خطب ومحاضرات
عبر من قصص النساء في القرآن
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيتها الأخوات المستمعات! السلام عليكن ورحمة الله وبركاته وبعد:
فهذه فرصة طيبة أن نلتقي من وراء حجاب لنتدارس وإياكن بعض الأمور التي تهم المرأة المسلمة، والمرأة المسلمة أصبح ما يطلب منها في هذا الزمن كثيرٌ جداً، وما يُتوقع منها أكثر، ونسأل الله أن يعيننا أجمعين على مواجهة مسئولياتنا.
وما يتطلبه الواقع الإسلامي اليوم من المسلمين رجالاً ونساء أن يكونوا على مستوى الأحداث، وأن يكونوا على مستوى الواقع الذي نحيا فيه، هذا الواقع الذي يعيش فيه المسلمون غربتهم الثانية وهم ينتظرون فرج الله عز وجل بعودة الحياة الإسلامية إلى بلاد المسلمين، هذه العودة التي تتطلب جهوداً كبيرة وسعياً حثيثاً سيسألنا الله عز وجل عنه يوم القيامة، سيسألنا عن هذا الكتاب، وسيسألنا عن هذا النبي، وسيسألنا عن هذا الدين ماذا عملنا من أجله؟ وماذا ضحينا في سبيله؟ وهل سعينا لنصرته وإقامة هذا الشرع المطهر؟
ولأجل ذلك صار الواقع يتطلب أن تقوم المرأة المسلمة بمجهود كبير في مواجهة هذه الحياة من القيام بالواجبات .. إحياء الشريعة .. الالتزام بإحكام الدين .. مواجهة الانحرافات المتفشية، خصوصاً وأن المرأة المسلمة واقعها صار مخترقاً من كثير من أعداء الدين في قضايا الحجاب والفواحش وضياع الأوقات، وكثير من المعاصي التي حصلت ممن انحرفن من الكثيرات من المسلمات عن شرع الله.
والآن تشهد الساحة الإسلامية ولله الحمد عودة مباركة طيبة إلى هذا الدين؛ لم تقتصر على مجال الرجال أبداً، بل إن العودة في مجال النساء قد تفوق في بعض المواقع الرجال ولله الحمد والمنة، ولا بد في هذه الصحوة من تقديم المنهج الصحيح للمرأة المسلمة حتى تسير عليه ويبين للمرأة المسلمة ما هو المطلوب منها في هذا الوقت.
وشخصية المرأة المسلمة من الأمور المهمة التي يجب تكوينها، وعند تكوين شخصية المرأة المسلمة لا بد من الرجوع في هذا التكوين إلى المراجع الأصيلة، وعلى رأس هذه المراجع -ولا شك- كتاب الله عز وجل، ومن هذا المنطلق سنتكلم في هذه الليلة في حديث عن المرأة في القرآن الكريم.
لقد وردت أيتها الأخوات الكريمات سيرة المرأة في القرآن الكريم في عدة مواضع دالة على ما أولاه هذا الدين لهذه المرأة وعلى ما أعطاها من الرعاية والاهتمام البالغين، انظرن مثلاً في هذه القصص التي نسردها الآن مع بعض تحليلات وذكر للعبر منها.
إن على رأسها قصة امرأة عمران التي تطالعنا في سورة آل عمران، شخصية المرأة المسلمة.. المرأة المؤمنة التي تبدأ في تكوين البيت المسلم بداية من الحمل.
إن رعاية هذا الطفل والقيام عليه من الأمور المنوطة بالمرأة ولا شك، وتحتاج إلى جهد بالغ؛ ولذلك فإن امرأة عمران قالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران:35].
ثم لما وضعت حملها، قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36].
أولا:ً ملاحظة كيف أن هذه المرأة المسلمة رضيت بما آتاها الله عز وجل، لم تسخط أن آتاها أنثى كما تفعل كثير من النساء، تريد ذكراً لأن زوجها يريد ذكراً؛ لأن المجتمع يطلب منها أن تأتي بذكر؛ لأن أمها وأباها وأم زوجها وأبا زوجها والجميع ينتظرون ذكراً، ولكن ليس دائماً تأتي الأمور بما تشتهي النفوس، وبذلك فإن امرأة عمران قد وضعت أنثى ولكنها امرأة تعرف ربها، وتعرف بأنه يجب عليها أن ترضى بالقضاء والقدر وبما قسم الله لها، ولذلك قالت: إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى [آل عمران:36] والصحيح أنها تعترف بالقاعدة.. تعترف بقضية ليس الذكر كالأنثى، ولكن هذا قدر الله، ماذا تفعل؟ أتمسكه على هون؟! أتدسه في التراب؟!
كلا.
حسن اختيار الاسم للمولود
وإنني أقول لكن أيتها النساء: إنه قد حدث من الخلط في قضية التسمية من البعد عن شريعة الله أمورٌ كثيرة في المجتمع، فقد رأينا نساءً سمين بناتهن بأسماء أجنبية، رأينا من سمت ابنتها: سوزان، ورأينا من سمت ابنتها: مايا، ورأينا من سمت ابنتها: ليندا، ورأينا من سمت ابنتها: سالي، وغير ذلك من الأسماء التي جاءت من بلاد الكفار، ورأينا من انتقت لابنتها اسماً تافهاً يدل على تفاهة ما تفكر به هذه المرأة من الواقع، اسماً مقتبساً من كثير من المسلسلات والمسرحيات التي تذكر فيها أسماء الدلع لكثير من النساء فيها، وبعد ذلك تكبر هذه البنت لكي تنادى وهي جدة بذلك الاسم التافه الذي ألصق بها.
إن الجرائم والذنوب من الممكن أن تمحى ومن الممكن أن يزول أثرها، ولكن الاسم باقٍ ومشهور، فإذا تفشى بين الناس وانتشر فكيف يُغير؟! لا يُغير بسهولة، فلا بد من البداية أن يحصل رفع شعار الإسلام بتسمية المواليد تسمية إسلامية.
دعاء الوالد لولده
فإذا أخلصت الأم المسلمة فإن الله سيتقبل وليدها بقبول حسن، ألم يقل الله عن امرأة عمران: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً [آل عمران:37].
بعض النساء تظن أن الأخذ بالأسباب البشرية في التربية كافية، ولا لجوء إلى الله، وهذا جهل فظيع، فإن بعض الناس يبذلون من الأسباب الكفيلة لصلاح الأولاد شيئاً عظيماً ومع ذلك لا يصلح الأولاد، لماذا؟
لم يكن هناك لجوء إلى الله بالدعاء، فما معنى قوله عز وجل: وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]؟!
إن الله سبحانه وتعالى قد رعى هذه البنت وجعلها تنبت في منبت حسن، جعلها تنشأ على طاعته عز وجل متمسكة بشرعه، حفظها من السوء ومن أهل السوء، بل إن الله قيَّض لها رجلاً كريماً شريفاً عفيفاً إنه نبيٌ وهو زكريا عليه السلام، صار يكفلها، كفلها زكريا وجعل أمر رعايتها إليه، ألقوا الأقلام، وجعلوا يستهمون من يكفل مريم، فكانت من حظ ونصيب زكريا عليه السلام: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً [آل عمران:37].
انتقت الاسم المناسب، وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ [آل عمران:36] الاسم الجيد لهذه المولودة.
وإنني أقول لكن أيتها النساء: إنه قد حدث من الخلط في قضية التسمية من البعد عن شريعة الله أمورٌ كثيرة في المجتمع، فقد رأينا نساءً سمين بناتهن بأسماء أجنبية، رأينا من سمت ابنتها: سوزان، ورأينا من سمت ابنتها: مايا، ورأينا من سمت ابنتها: ليندا، ورأينا من سمت ابنتها: سالي، وغير ذلك من الأسماء التي جاءت من بلاد الكفار، ورأينا من انتقت لابنتها اسماً تافهاً يدل على تفاهة ما تفكر به هذه المرأة من الواقع، اسماً مقتبساً من كثير من المسلسلات والمسرحيات التي تذكر فيها أسماء الدلع لكثير من النساء فيها، وبعد ذلك تكبر هذه البنت لكي تنادى وهي جدة بذلك الاسم التافه الذي ألصق بها.
إن الجرائم والذنوب من الممكن أن تمحى ومن الممكن أن يزول أثرها، ولكن الاسم باقٍ ومشهور، فإذا تفشى بين الناس وانتشر فكيف يُغير؟! لا يُغير بسهولة، فلا بد من البداية أن يحصل رفع شعار الإسلام بتسمية المواليد تسمية إسلامية.
ثم الدعاء لهذه المولودة: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران:36] ليس الدعاء لها هي فقط وإنما الدعاء لذريتها، هل تفقه الأم المسلمة في هذا الزمان أهمية تعويذ الطفل من الشيطان والدعاء له حتى لا يتسلط عليه الشيطان؟
فإذا أخلصت الأم المسلمة فإن الله سيتقبل وليدها بقبول حسن، ألم يقل الله عن امرأة عمران: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً [آل عمران:37].
بعض النساء تظن أن الأخذ بالأسباب البشرية في التربية كافية، ولا لجوء إلى الله، وهذا جهل فظيع، فإن بعض الناس يبذلون من الأسباب الكفيلة لصلاح الأولاد شيئاً عظيماً ومع ذلك لا يصلح الأولاد، لماذا؟
لم يكن هناك لجوء إلى الله بالدعاء، فما معنى قوله عز وجل: وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا [آل عمران:37]؟!
إن الله سبحانه وتعالى قد رعى هذه البنت وجعلها تنبت في منبت حسن، جعلها تنشأ على طاعته عز وجل متمسكة بشرعه، حفظها من السوء ومن أهل السوء، بل إن الله قيَّض لها رجلاً كريماً شريفاً عفيفاً إنه نبيٌ وهو زكريا عليه السلام، صار يكفلها، كفلها زكريا وجعل أمر رعايتها إليه، ألقوا الأقلام، وجعلوا يستهمون من يكفل مريم، فكانت من حظ ونصيب زكريا عليه السلام: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً [آل عمران:37].
ننتقل الآن إلى شخصية أخرى من الشخصيات، وهي: مريم المسلمة المؤمنة العابدة القانتة الطائعة لربها، التي جعلت لها محراباً تصلي فيه وتعبد ربها، ومحراب المرأة أيتها النساء في قعر بيوتهن، كلما كان أعمق في البيت كلما كان أفضل، تصلي فيه الفرائض والنوافل.. تجلس لتقرأ القرآن، وتحاول أن تقوم بهذه العبادات لله عز وجل كما أمرها الله سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الله: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:42] .
مسألة الاصطفاء بين النساء تحتاج إلى دراسة ونظر، هناك من النساء كافرات ولا شك، فأنت أيتها المسلمة بالنسبة لتلك الكافرة في نعمة وهذا اصطفاء من الله، وعندما تكون المرأة المسلمة طائعة لله فإنها قد اصطفيت على تلك المسلمة العاصية، وعندما تكون المرأة المسلمة متعلمة العلم الشرعي تكون مقدمة ومصطفاة على بقية النساء اللاتي عندهن خير وصلاح ولكن ليس لهن نصيب من العلم الشرعي فلا يعرفن أحكام العبادات، وعندما تكون المرأة تدعو إلى الله على بصيرة بين بنات جنسها تتنقل وتعظ وتنصح وتبين وتوجه وترشد وتسدد، تقدم الخير في كل مكان كما أمر الله، دون تكشف أو تبرج أو كثرة الخروج من البيت، إنما إذا كانت طالبة تنصح في وسط الطالبات، وإذا كانت مدرسة تنصح وسط المدرسات والطالبات، وإذا كانت إدارية في جميع المدرسة تقوم بالنصح، وإذا كانت أُمّاً فهي القائمة بأمر البيت.. وهكذا فهي تستغل المناسبات، والمناسبات النسائية كثيرة.. تستغلها في الدعوة إلى الله، وتقديم الكتيبات الإسلامية، وإيصال الشريط الإسلامي النافع، وينبغي أن يوصل إلى المرأة المسلمة كثيراً من العلم الموجود في هذه الوسائط التي تنقل العلم، لأن هناك جهلاً كبيراً لا يمحوه إلا نشر العلم الشرعي بين النساء، نشر فتاوى أهل العلم، ثم انظرن أيتها الأخوات الكريمات لمريم التي دعت لها أمها، ودعاء الوالدة مستجاب ولا شك، فثلاث دعوات مستجابات ومنهن (دعوة الوالد لولده)، وفي رواية: (دعوة الوالد على ولده) سواء دعا له بالخير أو دعا عليه بالشر، فإن دعاءه مقبول لعظم منزلته.
أيتها الأمهات! لماذا تدعين على أولادكن بالشر؟! لماذا تدعين عليهن وعليهم بأن يأخذهم الله، أو يريح منهم أو يخزيهم.. ونحو ذلك مما نسمع كثيراً من دعاء بعض الأمهات على أبنائهن؟
لا تدعين على أنفسكن ولا على أولادكن إلا بالخير، لأن الملائكة تؤمِّن على دعاء الوالدين، ولذلك نشأت هذه البنت التي دعت لها أمها طائعة، انظروا إلى قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43] فلما أحصنت فرجها، وابتعدت عن الحرام من ناحية التكشف والتبرج.. ابتعدت عن الحرام من ناحية الاختلاط بالرجال الأجانب.. ابتعدت عن الحرام من ناحية الكلام مع الرجال الأجانب دون داع.. ابتعدت عن الحرام بكافة صوره وأشكاله، عند ذلك حدثت الكرامة من الله: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45].
كثيرٌ من النساء يهبهن الله أولاداً صالحين بسبب صلاح الأم.
إذاً: المرأة المسلمة تحتاج إلى عبادة.. المرأة المسلمة تحتاج إلى الإكثار من الصلوات، والنوافل، والصيام وبالذات عندما تكون في فترة الطهر، ينبغي للمرأة أن تستغل فترة طهرها بالإكثار من العبادات، لأنها تعلم أنه يأتي عليها وقت حيض لا تستطيع فيه الصلاة ولا الصيام، ولذلك فهي تقدم لنفسها خيراً فتنتهز هذا الوقت لاستغلاله في طاعة الله في هذه الفروض، ولو أنها حاضت وأتتها الدورة فهذا لا يعني أن تكف عن العبادة ولا أن تتوقف عنها، فإن الله قد شرع من الأذكار المختلفة والأعمال الصالحة غير الصلاة والصيام ما تستطيع المرأة أن تقوم به ولو كانت في فترة العادة، ولذلك لا تنقطع المرأة عن العبادة مطلقاً.
لننتقل إلى قصة أخرى من قصص النساء في القرآن الكريم، وهي قصة مختلفة نوعاً ما.. إنها قصة المرأة التي راودت يوسف عن نفسه، هذه المرأة التي حصل أن خانت زوجها ورأت في ذلك الخادم مليح الوجه.. حسن الشكل.. جميل الصورة، إنه كان بالنسبة لها فتنة، ولذلك فقد أعدت العدة لجعل المكان ملائماً ومناسباً للوقوع في الفاحشة ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولذلك لما فتنها هذا الغلام في بيتها فإن إيمانها قد تلاشى في تلك اللحظات وخططت للجريمة وللفاحشة.
إننا أيتها الأخوات يجب أن نفرق بين الشر العشوائي الذي أتى هكذا وبين الشر الذي جاء نتيجة تخطيط وترتيب، إن الشر الذي يأتي نتيجة تخطيط وترتيب ليدل على أن صاحبته عندها من البعد عن شريعة الله وقسوة القلب ما يجعلها تخطط للشر سلفاً.. ما يجعلها تهيئ للأمر سلفاً.. ما يجعلها تعد العدة لمعصية الله، كما يفعل كثيرٌ من السفهاء عندما يسافرون إلى الخارج في العطل ونحن مقدمون على عيد، والناس في العادة يسافرون في هذا العيد إلى البلدان المجاورة، إلى أين يذهبون؟ إلى مساجد.. إلى مراكز إسلامية.. إلى دروس.. إلى زيارة أناس في الله.. إلى زيارة أقاربهم؟!
كلا. إن الأمر مختلف، إنهم كثيراً ما يذهبون لمعصية الله، والتجول هنا وهناك، سياحة زعموا! وهي مليئة بالمنكرات.
إنني أقول: إن التخطيط للفساد الموجود عند بعض الأسر وبعض النساء مصيبة عظيمة ينبغي أن يُقضى عليه، وينبغي أن تستبدل المعاصي بطاعات يخطط لها، بدلاً من أن نخطط لسفرية فيها من المعاصي ما لا يعلمه إلا الله.. نخطط لرحلة حج، لرحلة عمرة، لزيارة أرحام، لزيارة أقرباء، لا بأس أن نذهب للفرجة والترويح عن النفس أو التسلية، لكن إلى أماكن ليس فيها منكرات.. إلى أماكن ليس فيها تبرج.. إلى أماكن ليس فيها اختلاط، قد تقولين لي: إن هذه الأماكن نادرة؟ أقول لكِ: نعم: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2].
جرأة امرأة العزيز على الفاحشة
إنها غلقت الأبواب، وأخلت المكان وتفردت بهذا، ثم قالت له: هيت لك.
عجباً! إن الرجل في العادة هو الذي يدعو المرأة إلى الفاحشة، ولكن الذي حصل في هذه القصة أن المرأة هي التي دعت هذا الذكر للفاحشة ليفجر بها.
إذاً: هذا دال على زوال الحياء بالكلية، وعلى مدى ما وصل إليه الأمر من الافتتان، ولذلك فإننا نقول: ما ترك صلى الله عليه وسلم بعده فتنة أضر على الرجال من النساء.
والمسألة لا يمكن حلها إلا بالعمل على جهتين: إصلاح الرجل، وإصلاح المرأة.
الرجل لو صلح لم يدع المرأة إلى الفاحشة، ولم يختلِ بها أصلاً، والمرأة لو صلحت لن تخلو به ولن تستجيب له ولو دعاها، ولذلك فإن الإصلاح لا بد أن يسير على محورين اثنين: إصلاح المرأة، وإصلاح الرجل، يسير الإصلاحان جنباً إلى جنب، المهم أنها لم تكتفي بأن أخلت المكان وغلقت الأبواب، وخانت زوجها، ودعت يوسف إلى السوء والفحشاء، ولكن لما رفض يوسف هل ارعوت؟ هل أنزجرت؟
كلا. إنه صار يهرب منها وهي تطارده، ولما طاردته وجاء زوجها ووصل، هل اكتفت بما فعلت؟
كلا. بل إنها أضافت إلى جرمها وجرائمها جرماً آخر، ألا وهو الافتراء على الأبرياء والقيام بالبهتان.. ما هو البهتان؟
إنه إلصاق تهمة ببريء.. إنه نسبة جرم إلى شخص هو منه بريء، ولذلك فإن هذه المرأة بلغ بها الكيد أن قلبت المسألة في الحال واللحظة، زوجها داخل من الباب وهي تطارد يوسف، فجأة توقفت وغيرت الموضوع، فقالت: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] فوضعت التهمة على يوسف وهو البريء، ولذلك فإن القذف من أخطر الأمور، ورمي الرجل بجرم وهو منه بريء من قبل امرأة هو عبارة عن ذنب واضح كما فعلت امرأة هذا العزيز بيوسف عليه السلام.
صحيح أن المرأة يُفترى عليها أيضاً كما حصل لـعائشة عندما افترى عليها المنافقون، ولكن نأخذ الدرس نحن في هذا المقام من هذا التلفيق الحاصل الذي هو نتيجة لكيد النساء أحياناً إذا لم يتقين الله.
يا ترى! هل اكتفت المرأة بهذا الأمر؟
كلا. لما سمعت النسوة في المدينة يتبادلن الأحاديث وتشيع الشائعات عنها وعن يوسف وقد شغفها حباً، وقول النساء: إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:30] أرادت بحيلة ماكرة خبيثة أن تستعين بالنساء على يوسف، فجمعتهن وأخرجته عليهن، وحصلت القصة المعروفة، ثم قالت متبجحة:وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [يوسف:32] اعترفت، هل توقفت؟
كلا. لم تستعن فقط بكيد النسوة، وكيد النسوة كان عظيماً على يوسف، حتى قال لربه: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ [يوسف:33] جميعاً، أي: صار الكيد مجتمع على يوسف، هل اكتفت؟
كلا. بل إنها هددته بالسجن إذا لم يفعل بها الفاحشة -والعياذ بالله- فماذا قالت للنسوة: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32] وفعلاً دخل يوسف البريء السجن مظلوماً بافتراء امرأة عليه.
فضيلة رجوع المرأة عن خطئها
إذاً: أيتها المرأة المسلمة! إن رجوعك عن الخطأ والاعتراف بالخطأ وقول الصدق هو من الأخلاق.
كلنا خطاءون ولكن خير الخطائين التوابون، ولذلك فلا يكفي عندما يُتهم بريء من قبل امرأة أن البريء يخرج بريء، ولكن لا بد أن تعين المرأة التي اتهمته بتبرئته، وكثيراً الآن ما نلاحظ اتهامات من قبل النساء لأناس أبرياء سواء لنساء أخريات، أو سواء للرجال، وأعراض تلاك بالألسن ولا يعلم الإثم المترتب على حصائد هذه الألسن إلا الله عز وجل، واعتراف المرأة بأن الله مطلع عليها وبأن الله معها في كل وقت: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف:52] ثم تقول: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53] لا أبرئ نفسي أبداً، إنني أخطأت: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53].
لو أخطأت امرأة من النساء هل أغلق باب العودة؟ لو أخطأت امرأة بارتكاب ذنب أو جرم هل يعني أنها قد دخلت في عالم من الظلمة لا رجعة فيه أبداً إلى نور الحق؟
كلا. إنك أيتها الأخت المسلمة إذا تبت إلى الله تاب الله عليك.
جدية التوبة بين صفوف النساء
نساء تبن من ترك الصلوات فانتظمن عليها، ونساء تبن من ترك الصيام فانتظمن عليه.
وكنَّ في الماضي نساء يصمن وقت الدورة ولا يقضينها حرجاً من أهلهن، الآن يسألن ويقلن: ماذا نفعل؟
وكنَّ نساء في الماضي لا يقضين ما فاتهن من الصيام، ويسألن: ماذا نفعل؟
وكنَّ نساء لا يخرجن الزكاة ويسألن الآن: ماذا نفعل؟
وكنَّ نساء قد تركن الحجاب وتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأظهرن أذرعتهن ووجوههن وطائفة من الشعر والقدم والخلاخيل والزينة بالثياب والحلي أمام الرجال الأجانب، وهن الآن يسألن: أين الطريق؟ وكيف نعود إلى الله؟
وهذا شيء يجب أن نكبره ونعظمه ونثني عليه ونمدح فاعلته، ما هو هذا الشيء؟
المرأة إذا تركت الحجاب ليس من السهل عليها أن ترجع إليه.. المرأة إذا تعودت على التكشف والتبرج ليس من السهولة أن تعود إلى الحجاب الكامل بعد ذلك، ولذلك فإن الحركة التي نشهدها الآن من كثير من النساء وحتى الشابات منهن في قضية ترك التبرج مع ما فيه من الاستمتاع المحرم الذي كان يحدث في الماضي، والعودة إلى ستر الأجزاء من البدن التي كانت تكشف من الماضي، أقول: إن هذه مسألة ينبغي أن نعظمها وأن نثني على فاعلاتها؛ لأن الحقيقة تدل على مجاهدة للنفس ليست بسيطة.
وكنَّ نساء على علاقة خاطئة بكثير من الشباب الطائشين الماجنين بالهاتف أو غيره، فتبن إلى الله وجئن يسألن: أين الطريق؟ وكيف نعود؟
ونساءٌ كنَّ يقرأن في المجلات ويشاهدن المسلسلات التي تحرف المسلم وتدمر العقيدة والأخلاق وتنشئ الذهن على تقبل الاختلاط وتقبل ما يسمى بالحب البريء -والإسلام من هذا بريء- صرن يسألن الآن: كيف نستبدل أشرطة الأغاني والأفلام بالأشياء الإسلامية المفيدة؟
إنني أجد من خلال الصلاة في المسجد صفوفاً تتزايد من النساء في صلاة التراويح، وهذا دليل آخر على أن هناك في المجتمع كثيراً من النساء يردن العودة إلى الله فعلاً، وأظن أن هذه خطوة مباركة بدأت تؤتي ثمارها في هذا الزمان ولله الحمد والمنة، وقد كان في الماضي ليس على الاستقامة إلا عدد قليل من النساء مضطهدات يسخر منهن من بنات جنسهن.
إن كثيراً من المظاهر الخاطئة بدأت تتلاشى ولله الحمد والمنة.
هذه المرأة في سورة يوسف لما افتتنت بهذا الغلام الجميل، ماذا فعلت؟
إنها غلقت الأبواب، وأخلت المكان وتفردت بهذا، ثم قالت له: هيت لك.
عجباً! إن الرجل في العادة هو الذي يدعو المرأة إلى الفاحشة، ولكن الذي حصل في هذه القصة أن المرأة هي التي دعت هذا الذكر للفاحشة ليفجر بها.
إذاً: هذا دال على زوال الحياء بالكلية، وعلى مدى ما وصل إليه الأمر من الافتتان، ولذلك فإننا نقول: ما ترك صلى الله عليه وسلم بعده فتنة أضر على الرجال من النساء.
والمسألة لا يمكن حلها إلا بالعمل على جهتين: إصلاح الرجل، وإصلاح المرأة.
الرجل لو صلح لم يدع المرأة إلى الفاحشة، ولم يختلِ بها أصلاً، والمرأة لو صلحت لن تخلو به ولن تستجيب له ولو دعاها، ولذلك فإن الإصلاح لا بد أن يسير على محورين اثنين: إصلاح المرأة، وإصلاح الرجل، يسير الإصلاحان جنباً إلى جنب، المهم أنها لم تكتفي بأن أخلت المكان وغلقت الأبواب، وخانت زوجها، ودعت يوسف إلى السوء والفحشاء، ولكن لما رفض يوسف هل ارعوت؟ هل أنزجرت؟
كلا. إنه صار يهرب منها وهي تطارده، ولما طاردته وجاء زوجها ووصل، هل اكتفت بما فعلت؟
كلا. بل إنها أضافت إلى جرمها وجرائمها جرماً آخر، ألا وهو الافتراء على الأبرياء والقيام بالبهتان.. ما هو البهتان؟
إنه إلصاق تهمة ببريء.. إنه نسبة جرم إلى شخص هو منه بريء، ولذلك فإن هذه المرأة بلغ بها الكيد أن قلبت المسألة في الحال واللحظة، زوجها داخل من الباب وهي تطارد يوسف، فجأة توقفت وغيرت الموضوع، فقالت: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] فوضعت التهمة على يوسف وهو البريء، ولذلك فإن القذف من أخطر الأمور، ورمي الرجل بجرم وهو منه بريء من قبل امرأة هو عبارة عن ذنب واضح كما فعلت امرأة هذا العزيز بيوسف عليه السلام.
صحيح أن المرأة يُفترى عليها أيضاً كما حصل لـعائشة عندما افترى عليها المنافقون، ولكن نأخذ الدرس نحن في هذا المقام من هذا التلفيق الحاصل الذي هو نتيجة لكيد النساء أحياناً إذا لم يتقين الله.
يا ترى! هل اكتفت المرأة بهذا الأمر؟
كلا. لما سمعت النسوة في المدينة يتبادلن الأحاديث وتشيع الشائعات عنها وعن يوسف وقد شغفها حباً، وقول النساء: إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:30] أرادت بحيلة ماكرة خبيثة أن تستعين بالنساء على يوسف، فجمعتهن وأخرجته عليهن، وحصلت القصة المعروفة، ثم قالت متبجحة:وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [يوسف:32] اعترفت، هل توقفت؟
كلا. لم تستعن فقط بكيد النسوة، وكيد النسوة كان عظيماً على يوسف، حتى قال لربه: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ [يوسف:33] جميعاً، أي: صار الكيد مجتمع على يوسف، هل اكتفت؟
كلا. بل إنها هددته بالسجن إذا لم يفعل بها الفاحشة -والعياذ بالله- فماذا قالت للنسوة: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ [يوسف:32] وفعلاً دخل يوسف البريء السجن مظلوماً بافتراء امرأة عليه.
نقول: درس مهم جداً في تحصين المرأة نفسها من الرجال الأجانب، هناك خدم في البيوت وكثيرٌ من السائقين، وهؤلاء مصدر فتنة، وينبغي للمرأة أن تعلم جيداً أن المحافظة على العرض سواء كان للزوج أو على عرضها أن هذا من أساسيات الأمور، ولكن ينبغي ألا نقف عند هذا الحد، بل ينبغي أن نستعرض ما وصل حال المرأة إليه، لأن الله سبحانه وتعالى قد يغير الأحوال، ويبدل الضلال بهدى، وقد يأتي بعد الضلال بهدىً من عنده سبحانه وتعالى، ولذلك فإن هذه المرأة قد منَّ الله عليها بنوع من الهداية والصدق، وذلك أنها اعترفت وقالت في نهاية القصة لما حصل الاستجواب من الملك: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف:51].
إذاً: أيتها المرأة المسلمة! إن رجوعك عن الخطأ والاعتراف بالخطأ وقول الصدق هو من الأخلاق.
كلنا خطاءون ولكن خير الخطائين التوابون، ولذلك فلا يكفي عندما يُتهم بريء من قبل امرأة أن البريء يخرج بريء، ولكن لا بد أن تعين المرأة التي اتهمته بتبرئته، وكثيراً الآن ما نلاحظ اتهامات من قبل النساء لأناس أبرياء سواء لنساء أخريات، أو سواء للرجال، وأعراض تلاك بالألسن ولا يعلم الإثم المترتب على حصائد هذه الألسن إلا الله عز وجل، واعتراف المرأة بأن الله مطلع عليها وبأن الله معها في كل وقت: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف:52] ثم تقول: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53] لا أبرئ نفسي أبداً، إنني أخطأت: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53].
لو أخطأت امرأة من النساء هل أغلق باب العودة؟ لو أخطأت امرأة بارتكاب ذنب أو جرم هل يعني أنها قد دخلت في عالم من الظلمة لا رجعة فيه أبداً إلى نور الحق؟
كلا. إنك أيتها الأخت المسلمة إذا تبت إلى الله تاب الله عليك.
نحن نلحظ الآن في المجتمع كثير من النساء يتبن إلى الله باستمرار وهذه حركة طيبة مباركة نسأل الله أن تستمر.
نساء تبن من ترك الصلوات فانتظمن عليها، ونساء تبن من ترك الصيام فانتظمن عليه.
وكنَّ في الماضي نساء يصمن وقت الدورة ولا يقضينها حرجاً من أهلهن، الآن يسألن ويقلن: ماذا نفعل؟
وكنَّ نساء في الماضي لا يقضين ما فاتهن من الصيام، ويسألن: ماذا نفعل؟
وكنَّ نساء لا يخرجن الزكاة ويسألن الآن: ماذا نفعل؟
وكنَّ نساء قد تركن الحجاب وتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأظهرن أذرعتهن ووجوههن وطائفة من الشعر والقدم والخلاخيل والزينة بالثياب والحلي أمام الرجال الأجانب، وهن الآن يسألن: أين الطريق؟ وكيف نعود إلى الله؟
وهذا شيء يجب أن نكبره ونعظمه ونثني عليه ونمدح فاعلته، ما هو هذا الشيء؟
المرأة إذا تركت الحجاب ليس من السهل عليها أن ترجع إليه.. المرأة إذا تعودت على التكشف والتبرج ليس من السهولة أن تعود إلى الحجاب الكامل بعد ذلك، ولذلك فإن الحركة التي نشهدها الآن من كثير من النساء وحتى الشابات منهن في قضية ترك التبرج مع ما فيه من الاستمتاع المحرم الذي كان يحدث في الماضي، والعودة إلى ستر الأجزاء من البدن التي كانت تكشف من الماضي، أقول: إن هذه مسألة ينبغي أن نعظمها وأن نثني على فاعلاتها؛ لأن الحقيقة تدل على مجاهدة للنفس ليست بسيطة.
وكنَّ نساء على علاقة خاطئة بكثير من الشباب الطائشين الماجنين بالهاتف أو غيره، فتبن إلى الله وجئن يسألن: أين الطريق؟ وكيف نعود؟
ونساءٌ كنَّ يقرأن في المجلات ويشاهدن المسلسلات التي تحرف المسلم وتدمر العقيدة والأخلاق وتنشئ الذهن على تقبل الاختلاط وتقبل ما يسمى بالحب البريء -والإسلام من هذا بريء- صرن يسألن الآن: كيف نستبدل أشرطة الأغاني والأفلام بالأشياء الإسلامية المفيدة؟
إنني أجد من خلال الصلاة في المسجد صفوفاً تتزايد من النساء في صلاة التراويح، وهذا دليل آخر على أن هناك في المجتمع كثيراً من النساء يردن العودة إلى الله فعلاً، وأظن أن هذه خطوة مباركة بدأت تؤتي ثمارها في هذا الزمان ولله الحمد والمنة، وقد كان في الماضي ليس على الاستقامة إلا عدد قليل من النساء مضطهدات يسخر منهن من بنات جنسهن.
إن كثيراً من المظاهر الخاطئة بدأت تتلاشى ولله الحمد والمنة.
ننتقل الآن إلى قصة أخرى، وهي استمرار لقصة مريم السابقة، إنها قصتها في سورة سميت باسمها.. إنها سورة مريم، لماذا سميت؟
لأن المرأة إذا تمسكت بمنهج الله فقد ترتفع فوق مستوى كثير من الرجال المسلمين.. (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع: مريم بنت عمران، و
إن الله قد أرسل إليها جبريل فنفخ في جيب درعها، فنزلت النفخة إلى فرجها فدخلت فصار هذا الحمل المبارك في بطنها رحمها الله ورضي عنها وأرضاها، ولكن هذه المرأة تواجه الآن مشكلة عويصة، إنها ليست متزوجة -كما يظهر للناس- وكذلك هي في الحقيقة، والناس قد لا يفهمون أن هذا خلقٌ خلقه الله في بطنها، بل إن الناس سيتبادر إلى أنفسهم ظن السوء، وسيقولون لمريم: أنت زنيتِ وفعلتِ الفاحشة، ولذلك فقد فرت مريم في البداية من الأمر وحاولت أن تتخفى عن الناس، فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً [مريم:22]، لأنها لا تريد الكلام من الناس، وهذا صحيح.
ينبغي على المرأة المسلمة أن تبتعد عن مجالات التهمة، وإذا وجدت طريقاً تستطيع بواسطته حماية نفسها من كلام الناس ينبغي عليها أن تسلكه، لا يصلح للمسلم ولا للمسلمة أن يضع نفسه مواضع التهم وإنما يحاول أن يبرئ نفسه من كل ما يُلصق به.
هذه مريم عليها السلام حاولت أن تتفادى نظر الناس: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم:22-23] وهنا تقول بكلمات منبعثة من نفس متأسفة.. من نفس تتحرك، وتخشى من كلام الناس عليها، فقالت: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً [مريم:23] لماذا تمنت الموت؟
لأن الموقف شديد عليها، امرأة في بطنها ولد وهي ليست متزوجة، هنا الدرس: مريم بريئة وتتمنى الموت مع ذلك، وتقول: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً [مريم:23] فماذا يكون الحال بالنسبة لبعض النساء -والعياذ بالله- اللاتي وقعن في الفاحشة وفي هذا الأمر المنكر وهن لا يشعرن بأدنى درجة من الندم؟ كيف ينبغي أن يكون الحال؟
والله سبحانه رحم مريم ونوديت من تحتها: فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً [مريم:24-26] هذه نِعم من الله، ولذلك قال بعض أهل التفسير: إن الرطب من أنفع الطعام للمرأة النفساء.
ثم أتت به قومها تحمله وهي صائمة عن الكلام كما أمرت فاتهموها: مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً [مريم:28] من أين خرجت؟ هذا يدل على أن الناس يحكمون على المرأة من خلال البيت الذي تعيش فيه، فأشارت إليه، وعند ذلك تكلم عيسى عليه السلام وشهد ببراءة أمه، ولذلك نحن الآن نعلم أيتها الأخوات عظم الفرية التي يفتريها اليهود على مريم، فإنهم يقولون: إن مريم زانية، وإن عيسى ولد زنا، نستغفر الله العظيم من هذا البهتان، لنعلم ولتعلمن مدى ما وصل إليه ٍاليهود من الخبث والكيد لأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عبر بين موازين الله وموازين البشر [1] | 2703 استماع |
عبر وعظات من انهيار شركات الاستثمار | 2327 استماع |
عبر من الشتاء والمطر (2) | 1840 استماع |
عبر من الشتاء والمطر (1) | 1762 استماع |
عبر وعظات من حياة الإمام الشافعي | 1584 استماع |
عبر بين موازين الله وموازين البشر [2] | 1397 استماع |
عبر من سيرة سعد بن معاذ | 1338 استماع |