كتاب منهج السالكين - كتاب الصداق [2]


الحلقة مفرغة

الأمور التي يجب العدل فيها بين الزوجات

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل. وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا ونسمع, وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

قال المؤلف رحمه الله: [ وعليه أن يعدل بين زوجاته ].

يعني: إذا كان الرجل عنده زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل, والعدل يكون في أمور:

الأمر الأول: في القسم: ومعنى القسم: أن يبيت عند هذه ليلة, وعند هذه ليلة, فلا يجوز له إذا كان عند الأولى أن يخرج فيأتي الثانية ويطـأها, ولا يجوز إذا كان عند الثانية أن يخرج إلى الأولى ويطأها, إلا إذا كان قد أخبرهن وقال: سوف أعدل بينكن, فإذا كان كذلك فلا حرج في ذلك, وإن كان الأولى ألا يفعل, والله أعلم.

الأمر الثاني: في النفقة، والنفقة غير العطية, فيعدل في نفقتهن, بمعنى: أنه يعطيها مثل ما يعطي الأولى والثانية.

وهل يفرق بين المرأة الكبيرة والمرأة الشابة؟ المرأة الكبيرة أحياناً لا تحتاج بعض الألبسة, بخلاف الشابة, فهل يعطي هذه بالمعروف على حسب ما يناسبها, وهذه بالمعروف على حسب ما يناسبها.

ذهب الحنابلة إلى هذا, واختار أبو العباس بن تيمية أنه يجب أن يعدل حتى في ذلك, فإذا كانت الكبيرة لا تلبس مثل ما تلبس الصغيرة, فيعطي الكبيرة القيمة؛ فمثلاً لو اشترى ثياباً للصغيرة بخمسة آلاف، فيجب أن يعطي الكبيرة خمسة آلاف؛ لأن هذه نفقة يجب أن يعدل.

الأمر الثالث: الكسوة, فيعطيها الكسوة, ومن المعلوم أن بعض كتب الفقهاء ذكرت: أن كسوة المرأة تكون في السنة مرتين, وهذا على حسب زمانهم, أما اليوم, فالمرأة تختلف الآن, فإذا أرادت أن تذهب إلى أهلها لها لبسة, وإذا كان هناك اجتماع في الاستراحات صار لها لبسة, فيجب عليه أن يعاملها بالمعروف, مثلما يلبس اليوم, فقد كان قديماً الرجل الثري يلبس في السنة ثوبين, واليوم الرجل الفقير عنده أثواب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أن تطعمها إذا طعمت, وأن تكسوها إذا اكتسيت ), يعني: مثلما تكسو نفسك, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

تفضيل إحدى الزوجات لأجل عمل أو صفة تقوم بها

قال المؤلف: [وما يقدر عليه من العدل].

أحياناً تكون إحدى الزوجات أحسن عشرة من الأخرى, إذا صار عنده مناسبة, يجعل المناسبة مثلاً عند الزوجة الأولى؛ لأنها تحسن الطبخ, وكما تقول العامة: تبيض الوجه؛ لأن الثانية صغيرة متعلمة ولا زالت في الجامعة, ولا تحسن أن تطبخ, كثّر خيرها إذا أصلحت الشاي, فهل له أن يعطي الأولى؛ لأنها عاملته أكثر مما يعامل الثانية؟ ومثل ذلك: لو أن زوجته الأولى عندها أمه, وكانت زوجته تعاشر أمه ووالده بالحسنى, فهل له أن يعطيها أكثر مما يعطي الأولى؟

الأقرب والله أعلم: أن له أن يعطيها أكثر مما يعطي الأخرى؛ لأنها عاملته بشيء ليس واجباً عليها, فالولائم والمناسبات ليس واجباً عليها, خدمة والده ليست واجباً عليها, خدمة أمه ليس واجباً عليها, حسن استقبالها لأخواته ليس واجباً عليها, فإذا رأى زوجته على هذا المنوال, فأهداها قطعة أرض, أو أهداها طقم من الذهب؛ لأجل حسن تعاملها, فلا حرج في ذلك؛ لأنه لم يعطها لذاتها؛ ولكنه أعطاها لوصفها.

وقل مثل ذلك: إذا كانت إحدى الزوجات تقوم بتربية أولاده, وتعليمهم, وتقيمهم للصلوات, وتسعى لذهابهم إلى الحلقات, فهذه له أن يكافئها على هذا الأمر, وليس هذا واجباً في العدل؛ لأنه لم يعطها لذاتها؛ وإنما أعطاها لوصف آخر, والله تعالى أعلى وأعلم.

ميل الرجل إلى إحدى زوجاته

قال المؤلف: [ وفي الحديث: ( من كانت له امرأتان, فمال إلى إحداهما, جاء يوم القيامة وشقه مائل ), والحديث متفق عليه ].

الصحيح أن الحديث لم يروه البخاري ولا مسلم , وإنما رواه الخمسة, أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و الإمام أحمد رحمة الله تعالى على الجميع, وقد صححه ابن دقيق العيد و الحافظ ابن حجر , وتكلم فيه بعض الحفاظ ورأوا أن الصواب أنه يرويه أبو قلابة مرسلاً, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ومعنى الحديث: ( فمال إلى إحداهما ), يعني: مال إلى إحدى الزوجتين في العطية, وفي القسم, وفي النفقة, أما الوطء فإنه لا يجب العدل, وهذا قول عامة أهل العلم, كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ), ومن المعلوم أن الحب من الله سبحانه وتعالى, والرسول صلى الله عليه وسلم حينما تزوج سودة بنت زمعة , وكبر سنها, فزهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم, فلما رأت سودة عدم إقبال النبي صلى الله عليه وسلم لها -هذا نفور طبيعي- فقالت: ( يا رسول الله! اجعل يومي لـعائشة ولا تطلقني, فجعل صلى الله عليه وسلم يوم سودة لـعائشة, فكان يقسم لـعائشة يومين, ولسائر نسائه يوماً واحداً).

السنة في القسم إذا تزوج الرجل البكر على الثيب وإذا تزوج الثيب

قال المؤلف: [ وعن أنس: (من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب, أقام عندها سبعاً, ثم قسم, وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم), متفق عليه ].

هذا هو قول عامة أهل العلم, يعني: أن الرجل إذا تزوج على امرأته نظر، فإن كانت الزوجة التي سوف يتزوجها ثيباً, فإنه يجب عليه وهو حق لها أن يقيم عندها ثلاث ليال, إلا إذا تنازلت؛ لأنه حق لها, ويجوز أن تسقطه.

وإذا كانت بكراً فإنه يجب أن يقيم عندها سبعاً, إلا إذا تنازلت, وبعض الناس يقيم عندها أكثر من ذلك, ولا يعوض, يعني: يتزوج على زوجته ويبقى عندها أسبوعاً, ثم بعد ذلك يسافر أسبوعاً أو أسبوعين, وهذا لا يجوز إلا بأمرين:

الأمر الأول: برضا الأولى.

الأمر الثاني: أنه إذا رجع عوض الأولى.

واعلم أن بعض الفقهاء يبالغ في مسألة العدل بين الزوجات مبالغة يصعب معها التطبيق, ومن المعلوم أن الشارع الحكيم حث على التعدد, وقد قال ابن عباس كما روى البخاري : تزوج, فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء, وقال صلى الله عليه وسلم: ( تزوجوا الولود الودود, فإني مكاثر بكم الأمم ).

وأنت إذا قرأت كتب بعض الفقهاء ربما بالغوا في مسألة العدل, والظاهر: أن من شدد في هذا لم يتزوج؛ لأن الذي ينبغي أن يعلم في هذا الأمر أنه يجب على الرجل إذا أراد أن يتزوج أن يعدل بالمعروف, ومعنى المعروف: هي الأشياء التي بينها الشارع, في القسم وفي الكسوة, وفي المبيت, ومعنى المبيت يعني: لا يذهب يبني لوحداة فلة, ويعطي واحدة شقة, إلا إذا تزوج الصغرى ووعدها مثل ما وعد الأولى, وإذا صنع للأولى شيئاً من المنزل, فيجب عليه العدل؛ لأن هذا مما تفتخر به النساء على غيرهن, فهذا هو الذي يثير الغضب, أما بعض القضايا البسيطة, فإن هذا لا بأس به, مثل أن يذهب في النهار ولا يبقى عند الأولى, أو لا يبقى عند الثانية, فهذا لا يجب في هذا الأمر, خلافاً لما تظنه كثير من النساء أو الرجال, والله أعلم.

والرسول صلى الله عليه وسلم قال لــأم سلمة عندما جلس عندها ثلاث ليال, فلما أراد أن يخرج أمسكت به فقال: ( إن شئتِ سبعت لك, وإن سبعت لك, سبعت لنسائي ), ما معنى: سبعت لنسائي؟ الذي يظهر والله أعلم: أنه إن أكمل سبعاً, فقد أقام عندها أربع ليال, زائدة على الواجب, وعلى هذا فإنه إن جلس عندها أربع ليال, فيجب أن يبقى عند نسائه أربع ليال, يعوضهن إما مباشرة, وإما على فترات والله أعلم.

كيفية القرع بين النساء إذا أراد السفر

قال المؤلف رحمه الله: [ قالت عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه, فأيتهن خرج سهمها خرج بها ), متفق عليه ].

الزوج إذا أراد أن يسافر, يجب عليه ألا يفاضل إحدى زوجتيه على الأخرى إلا بالقرعة, وليس في كل سفر يقرع بين نسائه؛ لأن المقصود أنه لو أقرع بين زوجتيه الأولى والثانية, فوقعت على الثانية, فإذا أراد أن يسافر مرة ثانية, لا يقصد بذلك أن يقرع بينهن؛ لأنها ربما تكون القرعة مع الثانية مرى أخرى, وهذا غلط في فهم القرعة, المقصود: أنه إذا أراد أن يسافر أقرع بين نسائه في أيتهن المقدم, وبعض العوام يظنون أن المقدم هي أم العيال, وليس بصحيح, المقدم هو القرعة, أم العيال أو الثانية أو الثالثة، فهن سواء في الحكم, نعم أم العيال تقدر في بعض القضايا والاجتماعات الأسرية, لكن الحقوق: فمقاطع الحقوق عند الشروط.

وعلى هذا فإذا أراد أن يسافر في العطلة فيقول: أقرع بينكن, أيتكن تسافر معي، فيقرع, فإن وقعت إلى الأولى, فالسفرة الثانية يسافر بالثانية, فإذا أراد أن يسافر مرة أخرى يقرع بينهن. ثانية:

ولو قالت الأولى: هذه سفرتي؛ لأني الأولى دوري, يقول: لا, الدور ينتهي باثنين, فإذا كن ثلاثاً ينتهي بثلاث, ثم يقرع بينهن, إلا إذا تراضت الزوجات في هذا الأمر, فرضيت هذه تسافر مرة, وهذه تسافر مرة فلا داعي للقرعة.

وبعض الزوجات اللاتي لهن أولاد إذا تزوج الزوج عليها, وتزوج أخرى ليس عندها أولاد ثم أراد أن يسافر معهن, تقول الزوجة الأولى: أريدك أن تسافر بي مرتين, مرة مع أولادي؛ لحق أولادي, ومرة لي وحدي, فهل هذا صحيح؟

أنا أُسأل عن ذلك كثيراً, فأقول: لا يجب أن يسافر بالأولى مرتين, بل يسافر معها مرة واحدة, وليعلم أن السفر يجب أن يكون بالعدل, فليس معنى ذلك أنه إذا أراد أن يسافر إلى دولة سياحية أخذ الثانية, وإذا أراد أن يذهب بالأولى ذهب بها إلى مكة والمدينة, لا, لا يسوغ له ذلك, إلا إذا رغبت إحدى الزوجات بذلك؛ لأن العدل مطلوب حتى في طريقة السفر, فيتكلف مع الأولى بالمعروف, ويتكلف مع الثانية بالمعروف, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل. وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا ونسمع, وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

قال المؤلف رحمه الله: [ وعليه أن يعدل بين زوجاته ].

يعني: إذا كان الرجل عنده زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل, والعدل يكون في أمور:

الأمر الأول: في القسم: ومعنى القسم: أن يبيت عند هذه ليلة, وعند هذه ليلة, فلا يجوز له إذا كان عند الأولى أن يخرج فيأتي الثانية ويطـأها, ولا يجوز إذا كان عند الثانية أن يخرج إلى الأولى ويطأها, إلا إذا كان قد أخبرهن وقال: سوف أعدل بينكن, فإذا كان كذلك فلا حرج في ذلك, وإن كان الأولى ألا يفعل, والله أعلم.

الأمر الثاني: في النفقة، والنفقة غير العطية, فيعدل في نفقتهن, بمعنى: أنه يعطيها مثل ما يعطي الأولى والثانية.

وهل يفرق بين المرأة الكبيرة والمرأة الشابة؟ المرأة الكبيرة أحياناً لا تحتاج بعض الألبسة, بخلاف الشابة, فهل يعطي هذه بالمعروف على حسب ما يناسبها, وهذه بالمعروف على حسب ما يناسبها.

ذهب الحنابلة إلى هذا, واختار أبو العباس بن تيمية أنه يجب أن يعدل حتى في ذلك, فإذا كانت الكبيرة لا تلبس مثل ما تلبس الصغيرة, فيعطي الكبيرة القيمة؛ فمثلاً لو اشترى ثياباً للصغيرة بخمسة آلاف، فيجب أن يعطي الكبيرة خمسة آلاف؛ لأن هذه نفقة يجب أن يعدل.

الأمر الثالث: الكسوة, فيعطيها الكسوة, ومن المعلوم أن بعض كتب الفقهاء ذكرت: أن كسوة المرأة تكون في السنة مرتين, وهذا على حسب زمانهم, أما اليوم, فالمرأة تختلف الآن, فإذا أرادت أن تذهب إلى أهلها لها لبسة, وإذا كان هناك اجتماع في الاستراحات صار لها لبسة, فيجب عليه أن يعاملها بالمعروف, مثلما يلبس اليوم, فقد كان قديماً الرجل الثري يلبس في السنة ثوبين, واليوم الرجل الفقير عنده أثواب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أن تطعمها إذا طعمت, وأن تكسوها إذا اكتسيت ), يعني: مثلما تكسو نفسك, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

قال المؤلف: [وما يقدر عليه من العدل].

أحياناً تكون إحدى الزوجات أحسن عشرة من الأخرى, إذا صار عنده مناسبة, يجعل المناسبة مثلاً عند الزوجة الأولى؛ لأنها تحسن الطبخ, وكما تقول العامة: تبيض الوجه؛ لأن الثانية صغيرة متعلمة ولا زالت في الجامعة, ولا تحسن أن تطبخ, كثّر خيرها إذا أصلحت الشاي, فهل له أن يعطي الأولى؛ لأنها عاملته أكثر مما يعامل الثانية؟ ومثل ذلك: لو أن زوجته الأولى عندها أمه, وكانت زوجته تعاشر أمه ووالده بالحسنى, فهل له أن يعطيها أكثر مما يعطي الأولى؟

الأقرب والله أعلم: أن له أن يعطيها أكثر مما يعطي الأخرى؛ لأنها عاملته بشيء ليس واجباً عليها, فالولائم والمناسبات ليس واجباً عليها, خدمة والده ليست واجباً عليها, خدمة أمه ليس واجباً عليها, حسن استقبالها لأخواته ليس واجباً عليها, فإذا رأى زوجته على هذا المنوال, فأهداها قطعة أرض, أو أهداها طقم من الذهب؛ لأجل حسن تعاملها, فلا حرج في ذلك؛ لأنه لم يعطها لذاتها؛ ولكنه أعطاها لوصفها.

وقل مثل ذلك: إذا كانت إحدى الزوجات تقوم بتربية أولاده, وتعليمهم, وتقيمهم للصلوات, وتسعى لذهابهم إلى الحلقات, فهذه له أن يكافئها على هذا الأمر, وليس هذا واجباً في العدل؛ لأنه لم يعطها لذاتها؛ وإنما أعطاها لوصف آخر, والله تعالى أعلى وأعلم.

قال المؤلف: [ وفي الحديث: ( من كانت له امرأتان, فمال إلى إحداهما, جاء يوم القيامة وشقه مائل ), والحديث متفق عليه ].

الصحيح أن الحديث لم يروه البخاري ولا مسلم , وإنما رواه الخمسة, أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه و الإمام أحمد رحمة الله تعالى على الجميع, وقد صححه ابن دقيق العيد و الحافظ ابن حجر , وتكلم فيه بعض الحفاظ ورأوا أن الصواب أنه يرويه أبو قلابة مرسلاً, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ومعنى الحديث: ( فمال إلى إحداهما ), يعني: مال إلى إحدى الزوجتين في العطية, وفي القسم, وفي النفقة, أما الوطء فإنه لا يجب العدل, وهذا قول عامة أهل العلم, كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ), ومن المعلوم أن الحب من الله سبحانه وتعالى, والرسول صلى الله عليه وسلم حينما تزوج سودة بنت زمعة , وكبر سنها, فزهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم, فلما رأت سودة عدم إقبال النبي صلى الله عليه وسلم لها -هذا نفور طبيعي- فقالت: ( يا رسول الله! اجعل يومي لـعائشة ولا تطلقني, فجعل صلى الله عليه وسلم يوم سودة لـعائشة, فكان يقسم لـعائشة يومين, ولسائر نسائه يوماً واحداً).

قال المؤلف: [ وعن أنس: (من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب, أقام عندها سبعاً, ثم قسم, وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم), متفق عليه ].

هذا هو قول عامة أهل العلم, يعني: أن الرجل إذا تزوج على امرأته نظر، فإن كانت الزوجة التي سوف يتزوجها ثيباً, فإنه يجب عليه وهو حق لها أن يقيم عندها ثلاث ليال, إلا إذا تنازلت؛ لأنه حق لها, ويجوز أن تسقطه.

وإذا كانت بكراً فإنه يجب أن يقيم عندها سبعاً, إلا إذا تنازلت, وبعض الناس يقيم عندها أكثر من ذلك, ولا يعوض, يعني: يتزوج على زوجته ويبقى عندها أسبوعاً, ثم بعد ذلك يسافر أسبوعاً أو أسبوعين, وهذا لا يجوز إلا بأمرين:

الأمر الأول: برضا الأولى.

الأمر الثاني: أنه إذا رجع عوض الأولى.

واعلم أن بعض الفقهاء يبالغ في مسألة العدل بين الزوجات مبالغة يصعب معها التطبيق, ومن المعلوم أن الشارع الحكيم حث على التعدد, وقد قال ابن عباس كما روى البخاري : تزوج, فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء, وقال صلى الله عليه وسلم: ( تزوجوا الولود الودود, فإني مكاثر بكم الأمم ).

وأنت إذا قرأت كتب بعض الفقهاء ربما بالغوا في مسألة العدل, والظاهر: أن من شدد في هذا لم يتزوج؛ لأن الذي ينبغي أن يعلم في هذا الأمر أنه يجب على الرجل إذا أراد أن يتزوج أن يعدل بالمعروف, ومعنى المعروف: هي الأشياء التي بينها الشارع, في القسم وفي الكسوة, وفي المبيت, ومعنى المبيت يعني: لا يذهب يبني لوحداة فلة, ويعطي واحدة شقة, إلا إذا تزوج الصغرى ووعدها مثل ما وعد الأولى, وإذا صنع للأولى شيئاً من المنزل, فيجب عليه العدل؛ لأن هذا مما تفتخر به النساء على غيرهن, فهذا هو الذي يثير الغضب, أما بعض القضايا البسيطة, فإن هذا لا بأس به, مثل أن يذهب في النهار ولا يبقى عند الأولى, أو لا يبقى عند الثانية, فهذا لا يجب في هذا الأمر, خلافاً لما تظنه كثير من النساء أو الرجال, والله أعلم.

والرسول صلى الله عليه وسلم قال لــأم سلمة عندما جلس عندها ثلاث ليال, فلما أراد أن يخرج أمسكت به فقال: ( إن شئتِ سبعت لك, وإن سبعت لك, سبعت لنسائي ), ما معنى: سبعت لنسائي؟ الذي يظهر والله أعلم: أنه إن أكمل سبعاً, فقد أقام عندها أربع ليال, زائدة على الواجب, وعلى هذا فإنه إن جلس عندها أربع ليال, فيجب أن يبقى عند نسائه أربع ليال, يعوضهن إما مباشرة, وإما على فترات والله أعلم.