تفسير سورة النحل (9)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:45-50].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنين! يقول ربنا جل ذكره: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:45]، من أمنهم؟ من أعطاهم صكاً أن الله لا يعذبهم؟

سبحان الله! كيف يفسقون عن أمر الله ويخرجون عن طاعته ويعبدون غيره من مخلوقاته ويأمنون، ولا يخافون عذاب الله عز وجل؟

ما الذي يؤمنهم وهم مربوبون مخلوقون؟

ما الذي يؤمنهم وقد علموا -بما سمعوا أو شاهدوا- عذاب الله في الأمم والشعوب والأفراد والجماعات، فكيف يأمنون مكر الله ويفعلون السيئات؟

صور من مكر الكفرة

قال تعالى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ [النحل:45] مكروا بفعل السيئات. مكروا بمن؟

أولاً: مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، إذ تآمروا على قتله وبعثوا رجالهم إلى منزله وطوقوه ليلاً ونهاراً ليقتلوه، ووضعوا فوق ظهره سلا جزور وهو يصلي حول الكعبة، فجاء عقبة بن أبي معيط -عليه لعائن الله- بسلا بعير من عند الصفا فوضعه بين كتفي رسول الله وهو ساجد، وجاءت الزهراء رضي الله عنها وهي طفلة صغيرة فأزالته عن كتف والدها.

وعذبوا بلالاً ، عذبوا عماراً ، عذبوا صهيباً ، عذبوا سمية ، وشردوا وطردوا.

والاستفهام في قوله تعالى: أَفَأَمِنَ للتهديد والوعيد. أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ [النحل:45] تتزلزل، وتدور أجسامهم تحت الأرض حتى يستقروا فيها، فمن يمنعهم؟ من يدفع عنهم؟ من يقوى على أن يصرف عنهم الخسف لو أراده الله بهم؟

معنى قوله تعالى: (أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون)

قال تعالى: أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:45] فجأة تنزل صاعقة من السماء وهم لا يشعرون، فجأة يسلط الله عليهم أمة أقوى منهم تبيدهم وتحطمهم، فجأة يصابون بوباء فلا يستطيع أحد أن يقوم أو يتحرك، كيف لا يخافون؟ السبب في ذلك ظلمة قلوبهم، قلوبهم مظلمة، ما دخلها نور الإيمان بالله ولقائه وبكتابه ورسوله، فهم أموات غير أحياء كالبهائم، بل شر من البهائم، والله إنهم لشر من البهائم.

دائماً نقول: الحيوانات على اختلاف أنواعها فيها الطيب وفيها الخبيث، فيها الصالح وفيها الفاسد، ولكن المشركين والكافرين شر من تلك الحيوانات الخبيثة، وذلك لقول الله تعالى في سورة البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة:6] يعني: اليهود والنصارى والمشركين من العرب وغيرهم.

فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] من المخبر؟ أليس الله الذي أخبر بأنهم شر الخليقة؟

الجواب: بلى. والبرية والبريئة: الخليقة.

أيخلقك ويرزقك ويحفظك ويخلق الحياة هذه كلها من أجلك ثم تعرض عنه وتدبر ولا تلتفت إليه، بل وتقف ضد دعوته تحاربها وتصرف الناس عنها حتى لا يعبد الله؟!

أية جريمة أعظم من هذه الجريمة؟ فالآيات تحمل تهديداً ووعيداً.

قال تعالى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ [النحل:45] مكروا بفعل السيئات. مكروا بمن؟

أولاً: مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، إذ تآمروا على قتله وبعثوا رجالهم إلى منزله وطوقوه ليلاً ونهاراً ليقتلوه، ووضعوا فوق ظهره سلا جزور وهو يصلي حول الكعبة، فجاء عقبة بن أبي معيط -عليه لعائن الله- بسلا بعير من عند الصفا فوضعه بين كتفي رسول الله وهو ساجد، وجاءت الزهراء رضي الله عنها وهي طفلة صغيرة فأزالته عن كتف والدها.

وعذبوا بلالاً ، عذبوا عماراً ، عذبوا صهيباً ، عذبوا سمية ، وشردوا وطردوا.

والاستفهام في قوله تعالى: أَفَأَمِنَ للتهديد والوعيد. أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ [النحل:45] تتزلزل، وتدور أجسامهم تحت الأرض حتى يستقروا فيها، فمن يمنعهم؟ من يدفع عنهم؟ من يقوى على أن يصرف عنهم الخسف لو أراده الله بهم؟

قال تعالى: أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:45] فجأة تنزل صاعقة من السماء وهم لا يشعرون، فجأة يسلط الله عليهم أمة أقوى منهم تبيدهم وتحطمهم، فجأة يصابون بوباء فلا يستطيع أحد أن يقوم أو يتحرك، كيف لا يخافون؟ السبب في ذلك ظلمة قلوبهم، قلوبهم مظلمة، ما دخلها نور الإيمان بالله ولقائه وبكتابه ورسوله، فهم أموات غير أحياء كالبهائم، بل شر من البهائم، والله إنهم لشر من البهائم.

دائماً نقول: الحيوانات على اختلاف أنواعها فيها الطيب وفيها الخبيث، فيها الصالح وفيها الفاسد، ولكن المشركين والكافرين شر من تلك الحيوانات الخبيثة، وذلك لقول الله تعالى في سورة البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة:6] يعني: اليهود والنصارى والمشركين من العرب وغيرهم.

فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] من المخبر؟ أليس الله الذي أخبر بأنهم شر الخليقة؟

الجواب: بلى. والبرية والبريئة: الخليقة.

أيخلقك ويرزقك ويحفظك ويخلق الحياة هذه كلها من أجلك ثم تعرض عنه وتدبر ولا تلتفت إليه، بل وتقف ضد دعوته تحاربها وتصرف الناس عنها حتى لا يعبد الله؟!

أية جريمة أعظم من هذه الجريمة؟ فالآيات تحمل تهديداً ووعيداً.

يقول تعالى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ [النحل:45-46] وهم في تجاراتهم وأعمالهم ذاهبين آيبين ليلاً ونهاراً، ثَمَّ في ذلك الوقت نفسه يأخذهم في تقلبهم.

أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [النحل:46] أيعجزون الله عز وجل؟ أيغلبونه؟ مستحيل.

فالآيات تحمل تهديداً ووعيداً عجباً، ولهذا زلزلت قلوب عدد من المشركين فآمنوا بالله ودخلوا في دينه الإسلام؛ لأنهم كانوا يفهمون القرآن لا كما يفهمه العجم، لأن لسانهم ينطق به.

قال تعالى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ [النحل:47] أي: تنقص، يموت هذا، تموت الأسرة الفلانية، القبيلة الفلانية حتى ينتهي وجودهم تمامًا، ولكن: فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:47] فرحمته ورأفته هي التي أبقت عليهم، وإلا فقد عصوه وخرجوا عن طاعته، أنت يعصيك ولدك أو خادمك فتضربه وتنتقم منه، وهم يعصون الله جهرة، يعبدون غيره، يستغيثون بسواه، يتقربون إلى غيره، حاربوا رسوله وكتابه ودينه، ومع هذا ما خسف بهم الأرض ولا أنزل عليهم الصواعق من السماء؛ لأنه رءوف رحيم: فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:47].

ثم قال تعالى لهم: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [النحل:48]، فلينظروا. لو كانت لهم أبصار تبصر وقلوب تعي وعقول تفهم لفهموا أن الخلق كله ساجد لله، مطيع له، لم هم فقط يتمردون على الله ويفسقون عن أمره؟ ما خلق الله من شيء إلا وظلاله في الصباح والمساء يميناً وشمالاً يتفيأ ساجداً لله خاضعاً، بل وكل الخلق خاضعون لله، حتى الكافر خاضع لله؛ فمن أوجده، من يميته، من يعطيه، من يمنعه، هو متصرف فيه، وهو يجهل هذا.

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [النحل:48] ذليلون حقيرون. فالكافر حين يمشي يكون ظله في الصباح من الشرق وفي المساء من الغرب، فظله ساجد في الأرض أحب أم كره.

وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ [الرعد:15] تسجد لله تعالى. فلم التكبر إذاً؟ ظلك ساجد خاضع وأنت تتكبر أن تسجد لله بين يديه قائلاً: الله أكبر؟!

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [النحل:48].

ثم قال تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [النحل:49] كل المخلوقات خاضعة لله، ذليلة بين يديه يتصرف فيها، يعطيها، يمنعها، يميتها، يحييها، يرفعها، يضعها، يعزها، يذلها، كل هذا التصرف هو لله عز وجل.

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ [النحل:49] كل ما دب على الأرض هو دابة، سواء كان من ذوات الأربع أو الرجلين أو الطير، كل الخليقة تسجد لله.

وَالْمَلائِكَةُ [النحل:49] الأطهار الأصفياء، الذين في الأرض يسجدون والذين في السماء يسجدون لله عز وجل وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ [النحل:49]، الملائكة لا يستكبرون أبداً، جبريل على عظمته يخر ساجداً بين يدي الله، جبريل له ستمائة جناح، جبريل سد بجناحه الأفق بكامله، جبريل قلب مدينة سدوم وعمورة فجعل عاليها سافلها، ومع ذلك يسجد لله، وأنت أيها المسكين تتكبر؟ تأبى أن تدخل في الإسلام حتى لا تركع ولا تسجد! هذه الحقيقة: رفضوا الإسلام تكبراً حتى لا يركعوا ولا يسجدوا.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النحل (25) 4608 استماع
تفسير سورة النحل (4) 4014 استماع
تفسير سورة إبراهيم (9) 3695 استماع
تفسير سورة الحجر (12) 3616 استماع
تفسير سورة النحل (13) 3549 استماع
تفسير سورة النحل (3) 3509 استماع
تفسير سورة إبراهيم (12) 3466 استماع
تفسير سورة النحل (16) 3367 استماع
تفسير سورة النحل (1) 3235 استماع
تفسير سورة الحجر (6) 3167 استماع