خطب ومحاضرات
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [23]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة أجمعين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.
أما بعد:
فلا زلنا نتذاكر مباحث الجن، ونحن في آخر المباحث، وهي ما يتعلق بالصلة التي بيننا وبينهم، وقلت: هذا المبحث سنتدارسه ضمن أربعة أمور:
أولها: حكم الاستعانة بهم.
ثانيها: في حكم المناكحة بيننا وبينهم، هل هذا واقع؟ وما حكمه إذا أمكن وقوعه؟
ثالثها: في تلبس الجني بالإنسي.
رابعها: في تحصن الإنس من الجن.
وسنبدأ هذا الدرس بالأمر الأول، وهو ما يتعلق بالاستعانة بالجن، وقد تقدم أن الله سخر الجان لنبيه سليمان. وقلنا: إن ذلك التسخير كان بواسطة الإكراه والقسر دون أن يكون لهم في ذلك اختيار، وهذا مما خص الله به نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام حسبما دعا وأجابه الله: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ [ص:35-38] إلى آخر الآيات الكريمات.
قلت: وما حصل لنبي الله سليمان يجوز أن يحصل لغيره من بني الإنسان، لكن الفارق بينهما: أن ذاك على سبيل التسخير حيث سخروا له، وأما هنا فقد يحصل لبعض الناس باختيار الجني فيختار أن يخدمه وأن يساعده, إما مساعدةً لوجه الله كما يساعد المؤمن المؤمن، وإما مقابلة بمعصية كما يطلب الإنسان معونةً من الكافر لقاء شيء يقدمه للكافر من كفر وموافقة في المذهب فيساعده، فحال الاستعانة بالجن كحال الاستعانة بالإنس تماماً، فمنه جائز، ومنه ممنوع، والجائز إما أن يكون مباحاً أو مستحباً, وقد يصل إلى الوجوب في بعض الأحوال.
والممنوع إما أن يكون مكروهاً، أو محرماً، أو في دائرة البدعة، أو في دائرة الشرك، على حسب نوع الاستعانة التي ستحصل منه.
كنا نقرر هذا وآخر ما ذكرته كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في مجموع الفتاوى في الجزء الثالث عشر صفحة سبع وثمانين، وأن استخدام الإنس للجن كاستخدام الإنس للإنس وقرأت كلامه.
مناداة عمر لسارية ورأي شيخ الإسلام فيها وعلاقة ذلك بالاستعانة بالجن
وابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية له تأويل في ذلك خلاصته: أن صوت عمر لم يصل إلى سارية ، إنما الذي وصل صوت الجن، فالجن حملوا هذا الصوت, وبلغوه إلى سارية بصوت يشبه صوت عمر ، أو علم أن هذا الخبر من قبل عمر وإن لم يكن الصوت يشبه صوته، فوقع في قلب سارية علم ضروري بأن هذا من كلام عمر , سواء بمثل صوته من نقل الجن، أو بصوت يخالفه لكن علم ذلك.
قلت: هذا التأويل الذي ذكره ابن تيمية عليه رحمة الله في الحقيقة ضعيف: ما ينبغي أن ندخل عقولنا في أمور الغيب وما يتعلق بدائرة خوارق العادات. وعليه؛ نقول: وصل الصوت والله على كل شيء قدير بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، وقد تقدم قوله تعالى: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل:40]، فإذا أحضر هذا الرجل الصالح العرش من اليمن إلى الأرض المقدسة في بلاد فلسطين قبل أن يرتد إليه طرفه، فما المانع أن يصل صوت هذا الملهم المحدث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قائد الجيوش في بلاد نهاوند؟
ولذلك فالكلام الذي قاله في التأويل فيه شيء من الكلفة، وقد علق عليه الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري فقال: هذا تخريف بالغ.
قلت: ما صدر من أئمتنا من التأويل البعيد يرد بلطف، ولا داعي بعد ذلك لخشونة العبارة.
تخريج قصة مناداة عمر لسارية
وكل منهما ضعيف من حيث الرواية، ورواها الديرعاقولي في فوائده، وهو من أئمة الحديث، توفي سنة ثمان وستمائة للهجرة، واسمه: أبو العباس أحمد بن الحكم ، وقد ترجم له في السير في الجزء الثاني والعشرين صفحة واحد وعشرين، وترجمه المنذري في التكملة لوفيات النقلة -وهو في أربع مجلدات- في الجزء الثاني، صفحة خمس وثلاثين ومائتين.
وروى هذه القصة ابن الأعرابي في كتاب كرامات الأولياء، وابن مردويه في تفسيره، ورواها حرملة في جمعه لأحاديث ابن وهب ، وذكرها ابن حجر في الإصابة، في الجزء الثاني صفحة اثنتين، وهي في المقاصد الحسنة لـلسخاوي صفحة أربع وسبعين وأربعمائة، ورواها ابن عساكر وابن ماكولا، ورواها الواحدي ، وذكرها الذهبي في تجريد أسماء الصحابة في الجزء الأول صفحة ثلاث ومائتين، والقصة ثابت صحيحة.
قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة ثلاث وعشرين في ترجمة عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه في الجزء الثاني صفحة واحد وثلاثين ومائة: إسنادها جيد حسن، ثم أوردها من طرق, وقال: يشد بعضها بعضاً، ولذلك حكم عليها الحافظ ابن حجر في المكان المتقدم في الجزء الثاني صفحة ثلاثة فقال: إسنادها حسن. ونقل السخاوي تحسينها في المقاصد الحسنة عن شيخه الحافظ ابن حجر وأقره.
إذاً: ابن كثير ، وابن حجر ، والسخاوي يقولون: إسنادها حسن، وهكذا العجلي في كشف الخفاء نقل تحسينها عن الحافظ ابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله، وقد أفرد القطب الحلبي المتوفي سنة خمس وثلاثين وسبعمائة للهجرة لطرق هذا الأثر جزءاً كبيراً، ما عندنا خبر عنه.
و القطب الحلبي عبد الكريم بن عبد النور ، ترجمه الذهبي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في معجم الشيوخ، وذكر أنه من شيوخه، وقد روى عنه كما أن عبد الكريم بن عبد النور روى أيضاً عن الذهبي .
فقال: روى عني ورويت عنه، فلأنه روى عنه ترجمه في شيوخه في معجم الشيوخ في الجزء الأول صفحة اثنتي عشرة وأربعمائة، فهذا كما قلت له جزء في طرق حديث: يا سارية ! الجبل الجبل، وقد صحح هذا الأثر في هذا الكتاب، وقال عنه الذهبي في معجم الشيوخ: هو دين خير متواضع مجموع الفضائل.
وقال عنه ابن حجر في الدرر الكامنة في الجزء الثاني صفحة ثمان وتسعين وثلاثمائة -وهذا لا يوجد في معجم الشيوخ، ولا في تذكرة الحفاظ، فمن أي مصدر ينقل هل هو من تاريخ الإسلام أو من غيره؟ الله أعلم، ولم يترجم له في سير أعلام النبلاء-: قال الذهبي : كان كيساً متواضعاً محبباً إلى الطلبة وغزير المعرفة متقناً لما يقول، روى الكثير، لكنه قليل في جنب ما سمع، سمع مني وسمعت منه، وكنت أحبه في الله لسمته ودينه وحسن سيرته وكثرة محاسنه، وإدامته للمطالعة والإفادة، مع الفهم والبصر في الرجال, والمشاركة في الفقه وغير ذلك.. كان لطيف الكلام، حسن الملتقى والخلق، كثير التواضع، طاهر اللسان، عديم الأذى. ألف وجمع وصنف في طرق هذا الأثر جزءاً مستقلاً، وهذه القصة ذكرها ابن تيمية في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهي في مجموع الفتاوى, وغالب ظني أن ذلك في الجزء الحادي عشر صفحة ثمان وسبعين ومائتين.
وفي الرياض النضرة في تراجم العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم أجمعين، للمحب الطبري في ترجمة عمر في الجزء الأول صفحة ست وعشرين وثلاثمائة، وذكرها ابن القيم في مدارج السالكين في الجزء الثالث صفحة ثمان وعشرين ومائتين، واعتبر ما حصل لسيدنا عمر رضي الله عنه من باب كشف الرحمن.
وسيأتينا ضمن مباحث النبوة أن خوارق العادات تكون في مجموع أمور ثلاثة هي: العلم، والقدرة، والغنى. فالعلم يقال له: كشف رحماني، والقدرة: قوة يقدر بها على ما يعجز عنه غيره، والغنى: يستغني عما يحتاج إليه غيره, فيجلس مثلاً فترةً طويلةً لا يأكل كما ثبت في ترجمة إبراهيم التيمي : أنه كان يجلس شهرين لا يأكل ولا يشرب، وهذا بإسناد صحيح.
إذاً غنى يستغني عما يحتاج إليه غيره، ويقوى على ما يضعف عنه غيره، ويعلم ما لا يمكن أن يعلمه غيره بواسطة إلهام مكاشفة فهذا يقال له: كشف رحماني.
وهذه كما قلنا: إن حصلت لنبي يقال لها: معجزة، وإن حصلت لولي فهي كرامة، وعمر رضي الله عنه سيد المحدثين الملهمين بشهادة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، والحديث في الصحيحين، وفي المسند، وغالب ظني أنه قد تقدمت الإشارة إليه بلفظ: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون -من غير أن يكونوا أنبياء- فإن يكن في أمتي أحدٌ منهم فـ
وكان عمر لا ينظر إلى شيء رضي الله عنه ويقول: أراه إلا كان كما يقول، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين كما في كتاب الاعتقاد على مذهب السلف للبيهقي : كنا نتحدث أنه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق بواسطة ما يلقى في قلبه من كشف رحماني، وهو في هذه القصة على المنبر يقول: يا سارية ! الجبل الجبل، فطرق الجبل وكتب الله النصر للمؤمنين في تلك الموقعة.
إذاً هذه قصة ثابتة وهي من باب الكشف الرحماني.
وقلت لكم سابقاً ضمن مباحث النبوة أيضاً: إن بعض المعاصرين وقد توفي نسأل الله أن يرحم المسلمين أجمعين علق على كلام ابن تيمية وما أقره في ذلك، وقال: تأويل هذه القصة: أن عمر أخذته سنة من النوم وهو على المنبر، فكشف وهو نائم، رؤيا منامية لما حصل لـسارية ولجيشه، فنادى على المنبر وهو نائم: يا سارية ! الجبل الجبل.
وهذا تأويل أبرد من الثلج، وأنتن من النتن، وإذا أردت أن تؤول فأول بما هو معقول لتتفق مع بعضها، فإن كان هذا فالأمر ثقيل وثقيل قبوله في حق هذا الصحابي الجليل أنه نام على المنبر، ورأى في نومه، وصاح وهو نائم، فكل هذا لا زلنا معك فيه على تخريفك، ولكن كيف سمع سارية صوته؟
الإنسان إما أن يؤول القصة كلها، وإما أن يسلم بجميع جزئياتها وينتهي الأمر، ولكني أعجب غاية العجب في هذه الأيام من قوم كلما يأتيهم شيء يذكره أئمتنا الكرام, ولا ينبغي لهم إنكاره، ولم ترق عقولهم إليه يقولون: هذه معناها كذا، وهذه معناها كذا، فإما أن يردها، وإما أن يؤولها، وليس هذا شأن المهتدي.
إذاً القصة ثابتة، لكن تأويل ابن تيمية لها بذلك التأويل ضعيف، هذا ما ذكرناه سابقاً, وقلت: هذا الذي يحتاج إلى شرح من هذه القصة، وما عدا هذا كنت ذكرته وبينته.
قصة غريب الجن الذي أتى المدينة مبشراً بانتصار المسلمين
وقلت لكم: هذا ذكره في آكام المرجان صفحة ثمان وثلاثين ومائة، وفي لقط المرجان للسيوطي ، وذكره ابن تيمية أيضاً في الجزء التاسع عشر صفحة ثلاث وستين.
وكنا في التعليق على قصة ذكرتها الأحاديث التي خرجتها وبينتها، وهي قصة عمر رضي الله عنه عندما قال: يا سارية! الجبل الجبل.
وابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية له تأويل في ذلك خلاصته: أن صوت عمر لم يصل إلى سارية ، إنما الذي وصل صوت الجن، فالجن حملوا هذا الصوت, وبلغوه إلى سارية بصوت يشبه صوت عمر ، أو علم أن هذا الخبر من قبل عمر وإن لم يكن الصوت يشبه صوته، فوقع في قلب سارية علم ضروري بأن هذا من كلام عمر , سواء بمثل صوته من نقل الجن، أو بصوت يخالفه لكن علم ذلك.
قلت: هذا التأويل الذي ذكره ابن تيمية عليه رحمة الله في الحقيقة ضعيف: ما ينبغي أن ندخل عقولنا في أمور الغيب وما يتعلق بدائرة خوارق العادات. وعليه؛ نقول: وصل الصوت والله على كل شيء قدير بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، وقد تقدم قوله تعالى: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل:40]، فإذا أحضر هذا الرجل الصالح العرش من اليمن إلى الأرض المقدسة في بلاد فلسطين قبل أن يرتد إليه طرفه، فما المانع أن يصل صوت هذا الملهم المحدث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قائد الجيوش في بلاد نهاوند؟
ولذلك فالكلام الذي قاله في التأويل فيه شيء من الكلفة، وقد علق عليه الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري فقال: هذا تخريف بالغ.
قلت: ما صدر من أئمتنا من التأويل البعيد يرد بلطف، ولا داعي بعد ذلك لخشونة العبارة.
كنت خرجت هذه القصة وقلت: إنها ثابتة، وغالب ظني أنني ذكرت أن البيهقي في دلائل النبوة رواها، ورواها اللالكائي في شرح أصول أهل السنة في الجزء السابع صفحة ثلاثين وثلاثمائة بعد الألف، ورواها الواقدي في المغازي.
وكل منهما ضعيف من حيث الرواية، ورواها الديرعاقولي في فوائده، وهو من أئمة الحديث، توفي سنة ثمان وستمائة للهجرة، واسمه: أبو العباس أحمد بن الحكم ، وقد ترجم له في السير في الجزء الثاني والعشرين صفحة واحد وعشرين، وترجمه المنذري في التكملة لوفيات النقلة -وهو في أربع مجلدات- في الجزء الثاني، صفحة خمس وثلاثين ومائتين.
وروى هذه القصة ابن الأعرابي في كتاب كرامات الأولياء، وابن مردويه في تفسيره، ورواها حرملة في جمعه لأحاديث ابن وهب ، وذكرها ابن حجر في الإصابة، في الجزء الثاني صفحة اثنتين، وهي في المقاصد الحسنة لـلسخاوي صفحة أربع وسبعين وأربعمائة، ورواها ابن عساكر وابن ماكولا، ورواها الواحدي ، وذكرها الذهبي في تجريد أسماء الصحابة في الجزء الأول صفحة ثلاث ومائتين، والقصة ثابت صحيحة.
قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة ثلاث وعشرين في ترجمة عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه في الجزء الثاني صفحة واحد وثلاثين ومائة: إسنادها جيد حسن، ثم أوردها من طرق, وقال: يشد بعضها بعضاً، ولذلك حكم عليها الحافظ ابن حجر في المكان المتقدم في الجزء الثاني صفحة ثلاثة فقال: إسنادها حسن. ونقل السخاوي تحسينها في المقاصد الحسنة عن شيخه الحافظ ابن حجر وأقره.
إذاً: ابن كثير ، وابن حجر ، والسخاوي يقولون: إسنادها حسن، وهكذا العجلي في كشف الخفاء نقل تحسينها عن الحافظ ابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله، وقد أفرد القطب الحلبي المتوفي سنة خمس وثلاثين وسبعمائة للهجرة لطرق هذا الأثر جزءاً كبيراً، ما عندنا خبر عنه.
و القطب الحلبي عبد الكريم بن عبد النور ، ترجمه الذهبي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في معجم الشيوخ، وذكر أنه من شيوخه، وقد روى عنه كما أن عبد الكريم بن عبد النور روى أيضاً عن الذهبي .
فقال: روى عني ورويت عنه، فلأنه روى عنه ترجمه في شيوخه في معجم الشيوخ في الجزء الأول صفحة اثنتي عشرة وأربعمائة، فهذا كما قلت له جزء في طرق حديث: يا سارية ! الجبل الجبل، وقد صحح هذا الأثر في هذا الكتاب، وقال عنه الذهبي في معجم الشيوخ: هو دين خير متواضع مجموع الفضائل.
وقال عنه ابن حجر في الدرر الكامنة في الجزء الثاني صفحة ثمان وتسعين وثلاثمائة -وهذا لا يوجد في معجم الشيوخ، ولا في تذكرة الحفاظ، فمن أي مصدر ينقل هل هو من تاريخ الإسلام أو من غيره؟ الله أعلم، ولم يترجم له في سير أعلام النبلاء-: قال الذهبي : كان كيساً متواضعاً محبباً إلى الطلبة وغزير المعرفة متقناً لما يقول، روى الكثير، لكنه قليل في جنب ما سمع، سمع مني وسمعت منه، وكنت أحبه في الله لسمته ودينه وحسن سيرته وكثرة محاسنه، وإدامته للمطالعة والإفادة، مع الفهم والبصر في الرجال, والمشاركة في الفقه وغير ذلك.. كان لطيف الكلام، حسن الملتقى والخلق، كثير التواضع، طاهر اللسان، عديم الأذى. ألف وجمع وصنف في طرق هذا الأثر جزءاً مستقلاً، وهذه القصة ذكرها ابن تيمية في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهي في مجموع الفتاوى, وغالب ظني أن ذلك في الجزء الحادي عشر صفحة ثمان وسبعين ومائتين.
وفي الرياض النضرة في تراجم العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم أجمعين، للمحب الطبري في ترجمة عمر في الجزء الأول صفحة ست وعشرين وثلاثمائة، وذكرها ابن القيم في مدارج السالكين في الجزء الثالث صفحة ثمان وعشرين ومائتين، واعتبر ما حصل لسيدنا عمر رضي الله عنه من باب كشف الرحمن.
وسيأتينا ضمن مباحث النبوة أن خوارق العادات تكون في مجموع أمور ثلاثة هي: العلم، والقدرة، والغنى. فالعلم يقال له: كشف رحماني، والقدرة: قوة يقدر بها على ما يعجز عنه غيره، والغنى: يستغني عما يحتاج إليه غيره, فيجلس مثلاً فترةً طويلةً لا يأكل كما ثبت في ترجمة إبراهيم التيمي : أنه كان يجلس شهرين لا يأكل ولا يشرب، وهذا بإسناد صحيح.
إذاً غنى يستغني عما يحتاج إليه غيره، ويقوى على ما يضعف عنه غيره، ويعلم ما لا يمكن أن يعلمه غيره بواسطة إلهام مكاشفة فهذا يقال له: كشف رحماني.
وهذه كما قلنا: إن حصلت لنبي يقال لها: معجزة، وإن حصلت لولي فهي كرامة، وعمر رضي الله عنه سيد المحدثين الملهمين بشهادة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، والحديث في الصحيحين، وفي المسند، وغالب ظني أنه قد تقدمت الإشارة إليه بلفظ: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون -من غير أن يكونوا أنبياء- فإن يكن في أمتي أحدٌ منهم فـ
وكان عمر لا ينظر إلى شيء رضي الله عنه ويقول: أراه إلا كان كما يقول، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين كما في كتاب الاعتقاد على مذهب السلف للبيهقي : كنا نتحدث أنه ينظر إلى الغيب من ستر رقيق بواسطة ما يلقى في قلبه من كشف رحماني، وهو في هذه القصة على المنبر يقول: يا سارية ! الجبل الجبل، فطرق الجبل وكتب الله النصر للمؤمنين في تلك الموقعة.
إذاً هذه قصة ثابتة وهي من باب الكشف الرحماني.
وقلت لكم سابقاً ضمن مباحث النبوة أيضاً: إن بعض المعاصرين وقد توفي نسأل الله أن يرحم المسلمين أجمعين علق على كلام ابن تيمية وما أقره في ذلك، وقال: تأويل هذه القصة: أن عمر أخذته سنة من النوم وهو على المنبر، فكشف وهو نائم، رؤيا منامية لما حصل لـسارية ولجيشه، فنادى على المنبر وهو نائم: يا سارية ! الجبل الجبل.
وهذا تأويل أبرد من الثلج، وأنتن من النتن، وإذا أردت أن تؤول فأول بما هو معقول لتتفق مع بعضها، فإن كان هذا فالأمر ثقيل وثقيل قبوله في حق هذا الصحابي الجليل أنه نام على المنبر، ورأى في نومه، وصاح وهو نائم، فكل هذا لا زلنا معك فيه على تخريفك، ولكن كيف سمع سارية صوته؟
الإنسان إما أن يؤول القصة كلها، وإما أن يسلم بجميع جزئياتها وينتهي الأمر، ولكني أعجب غاية العجب في هذه الأيام من قوم كلما يأتيهم شيء يذكره أئمتنا الكرام, ولا ينبغي لهم إنكاره، ولم ترق عقولهم إليه يقولون: هذه معناها كذا، وهذه معناها كذا، فإما أن يردها، وإما أن يؤولها، وليس هذا شأن المهتدي.
إذاً القصة ثابتة، لكن تأويل ابن تيمية لها بذلك التأويل ضعيف، هذا ما ذكرناه سابقاً, وقلت: هذا الذي يحتاج إلى شرح من هذه القصة، وما عدا هذا كنت ذكرته وبينته.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] | 4045 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] | 3979 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] | 3906 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] | 3793 استماع |
شرح الترمذي - مقدمات [8] | 3787 استماع |
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] | 3771 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] | 3570 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] | 3486 استماع |
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] | 3465 استماع |
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [6] | 3417 استماع |