أرشيف المقالات

القضاء المستعجل (1)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
فقه التقاضي
الحلقة (82)
القضاء المستعجل (1)
 
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وكنا في الحلقات الماضية أنهينا استعراض الباب الثاني عشر من نظام المرافعات السعودي الصادر عام 1421هـ، وهو "باب الحجز والتنفيذ"، واليوم ننتقل إلى الباب الثالث عشر المخصص للحديث عن القضاء المستعجل.

ولنبدأ بمقدمة يسيرة تعرِّف بالقضاء المستعجل، وتبيِّن الحكمة في تخصيص هذا النوع من القضايا بالاستعجال في الأنظمة القضائية المعاصرة.

فيمكن تعريف القضاء المستعجل بأنه: "الفصل في المنازعات التي يُخشى عليها فوات الوقت فصلًا مؤقتًا لا يمس أصل الحق"، وفي تعريف آخر مقارب لهذا التعريف: "القضاء المستعجل: توفير الحماية الوقتية العاجلة لحقوق الخصوم ومصالحهم دون المساس بأصل الحق".

ويتضح لنا من هذا التعريف أن للزمن دورًا أساسيًّا في القضاء المستعجل، كما أن الفصل في النزاع فصلٌ مؤقت لا يمس أصل الحق؛ أي: إنه إجراء وقائي بهدف الحفاظ على الأوضاع القائمة في محل النزاع بقصد صيانة مصالح أطراف النزاع.

والحكمة من وضع هذا النظام في أنظمة المرافعات: قيام الحاجة إلى قضاء مؤقت ذي إجراءات سريعة لحماية الحقوق المهدَّدة بالخطر العاجل.

فالقضاء المستعجل: إجراء مؤقت يأمر به القضاء لحماية الحقوق المتنازَع بشأنها من الأخطار التي تتهددها إذا تركت من غير هذا الإجراء.

وقد ظهر القضاء المستعجل بسبب تطور النشاط الاقتصادي والتجاري، والتغير السريع في أنماط الحياة ووسائلها؛ إذ أصبح القضاء العادي غير قادر على تحقيق مهمته في استدراك الأخطار التي تهدد حقوق ومصالح الأطراف، مما دفع واضعي الأنظمة القضائية إلى إيجاد قواعد إجرائية استثنائية تخرج عن نطاق القضاء العادي لمجاراة هذا التطور، والتواؤم مع طبيعة النزاع، والوصول إلى حماية الحقوق حماية مؤقتة وعاجلة أو تحفظية، إلى حين الفصل في أصل النزاع المعروض أمام القضاء العادي.

ويتميز القضاء المستعجل في الأنظمة بمميزات السرعة والمرونة.

وأما عن أبرز الأحكام والإجراءات المتبعة في القضاء المستعجل في نظام المرافعات السعودي الصادر عام 1421هـ، فتتلخص في الآتي:
جاء في المادة الثالثة والثلاثين بعد المائتين: (تحكم المحكمة المختصة بنظر الموضوع بصفة مؤقتة في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت، والمتعلقة بالمنازعة نفسها، ولا يؤثِّر هذا الحُكم على موضوع الدعوى، سواء رُفع طلب الحكم بالإجراء المؤقت مباشرة أو تبعًا للدعوى الأصلية).

وتوضح اللائحة التنفيذية للمادة أن رفع الدعوى المستعجلة إذا كان قبل إقامة الدعوى الأصلية، فإنه يكون بصحيفة دعوى يوضح فيها كامل المعلومات عن المدعي والمدعى عليه، وموضوع الدعوى ومستنداتها.

ولطبيعة الدعوى المستعجلة فإنه يجوز رفع الطلب المستعجل مع الدعوى الأصلية بصحيفة واحدة، كما يجوز إبداؤه طلبًا عارضًا من الخصوم أثناء نظر الدعوى، أو يقدم مشافهة في الجلسة بحضور الخصم.

ومع ذلك فإن الأحكام الصادرة في المسائل المستعجلة خاضعة لتعليمات التمييز، ويجوز الاعتراض عليها.

وعلى القاضي في المسائل المستعجلة تضمينُ حكمِه الأمرَ بالنفاذ المعجل بكفالة أو بدونها حسَب تقديره، ويلزم الجهاتِ التنفيذيةَ تنفيذُ الحكم ولو بالقوة الجبرية.

وتوضح المادة الرابعة والثلاثون بعد المائتين ما ينطبق عليه وصف الدعاوى المستعجلة، ونصها: (تشمل الدعاوى المستعجلة ما يلي:
أ - دعوى المعاينة لإثبات الحال.
ب - دعوى منع التعرُّض للحيازة، ودعوى استردادها.
ج - دعوى المنع من السفر.
د - دعوى وقف الأعمال الجديدة.
هـ - دعوى طلب الحراسة.
و - الدعوى المتعلقة بأجرة الأجير اليومية.
ز - الدعاوى الأخرى التي يعطيها النظام صفة الاستعجال).

وتوضح اللائحة التنفيذية للمادة المراد بهذه الدعاوى المستعجلة على النحو الآتي:
أ) دعوى المعاينة لإثبات الحالة هي: أن يتقدم صاحب مصلحة للمحكمة المختصة بدعوى مستعجلة لإثبات معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء مستقبلًا.

ب) ويقصد بدعوى منع التعرض للحيازة: طلب المدعي (واضع اليد) كف المدعى عليه عن مضايقته فيما تحت يده من المنقولات، والمراد بالمنقول: ما عدا العقار؛ كالسيارة ونحوها.

• ويشترط لسماع دعوى منع التعرض للحيازة: أن يكون المدعي واضعًا يده - حقيقة - على المحُوز، ولو لم يكن مالكًا له؛ كالمستأجر، والمستعير، والأمين.

ج) ويقصد بدعوى استرداد الحيازة: طلب من كانت العين بيده - وأخذت منه بغير حق، كغصبٍ وحيلة - إعادة حيازتها إليه، حتى صدور حكم في الموضوع بشأن المستحق لها، ومثال ذلك: لو استأجر زيد سيارة وحازها، ثم استولى عليها خالد ومنعه منها مدعيًا أنها مِلك له، فهنا يجوز لزيد أن يرفع دعوى مستعجلة بطلب استرداد هذه السيارة إلى حوزته حتى يصدر حكم نهائي في ملكيتها.

• ويشترط لسماع دعوى استرداد الحيازة: ثبوت حيازة العين من المدعي قبل قيام سبب الدعوى، ولو بغير الملك؛ كحيازة المستأجر ونحوه، [انظر في بيان ذلك مادة 31 ولائحتها من النظام].

• كما يشترط في دعوى منع التعرض للحيازة، ودعوى استردادها في المنقولات: أن تكون خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ علم المدعي بالاعتداء، فإن مضَتْ هذه المدة كان له أن يتقدم بدعوى غيرِ مستعجلة في الموضوع.

د) والمراد بالأعمال الجديدة: ما شرع المدعى عليه في القيام بها في ملكه، ومن شأنها الإضرار بالمدعي.

هـ) والمراد بطلب الحراسة: طلب وضع الأموال المتنازع عليها تحت يد أمين يعيِّنه القاضي إن لم يتفق على تعيينه ذوو الشأن.

و) ويقصد بالدعوى المتعلقة بأجرة الأجير اليومية إذا كان المدعي يطالب بتسليمه أجرته اليومية، ولا يدخل في هذا المطالبةُ بالأجرة عن عقارٍ أو أجرِ عملٍ شهري.

وسيرِدُ لهذه الأنواع من الدعاوى المستعجلة مزيد بيان وتفصيل في مواد أخرى من هذا الباب، وأما ميعاد الحضور في الدعاوى المستعجلة فسيكون بإذن الله تعالى بداية الحديث في الحلقة القادمة.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢