كتاب منهج السالكين - كتاب البيوع [9]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

وبعد:

يقول المؤلف رحمه الله: [باب الشركة:

وقال صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما ), رواه أبو داود .

فالشركة بجميع أنواعها كلها جائزة، ويكون الملك فيها والربح بحسب ما يتفقان عليه إذا كان جزءاً مشاعاً معلوماً].

قول المؤلف: (باب الشركة), الشركة في تعريف الفقهاء: هي اجتماع في استحقاق أو تصرف.

وهذا التعريف يدخل فيه شركة الأملاك, وشركة العقود. وشركة الأملاك: هي اجتماع في استحقاق, مثل أن أشترك أنا وأنت في ملكية هذه الأرض، وتكون مشاعة بيننا, لي النصف ولك النصف.

ومثل: أن يتوفى شخص فيرثه أبناء, فهؤلاء الأبناء شركاء مع بعضهم البعض في هذه الأرض, فتكون شركة أملاك.

والقسم الثاني: شركة عقود: وهي أن يجتمعا في تصرف, فيتصرف كل واحد من الشركاء أصالة عن نفسه ووكالة عن غيره, وهذه يسميها العلماء: شركة عقود, وشركة العقود في الفقه الإسلامي لها أنواع كما ذكرها المؤلف رحمه الله.

والأصل في الشركة أنها جائزة, ومجمع عليها في الجملة, كما نقل الإجماع ابن المنذر و ابن قدامة وغيرهم.

وهي ثابتة كما قال الله تعالى في كتابه: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [ص:24], وهذا يدل على أن الشراكة موجودة في عهد الإسلام وقبل عهد الإسلام.

وأما الدليل من السنة: فقد روى النسائي من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أنه قال: اشتركت أنا و عمار و سعد بن أبي وقاص في معركة بدر, فجاء سعد بعبدين, ولم أجئ أنا ولا عمار بشيء, وهذا يدل على جواز الشركة في الجملة.

وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للسائب بن يزيد حينما جاءه فقال: ( يا رسول الله! ألا تعرفني؟ قال: بلى, ألست شريكي الذي لا تماري ولا تداري؟), رواه أبو داود وسنده لا بأس به.

والأحاديث في هذا من حيث الجملة ثابتة.

وإذا ثبت هذا فاعلم أن المؤلف ذكر أصلاً في هذا وهو حديث الباب, ومن طبيعة المؤلف أنه يذكر أولاً الأصل في الباب, سواء كان آية, أو حديثاً؛ ليبين أصلها, إلا أنه رحمه الله ذكر هذا الحديث من باب أن الله سبحانه وتعالى مع الشركاء.

والحديث رواه أبو داود وغيره كـالدارقطني و البيهقي وغيرهم, ولكن في سنده بعض الضعف, إذ يرويه سعيد بن حيان عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً, و سعيد بن حيان مجهول, ولهذا أشار غير واحد من أهل العلم كـابن القطان الفاسي إلى أن الحديث ضعيف, وأعله الدارقطني أيضاً بالإرسال, وقال ابن عبد الهادي: هذا منكر.

وأصح شيء في الباب كما مر معنا هو حديث: ( ألست شريكي الذي لا تماري ولا تداري؟), وكذلك حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه, كما سوف يأتي بيانه, ورواية أبي عبيدة عن أبيه مقبولة.

قول المؤلف رحمه الله: ( فالشركة بجميع أنواعها كلها جائزة ) المؤلف رحمه الله جوز جميع الشركات التي تحدث عنها الفقهاء, وهي: شركة العنان, وشركة المضاربة, وشركة الوجوه, وشركة الأبدان, وشركة المفاوضة, بشروط معتبرة قد قرروها في كتبهم, والحنابلة أوسع المذاهب في تجويز أنواع الشركات, وأضيقهم الشافعية, ثم يأتي بعد ذلك الحنفية, ثم المالكية.

وأجمع العلماء على أن الشركة جائزة ولكنها لا تصح إلا من جائز التصرف، وهو المكلَّف الحر, الرشيد, والرشيد ضد السفيه، وهو من لم يحجر عليه ماله, فهذا هو أعظم شرط في الشركة بأنواعها، وهو أن تكون من جائز التصرف.

ذكر المؤلف رحمه الله شروط الشركة على وجه عام, والمؤلف رحمه الله اختار هذه الشروط, ولم يذكر شروط الحنابلة أو شروط المالكية في الشركة؛ لأنه يرى أن هذه الشروط ليس عليها دليل.

معرفة مال كل واحد من الشركاء

فقال: ( ويكون الملك فيها والربح بحسب ما يتفقان عليه ), هذا هو الشرط الأول: معرفة مال كل واحد من الشركاء, فلا بد أن يعرف نصيب كل واحد من الشركاء, والمؤلف رحمه الله أشار إلى معرفة الملك ولم يشر إلى نوعية هذا المال, مما يدل على أن الشركة عند المؤلف تجوز بالدين وتجوز بالنقد, وتجوز بالعرض.

صورتها: لو أن علي ديناً بمائة ألف لـعبد الملك, فقال عبد الملك: يا عبد الله! أعطني المائة ألف الدين الذي عليك, فقلت: يا عبد الملك! الآن الدين قد حل, فهل تحب أن ندخل في شركة أنا وأنت, منك المال ومني العمل, فقال: نعم, فآخذ الدين الذي علي وأضارب به, فيكون مضاربة, أو أقول: منك مائة ألف هو دين علي, وأضع أنا فوقه مائة ألف, فيكون شركة عنان, دفع كل واحد منهم مالاً, وعمل به أحدهما, فهذا لا بأس به, وهذا قول عند المالكية اختاره ابن تيمية و ابن القيم، وهو اختيار ابن سعدي رحمه الله على الجميع.

إذاً: لا يلزم أن يكون المال من النقد, فعلى هذا يجوز أن يكون ديناً حالاً, ويجوز أن يكون عرضاً, فلو أردنا أن نضارب في العقار, وعندي أنا بلك عقار, فقلت: هذا من ضمن الشركة, فلا حرج في ذلك أيضاً, خلافاً للحنابلة؛ فإنهم قالوا: ربما لا يباع إلا بعد زمن, فيكون له نماء, فإن النماء يكون لهما جميعاً مع أن الملك ما زال لصاحبه, والراجح: أنه من حين أن يدخله في الشركة صار ملكهما جميعاً, ولا يشترط تنضيضه, ومعنى التنضيض: قلب العرض إلى نقد, فلا يلزم تنضيضه, بل ربما تكون من أصل الشركة أن يكون عرضاً. والله تبارك وتعالى أعلم, هذا الشرط الأول.

كون ربح كل واحد منهما معلوماً مشاعاً

الشرط الثاني: أن يكون ربح كل واحد منهما معلوماً مشاعاً, فلو كان الربح غير معلوم, مثل ما يوجد الآن في كثير من الشركات, أعطيه المال وأقول له: كم الربح؟ فيقول: لن نختلف أنا وأنت. فهذه المضاربة على مذهب الجمهور فاسدة, وعلى رأي ابن تيمية تكون مضاربة المثل, وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يضارب وهو لم يعلم ربح كل واحد من الشركاء, فلا بد أن يكون الربح معلوماً ومشاعاً. ومعنى المشاع: مثل قدر الثلث والربع والخمس والسدس, فهذا مشاع, ولا يجوز أن أقول: ولك مائة ألف من الربح, ولك ثلاثون ألفاً من الربح؛ لأنه ربما لا يكون الربح إلا ثلاثين ألفاً, فيربح أحدهما ويخسر الآخر, وهذا فيه نوع من الظلم.

واعلم أن المشاع هنا إنما هو مشاع من جهة الربح الذي سوف يحصل, وليس من جهة رأس المال, وبعض الإخوة خاصة أصحاب الشركات العقارية, يقولون: عندهم مساهمة, وهي: أن تعطنا مالاً ولك عشرون بالمائة من رأس مالك, وما زاد فهو لنا, فإن أدخلت مائة ألف فلك عشرون بالمائة، أي: عشرون ألفاً، وإن أدخلت مائتي ألف, فلك عشرون بالمائة، وهي أربعون ألفاً، وهذا مشاع لكنه مشاع من رأس المال، فهذا لا يجوز, وهذا يوجد عند بعض الشركات, وظنوا خطأ أن هذا موافق لقول الفقهاء, فإن الفقهاء يقولون: ربح مشاع من الربح الذي سوف يأتي, وليس من رأس المال.

عدم الجهل والغرر والربا

الشرط الثالث: عدم الجهل والغرر والربا, فلا يجوز في الشركة جهالة رأس المال, ولا يجوز أن يكون العمل مجهولاً ولا يعلم, ولا يجوز أيضاً أن يقول: هذه الرحلة إلى إندونيسيا من أجل بيع البخور لي ربحها, لأنه جائز ألا تربح هذه الرحلة, وجائز أن تربح، فيكون فيه ضرر، وأكل لأموال الناس بالباطل.

وعلى هذا فإذا قال: لي ربح معلوم, أو لي عشرون ألفاً, أو لي ثلاثون ألفاً, أو أربعون ألفاً زائداً على الربح الذي سوف يحصل بيننا, فهذا فيه من الغرر ما لا يخفى.

وقد أجمع أهل العلم كما نقل ابن المنذر وغيره على أنه لو قال: لي ربح السفرة المعلومة, أو الربح المعلوم أو الدراهم المعلومة فإن ذلك محرم؛ لأن ذلك من الغرر, فجائز ألا يبقى من المال إلا هذا الربح الذي قد جعل لفلان دون فلان, ولهذا من الأخطاء أيضا أن يقول الشخص: الأرض التي في الجهة الشرقية لي, أو هذا الحوض لي؛ لأنه يجوز ألا يبقى إلا هذا الحوض, وبقية الأحواض تخسر, أو العكس, فيحصل فيه من التنازع والاختلاف ما لا يخفى.

إذاً: ثلاثة شروط.

أما قول البعض: لا بد من كون المال نقداً, ليس عليه دليل صحيح, وقول بعضهم: إذا كان عمل أحدهما أكثر من الآخر, فلا بد أن يكون ربحه أكثر من الآخر, أيضاً ليس عليه دليل إذا تراضيا على ذلك.

وإذا ثبت هذا فإن المؤلف ذكر أن يكون الملك فيها والربح بحسب ما يتفقان عليه, وإذا كان جزءاً مشاعاً معلوماً, يعني: من الربح الذي سوف يأتي.

فقال: ( ويكون الملك فيها والربح بحسب ما يتفقان عليه ), هذا هو الشرط الأول: معرفة مال كل واحد من الشركاء, فلا بد أن يعرف نصيب كل واحد من الشركاء, والمؤلف رحمه الله أشار إلى معرفة الملك ولم يشر إلى نوعية هذا المال, مما يدل على أن الشركة عند المؤلف تجوز بالدين وتجوز بالنقد, وتجوز بالعرض.

صورتها: لو أن علي ديناً بمائة ألف لـعبد الملك, فقال عبد الملك: يا عبد الله! أعطني المائة ألف الدين الذي عليك, فقلت: يا عبد الملك! الآن الدين قد حل, فهل تحب أن ندخل في شركة أنا وأنت, منك المال ومني العمل, فقال: نعم, فآخذ الدين الذي علي وأضارب به, فيكون مضاربة, أو أقول: منك مائة ألف هو دين علي, وأضع أنا فوقه مائة ألف, فيكون شركة عنان, دفع كل واحد منهم مالاً, وعمل به أحدهما, فهذا لا بأس به, وهذا قول عند المالكية اختاره ابن تيمية و ابن القيم، وهو اختيار ابن سعدي رحمه الله على الجميع.

إذاً: لا يلزم أن يكون المال من النقد, فعلى هذا يجوز أن يكون ديناً حالاً, ويجوز أن يكون عرضاً, فلو أردنا أن نضارب في العقار, وعندي أنا بلك عقار, فقلت: هذا من ضمن الشركة, فلا حرج في ذلك أيضاً, خلافاً للحنابلة؛ فإنهم قالوا: ربما لا يباع إلا بعد زمن, فيكون له نماء, فإن النماء يكون لهما جميعاً مع أن الملك ما زال لصاحبه, والراجح: أنه من حين أن يدخله في الشركة صار ملكهما جميعاً, ولا يشترط تنضيضه, ومعنى التنضيض: قلب العرض إلى نقد, فلا يلزم تنضيضه, بل ربما تكون من أصل الشركة أن يكون عرضاً. والله تبارك وتعالى أعلم, هذا الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن يكون ربح كل واحد منهما معلوماً مشاعاً, فلو كان الربح غير معلوم, مثل ما يوجد الآن في كثير من الشركات, أعطيه المال وأقول له: كم الربح؟ فيقول: لن نختلف أنا وأنت. فهذه المضاربة على مذهب الجمهور فاسدة, وعلى رأي ابن تيمية تكون مضاربة المثل, وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يضارب وهو لم يعلم ربح كل واحد من الشركاء, فلا بد أن يكون الربح معلوماً ومشاعاً. ومعنى المشاع: مثل قدر الثلث والربع والخمس والسدس, فهذا مشاع, ولا يجوز أن أقول: ولك مائة ألف من الربح, ولك ثلاثون ألفاً من الربح؛ لأنه ربما لا يكون الربح إلا ثلاثين ألفاً, فيربح أحدهما ويخسر الآخر, وهذا فيه نوع من الظلم.

واعلم أن المشاع هنا إنما هو مشاع من جهة الربح الذي سوف يحصل, وليس من جهة رأس المال, وبعض الإخوة خاصة أصحاب الشركات العقارية, يقولون: عندهم مساهمة, وهي: أن تعطنا مالاً ولك عشرون بالمائة من رأس مالك, وما زاد فهو لنا, فإن أدخلت مائة ألف فلك عشرون بالمائة، أي: عشرون ألفاً، وإن أدخلت مائتي ألف, فلك عشرون بالمائة، وهي أربعون ألفاً، وهذا مشاع لكنه مشاع من رأس المال، فهذا لا يجوز, وهذا يوجد عند بعض الشركات, وظنوا خطأ أن هذا موافق لقول الفقهاء, فإن الفقهاء يقولون: ربح مشاع من الربح الذي سوف يأتي, وليس من رأس المال.

الشرط الثالث: عدم الجهل والغرر والربا, فلا يجوز في الشركة جهالة رأس المال, ولا يجوز أن يكون العمل مجهولاً ولا يعلم, ولا يجوز أيضاً أن يقول: هذه الرحلة إلى إندونيسيا من أجل بيع البخور لي ربحها, لأنه جائز ألا تربح هذه الرحلة, وجائز أن تربح، فيكون فيه ضرر، وأكل لأموال الناس بالباطل.

وعلى هذا فإذا قال: لي ربح معلوم, أو لي عشرون ألفاً, أو لي ثلاثون ألفاً, أو أربعون ألفاً زائداً على الربح الذي سوف يحصل بيننا, فهذا فيه من الغرر ما لا يخفى.

وقد أجمع أهل العلم كما نقل ابن المنذر وغيره على أنه لو قال: لي ربح السفرة المعلومة, أو الربح المعلوم أو الدراهم المعلومة فإن ذلك محرم؛ لأن ذلك من الغرر, فجائز ألا يبقى من المال إلا هذا الربح الذي قد جعل لفلان دون فلان, ولهذا من الأخطاء أيضا أن يقول الشخص: الأرض التي في الجهة الشرقية لي, أو هذا الحوض لي؛ لأنه يجوز ألا يبقى إلا هذا الحوض, وبقية الأحواض تخسر, أو العكس, فيحصل فيه من التنازع والاختلاف ما لا يخفى.

إذاً: ثلاثة شروط.

أما قول البعض: لا بد من كون المال نقداً, ليس عليه دليل صحيح, وقول بعضهم: إذا كان عمل أحدهما أكثر من الآخر, فلا بد أن يكون ربحه أكثر من الآخر, أيضاً ليس عليه دليل إذا تراضيا على ذلك.

وإذا ثبت هذا فإن المؤلف ذكر أن يكون الملك فيها والربح بحسب ما يتفقان عليه, وإذا كان جزءاً مشاعاً معلوماً, يعني: من الربح الذي سوف يأتي.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [فدخل في هذا شركة العنان: وهي أن يكون من كل منهما مال وعمل].

تسمية شركة العنان

شركة العنان: سميت عناناً من عنا يعن أو يعن, قالوا: عنت الدابة, يعني: إذا ظهرت, فكأن مال كل واحد من مال الشركاء ظهر له تصرف فيه؛ فسميت عناناً لأن كل واحد منهما يدفع مالاً ويعملا جميعاً بماليهما, فكل واحد يظهر مال صاحبه له فيعمل به, وقيل: سميت عناناً لأجل لجام الدابة, فإن كل واحد من المتعاقدين أو من الشركاء يعن عليه التصرف بمال شريكه إلا بالمصلحة, ومعنى يعن: يحجم, وعلى هذا سميت بهذا الاسم.

حكم شركة العنان

وشركة العنان جائزة باتفاق الفقهاء, على اختلاف فيما بينهم في شروطها, وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب و زيد بن أرقم حينما جاءا إليه وقد اشتركا في الصرافة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا قبضتما فلا بأس, وأما إن كان نسيئة فلا ), وهذا يدل على أنه يجوز الشراكة في شركة العنان.

صور شركة العنان

الراجح -والله أعلم- أن شركة العنان لها صورتان:

الصورة الأولى كما ذكرها المؤلف: أن يكون كل واحد منهما يبذل شيئاً من المال ويبذل شيئاً من العمل, فمنهما المال ومنهما العمل.

الصورة الثانية من شركة العنان: أن يكون المال من كل واحد منهما ويكون العمل من أحدهما, فيصدق عليه أن تكون شركة عنان, إلا أن الحنابلة رحمهم الله ذكروا في هذه الصورة شرطاً: هو أن يكون ربح صاحب العمل أكثر من ربح صاحب المال لأجل العمل, والراجح والله أعلم أنه لا بأس أن يقتسما الربح فيما بينهما مشاعاً إذا تراضيا على ذلك.

فلو دفعت مائة ألف, وعبد الملك دفع ستين ألفاً, لكن عبد الملك يعمل, فقال: العمل والمال القليل مني والمال الكثير منك فالقسمة بيننا خمسين بالمائة من الربح لي, وخمسون بالمائة من الربح لك, فهذا لا بأس به, لكن الحنابلة قالوا: لا بد أن يكون لعمل عبد الملك جزءاً من الربح, فلو قلنا: مني مائة, ومنك مائة والربح بيننا, فإن الأحناف يقولون: هو جائز, لكن الحنابلة يقولون: لا يجوز, لأنه إذا انفرد أحدهما بالعمل فلا بد أن ينال شيئاً من الربح, والراجح -والله أعلم- أنهما إذا تراضيا فلا حرج, لأن المال لا يعدوهما, وجائز أن يرضى الطرف الآخر إذ كان له في هذه الشركة مصلحة.

فلو أن عندي أرضاً وأرى أنها فرصة استثمارية, وقيمتها مليون, وليس عندي إلا خمسمائة ألف, وأنا محتاج إلى خمسمائة ألف أخرى لكي أربح، علماً بأن هذه الأرض لو اشتريتها بمليون فإن ربحها قيمتها, فأنا مستفيد بدخول عبد الملك معي, وإذا كنت سوف أعمل فيها عملاً بمزايدة وذهاب إلى كتابة العدل, وعرضها في الأسواق, فإن دخول عبد الملك معي فيه منفعة لي, ولو كان الربح بيننا والعمل قد تفردت به, فإن الراجح جواز ذلك.

شركة العنان: سميت عناناً من عنا يعن أو يعن, قالوا: عنت الدابة, يعني: إذا ظهرت, فكأن مال كل واحد من مال الشركاء ظهر له تصرف فيه؛ فسميت عناناً لأن كل واحد منهما يدفع مالاً ويعملا جميعاً بماليهما, فكل واحد يظهر مال صاحبه له فيعمل به, وقيل: سميت عناناً لأجل لجام الدابة, فإن كل واحد من المتعاقدين أو من الشركاء يعن عليه التصرف بمال شريكه إلا بالمصلحة, ومعنى يعن: يحجم, وعلى هذا سميت بهذا الاسم.

وشركة العنان جائزة باتفاق الفقهاء, على اختلاف فيما بينهم في شروطها, وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب و زيد بن أرقم حينما جاءا إليه وقد اشتركا في الصرافة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا قبضتما فلا بأس, وأما إن كان نسيئة فلا ), وهذا يدل على أنه يجوز الشراكة في شركة العنان.