، لا يعرفك، ولكن يقول لك: عربي من أي ولاية؟

وربما لا يعرف أصلاً العربي، كلمة عربي أو أنه من دولةٍ معينة، مثلاً سعودي، أو كويتي، أو سوري، أو غير ذلك. هذا في الغالب ربما لا يعرف إلا مدينته، وحتى داخل مدينته يمكن يعرف الطريق إلى العمل الذي يذهب إليه والذي يرجع منه!! وبعضهم لا يعرف حتى اسم رئيس الدولة عندهم، هذا مؤكد، ليس أمراً مضطرداً، لكنه موجودٌ وبكثرة.

فالمواطن العادي عندهم محدود الثقافة، ويتأثر كثيراً بما يشاهد في التلفاز، فمجرد صورة عربي بهذا الزي العربي -مثلاً- تستطيع أن توجِدَ عنده انطباعاً عميقاً لا ينساه أبداً. وأود قبل أن أغادر هذه النقطة أن ألفت نظر الإخوة إلى أن هناك كتاباً مفيداً، وهو كتاب علميٌ قويٌ جداً اسمه: صورة العرب في الصحافة البريطانية، وهو رسالة دكتوراه للدكتور حلمي خضر ساري، وهو من طباعة مركز الدراسات العربية، مطبوع ويباع في الأسواق، فيمكن مراجعته لمزيد من الاستيضاح حول هذه النقطة.

المهم أن تدرك أن الغربي ينظر إلى العربي هذه النظرة السيئة السوداوية.