أرشيف المقالات

مناسك الحج (الحلقة العاشرة)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
مناسك الحج
(الحلقة العاشرة)

أيها الإخوة المؤمنون، السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
أما بعد:
فقد بينت في الحديث السابق أن المبيت بمنى ليالي التشريق من واجبات الحج، وأن من تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى.
وأشير هنا إلى أنه ينبغي لمن أراد التعجل في يومين أن يخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق، فإذا غابت الشمس قبل ارتحاله من منى وجب عليه المبيت والرمي في اليوم الثالث بعد الزوال أيضًا.
 
والتعجل في يومين رخصة رخص فيها الله تبارك وتعالى.
 
والبقاء إلى اليوم الثالث بمنى عزيمة، وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس في التعجيل وبقي هو صلى الله عليه وسلم في منى لم يتعجل حتى رمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث من أيام التشريق بعد زوال الشمس كاليومين السابقين ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم من منى قبل أن يصلي الظهر.
 
ومما ينبغي لفت الانتباه إليه أن المبيت واجب في منى يكفي فيه الوجود بمنى أكثر الليل سواء كان من أول الليل أو من آخره أو من وسطه ولا يلزم الحاج أن يكون موجودًا بمنى من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فله أن ينزل إلى مكة بالليل لقضاء حاجة من طواف أو غيره ما دامت راحته واستقراره بمنى أكثر الليل.
 
وعلى الحاج أن يحافظ على الصلوات الخمس، وتصلى كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية فيصلي الظهر ركعتين في وقت الظهر والعصر ركعتين في وقت العصر والمغرب ثلاث ركعات في وقت المغرب والعشاء ركعتين في وقت العشاء، فالصلاة الرباعية تصلى قصرًا بلا جمع في أيام منى.
ويحرص الحاج على تكبير التشريق بعد الصلوات المكتوبات.
 
واليوم الأول من أيام التشريق يسمى يوم القر واليوم الثاني من أيام التشريق يسمى يوم الرؤوس وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن اليوم الأول من أيام التشريق هو أعظم الأيام عند الله بعد يوم النحر.
 
فقد روى أبو داود من حديث عبد الله بن قُرط رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر.
ويوم القر هو ثاني أيام العيد وأول أيام التشريق.
كما روى أبو داود بسند وصف رواته بأنهم ثقات من حديث سراء بنت نبهان رضي الله عنها قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس فقال: « أي يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: « أليس أوسط أيام التشريق؟ »، وقد كانت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق للقضاء على التمييز العنصري وأنه لا فضل لأحد على أحد بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو اللغة أو الأرض أو المركز الاجتماعي، وإنما يكون الفضل بتقوى الله عز وجل باتباع أوامره واجتناب نواهيه ونفع عباده وتقديم الخير لبني الإنسان ودفع الأذى عن عباد الله، على حد قوله تبارك وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، فقد روى أحمد رحمه الله بسند رجاله رجال الصحيح من طريق أبي نضرة رحمه الله قال: حدثني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في أوسط أيام التشريق فقال: « يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت؟ »، قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
وقد كان صلى الله عليه وسلم قد خطب يوم النحر لتأكيد تقرير حماية أعراض الناس ودمائهم وأموالهم وسائر حقوقهم؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: « إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.
وقال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذي الحجة؟ قلنا: بلى.
قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى.
قال: فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس اليوم يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: « فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالًا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع».
وقرر كذلك صلى الله عليه وسلم تحديد المسئولية وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى فقد روى ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الحج الأكبر، قال: « فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه ولا يجني والد على ولده ولا مولود على والده، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا أبدًا ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى بها.
ألا وكل دم من دماء الجاهلية موضوع.
ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم فلا تظلمون ولا تظلمون ».
 
وإلى حديث قادم إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
 
المدينة المنورة في 21/11/1395هـ.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١