شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً.

أما بعد:

فكنا ذكرنا لكم فيما سبق ما نقله الشيخ مصطفى صبري عن بعض القاديانية في تأويل قول الله: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40], وهذا الاحتمال يفتح الطريق للتأويل ويمنع الحكم بكفر صاحبه حتى وإن كان احتمالاً ضعيفاً, كاحتمال أن يكون المراد من الخاتم في هذه الآية الزينة لا الخاتمة؛ لأن معنى خاتم النبيين يحتمل أمرين: أنه آخر النبيين فهو خاتمهم وآخرهم, وأنه زينة النبيين. وبما أن الآية ليست قطعية الدلالة بأن رسولنا هو آخر الأنبياء عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

إذاً: لا يمكن أن نكفر القادياني الذي يدعي أنه نبي بعد نبينا صلوات الله وسلامه عليه، قالوا: ولأن الأحاديث التي تنص على أنه آخر الأنبياء آحاد، والإجماع الذي يدل على ذلك غير قطعي, وعليه يمكن أن نتوقف في كفر من ادعى النبوة بعد نبينا صلوات الله وسلامه عليه.

يقول الشيخ مصطفى صبري عليه رحمة الله في الجزء الرابع صفحة تسعين من كتابه موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه: وأنا لا أظن عضواً في هيئة كبار العلماء يشك في أن محمداً صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، ولكن كيف يكون التردد في الإفتاء بكفر من قال به وأجاز أن يبعث الله نبياً بعده؟ كيف يشكك في كفر القائل بهذا؟ فإذا كان المفتي المتردد لا يفهم الملازمة بين هذه الأمور فسلام على العلم والعلماء وعضوية كبار العلماء.

قرأت مقالةً في مجلة الرسالة بعنوان: القرآن والمسلمون, للشيخ العصري محمود شلتوت , وكيل كلية الشريعة، وقرأت معها مقالة لصاحب المجلة الأستاذ الزيات وهو يشيد بمقالة الوكيل, ويعدها انبعاث الأزهر، ورأيت مقالة الشيخ المثني عليها والتي كان فيها، وينحى باللائمة على كتب التفسير المعروفة المتداولة في أيدي العلماء، مدعياً أن أهل التفاسير الماضية ما فهموا القرآن، وهذا القول منهم يتضمن القدح في الأئمة المجتهدين الذين استنبطوا الأحكام من القرآن، بل إن التفاسير القديمة تنتهي إلى تفسير الصحابة والرسول، على نبينا صلوات الله وسلامه.

ولعل الشيخ القادح لا يعجبه إلا مثل تفسيره في مقالة سابقة له قائلة: بأن القرآن جعل عقيدة العرب في تصوير الشيطان كشخص له حياة مع كونه في الحقيقة عبارة عن نزعات الشر المنبثة في العالم, فليس ببعيد أن يلغى في التفسير الجديد الذي يعجبه كثيراً من الأحكام المنصوص عليها في القرآن بادعاء كونها مجاراة لأهواء العرب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم القريب من عهد الجاهلية.

والحق أن القرآن الذي هو كلام الله جل وعلا لا يمكن أن تتصور فيه مجاراة الأهواء، وإنما للعصريين أنفسهم أهواء يشذون بها عن المسلمين, ويريدون تنزيل بعض آيات القرآن عليها، وتراهم عاجزين عن كتابة فصل يستحق أن يسمى تفسير القرآن من غير مراجعة كتب التفسير القديمة التي ادعى الشيخ أن أصحابها ما فهموا القرآن، أو مراجعة ما بقي في ذاكرتهم من تلك الآثار التي ورثوها معنا من العلماء الماضين.

نعوذ بالله من هذا الضلال الذي تعيشه هذه الأمة في هذه الأيام، ويقال بعد ذلك: هذا داعية إصلاح! بينما الإمام النووي يتعقب ويرد عليه في كتاب كامل، وكل منهم يختم كلامه بأنه الأثري، وأي أثرية يا من هدمتم الأثر.. أي أثرية؟ سبعون حديثاً أنكرها ثم يقال: أثرية!

إنكار الغيبيات عند بعض العقلانيين ليس جحوداً بها

إنكار بعض الغيبيات مما وردت في بعض الأحاديث النبوية مندرج تحت قاعدة درسها كثير من الناس في عدة جامعات وهي: أن أخبار الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة، وهي قاعدة باطلة كما سنشير إليها إن شاء الله.

إذاً: فالشيخ شلتوت لا ينكر هذه الغيبيات جحوداً بها، وإنما لشيء درسه في صغره فبقي عليه في كبره، ولو قلت: ليس له عذر، فيقولون: عذره أنه درس في الجامعات وقد درجت على التقليد، فقرروا لهم أن حديث الآحاد لا يؤخذ به في الاعتقاد.

ومن أجل هذا أنكر بعض الغيبيات كالجن، وكنزول نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وغيرها ثم تراجع.

وأنا أقول: يا من زعمت أنك تدرس الأثر! مَن مِن أئمتنا قال: إن أحاديث نزول نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام آحادية؟ وهل على هذا دليل أو أثر؟!

تأويل العقلانيين لبعض أحاديث العقائد عند ثبوت تواترها

وقد رد الشيخ الكوثري أيضاً على شلتوت إنكاره نزول عيسى كما نقل ذلك الشيخ مصطفى صبري عليه رحمة الله في كتابه: موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، في الجزء الرابع، صفحة إحدى وعشرين مبيناً رد الكوثري على الشيخ شلتوت من كتاب: التصريح بما تواتر في نزول المسيح, وبين أن الأحاديث التي وردت في نزول نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه تبلغ سبعين حديثاً، ثم علق الشيخ مصطفى صبري فقال: لكن المنكر -يعني: شلتوت - لا يلتفت إليها بحجة أنها أخبار آحاد.

ورد الأحاديث المتواترة بدعوى آحاديتها، ثم تأويلها على فرض تواترها، قد تبناها في هذا العصر الحاضر، محمد عبده وتبعه عليها الضالون الزائغون, وغالب ظني أنني كنت ذكرت هذا ونقلته من تفسير المنار, في الجزء الثالث، صفحة سبع عشرة وثلاثمائة، في أحاديث عيسى والدجال.

يقول: حديث الرفع والنزول في آخر الزمان له تخريجان: أحدهما: أنه حديث آحاد متعلق بأمر اعتقادي لأنه من أمور الغيب، والأمور الاعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالقطعي؛ لأن المطلوب فيها هو اليقين، وليس في الباب حديث متواتر.

الأمر الثاني: يقول: حتى لو قلتم بتواترها فلا نأخذ بها؛ لأن تأويل نزوله وحكمه في الأرض بغلبة روحه وسر رسالته إلى الناس، وهو ما غلب في تعليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم والأخذ بمقاصد الشريعة، دون الوقوف عند ظواهرها, والتمسك بقشورها دون لبابها, وهو حكمتها وما شرعت لأجله؛ فالمسيح عليه السلام لم يأتِ لليهود بشريعة جديدة، ولكنه جاء بما يزحزحهم عن الجمود على ظواهر ألفاظ شريعة موسى على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، ويوقفهم على فقهها، والمراد منها, ويأمرهم بمراعاته وبما يجذبهم إلى عالم الأرواح بتحري كمال الآداب.

أي: ولما كان أصحاب الشريعة الأخيرة قد جمدوا على ظواهر ألفاظها، بل وألفاظ من كتب فيها معبراً عن رأيه وفهمه -يقصد هنا المذاهب الأربعة-.

يقول: وكان ذلك مزهقاً لروحها ذاهباً، فكان لابد لهم من إصلاح عيسوي يبين لهم أسرار الشريعة وروح الدين وأدبه الحقيقي, وكل ذلك مطوي في القرآن.

يقول: وهكذا كما كان في التوراة حصل في هذه الأمة، فلابد إذاً من إصلاح عيسوي.

وقال عن طريق القرآن: يبين لهم أسرار الشريعة وروح الدين وأدبه الحقيقي، وكل ذلك مطوي في القرآن، الذي حجبوا عنه بالتقليد، الذي هو آفة الحق وعدو الدين في كل زمان.

فزمان عيسى على هذا التأويل هو الزمان الذي يأخذ الناس فيه روح الدين والشريعة الإسلامية.

يعني زمان محمد عبده يقول: لإصلاح السرائر من غير تقيد بالرسوم والظواهر.

يقول: ولأهل هذا التأويل أن يقولوا: ظواهر النصوص لا يمكن تأويلها، على هذا التخريج الذي يقوله محمد عبده .

يقول لكن نحن عندنا مخلص ومخرج من هذا، فلأهل هذا التأويل أن يقولوا: إن هذه الأحاديث قد نقلت بالمعنى، كأكثر الأحاديث، والناقل لها بالمعنى ينقل ما فهمه، وعليه فلا نتقيد بألفاظها، ولا نتحاكم إلى ألفاظها؛ لأنها منقولة بالمعنى.

وسئل عن المسيح الدجال ، وقتل عيسى على نبينا وعليه الصلاة السلام له, فقال: إن الدجال عرضة للخرافات والدجل والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على هديها والأخذ بأسرارها وحكمها، وإن القرآن أعظم هاد إلى الحكم والأسرار وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام مبينة لذلك... إلى آخره كلامه.

هؤلاء هم دعاة الإصلاح، وأنا أعجب! من هذا، فكأنه لا يوجد جريمة في هذا الوقت إلا اتباع المذاهب الأربعة، وتتوالى ضرباتهم المتتالية، كوجوب التخلي عن هذه الكتب، واستبدالها بكتب هؤلاء المصلحين، والرد على النووي؛ لأنه من أهل الجمود والتقليد، وممن يخلط في العقيدة وغير ذلك!

وتأمل ما ذكره الشيخ مصطفى صبري رحمه الله في كتابه: موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، في الجزء الأول، صفحة ثلاثٍ وثلاثين ومائة حين يقول: محمد عبده بنهضته الإصلاحية زعزع الأزهر عن جموده على الدين فقرب كثيراً من الأزهرين إلى اللادينيين خطوات، ولم يقرب اللادينيين إلى الدين خطوة، وهو الذي أدخل الماسونية في الأزهر بواسطة شيخه جمال الدين الأفغاني ، كما أنه على ما يقال شجع قاسم أمين على ترويج السفور في مصر.

ثم قال الشيخ عليه رحمة الله معلقاً على هذا الكلام في الصفحة التي بعدها: وكان من مضار الشيخ بالإسلام وعلمائه الناشئين بعده أن حملة الأقلام بمصر المنحرفين عن الثقافة الإسلامية تأثروا بآرائه الشاذة، التي أخذوها من كتبه، وأوجدوا لهم من السمعة العلمية السامية ما لا يزال طنينه في أذن الشرق الإسلامي, ولا شك في تأييد القوة الناصرية له، وكان ذلك حثاً للذين يحبون الشهرة والظهور من شباب العلماء وكهولهم على نيل ما أرادوه بواسطة الشذوذ في الرأي، والتزلف إلى الكتاب المتفرنجين بل والانتماء إلى الماسونية، والله يعلم حقيقة ما في قلوب عباده.

إنكار بعض الغيبيات مما وردت في بعض الأحاديث النبوية مندرج تحت قاعدة درسها كثير من الناس في عدة جامعات وهي: أن أخبار الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة، وهي قاعدة باطلة كما سنشير إليها إن شاء الله.

إذاً: فالشيخ شلتوت لا ينكر هذه الغيبيات جحوداً بها، وإنما لشيء درسه في صغره فبقي عليه في كبره، ولو قلت: ليس له عذر، فيقولون: عذره أنه درس في الجامعات وقد درجت على التقليد، فقرروا لهم أن حديث الآحاد لا يؤخذ به في الاعتقاد.

ومن أجل هذا أنكر بعض الغيبيات كالجن، وكنزول نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وغيرها ثم تراجع.

وأنا أقول: يا من زعمت أنك تدرس الأثر! مَن مِن أئمتنا قال: إن أحاديث نزول نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام آحادية؟ وهل على هذا دليل أو أثر؟!

وقد رد الشيخ الكوثري أيضاً على شلتوت إنكاره نزول عيسى كما نقل ذلك الشيخ مصطفى صبري عليه رحمة الله في كتابه: موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، في الجزء الرابع، صفحة إحدى وعشرين مبيناً رد الكوثري على الشيخ شلتوت من كتاب: التصريح بما تواتر في نزول المسيح, وبين أن الأحاديث التي وردت في نزول نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه تبلغ سبعين حديثاً، ثم علق الشيخ مصطفى صبري فقال: لكن المنكر -يعني: شلتوت - لا يلتفت إليها بحجة أنها أخبار آحاد.

ورد الأحاديث المتواترة بدعوى آحاديتها، ثم تأويلها على فرض تواترها، قد تبناها في هذا العصر الحاضر، محمد عبده وتبعه عليها الضالون الزائغون, وغالب ظني أنني كنت ذكرت هذا ونقلته من تفسير المنار, في الجزء الثالث، صفحة سبع عشرة وثلاثمائة، في أحاديث عيسى والدجال.

يقول: حديث الرفع والنزول في آخر الزمان له تخريجان: أحدهما: أنه حديث آحاد متعلق بأمر اعتقادي لأنه من أمور الغيب، والأمور الاعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالقطعي؛ لأن المطلوب فيها هو اليقين، وليس في الباب حديث متواتر.

الأمر الثاني: يقول: حتى لو قلتم بتواترها فلا نأخذ بها؛ لأن تأويل نزوله وحكمه في الأرض بغلبة روحه وسر رسالته إلى الناس، وهو ما غلب في تعليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم والأخذ بمقاصد الشريعة، دون الوقوف عند ظواهرها, والتمسك بقشورها دون لبابها, وهو حكمتها وما شرعت لأجله؛ فالمسيح عليه السلام لم يأتِ لليهود بشريعة جديدة، ولكنه جاء بما يزحزحهم عن الجمود على ظواهر ألفاظ شريعة موسى على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، ويوقفهم على فقهها، والمراد منها, ويأمرهم بمراعاته وبما يجذبهم إلى عالم الأرواح بتحري كمال الآداب.

أي: ولما كان أصحاب الشريعة الأخيرة قد جمدوا على ظواهر ألفاظها، بل وألفاظ من كتب فيها معبراً عن رأيه وفهمه -يقصد هنا المذاهب الأربعة-.

يقول: وكان ذلك مزهقاً لروحها ذاهباً، فكان لابد لهم من إصلاح عيسوي يبين لهم أسرار الشريعة وروح الدين وأدبه الحقيقي, وكل ذلك مطوي في القرآن.

يقول: وهكذا كما كان في التوراة حصل في هذه الأمة، فلابد إذاً من إصلاح عيسوي.

وقال عن طريق القرآن: يبين لهم أسرار الشريعة وروح الدين وأدبه الحقيقي، وكل ذلك مطوي في القرآن، الذي حجبوا عنه بالتقليد، الذي هو آفة الحق وعدو الدين في كل زمان.

فزمان عيسى على هذا التأويل هو الزمان الذي يأخذ الناس فيه روح الدين والشريعة الإسلامية.

يعني زمان محمد عبده يقول: لإصلاح السرائر من غير تقيد بالرسوم والظواهر.

يقول: ولأهل هذا التأويل أن يقولوا: ظواهر النصوص لا يمكن تأويلها، على هذا التخريج الذي يقوله محمد عبده .

يقول لكن نحن عندنا مخلص ومخرج من هذا، فلأهل هذا التأويل أن يقولوا: إن هذه الأحاديث قد نقلت بالمعنى، كأكثر الأحاديث، والناقل لها بالمعنى ينقل ما فهمه، وعليه فلا نتقيد بألفاظها، ولا نتحاكم إلى ألفاظها؛ لأنها منقولة بالمعنى.

وسئل عن المسيح الدجال ، وقتل عيسى على نبينا وعليه الصلاة السلام له, فقال: إن الدجال عرضة للخرافات والدجل والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على هديها والأخذ بأسرارها وحكمها، وإن القرآن أعظم هاد إلى الحكم والأسرار وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام مبينة لذلك... إلى آخره كلامه.

هؤلاء هم دعاة الإصلاح، وأنا أعجب! من هذا، فكأنه لا يوجد جريمة في هذا الوقت إلا اتباع المذاهب الأربعة، وتتوالى ضرباتهم المتتالية، كوجوب التخلي عن هذه الكتب، واستبدالها بكتب هؤلاء المصلحين، والرد على النووي؛ لأنه من أهل الجمود والتقليد، وممن يخلط في العقيدة وغير ذلك!

وتأمل ما ذكره الشيخ مصطفى صبري رحمه الله في كتابه: موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، في الجزء الأول، صفحة ثلاثٍ وثلاثين ومائة حين يقول: محمد عبده بنهضته الإصلاحية زعزع الأزهر عن جموده على الدين فقرب كثيراً من الأزهرين إلى اللادينيين خطوات، ولم يقرب اللادينيين إلى الدين خطوة، وهو الذي أدخل الماسونية في الأزهر بواسطة شيخه جمال الدين الأفغاني ، كما أنه على ما يقال شجع قاسم أمين على ترويج السفور في مصر.

ثم قال الشيخ عليه رحمة الله معلقاً على هذا الكلام في الصفحة التي بعدها: وكان من مضار الشيخ بالإسلام وعلمائه الناشئين بعده أن حملة الأقلام بمصر المنحرفين عن الثقافة الإسلامية تأثروا بآرائه الشاذة، التي أخذوها من كتبه، وأوجدوا لهم من السمعة العلمية السامية ما لا يزال طنينه في أذن الشرق الإسلامي, ولا شك في تأييد القوة الناصرية له، وكان ذلك حثاً للذين يحبون الشهرة والظهور من شباب العلماء وكهولهم على نيل ما أرادوه بواسطة الشذوذ في الرأي، والتزلف إلى الكتاب المتفرنجين بل والانتماء إلى الماسونية، والله يعلم حقيقة ما في قلوب عباده.

لما قامت الدعوة الوهابية قام الضجيج حولها وتركز على أمرين:

أولاً: أن الدعوة الوهابية خرجت عن المذاهب الأربعة والخروج عنها ضلال، وهذا كاف عند المسلمين لإسقاط من من خرج عنها.

والثاني: أنها تكفر المسلمين وتستبيح دماءهم، فكان كل وهابي يكتب بعد ذلك دفاعاً عن الوهابية، يبرئ الشيخ محمد بن عبد الوهاب عليه وعلى المسلمين أجمعين رحمة الله.

ولأنه لو ثبت عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه لا يتقيد بالمذاهب الأربعة، وأنه يضلل من يلتزم بها، لضلله علماؤنا، وضللوا من تبعه وانتهى أمره، لكن كلهم يقولون هذا لا علاقة لنا به، وهذا يقوله كل من كتب عن الدعوة الوهابية، وهذا كتاب قرأته من قريب عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه، بقلم الشيخ أحمد بن حجر بن محمد آل أبو طامي آل بن علي ، قدم له وصححه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الباز .

يقول في صفحة ستٍ وخمسين: وقد ذكر الشيخ يعني الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، عليهم جميعاً رحمة الله كلاماً طويلاً إلى أن قال: ونحن أيضاً في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل -فهو مقلد حنبلي- ولا ننكر على من قلد الأئمة الأربعة دون غيرهم، يعني: أن من قلد غير المذاهب الأربعة ننكر عليه كمن قلد ابن حزم ، أو قلد الشيعة، أو قلد الزيدية، أما المذاهب الأربعة فعلى العين والرأس, فهذا ما يقوله محمد بن عبد الوهاب في رسائله للمعترضين عليه, وينقلها هذا الشيخ عنه، ثم ذكر سبب إنكاره على غير المذاهب الأربعة فقال: لعدم ضبط مذاهب الغير، كالرافضة، والزيدية، والإمامية ونحوهم، ونحن لا نقرهم ظاهراً على شيء من مذاهبهم الفاسدة، بل نجبرهم على تقليد أحد من الأئمة الأربعة، أي: نحن نلزم المسلمين بأن يكونوا أحنافاً، أو شافعية أو حنابلة أو مالكية.

وبهذا استحق مرتبة الاجتهاد، فيقولون: إياكم أن تقولوا عن محمد بن عبد الوهاب إنه يجتهد، فلا أحد منا يدعي ذلك إلا أنا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب، أو سنة، غير منسوخ ولا مخصص، ولا معارض بأقوى منه وقال به إمام من الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب.

يقول: نحن حنابلة، لكن إذا صح عندنا نص من كتاب أو سنة، غير منسوخ ولا مخصص، ولا معارض بأقوى منه, وقال به إمام من الأئمة لأربعة أخذنا به, ثم مثل على ذلك، فقال: مثل تقديم الجد على الإخوة في الإرث، فالإمام أحمد يورث الإخوة مع الجد، وأبو حنيفة لا يورث الإخوة مع الجد ويجعل الجد أباً، وأتباع محمد بن عبد الوهاب وهذا الآن في المحاكم في السعودية جعلوا الجد أباً، وما ورثوا الإخوة مع الجد.

يقول: لأن عندنا حجة في ذلك وهي ليست منسوخة ولا مخصصة ولا معارضة وقال بها إمام، وإذا قلنا بمسألة لم يقل بها أحد من الأئمة الأربعة فاضربونا على رءوسنا.

انظر لهذه الأمور وكيف أن موضوع الخروج على المذاهب لا يمكن عندهم.

هذا في صفحة ستٍ وخمسين ينقله الشيخ أحمد بن حجر كما قلت.

ومثل هذه النقول كثيرة، وأنا أريد أن أعلم هؤلاء السفهاء الذين يسمون أنفسهم الآن أنهم سلفية، إلى من ينتمون؟ إذا كان هذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول: نحن لا نقر أحداً على الخروج عن المذاهب الأربعة، ونتقيد بها, ونحن لا نخرج, ولا بد من أن يلتزم بقول واحد منهم، ونحن قد لا نتقيد بالمذهب الحنبلي في مسائل معينة، وهذا لا حرج فيه, بل هذا الذي كان عليه أئمتنا، حتى لا يخرج أحد عن هذا ويأتينا ببدع ما أنزل الله بها من سلطان تحت دعوة الإصلاح.

ثم يذكر حال العلماء، وثناء العلماء على الدعوة الوهابية, وأنها متقيدة بالمذاهب الأربعة المهدية.

ويقول الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية من علماء الأزهر الشريف في كتاب أثر الدعوة الوهابية، قال: إنهم -أي: الوهابية- لحنابلة متعصبون لمذهب الإمام أحمد في فروعه، إذاً: الوهابية متعصبون لمذهب الإمام أحمد في فروعه ككل أتباع المذاهب الأخرى، فهم لا يدعون لا بالقول ولا بالكتابة أن الشيخ ابن عبد الوهاب أتى بمذهب جديد، ولا افترى علماً غير ما كان عند السلف الصالح، وإنما كان عمله وجهاده لإحياء العمل بالدين الصحيح، وإرجاع الناس إلى ما قرره القرآن في توحيد الألوهية والعبادة لله وحده ذلاً وخضوعاً ودعاء، ونذراً وحلفاً وتوكلاً وطاعةً لشرائعه إلى آخر ما ذكر.

فما أشيع عنا أننا نحرج عن المذاهب الأربعة فهو باطل ضلال؛ وعليه فهؤلاء السفهاء الآن لا شك في ضلالهم، عندما يعبرون بأن الخروج عن المذاهب الأربعة إصلاح، وأن من يلتزم بالمذاهب الأربعة يسير على آثار وقيود الآباء والأجداد، فأعوذ بالله من هذا الضلال.