عنوان الفتوى : التوفيق بين حديث: أنا أول من يقرع باب الجنة، وحديث: أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي
رأيت في حديث رواه مسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أول من يستفتح أبواب الجنة، ولا تفتح لأحد قبله.
وفي حديث رواه البيهقي قال النبي صلى الله عليه وسلم: أَتعلمُ أولُ زُمرةٍ تدخل الجنَّةَ من أُمَّتي؟ فقراءُ المهاجرين، يأتون يومَ القيامةِ إلى بابِ الجنَّةِ، ويستفتِحون، فيقول لهم الخزنَةُ: أو قد حوسِبْتُم؟ قالوا بأيِّ شيءٍ نحاسبُ، وإنما كانت أسيافُنا على عواتقِنا في سبيلِ اللهِ، حتى مُتْنا على ذلك؟ فيُفتَحُ لهم، فيَقيلون فيها أربعين عامًا، قبلَ أن يدخلَها النَّاسُ.
أبواب الجنة ستفتح للنبي -صلى الله عليه وسلم- أم لفقراء المهاجرين؟
وكيف نجمع بين هذين الحديثين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أول من يدخل الجنة ويقرع بابها، هو: نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث عن أنس - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد، فيقول: بك أُمِرتُ لا أفتحُ لأحدٍ قبلك.
وعنه - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنا أكثر الأنبياء تَبَعاً يومَ القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة.
وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: .....
هذا وأولهم دخولا خير خلــــــ ـــق الله، من قد خص بالقرآن
وأما فقراء المهاجرين فيدخلون الجنة بعده، ولكنهم هم أول زمرة يدخلونها من أمته -صلى الله عليه وسلم- فقد ثبت في شأنهم حديث: أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ فقراء المهاجرين يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أو قد حوسبتم؟ قالوا: بأي شيء نحاسب، وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟ فيفتح لهم، فيقيلون فيها أربعين عاما قبل أن يدخلها الناس. رواه الحاكم والبيهقي في الشعب، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وعن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: هل تدرون من أول من يدخل الجنة من خلق الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون الذين يسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله لمن يشاء من ملائكته: ايتوهم فحيوهم، فيقول الملائكة: ربنا نحن سكان سماواتك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء، فنسلم عليهم؟ قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئا، وتسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار). أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند.
وقال القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: السبق إلى الفوز من أهوال يوم القيامة والصراط، أولى من المقام في تلك الأهوال بالضرورة، فالسابق إلى ذلك أفضل بالضرورة، وحينئذ لا يلتفت لقول من قال: إن السبق إلى الجنة لا يدل على أفضلية السابق.
وزخرف ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخليقة، ومع ذلك فدخوله الجنة متأخر عن دخول هؤلاء الفقراء؛ لأنهم يدخلون قبله، وهو في أرض القيامة؛ تارة عند الميزان، وتارة عند الصراط، وتارة عند الحوض، كما قد أخبر عن ذلك فيما صح عنه.
وهذا قول باطل صدر عمن هو بما ذكرناه، وبالنقل جاهل، فكأنه لم يسمع ما تقدم في كتاب الإيمان من قوله صلى الله عليه وسلم: أنا أول من يقرع باب الجنة، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد. فيقول الخازن: بك أمرت، لا أفتح لأحد قبلك. وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: أنا أول من يدخل الجنة، ومعي فقراء المهاجرين.
وعلى هذا فيدخل الجنة، ويتسلم ما أعد له فيها، ويبوئ الفقراء منازلهم، ثم يرجع إلى أرض القيامة ليخلص أمته بمقتضى ما جعل الله في قلبه من الحنو على أمته والشفقة عليهم، والرأفة بهم، فيلازمهم في أوقات شدائدهم، ويسعى بمكنه في نجاتهم، فيحضرهم عند وزن أعمالهم، ويسقيهم عند ظمئهم، ويدعو لهم بالسلامة عند جوازهم، ويشفع لمن دخل النار منهم، وهو مع ذلك كله في أعلى نعيم الجنة الذي هو غاية القرب من الحق، والجاه الذي لم ينله أحد غيره من الخلق، ولذة النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه الحكيم بألطف خطاب وأكرم تكليم، كيف لا، وهو يسمع: يا محمد؛ قل يسمع لك، سل تعط، اشفع تشفع، فيقول: أمتي! أمتي! أمتي، فيقال: انطلق فأدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن ... اهـ.
هذا؛ وننبه إلى أن حديث: أنا أول من يدخل الجنة، ومعي فقراء المهاجرين. رواه الترمذي والدارمي وضعفه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.
وضعفه الألباني في تحقيق الجامع الصغير، وسنن الترمذي، وكذا محقق سنن الدارمي.
ولفظه كما في سنن الترمذي والدارمي: ومعي فقراء المؤمنين.
والله أعلم.