لغة الشكر خير من لغة الشكوى 2 - خالد سعد النجار
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
بسم الله الرحمن الرحيم* «شُكْرُ العمل»: هو حسن استعمال النعمة، والشكر عليها عمليًّا بالطاعة، والعبادة، والإنفاق لوجه الله تعالى، قال عز وجل: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ:13] إنه شكر يتحول إلى ميادين العمل، ويحول كل ما أنعم الله عليه إلى حركة في الواقع، ويتعاون مع الآخرين، ويضحي بكل ما هو متاح - لذا تراه يتصدق بماله، ويفعل الخير بكل طاقاته، ويحرص على هداية الناس بكل نصيحة، ويمشي معهم في حاجاتهم.
عن محمد بن منصور أنه سئل: إذا أكلت وشبعت فما شكر تلك النعمة؟ قال: أن تصلي حتى لا يبقى في جوفك منه شيء.
قال ذو النون المصري أبو الفيض: الشكر لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان والإفضال.
وإذا كانت هذه الأنواع كلها واجبة ومطلوبة، فلا شك أن الشكر العملي هو جوهرها وعمادها؛ لأن العمل بالطاعة ينشأ عن إيمان القلب ، والألفاظ عنوان ظاهري على الاعتقاد الداخلي.
ولو اقتصر الإنسان على مُجرَّد التلفُّظ بكلمات تدُل على الشكر، دون وعْي لها أو تأثر بها، لمَّا كان ذلك كافيًا.
نصائح لاكتساب فضيلة الشكر والتحلي به
1 - التفكر فيما أغدقه اللّه على عباده من صنوف النعم، وألوان الرعاية واللطف، وأن الإنسان في كل حالة من أحواله في نعمة، بل ولا يمكن أن يمر عليه لحظة في حياته إلا وهو يتقلب في نعم الله تعالى، وفي هذا استجابة لأمر الله تعالى بقوله: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ}[البقرة:231] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[فاطر:3] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
2- الضراعة إلى الله تعالى بأن يوزع عبده الضعيف شكر نعمته، والإعانة على القيام بهذه الوظيفة العظيمة التي لا قيام للعبد بها إلا بإعانة الله تعالى، والضراعة صفة أنبياء الله تعالى ورسله وعباده الصالحين.
قال تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}[النمل:19].
وقال تعالى عن العبد الصالح: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الأحقاف:15].
وقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل -رضي الله عنه- بهذا الدعاء العظيم فقال له وقد أخذ بيده: «يا معاذ، والله إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا: اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك».
3- أن يعلم الإنسان أن الله تعالى يسأله يوم القيامة عن شكر نعمه.
هل قام بذلك أو قصّر، قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر:8]، قال ابن كثير رحمه الله: (أي: ثم لتسألن يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك، ماذا قابلتم به نعمه من شكر وعبادة).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة [يعني العبد] أن يقال: ألم نُصحَّ جسمك، ونرويك من الماء البارد».
4- أن يعلم الإنسان يقيناً أن النعم إذا شكرت قرت وزادت، وإذا كفرت فرت وزالت، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم:7] فمتى أراد العبد دوام النعم وزيادتها فليلزم الشكر.
وبدونه لا تدوم نعمة.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم.
فعلى ذي النعمة أن ينظر إليها وإن قلت بعين التعظيم وإظهار الفاقة لأنها من الله تعالى، وقليله لا يقال له قليل.
وقد أوصلها إليك فضلاً منه وامتناناً لا باستحقاق منك.
ومن الجهل بالنعمة أن يراها الإنسان يسيرة لا تستحق الشكر وبإمكانه أن ينالها، وهذا فهم سقيم، فإن كل مطلوب يريده الإنسان لن يكون إلا بتيسير من الله مهما كان صغيراً، فإذا تحقق فهو من نعم الله عليه، لأن حصوله مصلحة لهذا المخلوق الضعيف الذي لا يملك لنفسه ضراًّ ولا نفعاً.
5- أن يفكر الإنسان في حاله، ويتأمل حياته قبل حصول هذه النعمة، وكيف كانت حاله آنذاك.
وينظر إلى حاله لو كان فاقداً لها، فإن كان غنياً فإلى حال فقره، وإن كان صحيحاً فإلى حاله يوم كان مريضاً، وإن ملك بيتاً فإلى حاله يوم كان لا يملك بل كان يستأجر أو في بيت ضيق لا يرتضيه، وهكذا كل نعمة ينظر إلى وجود ضدها ليعرف بذلك قدرها فيشكرها.