خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8330"> شرح مقدمة الترمذي
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [16]
الحلقة مفرغة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى صحابته الكرام، وعلى تابعيهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فكنا قد ذكرنا خلاف العلماء في مسألة أكل الجن وشرابهم، وقلنا: إن الجن يأكلون كما نأكل، عن طريق المضغ والبلع كما نمضغ ونبلع، وسيأتينا الأحاديث الصحيحة التي تقرر هذا، والعمومات الصريحة، وهذا القول هو الذي اعتمده وقرره الإمام الشبلي في آكام المرجان صفحة (31)، والسيوطي في لقط المرجان صفحة (27)، وهو الذي قرره أئمتنا ومنهم ابن عبد البر حافظ بلاد المغرب، فقال: هذا القول هو الحق، وهو ظاهر الأحاديث، ولا معنى لحمله على المجاز إذا أمكنت الحقيقة.
وأما قولهم: إنه يأكل بشماله، وأنه يتشمم من جهة الشمال، فأكله تشممه، أو أنه يرضيه أن نأكل بشمالنا، وأن هذا معنى أكل الشيطان، فهذا باطل؛ إذ لا داعي للتأويل ما دامت الحقيقة ممكنة.
وكما قررنا مراراً: كل ما يتعلق بأمر الغيب، فإدخال العقل فيه خطأ، وكيف تدخل عقلك في عالم الغيب؟ فأوقف هذا إلى من يعلم المغيبات، رب الأرض والسماوات فإذا سئلت: كيف يأكل؟ فقل: يأكل كما ورد في الأحاديث، عن طريق المضغ والبلع، ويشاركنا في الطعام، وهذا كله أكل على حسب الظاهر المعروف، وأما تأويله بأنه يأكل بشماله كما تقدم فهذا تأويل بارد.
ومنه قولهم: يأكل بالشمال، أي: يتشمم الأكل، فأكله تشمم واسترواح لكنه ليس عن طريق الفم، وليس هناك مضغ ولا بلع من جهة الشمال، فهذا كله كلام باطل، لأننا نقول: إذا أمكن الحمل على الحقيقة فلا داعي للتأويل، فكل هذا تكلف مردودٌ، والقول بحمل الكلام على الحقيقة هو الحق، وسأقرره بالأدلة بعد حكاية الأقوال الباطلة عن طريق الإجمال.
القول الثاني: قيل: إنهم يأكلون كالقول الأول، لكن أكلهم ليس بأكل حقيقي حسي عن طريق مضغ وبلع، إنما هو تشمم واسترواح، يعني: يشم فقط فيحصل له الشبع، لكن لا يأكل ولا يدخل جوفه شيء، إنما هو تشمم واسترواح من جهة الشمال دون مضغ وبلع، وهذا القول لا دليل عليه، وقد رده أئمتنا، منهم الإمام الشبلي ، والسيوطي ، كما تقدم، وهكذا الحافظ ابن حجر في الفتح، في الجزء (6/345)، وقال: هذا قول مردود ولا دليل عليه.
القول الثالث، وهو القول الثاني من الأقوال الباطلة: قيل: إنهم لا يأكلون ولا يشربون مطلقاً، وأنها أجسام لطيفة لا يمكن أن تدخل فيها هذه الأشياء الكثيفة كالأكل والشرب، وهذا القول كما قال الإمام الترمذي ، وبعده السيوطي ، وأئمة الإسلام قاطبةً: قول ساقط، لمصادمته للأدلة الصحيحة، وهذا قول من يثبت الجن من الفلاسفة، وقد تقدم معنا أن نفي الجن كان من الفلاسفة، لكن جاء من الفلاسفة من أثبتهم، ولكنهم قالوا: بأنهم لا يأكلون ولا يشربون.
القول الرابع: وهو قول باطل أيضاً، نقل عن وهب بن منبه ، وهو له حكم المنقول عن أخبار أهل الكتاب، وإذا كان في شريعتنا ما يعارضه فهو مردود عليه، وخلاصة هذا القول: أن الجن على صنفين: جن خالص، وهؤلاء هم الذين لا يأكلون ولا يشربون، وجن ليسوا من الجن الخالص، إنما هم من الغول، والسعالى، وبعض أنواع الجان، فهؤلاء يأكلون ويشربون.
إذاً: خالص الجن حكمهم كحكم الجن لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتوالدون... إلخ، وإبليس من خالص الجن، فقد كان من الجن ففسق عن أمر ربه، بل هو سيدهم، والله يقول في كتابه: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي [الكهف:50]، وتقدم معنا أن جميع الجن ولد إبليس، كما أن جميع الإنس ولد نبينا آدم.
ومنهم أجناس يأكلون، ويتناكحون، ويشربون، وهم السعالى، والغول، والقطرب، وأشباه ذلك.
وهذا القول منقول عن وهب بن منبه ، وقد علق عليه الإمام الترمذي فقال: هذا قول ممكن محتمل، غير أن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون، فقد أذكر لكم أن بعض الجن لا يأكلون، لكن العمومات أن من كان من الجن يأكل، كما أن من كان من الإنس يأكل، وهذا هو الأصل، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: إن ثبت هذا القول كان جامعاً للقولين، لقول من قال: لا يأكلون، وقول من قال: يأكلون، فمن قال: لا يأكلون، نقول: صنف خالص منهم وهم خالص الجن، ومن قال: يأكلون فيعني: الغول، والسعالى، والقطرب وغير ذلك، من أنواع الجن.
وقوله: إن ثبت، لا بد من نقل هذا عمن لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه.
وقلت لكم مراراً: إن أمر الغيب إذا ورد فيه نص عمن لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام آمنا به دون البحث في الكيفية، وما لم يرد، لا نتكلم لا إثباتاً ولا نفياً، نقول: الله أعلم، هذا أمر مغيب.
لذلك كل ما يتعلق بأمر الجن من أول مبحثنا إلى الآن كلها عن طريق النصوص الشرعية، ولا علاقة للعقول البشرية في هذه القضية على الإطلاق، ما وردت الأخبار به آمنا به، وهذا من باب إيماننا بنبينا عليه الصلاة والسلام، ولا يتحقق منك الإيمان حتى تصدق النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخبر، وحتى تطيعه فيما أمر، وحتى تنتهي عما عنه زجر وحذر.
بعض السفهاء ممن يقال لهم في هذه الأيام: أئمة الوسطية، وهم الأئمة الردية، وممن يقال عنهم: هؤلاء أهل الوسط، هؤلاء الخيار، هؤلاء قدوة دعاة الإسلام، يقولون: كثير من الأحاديث كحديث الذباب مثلاً: ( في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء )، يقولون: إن هذه الأحاديث نردها ولا يقدح ذلك في يقيننا وديننا، وليس من أركان الإيمان أن نؤمن بأن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر شفاء، وظاهر الكلام معسول، ليس من أركان الإيمان، لكن حقيقة الكلام مرذول، أليس من أركان الإيمان أن تؤمن بأن نبينا عليه الصلاة والسلام رسول الله حقاً وصدقاً؟! ما معنى إيماننا بنبينا عليه الصلاة والسلام؟
معناه أن نصدقه فيما أخبر، وكأنك تقول: أنت رسول، لكن كلامك لا نصدقه! هذا كفر.
كيف نقول: أنه ليس من أركان الإيمان وعندما يخبرنا عليه الصلاة والسلام مثلاً في حديث أبي سعيد الخدري ، أن هذا الإنسي الصحابي قتله الجني، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ( ادفنوا صاحبكم واستغفروا له ) رحمه الله ورضي عنه، ثم يأتي ذاك فيرد ويقول: لا يقدح في ديني ولا في يقيني، أن لا أؤمن بهذا، ويقال بعد ذلك: هذه هي الوسطية، قل: هذه هي الردية، أي وسطية؟!
حقيقة الإيمان بنبينا عليه الصلاة والسلام أن تصدقه فيما أخبر، وفيما قال، وفيما نطق، فلا يخرج من بين شفتيه إلا ما هو حق وصدق عليه صلوات الله وسلامه، وليس هناك إخبار بغير الحقيقة، وليس هناك مجال ولا احتمال في ذلك، وإذا شككت في هذا فلا شك في كفرك، فهذا رسول الله عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، فإذا ورد كلام عنه إن كان خبراً صدقناه، وإن كان أمراً امتثلناه، وإن كان نهياً اجتنبناه وتركناه.
الأثر الذي روي عن وهب بن منبه من أخبار أهل الكتاب، فلا يعارض العمومات الواردة عن نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الجن يأكلون، ولا داعي أن نخص صنفاً منهم بعدم الأكل والعلم عند الله جل وعلا، وأثر وهب ، رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة صفحة (485) بإسناد صحيح إلى وهب بن منبه ، ورواه ابن عبد البر كما نقل ذلك عنه الشبلي في آكام المرجان صفحة (25)، والسيوطي في لقط المرجان صفحة (25)، وهذا أثر وهب صفحة (485) من كتاب العظمة:
عن عبد الصمد ، قال: سمعت وهباً رحمه الله يقول: وقد سئل عن الجن ما هم؟ وهل يأكلون ويشربون ويموتون ويتناكحون؟ فقال: هم أجناس، لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يموتون، ولا يتوالدون، وهم الجن الخالص، ومنهم أجناس يأكلون، ويشربون، ويتناكحون، ويموتون، وهذه هي السعالى أو السعالي والغول والقطرب، وأشباه ذلك.
وفي الحقيقة الأثر هذا عدا عن كونه من أخبار أهل الكتاب فيه إشكال، فقوله: لا يموتون كيف لا يموتون والله يقول: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن:26]، فأين سيكونون عند قيام القيامة ومجيء الساعة؟!
يقول المحقق: إسناده صحيح، ثم قال: أورده أيضاً الشبلي في الآكام، لكنه في كتاب العظمة وهذا الكتاب إذا لم يكن الإنسان طالب علم فلا أرى له أن يقرأ فيه لأن بعض الإخوة تأتيه من الأخبار التي لا خطام لها ولا زمام، الأخبار التالفة الكثيرة فيأخذها، والمصنف ممن يتساهل لكنه يخرج من العهدة بالإسناد، فطالب العلم ينبغي له أن يتحقق من النصوص التي تعزى إليه فيتأملها، وحقيقةً يزداد طالب العلم فرحاً ويقيناً عندما يُعزى الخبر إلى كتاب، والكتاب بين يديه، فيتحقق من النص، وهذا ضروري، أما بالنسبة للعامة فلو عكف أحدهم على رياض الصالحين وكتاب الأذكار وكلاهما للنووي ، لكان أفضل وأحسن.
إذاً: هذه -كما قلت- أربعة أقوال:
القول الأول وعليه المعول: يأكلون ويشربون عن طريق المضغ والبلع، وستأتينا النصوص المقررة لذلك.
القول الثاني: يأكلون لكن بدون مضغ ولا بلع بل بالتشمم.
والثالث: لا يأكلون ولا يشربون؛ لأنهم أجسام لطيفة.
والرابع: أصناف، منهم من يأكل ومنهم من لا يأكل، وهذا كما قلت منقول عن وهب بن منبه فقط لو ثبت، بل كما قال الحافظ ابن حجر : يمكن أن يكون هذا القول جامعاً لقول من قال من العلماء: إنهم يأكلون، وقول من قال: إنهم لا يأكلون، لكن لا يجوز أن نثبت حكماً، أو خبراً، لأثرٍ من أخبار أهل الكتاب، التي لا يوجد في شرعنا ما يدل عليها والعلم عند الله جل وعلا.
وبعد هذا أقرر القول الأول بأحاديث صحيحة صريحة؛ أولها: حديث الباب، وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: ( لا تستنجوا بالروث ولا بالعظم فإنه زاد إخوانكم من الجن )، وهذه الرواية بهذا اللفظ رواها الإمام مسلم في صحيحه، وأبو عوانة في ابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي في السنن الكبرى، ونحو هذه الرواية، رواها عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الإمام أحمد في المسند، وأبو داود في السنن، والنسائي في السنن، والدارقطني في السنن، والبيهقي في السنن الكبرى، وابن أبي شيبة في مصنفه، والطبراني في معجمه الأوسط، وتقدم معنا عند تخريج الحديث.
وفي بعض روايات الحديث في سنن أبي داود ، والدارقطني ، والبيهقي ، أن النبي عليه الصلاة والسلام ( قدم عليه وفد الجن، ثم قالوا لنبينا عليه الصلاة والسلام: انه أمتك أن يستنجوا بعظم، أو روثة، أو حممة، فإن الله جعل لنا فيها رزقاً، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الاستجمار بالعظم وبالروث )، وتقدم معنا أن بعض روايات الحديث في المسند وغيره، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال عندما جاءه جن نصيبين، قال: ( سألوني الزاد فزودتهم، فقال له
الحديث في سنن الترمذي ، وصحيح مسلم ، ورواية صحيح مسلم فيها يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحماً، ولكم كل روثةٍ تكون علفاً لدوابكم )، أما رواية الترمذي : ( لكم كل عظم لم يذكر اسم الله عليه ).
فما الجمع بين الروايتين؟ الجواب: الأول: ذهب الإمام النووي ، في شرح صحيح مسلم في الجزء (4/170)، ونقله أيضاً الشبلي ، عن السهيلي في آكام المرجان صفحة (30)، ونقله عنه السيوطي في لقط المرجان، وهو الذي قرره أبو بكر بن العربي ، في عارضة الأحوذي، في الجزء (12/144)، وكتابه فيه بعض الفوائد، فليرجع إليها.
وخلاصة الكلام في هذا: أن الجن ينقسمون إلى قسمين، فكل قسم منهم له طعام.
فالمؤمنون لهم كل عظم ذكر اسم الله عليه، فإذا ذبح الإنسان بهيمة الأنعام وسمى الله، وأكل منها وسمى الله، فعندما تطرح العظام تكسى أوفر ما كانت لحماً، وتكون طعاماً لمؤمني الجن.
وأما عتاة الجن من المردة والكفرة فيأكلون اللحم الذي تكسى به العظام، التي لم يذكر اسم الله عليها عند تذكيتها وعند أكلها، كما يحصل من الإنس في هذه الحياة، فالمسلم يذبح على اسم الله، ويأكل مذكاة شرعية، والكافر لا يذكر اسم الله ويقتلها عن طريق الصعق أو غيره ويأكل، فالأول: يأكل طيباً والآخر: يأكل خبيثاً نجساً، وهكذا الجن، فما ذكر اسم الله عليه يكون طعاماً وغذاءً للمؤمنين من الجن، وما لم يذكر اسم الله عليه يكون طعاماً وغذاءً يكسى بلحم ويأكله العتاة المردة من الجن.
وهذا القول كما قال السهيلي : جمع حسن بين الحديثين، والأدلة الشرعية تعضده، فلا بد من أن نفرق بين طعام المؤمنين، وطعام الكافرين في أمر التذكية واللحوم، كما هو الحال في حق الإنس، وهذا القول هو المعتمد في هذا.
والثاني: ذكر المباركفوري عليه رحمة الله في تحفة الأحوذي قولاً غريباً في الجزء (4/183) فقال: يمكن أن يجمع بينهما فيقال: كل عظم ذكر اسم الله عليه عند الذبح، ولم يذكر اسم الله عليه عند الأكل، فهذا الذي يُكسى اللحم ويكون أوفر ما يكون لحماً، ويشكل عليه: أن العظام التي لم يذكر اسم الله عليها عند ذبحها، ولا عند أكلها، ماذا تكون؟ متروكة؟ وهكذا العظام التي ذكر اسم الله عليها، عند ذبحها، وعند أكل لحمها ماذا ستكون؟ متروكة؟
ثم قال المباركفوري : هذا يمكن أن يكون طريقاً للجمع، وإلا فما في صحيح مسلم أولى: ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه )، فيكسى لحماً، وأما ما لم يذكر اسم الله عليه فلا يكسى لحماً.
وكما قلت: إنه قول غريب والقول الذي ذكره أئمتنا كـالنووي ومن بعده هو المعتبر في هذا: إن الجن ينقسمون إلى قسمين، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام لكل قسمٍ طعاماً، وقال لمؤمني الجن: كل عظم ذكر اسم الله عليه عند أكله، وعند تذكيته، يكون أوفر ما يكون لحماً، فهذا خاص بكم، وأما عتاة الجن وكفرتهم فلهم كل عظم لم يذكر اسم الله عند أكله، ولا عند تذكيته، وهذا خاص بهم.
وهذه بعض المباحث سأذكرها وألخصها لكم باختصار:
ورد في الصحيحين أنه قيل لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: من آذن النبي عليه الصلاة والسلام ليلة الجن بالجن، بقدومهم، وأنهم اجتمعوا إليه؟ فقال: آذنته بهم الشجرة، وهي شجرة اجتمعوا عندها فأعلمته الشجرة أن الجن حضروا فقرأ عليهم القرآن، ثم طلبوا منه ما طلبوا، وزودهم بما زودهم.
قال النووي ، وهكذا أبو بكر بن العربي ، وابن العربي ، قبل النووي عليهم جميعاً رحمة الله، قال: في هذا دليل على أن الله جل وعلا ينطق الجمادات، وهو على كل شيءٍ قدير، وليس عندنا شك في ذلك، فلسانك الذي ينطق ويتكلم هذا جماد أنطقه الله سبحانه وتعالى، وليس هناك فارق بين اللسان، وبين اليد، وبين الشجرة، وبين غيرها من الأشياء، فمن شاء الله أن ينطقه نطق، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:21].
ثم قال أبو بكر بن العربي ومن فوائد الحديث: فيه دليل على أن الجن قدموا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهاجروا إليه وآمنوا به، وفي هذا دليل على إثبات وجودهم، وإثبات تكليفهم، خلافاً لما يقوله الزنادقة من الفلاسفة، وتقدم معنا الإشارة إليه.
وفي هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام زودهم بأن يكون العظم الذي ذكر اسم الله عليه ويكسى اللحم لمؤمني الجن، وأما للعتاة من الجن فكل ما لم يذكر اسم الله عليه على التفصيل الذي مرَّ معنا، وأن البعر هو علف الدواب. قال: وفي الحديث إثبات أكل الجن كما يأكل الإنس، وهذه كلها -كما قلت- دلالات صريحة من أحاديث صحيحة.
وتقدم معنا في الباب الثالث عشر حديث عبد الله بن مسعود في المسند، وصحيح البخاري ، والسنن الأربع، إلا سنن أبي داود ، وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي في السنن الكبرى، والدارقطني في سننه، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن حبان في صحيحه، والطيالسي في مسنده، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير في الجزء (1/120): مشهور بجميع طرقه.
ولفظ الحديث: أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما تبع نبينا عليه الصلاة والسلام إلى قضاء حاجته، قال له: ( ابغني أحجاراً استنفض بها - استجمر بها - ائتني بثلاثة أحجار )، فأتاه بحجرين وروثة، فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام الحجرين، ورد الروثة وقال: ( إنها ركس )، وتقدم معنا تفسير الركس بقولين.
أحدهما دليل على مبحثنا هذا.
القول الأول بمعنى: رجس، كما ورد هذا في صحيح ابن خزيمة وغيره: ركس.. رجس، يعني: نجس، فيكون المعنى: أن هذا نجس لا يجوز الاستنجاء به.
والقول الثاني في معنى الركس قاله الإمام النسائي ، وذكره في سننه، قال: الركس طعام الجن، فهو يقول: إن ركس ليس معناها رجس، إنما ركس طعام الجن، وهذا ثابت في سننه الجزء (1/40).
وعلق عليه الحافظ في الفتح في الجزء (1/258) فقال: أغرب النسائي في سننه فقال: الركس: طعام الجن، وهذا غريب، ثم قال: إن ثبت هذا في اللغة فهو مُريح من الإشكال.
إذاً: حديث الباب يدل على أن الجن يأكلون، فزودهم نبينا عليه الصلاة والسلام بما زودهم به من طعامٍ يأكلونه.
الحديث الثاني الذي يدل على هذه القضية: حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وهو في صحيح البخاري ، ولم يروه الإمام الترمذي ، وتقدم معنا ذكره عند المباحث السابقة في مباحث التخريج، ولفظه: أن أبا هريرة تبع نبينا عليه الصلاة والسلام عند قضاء حاجته، فقال: ( ابغني أحجاراً استنفض بها - يعني: أستجمر بها - ولا تأتني بعظم أو روثة )، والحديث في صحيح البخاري ، فقال أبو هريرة : يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! ما بال العظم والروثة؟ قال: ( هما من طعام الجن )، ولا يجوز أن نفسد عليهم طعامهم، فهذا دليل على أن الجن يأكلون كما نأكل، قال النبي عليه الصلاة والسلام -وهذا حديث البخاري -: ( وإنه أتاني وفد جن نصيبين )، وهم وفد من الجن، مؤمن طيب مبارك، ما عندهم جدال، ولا قيل ولا قال! ( فسألوني الزاد، فدعوت الله ألا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليه طعماً )، وفي رواية: ( طعاماً )، وهما بمعنىً واحد.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء (7/173): قال الإمام ابن التين : ( إلا وجدوا عليه طعماً )، يجعل الله ذلك على العظم فهو على كل شيءٍ قدير، يجعل عليها طعاماً، ويجعل على البعر طعاماً، قال: ويمكن أن يذيقهم منها طعاماً بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، وكما قلت: لا داعي لتفسير هذا وقراءته على خلاف ما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
إذاً: لا يمرون بعظم، أو روثة، إلا وجدوا عليه طعماً طعاماً، يذيقهم منه، أو يجعل عليه، والحديث كل أحد يفهم دلالته، ومعناه واضح، ( يكسى أوفر ما يكون لحماً )، ( وجدوا عليه طعما )، ( وجدوا عليه طعاماً )، المعنى معلوم، أما كيفيته، فلا دخل لك في الكيفية.
إذاً: هذا العظم وهذه الروثة وهذا البعر يكون طعاماً لهم بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، قال الحافظ ابن حجر في الفتح، وتقدم في حديث عبد الله بن مسعود ، وهو في صحيح مسلم ، وسنن الترمذي ، وذكرته قريباً: ( أن البعر علفٌ لدوابهم )، فهنا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يمرون بعظمٍ ولا روثٍ إلا وجدوا عليه طعماً طعاماً )، وهناك: ( البعر علف لدوابهم )، قال الحافظ ابن حجر : ولا ينافي ذلك -يعني: حديث عبد الله بن مسعود - حديث الباب، فللإنسان حمل الطعام على طعام الدواب، فيكون الطعام هنا شاملاً لهم ولدوابهم، فالبعر زاد لدوابهم، والعظام لهم، وهنا كل عظم وبعر يجدون عليه طعماً وطعاماً منه طعام لهم، ومنه طعام لدوابهم ليس لهم، ولا منافاة بين الحديثين والعلم عند الله جل وعلا.
إذاً: هذا حديث ثانٍ يقرر أن الجن يأكلون، ولهم طعام عينه لهم نبينا عليه الصلاة والسلام.
والذي يظهر والعلم عند الله: أن كل خبيث مما لم يذكر عليه اسم الله، وما يلحق به من الخبائث والمحرمات يكون قوتاً وغذاءً لعتاة الجن ومردتهم، فيأكلون الخبائث، كما أن الخبيثين من الإنس يأكلون الخبائث، والطيبون من الإنس يأكلون الطيبات، والطيبون من الجن كذلك، وقد وضح هذا أحاديث واردة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ونتابع خطوات البحث لنستنتج هذا الأمر، فالجن لهم طعام، إلا أنهم ينقسمون إلى قسمين: إلى خبيث وطيب، فالخبيث له طعام خبيث، والطيب له طعام طيب.
روى الطبراني في معجمه الكبير، كما في المجمع في الجزء (1/114)، والحديث في إسناده يحيى بن صالح الأيلي ، وقد ضعفه العقيلي كما في الضعفاء له، وكتاب الضعفاء في أربع مجلدات، انظروا الجزء (4/409) قال العقيلي : أحاديثه مناكير، وكل من ضعف يحيى بن صالح الأيلي نقل تضعيفه عن العقيلي ، فـالهيثمي في مجمع الزوائد قال: ضعفه العقيلي ، والذهبي في المغني في الجزء (2/737) قال: ضعفه العقيلي ، وهكذا في الميزان للذهبي ، وفي اللسان لـابن حجر في الجزء (6/262): ضعفه العقيلي ، ضعيف صاحب مناكير، ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب الستة، لكن الحديث سيأتينا من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وله شاهد من رواية أبي أمامة ، ولكل فقرة من فقراته شواهد ثابتة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وسيأتينا نص كلام ابن قيم الجوزية عليه رحمات رب البريات.
الحديث في الجزء الأول من المجمع، (1/114) في كتاب الإيمان، باب في إبليس وجنوده، ولفظ الحديث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن إبليس قال لربه: يا رب! أهبطت آدم إلى الأرض، وقد علمت أنه سيكون كتاب ورسل )، يعني: ستنزل عليهم شريعة يهتدون بها، ( فما كتابهم ورسلهم؟ )، والمعنى: فما هو كتاب الجن ومن هم رسلهم؟ وفي بعض الروايات ضبطت: كتب، فقال الله جل وعلا لإبليس: ( رسلهم الملائكة والنبيون منهم، وكتبهم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان - وهو القرآن - )، وهذه أمهات الكتب السماوية، وبعد ذلك هناك صحف أنزلت على أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.
قال: فما كتابي؟ أي كتاب سيكون عندي يتناقله الناس ويعملون به؟ قال: ( كتابك الوشم )، كتابك الذي تكتب هو الوشم، الوشم معروف، ويكون بغمس الإنسان إبرةً في حبرٍ، أو نيلةٍ، أو كحل، ثم يغرز بها في جلده، ويرسم نوعاً معيناً على يديه، أو على غير ذلك من أماكن جسمه، وهذا الوشم موجود بكثرة، وهو تغيير لخلق الله.
قال: ( كتابك الوشم، وقرآنك الشعر، ورسلك الكهنة، وطعامك ما لا يذكر اسم الله عليه )، هذا له ولأتباعه من العتاة والكفرة وأما المؤمنون من أتباعه من جنسه فلهم طعام، وسيأتينا أن الطعام الذي يوضع في البيت المسلم إن سمى الله عليه لا يأكله معه عتاة الجن، وفي كل بيت مؤمنون من الجن يأكلون معك، ولك أجرهم عندما تسمي لأنك لا تطردهم، فالجن يأكلون معك، وسيأتينا إن شاء الله الإشارة إليه.
إذاً هنا: ( طعامك ما لا يذكر اسم الله عليه، وشرابك كل مسكر، وحديثك الكذب، وبيتك الحمام، ومصايدك النساء، ومؤذنك المزمار )، حتماً لا بد له من داعٍ يدعو إلى الضلالة، ( ومسجدك الأسواق )، رواه الطبراني في الكبير، وفيه يحيى بن صالح الأيلي ضعفه العقيلي كما قلت لكم، وكل من حكى تضعيفه نقله عن الإمام العقيلي ، قال ابن القيم في إغاثة اللهفان في الجزء (1/253): أما كون المزمار مؤذنه، يعني: مؤذن الشيطان ففي غاية المناسبة، فإن الغناء قرآنه.
وبعض الزائغين في هذه الأيام يقول: أحاديث تحريم الغناء مثخنة بالجراح، لا يسلم منها شيء، ومنها ما ثبت في صحيح البخاري ، إذاً: فالغناء قرآن الشيطان، يدعو إليه.
قال ابن القيم : أما كون المزمار مؤذنه، ففي غاية المناسبة، فإن الغناء قرآنه، والرقص والتصفيق -اللذان هما المكاء والتصدية- صلاته: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35]، ولا بد لهذه الصلاة من مؤذنٍ، وإمامٍ، ومأموم، عندما يجتمعون يصفقون ويرقصون فالمؤذن: المزمار، والإمام: المغني، والمأموم: الحاضرون والمستمعون، فهي جماعة كاملة.
وهم يخشعون في صلاتهم أكثر مما نخشع نحن في صلاتنا، ويجلسون ساعات متتالية ومنهم تلك العجوز الشمطاء، عندما كانت تغني وتقف على خشبة المسرح ست ساعات حتى تطلع الشمس، وانظر لأحوال المصلين، واقرأ سورة البقرة في صلاة من الصلوات، إن شئت جرب حتى ترى ما الذي سيحصل لك؟!
هذه همتنا في هذه الأيام، يحضر الخطيب أحياناً خطبة الجمعة ويتأخر، فإذا انتهى سمعت أحدهم يقول: يا شيخ! الخطبة فيها تطويل، فإذا قلت: إنها نصف ساعة ونحن بدأنا مع الناس وخرجنا معهم، فأي تطويل هذا؟ ثم إن هذه موعظة، فسيقول لك: لا أتحمل، والله لو ربطته بشجرة لقلعها، لأنه لا يتحمل أن يجلس ساعة لذكر الله، ولكنه يجلس في القيل والقال الساعات الطوال، فالساعة التي فيها آيات الله تتلى، وأحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام تذكر، ما عنده تحمل.
وليس الموضوع أنه لا يتحمل، بل الموضوع أن قلبه آمن، لكنه آمن بمحبة الشيطان؛ ولذا لا ترى أحداً في صالات الغناء والرقص ينام أو تغمض عينه؛ لأن الشياطين تؤزهم أزاً.
وانظر في مجالس الذكر قبل أن تبدأ الموعظة فكل واحد رأسه يخفق، حتى أن بعضهم لا يأتي إلا لينام في الموعظة ويستريح، هذه حالة الأمة الإسلامية وإلى الله نشكو أحوالنا.
فانظر لهذه الصلاة، صلاة مكاء، وتصدية، ورقص، وتصفيق، فلا بد لها من مؤذن وهو المزمار، ولا بد لها من إمام مغني قوان، ولا بد لها من مأموم، جماعة كاملة عندها خشوع وجلد، لقد كان عند سلفنا الكرام من الخشوع والجلد في مناجاة الله ما لا يكون عند عباد الشيطان ولا عند غيرهم، ونحن في هذه الأيام أحوالنا كما لا يخفى عليكم، ولو علم الله فينا خيراً لفرج عنا من حيث لا نحتسب، ونسأل الله أن يلطف بنا، وأن يحسن ختامنا.
قال الإمام الهيثمي : قلت: ويأتي حديث أبي أمامة في أواخر الأدب في الشعر مثل هذا أو أتم إن شاء الله، وحديث أبي أمامة رواه في الجزء الثاني -كما قلت- وهو شاهد لهذا، صفحة (119)، باب ما جاء في الشعر والشعراء.
إذاً: طريق ابن عباس رضي الله عنه، فيها -كما قلت- يحيى بن صالح الأيلي ، وطريق أبي أمامة ، فيه علي بن يزيد الألهاني ، قال الهيثمي في المجمع: ضعف، وقد حكم عليه الإمام ابن حجر بذلك في التقريب، فقال: ضعيف، وهو من رجال سنن الترمذي ، وابن ماجه القزويني ، توفي سنة بضع عشرة ومائة.
وقد أخرج الحديث الإمام الطبراني ، وأخرجه معه ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان، والطبري في تفسيره، ورواه ابن مردويه في تفسيره، كما في الجامع الكبير للإمام السيوطي في (1/218)، ولفظ الحديث كما قلت: عن أبي أمامة ورضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن إبليس لما أنزل إلى الأرض قال: يا رب! أنزلتني إلى الأرض وجعلتني رجيماً، فاجعل لي بيتاً، قال: بيتك الحمام قال: فاجعل لي مجلساً، قال: مجلسك الأسواق، ومجامع الطرق، قال: اجعل لي طعاماً، قال: طعامك ما لم يذكر اسم الله عليه، قال: اجعل لي شراباً، قال: شرابك كل مسكر، قال: اجعل لي مؤذناً، قال: مؤذنك المزامير، قال: اجعل لي قرآناً، قال: قرآنك الشعر، قال: اجعل لي كتاباً، قال: كتابك الوشم قال: اجعل لي حديثاً، قال: حديثك الكذب، قال: اجعل لي مصائد، قال: مصائدك النساء )، رواه الطبراني ، وفيه علي بن يزيد الألهاني ، وهو ضعيف، وقد تقدم لهذا طرق في كتاب الإيمان، وهو الذي ذكرته لكم، ففي كتاب الإيمان، قال: سيأتي وفي كتاب الأدب في الشعر والشعراء، قال: تقدم في كتاب الإيمان.
وهذا الحديث يقول عنه ابن القيم رحمة الله في إغاثة اللهفان في الجزء (1/251): وشواهد هذا الأثر كثيرة، فكل جملة منه لها شواهد ثابتة من سنة النبي عليه الصلاة والسلام ومن آيات القرآن، ثم قرر ما الذي يشهد لكل جملةٍ من هذه الجمل، وكل فقرةٍ من فقرات الحديث.
وأورد هذا الحديث في كتاب مدارج السالكين في الجزء (1/486)، وقال: إنه روي في معجم الطبراني ، وغيره مرفوعاً وموقوفاً، ثم ذكر الحديث وأتبعه بفائدة، وهذه الفائدة لا بد من أن نعيها في هذا الوقت الذي كثر الضجيج فيه حول هذه المفسدة الخبيثة التي هي الغناء، التي مبدؤها من الشيطان وآخرها سخط الرحمن، ذكر أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وعلق عليه بكلامٍ حسن محمود، فقال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، يقول: وهذا كلام عارفٍ بأثر الغناء وثمرته، فإنه ما اعتاده أحد إلا نافق قلبه وهو لا يشعر، ولو عرف حقيقة النفاق وغايته لأبصره في قلبه، فإنه ما اجتمع في قلب عبدٍ قط محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طردت إحداهما الأخرى.
وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه، وتبرمهم من القرآن وصياحهم بالقارئ إذا أطال عليهم، وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرؤه، فلا تتحرك ولا تطرب، ولا تهيج منها بواعث الطلب، فإذا جاء قرآن الشيطان فلا إله إلا الله! كيف تخشع منهم الأصوات وتهدأ الحركات، وتسكن القلوب وتطمئن، ويقع البكاء والوجد، والحركة الظاهرة والباطنة، والسماحة بالأثمان والثياب، وطيب السهر وتمني طول الليل، فإن لم يكن هذا نفاقاً فهو آخية النفاق وأساسه.
هذا وما سأذكره يدل على أن الشيطان الخبيث الذي هو العاتي من الجن يأكل الطعام الخبيث، ويشرب الشراب الخبيث، فكل ما لم يذكر اسم الله عليه يأكله، وحتى الميتة يأكلها، وقد وردت الأحاديث الكثيرة عن نبينا عليه الصلاة والسلام تقرر أن الشيطان الذي هو العاتي من الجن يستحل الطعام إذا لم يذكر عليه اسم الرحمن، وتقرر تلك الأحاديث أن الشيطان دنيء يلتقط ما يقع من الآكل من القصعة، كما أنه يلعق القصعة إذا أفضلت فيها شيئاً ولم تلعقها أنت.
والشيطان في أكله قبيح، فهو يأكل بصورةٍ مزريةٍ بشماله، وهذا كله -كما قلت- فيما يتعلق بعتاة الجن من الكافرين منهم.
أما المؤمن الجني فيأكل بيمينه، ويسمي الله عند طعامه، كما هو الحال في مؤمني الإنس تماماً، هذه الأمور ثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة، ومنها:
الحديث الأول: حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، رواه الإمام أحمد في المسند، ومسلم في صحيحه، وأبو داود ، والنسائي في السنن الكبرى، ورواه النسائي أيضاً في عمل اليوم والليلة، صفحة (258)، ورواه ابن السني في كتاب عمل اليوم والليلة، وأورده الحاكم في المستدرك، مع أنه في صحيح مسلم في الجزء (4/108) وقال: إسناده صحيح، وأقره على ذلك الذهبي .
أما لفظ الحديث فسأذكره إن شاء الله فيما يأتي مما يقرر أن الشيطان يدفع الإنسان عند أكله إلى عدم التسمية، فإذا لم يسم أكل معه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.