شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [21]


الحلقة مفرغة

معنى صفد وأصفد والفرق بينهما

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، وبعد:

فقد كنا نتكلم عن تسخير الله الشياطين لسليمان عليه الصلاة والسلام، وأن منهم البناء، والغواص في أعماق البحار لاستخراج الدرر، ومنهم من هو في الأصفاد والأغلال.

وبالنسبة للصفد قال أئمتنا: إنه يطلق على أمرين: يطلق على القيد الضيق، الذي تقيد به الأيدي، ويوضع في الأعناق.

ويطلق على العطاء، يقال: صفده بمعنى قيده، وأصفده بمعنى أعطاه، فهو عكس وعد وأوعد, فوعد بمعنى وعده خيراً وفضلاً, وأوعده بالشر.

وهنا صفد، هذا في جانب الشر, وأصفد في جانب الخير؛ لأن أصل اللفظ: صفد بمعنى التضييق، فإذا أردت أن تزيل التضييق تحتاج إلى زيادة في لفظك, فتقول أصفد.

والوعد في الأصل للكرم، فإذا أردت أن تخبر بخلافه تزيد فتقول: أوعد، فوعد وأوعد مثل: صفد وأصفد، أصفده أي: أعطاه، وصفد بمعنى قيّد.. وعد خيراً وأوعد شراً.

وقد يستعمل كل لفظ مكان الآخر، فيقال: وعد في الشر والضر، وأوعد في الخير والنفع, والله جل وعلا يقول في كتابه: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268], يعدكم من وعد وليس من أوعد، فـالشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268]. فإيعاد الشيطان لا يصدر منه في صورة إيعاد وإنما يصدر في صورة غرور، لأنه هو الخبيث الغرور.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، وبعد:

فقد كنا نتكلم عن تسخير الله الشياطين لسليمان عليه الصلاة والسلام، وأن منهم البناء، والغواص في أعماق البحار لاستخراج الدرر، ومنهم من هو في الأصفاد والأغلال.

وبالنسبة للصفد قال أئمتنا: إنه يطلق على أمرين: يطلق على القيد الضيق، الذي تقيد به الأيدي، ويوضع في الأعناق.

ويطلق على العطاء، يقال: صفده بمعنى قيده، وأصفده بمعنى أعطاه، فهو عكس وعد وأوعد, فوعد بمعنى وعده خيراً وفضلاً, وأوعده بالشر.

وهنا صفد، هذا في جانب الشر, وأصفد في جانب الخير؛ لأن أصل اللفظ: صفد بمعنى التضييق، فإذا أردت أن تزيل التضييق تحتاج إلى زيادة في لفظك, فتقول أصفد.

والوعد في الأصل للكرم، فإذا أردت أن تخبر بخلافه تزيد فتقول: أوعد، فوعد وأوعد مثل: صفد وأصفد، أصفده أي: أعطاه، وصفد بمعنى قيّد.. وعد خيراً وأوعد شراً.

وقد يستعمل كل لفظ مكان الآخر، فيقال: وعد في الشر والضر، وأوعد في الخير والنفع, والله جل وعلا يقول في كتابه: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة:268], يعدكم من وعد وليس من أوعد، فـالشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة:268]. فإيعاد الشيطان لا يصدر منه في صورة إيعاد وإنما يصدر في صورة غرور، لأنه هو الخبيث الغرور.

وقد صفد نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام كثيراً من الجن، واكتشف بعضهم وهم مصفدون وموضوعون في قمقم.

والقمقم هو: وعاء من حديد أو نحاس، أسفله واسع وأعلاه ضيق، يقال له: قمقم، وهذا إذا حبس الإنسان فيه لا يستطيع أن يخرج؛ لأن الفتحة ضيقة جداً، فجعل له مكان واسع ليسكن فيه، ولكن لا يستطيع أن يخرج من الغل أبداً، وضعهم في قماقم ثم ألقاهم في بعض جزر البحر.

وقد اكتشف بعض المسلمين هذا، فـموسى بن نصير في فتوحه لبلاد الأندلس، وجد بعض هذه القماقم ففتح واحداً منها فخرج له عفريت، قال: يا نبي الله سليمان ! لن أعود إلى الخبث الذي كان يظهر مني، فنظر فلم ير أحداً ففر.

هذه القصة أوردها الشبلي في آكام المرجان في صفحة تسعين، وأوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء في الجزء الرابع، صفحة سبع وتسعين وأربعمائة، في ترجمة موسى بن نصير .

وأوردها ابن كثير في البداية والنهاية، في الجزء التاسع، صفحة اثنتين وسبعين ومائة, في حوادث سنة سبع وتسعين للهجرة، والقصة عزاها الشبلي إلى كتابه العزاء.

وخلاصتها أن عمر بن عبد العزيز سأل موسى بن نصير ، وكان أميراً على بلاد المغرب، وكان يبعث الجيوش حتى بلغ أو سمع في مكان غروب الشمس عن أعجب شيء رآه في البحر.

فقال له موسى بن نصير : انتهيت إلى جزيرة من جزائر البحر، فإذا نحن ببيت مبني، وإذا قد وضع فيها سبع عشرة جرة خضراء، مختومة بخاتم نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام.

لقد غنموا في تلك الفتوحات مائدة نبي الله سليمان التي أخذها الجان إلى ذلك المكان، فأتي بها إلى الشام، وكانت من ذهب وفضة وأحجار كريمة، وما سمع في الإسلام بمثل تلك الغنائم العظيمة، يعني ما حصل المسلمون في الفتوحات الإسلامية من أولها إلى آخرها كالمغانم التي حصلها موسى بن نصير مع مولاه طارق بن زياد عليهم جميعاً رحمة الله.

يقول: وجدنا سبع عشرة جرة خضراء مختومة بخاتم نبي الله سليمان، قال: فأمرت بأربع منها فأخرجت، وأمرت بواحدة منها فنقبت، فإذا شيطان يقول: والذي أكرمك بالنبوة لا أعود بعده أفسد في الأرض، ثم نظر، فقال: والله ما أرى بها سليمان وملكه، فانساخ في الأرض فذهب، فأمرت بالبواقي فردت إلى مكانها، وما نقضناها وما أخرجنا العفاريت منها.

ثم أورد أيضاً قصة أخرى عنه يقول: بينما هم يسيرون في البحر، وأطلق المراكب على وجوهها تسير، قال: فسمع شيئاً يقلع المراكب، فإذا بجرار خضر مختمة.

يقول: فأخذ قلة منها ثم رجع فنظرنا فإذا هي مختمة، فقال لبعض أصحابه: اقدحوها من أسفلها قال: فلما أخذ المقداح صاح صائح: لا والله يا نبي الله لا أعود، قال: فقال موسى : هذا من الشياطين الذين سجنهم سليمان بن داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فلما نفذ المقداح في القلة فإذا شخص على رجل المركب، فلما نظر إليهم قال: أنتم هنا، والله لولا نعمتكم علي لقتلتكم، يعني: يصيبهم بضر.

من أخبار موسى بن نصير وطارق بن زياد

قال الشبلي : ولي موسى بن نصير ، وغزا البحر لـمعاوية ، وافتتح الأندلس، وجرت له عجائب، وقيل: لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا ومغانم موسى بن نصير لكثرتها, والله أعلم.

وعين بعد ذلك من قبل الوليد بن عبد الملك , ومات في عهد سليمان بن عبد الملك ، وكان في حال مرض أخيه الوليد قد غضب على موسى بن نصير ، وأقسم أنه إن تمكن منه ليصلبنه.

فلما جاء موسى بن نصير إلى بلاد الشام والخليفة سليمان بن عبد الملك -وكان قد تمادى في بلاد الأندلس في الفتوح- فقال له: لم تماديت في الفتوح، وقد أمرتك بالعودة إلى الشام؟ فقال: وجدت الطريق أمامي مفتوحاً، والنقل بإذن الله متيسر، فأوقفه في الشمس، وكان الحر شديداً، وهو سمين فأغمي عليه ثم تركه، وكان رجلاً صالحاً، لولا هفوة منه حيث عاقب مولاه طارق بن زياد ، فعوقب بالجزاء من جنس العمل، ويقال: إنه حج مع سليمان بعد ذلك، وتوفي سنة سبع وتسعين، وقيل: تسع وتسعين, والعلم عند رب العالمين.

حكي عنه أنه لما استسقى في بلاد الأندلس بعد جدب حصل ، ما دعا للخليفة، فقيل له: ألا دعوت له؟ قال: هذا مكان لا يذكر فيه إلا الله، ولا نلجأ إلا إلى رب العالمين سبحانه وتعالى، وكان في ذلك الزمن.

حال الخليفة ومكانه معروفاً عند الرعية.

وكان طارق بن زياد قد فتح قرطبة، فأراد موسى بن نصير أن تكون الفتوحات باسمه ويكون هو قائدها، فأمر طارقاً أن يتوقف؛ فتوقف طارق ، فلما جاء موسى وكان طارق راكباً على الخيل, وهو أمام جيوشه -انظر للطاعة في عباد الله المسلمين الموحدين- فلما رأى قائده والمسئول عنه وهو موسى بن نصير جاء يقبل فنزل وتردد, وجاء ليسلم على موسى بن نصير ، ذكر المؤرخون: أنه وبخه وهم بقتله، لكن لم يقتله بل عزله، وولى ولده مكانه، ونعوذ بالله من الحظوظ البشرية.

وقد حصل من هذين العبدين الصالحين موسى بن نصير ، وطارق بن زياد ما يثيبهما عليها رب العباد، وهما في بلاد المغرب.

وبالمقابل قتيبة بن مسلم الباهلي في بلاد المشرق، فما علم قائد في الدولة الإسلامية وقع على يديه من الفتوح كما علم في عهد هذين: موسى بن نصير ، مع قائد جيشه طارق في المغرب، إن بسالة طارق بن زياد وشجاعته جعلت الناس يريدون أن يصلوا إلى القسطنطينية شرقاً من بلاد الأندلس.

وفي لقائهم مع قائد النصارى لذريق في معركة فاصلة اجتمع طارق في الجزيرة مع أصحابه وقام فيهم خطيباً, فقال: والله لا ينفع في هذا الموطن إلا الصدق والصبر، ثم قال له: أنا أول من يثب على هذا الطاغية رئيس الأفرنجة, فإذا قتلته فقد استولينا عليهم، الله الله في دين محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا قتلت فلا تتخاذلوا، بل شدوا عليهم، والمسلم منصور بإذن الله.

فلما تقدم وجاء لذريق قائد النصارى وهو في الأبهة، ويحاط موكبه من قبل الجيش، فشد عليه طارق ومن معه فأخذوا منه، وضربه طارق بسيفه فقتله، فكبر المسلمون وحصل النصر، ثم يرسل ثارات متتابعة، وكان يريد كما قلت أن يواصل فتح أوروبا حتى يصل إلى القسطنطينية شرقاً.

طارق الذي عنده هذه الشجاعة، وفتح هذه الدنيا ثم بعد ذلك يُعزل، إن موسى بن نصير في الحقيقة ما أعطى طارقاً حقه، فسلط الله على موسى بن نصير أيضاً من فعل به كذلك، ونسأل الله أن يرحمهم جميعا، وهذا هو حال البشر أنهم يخطئون، والله يغفر لنا ولهم بفضله ورحمته.

إن أخبار طارق وسيده موسى بن نصير أخبار يجب على المسلمين أن يقرءوها ليروا كيف كان يتمتع أئمتنا وسلفنا بروح الجهاد الإسلامية فلا تنفك عنهم، فلذلك ارتفعوا.

طارق بن زياد عندما توجه مرة للفتح قال: إنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام، ومعه المهاجرون والأنصار عن ميمنته وميسرته، فقال: ماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: تقدم إليهم، فيقول: استبشر بالنصر, فأول قرية دخلها أصاب فيها عجوزاً، وكان طارق رضي الله عنه من الرجال الطوال، فقالت هذه المرأة له: إن في الأخبار عن الحكماء سابقاً أنه يأتي إلى هذه البلاد رجل بصفتك يفتح هذه البلاد النصرانية ويقضي عليها، وكنا نتحدث أن على كتفه شامة حولها شعرات، فهل هذا على كتفك أنت؟ فكشف لها طارق عن كتفه الأيسر وفيه هذه الشامة، فقالت: زال ملك النصارى، ثم تقدم، وما يتقدم إلى مكان إلا فتح الله له.

واقع الأمة والجهاد

الأمة الإسلامية وما خسرت الجهاد في يوم من الأيام إلا في هذه الأيام، وشتان بين أن تخسر الجهاد وبين أن تخسر المعركة، ورائحة الجهاد ليست عندنا، لذلك ظهر من يتباكى على الصلح الذي حصل بين الخونة وبين إسرائيل، فنقول لهم: ماذا عن الصلح مع دول الكفر من أمريكا وبريطانيا وفرنسا ألعن من الصلح مع اليهود؟ أين الجهود لإزالة الكفر وإيصال الإسلام في شتى البلاد التي خيم عليها الفساد؟ لو وجد من ينادي بذلك فإن الناس يستنكرونك, لكن لو قلت: نقاتل اليهود، فيكون كلامك مقبولاً.

لذلك عندما يقول بعض الإخوة: نواجه اليهود، نقول له: إنما هم يهود ونصارى، واحد لونه أخضر وواحد أصفر، فهم سواء الواقع أننا نتقرب إليهم ببعضنا، وعلى حساب بعضنا، فكلهم نجاسة مغلظة يجب إزالتها.

خسرنا الجهاد بوصفة جهاداً، ثم بعد ذلك شغل المسلمون بتفاهات في هذه الأيام باسم الجهاد، بينما الجهاد زال من هذه الأمة منذ زوال الدولة الإسلامية العثمانية التي تعد آخر دولة إسلامية على وجه الأرض، والتي أزيلت من قبل أعداء الله سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة بعد الألف، من ذاك الوقت إلى الآن خسرت الأمة الجهاد، فلا يوجد جهاد في سبيل الله بالوصف الشرعي، بإحدى ثلاث: إما الإسلام، وإما الجزية، وإما الحرب, ليس دفاعاً عن النفس كما يقول المنهزمون، فالكلاب تدافع عن نفسها، والحمير تدافع عن نفسها، وكل مخلوق يدافع عن نفسه، إنما نحن أرسلنا الله لنخرج الناس من الظلمات إلى النور.

فلو قدر أن الكفار ما تعرضوا لنا لا بليل ولا بنهار فهل نتركهم؟ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193].

هذه بلاد الله وهؤلاء عباد الله، فإما أن يستقيموا على شرعه، وإلا فالله يحكم بينا وبينهم بالحديد الذي أنزله الله وفيه بأس شديد ومنافع للناس، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد:25]، نقاتلهم ليكونوا إخواناً لنا، نقاتلهم ليدخلوا الجنة، نقاتلهم لنزيل الكفر والفساد من الأرض.

ولذلك لا يوجد قتال إلا وغايته خسيسة غير القتال في سبيل الله، فلا تقاتل لمغنم، ولا لنفسك، فبمجرد أن يقول الكافر: لا إله إلا الله, محمد رسول الله ورفعت السيف على رقبته لو قتلته فأنت في النار، بل الواجب عليك أن تطرح السيف وتعانقه وتقول: الحمد لله الذي هداك للإسلام.

نحن وأنتم عباد لله، وهذه شريعة الله فلابد من تحكيمها في أرضه بين عباده إن الجهاد بهذا الوصف جائز.

وقلت مراراً: عندنا في الدولة الإسلامية الذي ينصر الدعوة هو الجيش، فـموسى بن نصير وطارق بن زياد وقتيبة بن مسلم هؤلاء من هم؟

قادة جيوش الخلافة الإسلامية، ليسوا أناس هنا وهناك ينشرون الدعوة، ولو أن الأمة من أولها إلى آخرها خرجت صباح مساء تنشر الدعوة لبقيت الأحوال كما هي بل تكون أردأ، إذاً: لابد من جيش يحمي هذا الإسلام، ولذلك : وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].

إن الجيوش هي التي تنشر الإسلام، ولا أقول لا يوجد دعاة، ولا يوجد هداة بل كلها من العلماء، ومن العباد، ومن الزهاد كما كان في حال سلفنا، هذا هو الحال، والناس يبلغون دعوة الله، ونناقشهم ونزيل شبههم, فإذا صاروا على المحجة البيضاء وركبوا رءوسهم يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين.

وأما الجيوش في زماننا فإنها تربى كما تربى البهائم في الحظائر، وليس المقصود منها إلا المحافظة على حدود الوطن، والمحافظة على نظام الحكم وعروش الحكام فقط، أما جيش يكون الغاية منه إعلاء كلمة الله، فهذا لا يوجد في الأرض بلا استثناء.

ولذلك مصيبتنا لا يعدلها مصيبة، فقد خسرنا ديننا عندما خسرنا الجهاد، خسرنا الدين من أوله لآخره، وأما فيما مضى فقد كانوا يخسرون في معركة، فإن خسروا وقتلوا فهم شهداء، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، وإن انتصروا فالحمد لله, وهم في الحالتين يواصلون القتال.

ولذلك قال الله: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران:172] فجراحهم تنزف دماً، وخرجوا بعد ذلك إلى حمراء الأسد: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:172] ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] إلى آخر الآيات، مع أنهم خسروا من حيث الظاهر في موقعة أحد، وطلب منهم أن يخرجوا فخرجوا، وما تأخروا رضي الله عنهم فمؤمن يقتل فينا لا حرج، إنما المصيبة عندما نتخاذل كحالنا في هذه الأيام، ثم من يدعي منا الآن أنه صاحب جهاد، وأحواله كلها خيانة، ونسأل الله أن يحسن ختامنا بفضله ورحمته, وأن يحيي فينا شعيرة الجهاد.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الترمذي - باب الاستتار عند الحاجة، والاستنجاء باليمين، والاستنجاء بالحجارة [4] 4042 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في فضل الطهور [6] 3975 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [9] 3904 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [46] 3785 استماع
شرح الترمذي - مقدمات [8] 3784 استماع
شرح الترمذي - باب مفتاح الصلاة الطهور [2] 3769 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [18] 3565 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [24] 3481 استماع
شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [10] 3462 استماع
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [59] 3413 استماع