تفسير سورة النحل (3)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:14-19].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!

هذه الآيات القرآنية تعرض علينا آيات الله الكونية؛ لترشدنا إلى أن نقول في صدق: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقوله جل ذكره: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ [النحل:14]، من هو الذي ذلل البحر وهونه فأصبحنا ندخله ونجتازه ونركب فيه؟ من هو سوى الله؟ لا آباؤنا ولا أمهاتنا.

سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا [النحل:14]، وهو لحم السمك، لحم الحوت على اختلافه وتنوعه، من خلق الحوت؟ من أوجده في البحر؟ لماذا وجد؟

والجواب: الله أوجده لك يا ابن آدم من أجل أن تعبد الله وحده.

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا [النحل:14]، وهو السمك، وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا [النحل:14]، من اللآلئ والجواهر، وهذا من البحر الملح لا الحلو.

وَتَرَى الْفُلْكَ [النحل:14] يا عبد الله لما تنظر إليه، مَوَاخِرَ فِيهِ [النحل:14] مواخر في البحر تمخر الماء وتشقه من الشرق إلى الغرب، من يسر هذا وسهله؟

من مكننا من هذا سوى الله عز وجل؟ هل الأصنام أو الأحجار؟ اللات أو العزى؟ لا، وإنما هو الله جل جلاله وعظم سلطانه.

وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [النحل:14]، أي: من فضل الله عز وجل بالتجارة التي تحمل من مكان إلى مكان بواسطة هذه السفن في هذه البحار، وذلك كله من أجل أن نشكر الله تعالى.

أي: أعطانا الله هذا الذي أعطانا، ويسر هذا الذي يسر لنا من أجل أن يسمع ذكرنا له وشكرنا له بطاعته وعبادته: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:14]؛ ليعدنا بذلك لشكره، فمن شكر زاده الله عز وجل، ورضي عنه وأنعم عليه، ومن كفر نعمة الله وجحدها أذله وأهانه وسخط عليه.

مذهب الإمام مالك فيما يجري فيه الربا من اللحوم

وهنا لطيفة فقهية ذكرها القرطبي في التفسير، لا بأس بمعرفتها:

يقول: إن مالكًا رحمه الله يرى أن لحوم ذوات الأربع كالإبل والبقر والغنم والغزلان والظباء جنس، ولحوم ما في ذوات الريش من الطيور على اختلافها وتنوعها جنس، ولحوم ما في الماء من أنواع الحيتان جنس.

يقول: إن هذه ثلاثة أجناس، فلا يجوز أن تشتري لحم معز بلحم ضأن، ولا لحم بعير بلحم بقر إلا إذا كان يداً بيد وكان متساوياً في الكمية.

ويقول: ويجوز أن تشتري لحم الطير بلحم الغنم أو الماعز؛ لاختلاف النوع، هذا جنس وهذا جنس : ( فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم )، أما في الجنس الواحد فلا يجوز أبداً البيع إلا إذا كان يداً بيد والكمية والمقدار واحدًا، كما تشتري فضة بفضة، فلا بد أن تكون الكمية واحدة وأن يكون يدًا بيد، والذهب بالذهب كذلك، فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم.

أقول: الإمام مالك -وخالفه في هذا أبو حنيفة رحمهما الله تعالى- يقول: ذوات الأربع -كالإبل والبقر والغنم- يجوز أن تشتري بها لحم الطير متفاضلاً ونسيئة، لكن بيع هذه اللحوم من ذوات الأربع بعضها ببعض لا يجوز إلا يداً بيد والكمية والمقدار واحد.

وكذلك لحوم الطير، والطير أنواع متعددة، فلا تستطيع أن تشتري لحم حمامة بلحم عقاب وهما مختلفان في الكمية أو ليس يداً بيد.

الحيتان كذلك على اختلافها وتنوعها لا يجوز أن تشتري حوتاً بحوت إلى أجل أو مع زيادة في الكمية والمقدار، هذه مسألة فقهية استخرجوها من هذه الآية الكريمة.

المراد بالحلية وما يحل للرجال والنساء منها

قوله: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا [النحل:14]، والحلية: ما يتحلى به.

وهذه الحلية للنساء ليست للرجال، اللآلئ والجواهر كالذهب للنساء لا للرجال، وليس للرجل أن يتحلى إلا بخاتم الفضة فقط؛ وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صنع له خاتم من فضة مكتوب عليه: محمد رسول الله )، واتخذه خاتمًا يختم به الصكوك.

وتذكرون الصاحب الذي: ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصبعه خاتم ذهب فنزعه ورمى به في الأرض، فقيل له: خذ خاتمك، قال: لا آخذه وقد رماه رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وعليه فلا يحل للرجل أن يتختم بخاتم الذهب، ولكن يحل له خاتم الفضة، أما النساء فيتحلين بما شاء الله أن يتحلين به من أنواع الذهب والفضة والجواهر واللآلئ، هذه الحلية التي يتحلى بها الإنسان وهي حلية النساء.

قوله: وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ [النحل:14]، تمخر ماء البحر، وتجتازه من إقليم إلى إقليم، تحمل البضائع والسلع.

لماذا هذا؟ قال: لتبتغوا من فضل الله عليكم، أرزاقكم وطعامكم وكسوتكم.

حقيقة الشكر

قوله: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:14]، الشكر -معشر المستمعين-: أن تعترف في نفسك بالنعمة وأن الله واهبها، ولكيفية الشكر مراتب:

أولاً: أن تعترف في نفسك أن هذه النعمة من الله عز وجل هو منعمها عليك.

ثانياً: أن تحمده بلسانك، فتقول: الحمد لله، وكلمة (الحمد لله) رأس الشكر، إذا قلت في أي نعمة: الحمد لله، فقولك: الحمد لله أعظم من تلك النعمة التي تراها عظيمة.

ثالثاً: أن تصرف النعمة فيما يرضي الله تعالى، أن تصرفها فيما يحب الله عز وجل، هذا هو الشكر للنعمة.

مثلاً: أنعم الله عليكم بنعمة السمع، قل: الحمد لله، أرأيت لو كنت أصم لا تسمع، من يهبك السمع؟ الحمد لله.. الحمد لله.

إذاً: اعترف بأن هذه النعمة من الله، هو الذي وهبك سمعك، واحمده بلسانك ولا تسمع بها وتستعملها فيما لا يرضي الله تعالى، إذا كره الله صوتاً من الأصوات فلا تسمعه أبداً، وأصوات الغيبة والنميمة والمزامير والأغاني من العواهر والنساء يكرهها الله عز وجل، فلا تستخدم هذه النعمة إلا فيما من أجله أنعم الله عليك.

إذاً: نعمة البصر نعمة، احمد الله عز وجل واعترف بأن الله هو الذي وهبك هذا البصر، ولا تنظر أبداً حيث لا يريد الله أن تنظر، كالنظر إلى النساء الأجنبيات: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، فشكر الله يقتضي ألا تنظر بهذا البصر إلى شيء حرمه الله عليك.

اللسان نعمة أم لا؟ من أجل النعم، أرأيت الأبكم لا يستطيع أن يفصح ولا أن يعرف عن شيء، هذه النعمة اعترف بأنها من الله، هو واهبها ومعطيها، يجب أن تشكره عليها، قل: الحمد لله، ولا تنطق بكلمة سوء يكرهها الله عز وجل ولا يريدها.

والدينار والدرهم كذلك، من وهبك هذا الدينار والدرهم؟ أليس الله؟ بلى. إذاً: فاحمده على ذلك، أكثر من الحمد لله، ولا تنفقه أبداً في معصية الله، بأن تشتري به ما حرم الله عز وجل، وبهذا تكون من الشاكرين: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:14].

وهنا لطيفة فقهية ذكرها القرطبي في التفسير، لا بأس بمعرفتها:

يقول: إن مالكًا رحمه الله يرى أن لحوم ذوات الأربع كالإبل والبقر والغنم والغزلان والظباء جنس، ولحوم ما في ذوات الريش من الطيور على اختلافها وتنوعها جنس، ولحوم ما في الماء من أنواع الحيتان جنس.

يقول: إن هذه ثلاثة أجناس، فلا يجوز أن تشتري لحم معز بلحم ضأن، ولا لحم بعير بلحم بقر إلا إذا كان يداً بيد وكان متساوياً في الكمية.

ويقول: ويجوز أن تشتري لحم الطير بلحم الغنم أو الماعز؛ لاختلاف النوع، هذا جنس وهذا جنس : ( فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم )، أما في الجنس الواحد فلا يجوز أبداً البيع إلا إذا كان يداً بيد والكمية والمقدار واحدًا، كما تشتري فضة بفضة، فلا بد أن تكون الكمية واحدة وأن يكون يدًا بيد، والذهب بالذهب كذلك، فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم.

أقول: الإمام مالك -وخالفه في هذا أبو حنيفة رحمهما الله تعالى- يقول: ذوات الأربع -كالإبل والبقر والغنم- يجوز أن تشتري بها لحم الطير متفاضلاً ونسيئة، لكن بيع هذه اللحوم من ذوات الأربع بعضها ببعض لا يجوز إلا يداً بيد والكمية والمقدار واحد.

وكذلك لحوم الطير، والطير أنواع متعددة، فلا تستطيع أن تشتري لحم حمامة بلحم عقاب وهما مختلفان في الكمية أو ليس يداً بيد.

الحيتان كذلك على اختلافها وتنوعها لا يجوز أن تشتري حوتاً بحوت إلى أجل أو مع زيادة في الكمية والمقدار، هذه مسألة فقهية استخرجوها من هذه الآية الكريمة.

قوله: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا [النحل:14]، والحلية: ما يتحلى به.

وهذه الحلية للنساء ليست للرجال، اللآلئ والجواهر كالذهب للنساء لا للرجال، وليس للرجل أن يتحلى إلا بخاتم الفضة فقط؛ وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صنع له خاتم من فضة مكتوب عليه: محمد رسول الله )، واتخذه خاتمًا يختم به الصكوك.

وتذكرون الصاحب الذي: ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أصبعه خاتم ذهب فنزعه ورمى به في الأرض، فقيل له: خذ خاتمك، قال: لا آخذه وقد رماه رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وعليه فلا يحل للرجل أن يتختم بخاتم الذهب، ولكن يحل له خاتم الفضة، أما النساء فيتحلين بما شاء الله أن يتحلين به من أنواع الذهب والفضة والجواهر واللآلئ، هذه الحلية التي يتحلى بها الإنسان وهي حلية النساء.

قوله: وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ [النحل:14]، تمخر ماء البحر، وتجتازه من إقليم إلى إقليم، تحمل البضائع والسلع.

لماذا هذا؟ قال: لتبتغوا من فضل الله عليكم، أرزاقكم وطعامكم وكسوتكم.

قوله: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:14]، الشكر -معشر المستمعين-: أن تعترف في نفسك بالنعمة وأن الله واهبها، ولكيفية الشكر مراتب:

أولاً: أن تعترف في نفسك أن هذه النعمة من الله عز وجل هو منعمها عليك.

ثانياً: أن تحمده بلسانك، فتقول: الحمد لله، وكلمة (الحمد لله) رأس الشكر، إذا قلت في أي نعمة: الحمد لله، فقولك: الحمد لله أعظم من تلك النعمة التي تراها عظيمة.

ثالثاً: أن تصرف النعمة فيما يرضي الله تعالى، أن تصرفها فيما يحب الله عز وجل، هذا هو الشكر للنعمة.

مثلاً: أنعم الله عليكم بنعمة السمع، قل: الحمد لله، أرأيت لو كنت أصم لا تسمع، من يهبك السمع؟ الحمد لله.. الحمد لله.

إذاً: اعترف بأن هذه النعمة من الله، هو الذي وهبك سمعك، واحمده بلسانك ولا تسمع بها وتستعملها فيما لا يرضي الله تعالى، إذا كره الله صوتاً من الأصوات فلا تسمعه أبداً، وأصوات الغيبة والنميمة والمزامير والأغاني من العواهر والنساء يكرهها الله عز وجل، فلا تستخدم هذه النعمة إلا فيما من أجله أنعم الله عليك.

إذاً: نعمة البصر نعمة، احمد الله عز وجل واعترف بأن الله هو الذي وهبك هذا البصر، ولا تنظر أبداً حيث لا يريد الله أن تنظر، كالنظر إلى النساء الأجنبيات: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، فشكر الله يقتضي ألا تنظر بهذا البصر إلى شيء حرمه الله عليك.

اللسان نعمة أم لا؟ من أجل النعم، أرأيت الأبكم لا يستطيع أن يفصح ولا أن يعرف عن شيء، هذه النعمة اعترف بأنها من الله، هو واهبها ومعطيها، يجب أن تشكره عليها، قل: الحمد لله، ولا تنطق بكلمة سوء يكرهها الله عز وجل ولا يريدها.

والدينار والدرهم كذلك، من وهبك هذا الدينار والدرهم؟ أليس الله؟ بلى. إذاً: فاحمده على ذلك، أكثر من الحمد لله، ولا تنفقه أبداً في معصية الله، بأن تشتري به ما حرم الله عز وجل، وبهذا تكون من الشاكرين: وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:14].

قال تعالى: وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [النحل:15]، من الذي أرسى هذه الجبال في الأرض؟ الملائكة لما رأتها احتارت: كيف هذا؟ وإنما كانت بأمر الله (كن) فيكون، هذه الجبال لولا أن الله أرسى بها الأرض بعد أن كانت تميد لسقط كل من على ظهرها.

من الذي ألقى هذه الرواسي هذه الجبال الشامخة الموجودة في كل أنحاء العالم؟ إنه الله، إذا لم تقل: الله فماذا تقول؟ هل تقول: أمي أو أبي؟

قوله: وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ [النحل:15] كراهة أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل:15]، والميدان والميلان معروفان، إذا كانت تميل وتضطرب لا يستقر عليها شيء.

وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [النحل:15]، الأنهار العذبة كالنيل والفرات ودجلة وأنهار العالم، من أوجد الماء الحلو هذا؟

لم لا نذكر من أوجده؟ ما هناك إلا الله الذي أوجده بما شاء من وسائل ووسائط، أوجده لمن؟ أوجده لعباده ليشربوا ويشكروا، فإنك لما تتناول كأس الماء يجب أن تعترف بأن هذه نعمة الله، وأن تقول: الحمد لله إذا شربت وفرغت، وأن لا تستخدم هذا لماء فيما يغضب الله عز وجل؛ لأنه نعمة.

وَسُبُلًا [النحل:15]، والسبل: الطرق في الأرض، من الذي مهد لنا الأرض وجعل لها طرقًا وعلامات -كالجبال والوهاد وما إلى ذلك- حتى نمشي إلى بيوتنا وإلى منازلنا في الشرق والغرب؟ من فعل هذا؟ هو الله.

وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [النحل:15] إلى ما تريدون الوصول إليه من بلد أو قرية أو مكان من الأمكنة، هذه كلها نعم الله.

قال تعالى: وَعَلامَاتٍ [النحل:16] تهتدون بها إلى منازلكم وبيوتكم، وإلى قراكم ومدنكم.

وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل:16]، وإن كان الجدي يطلق عليه النجم، إلا أن النجم عام في كل النجوم، قبل البوصلة البحرية كان ركاب السفن لا يعرفون أين يتجهون إلا بواسطة النجم فقط، والصحارى لا يعرف أهلها الطريق في الظلام أبداً إلا من طريق النجم، والاهتداء بالنجوم، فالذي يركب البحر في ظلام الليل كيف يعرف أنه يقرب من كذا أو يتجه إلى كذا، قد يتجه شرقاً وهو غرب، أو شمالاً وهو جنوب، لكن بالجدي وسائر النجوم يعرف أنه متجه إلى أي اتجاه، والذي يمشي في الصحراء في الليل وكلها ظلام كيف يعرف أنه في الجهة الفلانية؟ يهتدي بالنجم. فمن قدر على إيجادها سوى الله؟

بماذا نقابل هذه النعم؟ بم نقابلها؟ بكلمة: الحمد لله.. والشكر لله، ونستعملها فيما يرضي الله.

ثم قال تعالى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [النحل:17]، يا من يعبدون عيسى ومريم، يا من يعبدون عزيرًا، يا من يعبدون الأولياء، يا من يعبدون الأصنام والأحجار، يا من يعبدون الفروج والشهوات، نسألكم: هل خلقت هذه شيئاً من المخلوقات؟ الجواب: لا. إذاً: من خلق هذه المخلوقات؟ الله، فهل يسوى من يخلق بمن لا يخلق؟ كيف نسوي بالله مخلوقات والله هو الخالق لها ولا نعبده ولا نوحده؟!

هذه الآيات -يا معشر المؤمنين والمؤمنات- تغرس عقيدة التوحيد في النفوس، هل من يخلق كمن لا يخلق؟ من يطبخ الطعام كمن لا يطبخه؟ من يسوق السيارة كمن لا يسوقها؟ من يتكلم كمن لا يتكلم؟

الجواب: لا. إذاً: هل الأصنام التي تعبد والأحجار والرجال والنساء خلقت شيئاً؟

الجواب: لا، كيف تعبد إذاً؟ بأي حق يعبد غير الله؟ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل:17] فتهتدون وتعرفون، ولم يبق إلا كلمة: لا إله إلا الله، والله الذي لا إله غيره: إنه لا إله إلا الله، لا يوجد في الكون من يستحق أن يعبد بالدعاء والتضرع إليه، ولا بالحلف به، ولا بالذبح والنذر له، ولا بالرهبة منه ولا بالطمع فيه أبداً إلا الله وحده لا شريك له، والخليقة كلها مخلوقته وهو خالقها، وبيده أمرها، يعطي ويمنع، يعز ويذل، يرفع ويضع وهو على كل شيء قدير، لا يوجد في الكون أبداً من يستحق أن يعبد إلا الله، فليذكر المستمعون هذا، وليصححوا عقيدتهم؛ إذ من إخواننا من عاشوا على جهل يحلفون بغير الله: وحق فلان، هذا شرك في عبادة الله.

من هذا الذي تعظمه وتجعله في مستوى الرب تبارك وتعالى وتحلف به، وهو مخلوق معدوم مربوب، بعض إخواننا ما زالوا إذا وقفوا على قبر يدعونه إذا كانت عليه قبة أو يرون أنه من أولياء الله: يا سيدي فلان.. يا سيدي فلان، يناديه كالذي ينادي الله: يا رب يا رب.. يناديه: يا سيدي فلان .. يا سيدي فلان، والله يغضب بهذا ويسخط عليه وهو لا يدري.

من هو الذي تناديه في الظلام والضياء فيسمعك ويراك سوى الله عز وجل؟

لو تقف أمام قبر ألف سنة تناديه فوالله ما يجيبك أبداً ولا يسمعك، فكيف تسأله؟

لقد ورث العدو فينا الجهل وتسبب الجهل في الشرك فانتشر الشرك في العالم الإسلامي إلا من رحم الله عز وجل، صرفونا عن القرآن أبداً، أسألكم بالله: هل رأيتم جماعة يجلسون يدرسون كلام الله، يتدبرونه ويتفكرون فيه؟

الجواب: لا. لا يقرأ إلا على الميت فقط، هذا القرآن كيف يهمل؟! الذي يقرأ هذه الآيات أيبقى قلبه ينظر إلى غير الله رهبة أو رغبة؟ والله ما يبقى له إلا الله، وما يبالي بالخليقة كلها.

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [النحل:17]، هذا الاستفاهم تقريعي توبيخي، فلا والله إن من يخلق غير من لا يخلق، لا يستويان أبداً، فالله هو الخالق، والخليقة كلها مخلوقته وهو خالقها، فلا يوجد فيها ولا منها ولا بينها من يستحق أن يدعى مع الله أو يحلف به أو ينذر له النذور أو يحلف به أو يعظم بأي نوع من أنواع التعظيم التي هي حق الله عز وجل.

أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل:17] لتذكروا وتشكروا.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النحل (25) 4676 استماع
تفسير سورة النحل (4) 4024 استماع
تفسير سورة إبراهيم (9) 3712 استماع
تفسير سورة الحجر (12) 3626 استماع
تفسير سورة النحل (13) 3561 استماع
تفسير سورة إبراهيم (12) 3478 استماع
تفسير سورة النحل (16) 3378 استماع
تفسير سورة النحل (1) 3246 استماع
تفسير سورة الحجر (6) 3177 استماع
تفسير سورة النحل (8) 3075 استماع